اعتراف مشروط.. كيف فكرت الصين في التعامل مع “طالبان”؟
في ١٦ أغسطس خلال مؤتمر صحفي، أكدت المتحدث الرسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينغ، بأن الوضع في أفغانستان يشهد تغيرات كبيرة، وبكين تحترم رغبات وخيارات الشعب الأفغاني، وتتوقع من طالبان إقامة حكومة إسلامية منفتحة وشاملة وتتخذ إجراءات مسئولة لضمان سلامة المواطنين الأفغان والبعثات الأجنبية في أفغانستان، وكبح جميع أنواع الإرهاب والأعمال الإجرامية حتى يتمكن الشعب الأفغاني من الابتعاد عن الحرب وإعادة بناء وطنه الجميل. وفي ١٧ أغسطس، أجرى وزيري خارجية الصين والولايات المتحدة والصين وروسيا محادثات هاتفية، وأكدوا على أهمية التعاون الثلاثي في أفغانستان لمنع انزلاق الدولة إلى كارثة إنسانية وأرضًا خصبة وملاذًا للإرهاب.
اعتراف مشروط:
في ٢٠ أغسطس، أجرى مستشار الدولة ووزير الخارجية وانغ يي محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء البريطاني ووزير الشؤون الخارجية والتنمية لتبادل وجهات النظر حول الوضع في أفغانستان. أكد فيها انتقل القضية الأفغانية من الحل العسكري إلى مرحلة حرجة من التسوية السياسية، وركز على عدة جوانب تعكس الموقف الصيني تجاه الوضع الحالي، وهي:
(*) الأول: هو ما إذا كان بإمكان طالبان توحيد الشعب الأفغاني، وإنشاء هيكل سياسي منفتح وشامل يناسب ظروفهم الوطنية، وتبني سياسة معتدلة ومستقرة، وتجنب إثارة صراعات جديدة أو حتى حروب أهلية.
(*) والثاني: هو ما إذا كان يمكن لأفغانستان أن ترسم خطاً واضحاً بعيد عن الإرهاب، وتتخذ إجراءات صارمة ضد المنظمات الإرهابية المختلفة، وتتجنب أن تصبح مكاناً لتجمع الإرهابيين مرة أخرى.
(*) الثالث: هو ما إذا كان يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورًا بناء مع الاحترام الكامل لاستقلال وسيادة أفغانستان وإرادة الشعب، والانخراط في مزيد من الحوار مع مختلف طوائف الشعب وعدم التصرف نيابة عن أفغانستان أو استخدامها كساحة جيوسياسية. وهذا يساعد على الانتقال السياسي المبكر لطالبان وجميع الأحزاب والفصائل في أفغانستان، ويساعد على استقرار الوضع الداخلي في أفغانستان، ويساعد على الحد من تأثير اللاجئين والمهاجرين. وأكد أيضا على مساعي الصين لمواصلة لعب دور بناء في القضية الأفغانية على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية. وجاء الرد البريطاني على هذا، بأهمية تلخيص والاستفادة من التجارب والدروس بشأن القضية الأفغانية ومنع انزلاقها إلى بؤرة للإرهاب مرة أخرى، والتعاون الدولي لحل مشكلة اللاجئين الأفغان. كما رحبت بالتعاون مع الصين واستقبال ٢٠ ألف لاجئ أفغاني وزيادة المساعدات الإنسانية والتنموية لأفغانستان لدعم الأمم المتحدة في مساعدة الدول المجاورة على استقبال اللاجئين الأفغان.
الموقف الصيني تجاه صعود طالبان:
تظهر هذه المواقف بأن الحكومة الصينية تراقب الوضع الخطير في أفغانستان بدقة وحذر دون المساس بالمبادئ الأساسية لسياستها الخارجية، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة. فالصين لن تعسى للاعتراف بطالبان دون اعتراف شرعي من المجتمع الدولي ومؤسساته. وهذا يعتمد على قدرة طالبان في توحيد الصف الداخلي والإقليمي لكسب الشرعية الدولية والتخلي عن الأفكار المتطرفة ودعم المنظمات الإرهابية. وبالنظر إلى المجتمع الدولي، على سبيل المثال، حتى الآن، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس: “لن نعترف بنظام طالبان في الوقت الحالي”. كما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية عدة شروط مسبقة للاعتراف بنظام طالبان. وأوضحت روسيا بأنها حاليًا لا تفكر في الاعتراف بحكومة طالبان، ولا تزال تحافظ على علاقاتها مع الحكومة الأفغانية.
تأسياً على ما سبق، يمكن القول أن هناك ثلاثة تحديات تواجها طالبان، هم: المصالحة الوطنية، والتنمية الاقتصادية والاعتراف الدولي.
(&) بالنسبة للتحدى الأول (المصالحة الوطنية): فقد أشارت حركة طالبان إلى مصالحة سياسية أملا في إقامة حكومة إسلامية شاملة. ولكن لا يزال من غير المعروف ما إذا كان من الممكن تحقيق ذلك. فهي ليست مسألة تخص طالبان فحسب، بل تعتمد أيضًا على ما إذا كان بإمكان القوى السياسية المختلفة والمجموعات العرقية المختلفة والطوائف المختلفة تحقيق مطالبهم من خلال المفاوضات. فهناك ثلاث مجموعات عرقية رئيسية في أفغانستان. البشتون، هم في الأساس أكثر دعمًا لطالبان؛ والطاجيك، هم تحالف الشمال الأصلي، لكن موقفهم في الوقت الحالي، غير واضح، لكنهم لن يدعموا طالبان بقوة.
بل والأكثر إثارة للاهتمام هو الهزارة، مسلمون شيعة، وهم قلقون للغاية من تعرضهم للاضطهاد والقمع من قبل حركة طالبان السنية المتشددة، والهزارة مدعومون بدعم إيراني. وإذا لم تتمكن من تحقيق المصالحة الوطنية، فسوف يؤدي إلى مقاومة مسلحة ينخرط فيها قوى خارجية، مثل تركيا والهند.
(&) أما التحدي الثاني (الاعتراف الدولي): فهو يعتمد هذا على كيفية تعاملها مع الفكر الإسلامي من منظور الأيديولوجيا ونظام الدولة في المستقبل؟ فهذه هي القوة الروحية التي تمكنت طالبان من الحفاظ عليها على مر السنين، وهي أيضا مصدر شرعيتها. لكن في الوقت نفسه، سيكون للعالم الخارجي شكوك حوله أيضًا بسبب أيديولوجيته الإسلامية. تحتاج طالبان إلى إيجاد درجة مناسبة بين الحفاظ على شرعية أيديولوجيتها الإسلامية وبين إظهار رفقها وانفتاحها. كما أنها بحاجة أيضًا إلى تغيير صورتها على أنها متطرفة ومحافظة وحتى متورطة في قوى إرهابية في نظر العالم. ما إذا كان بإمكانها قطع العلاقات تمامًا مع القاعدة وكيفية الرد على التحدي المتمثل في تنظيم “الدولة الإسلامية” المتطرف. وعلى الرغم من اختلاف سياستها ودبلوماسيتها هذه المرة في عملية الاستيلاء على السلطة، والسعي لبناء علاقات جيدة مع الدول الكبيرة المجاورة والدول المجاورة، ومحاول كسب الأصدقاء، وتقليل الأعداء، وتقليل المقاومة للفوز بالسلطة. على سبيل المثال، سمحوا للبعثات الدبلوماسية الغربية والغربيين بالانسحاب بأمان عبر مطار كابول، هذا هي علامة تدل على الرغبة في تسهيل العلاقات مع الغرب.
والسؤل هنا الذي يجب طرحه تأسيساً على ما سبق، وهو: إذا تمكنت طالبان من إقامة حكومة مستقرة بعد وصولها إلى السلطة، فما هي الفوائد والمخاطر المحتملة للصين؟.
وهنا يمكن القول، إذا تمكنت طالبان من تحقيق الاستقرار في الوضع في أفغانستان، فإن التحدي الأول الذي يجب التعامل معه هو السماح أو التعامل مع عناصر “تركستان الشرقية” باستخدام أراضي أفغانستان لتشكيل تهديد داخل أراضي الصين في شينجيانغ.
(&) ويكمن التحدى الثالث في (التنمية الاقتصادية): فمسألة إطعام أكثر من 30 مليون شخص تبدو صعبة وتمثل تحدى كبير أمام “طالبان”. فقد أدت حروب العقود القليلة الماضية إلى تدمير الاقتصاد الأفغاني، وخلال السنوات العشرين الماضية، لم تحقق الحكومة الأفغانية الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة الكثير من التقدم الاقتصادي. على وجه الخصوص، الزراعة في حالة تدهور كبير، حيث يجب استيراد ثلث الغذاء في أفغانستان لإطعام الناس. وفي الوقت الحاضر، يتم استخدام مساحة كبيرة من الأراضي في المناطق الريفية في أفغانستان لزراعة الأفيون وإنتاج المخدرات، وإذا لم يتم حل هذه المشكلة، فلن تتمكن الدول المجاورة من قبولها.
ومن ناحية أخرى، تحتاج أفغانستان فعلاً إلى مساعدة خارجية. وفي هذا الصدد، أصدرت الحركة نبأ بالترحيب بالصين للاستثمار وضمان سلامة الأفراد المعنيين. وترى أن الصين يمكن أن يقدم له مساعدة كبيرة من خلال مشاريع البنية التحتية وغيرها في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، بالإضافة إلى انه إذا تمكنت الحركة من تحقيق الاستقرار الداخلي، فيمكن أن يمتد “الحزام والطريق” عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى أفغانستان، ويتصل بـ “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” عبر آسيا الوسطى، ويؤدي من أفغانستان إلى إيران وغرب آسيا. فالموقع الجغرافي لأفغانستان، يربط الصين بآسيا الوسطى وجنوب آسيا وغرب آسيا، وتحقيق هذا الارتباط مربح للجانبين للصين وأفغانستان. لكن الصين لن تتسرع في الاستثمار في أفغانستان بدون تحقيق الشروط الأساسية هذه.
والنقطة الهامة أيضا بالنسبة لبكين، هي ليس فقط الاستقرار وإنما الإيديولوجية. فلا يزال من الصعب عليها أن تحكم على نوع الأيديولوجية التي ستتبناها أفغانستان في المستقبل. فعلى الرغم من أن طالبان تُظهر الآن تغييرًا كبيرًا جدًا في الشؤون الداخلية والدبلوماسية مثل السماح للمرأة بالخروج والعمل وتلقي التعليم، وحتى قادة طالبان قد أجروا مقابلات مؤخرًا من قبل مضيفات على شاشة التلفزيون، ولكن لا تعتقد الصين بأن أيديولوجيتها الأساسية قد تغيرت كثيرًا، فقد يكون عرض الموقف الحالي مجرد نهج استراتيجي، وربما لم تتغير في جوهرها، ومن المستحيل تغيير الأصولية الإسلامية.
إن ما يخيف الصين، هو أن طالبان على الرغم من أنها لا تزال موحدة ككل، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن الإيديولوجية الدينية السنية المتشددة تبقيهم متحدين. ومع ذلك، فإن بعض الفصائل الداخلية، مثل شبكة حقاني التي أشرت إليها في السابق، هي فصائل مستقلة نسبيًا وستنخرط في أنشطة إرهابية خارجيًا. ووفقًا لنهج طالبان، فإن “تركستان الشرقية” التي تعتبرها الصين جماعة إرهابية هم إخوانهم من نفس الدين، وعليهم واجب حمايتهم وتوفير المأوى لهم. لذا في هذا الصدد، حتى لو طالبت الصين طالبان بعدم دعم “تركستان الشرقية”، فقد تستمر في استيعاب عناصر “تركستان الشرقية”. فقد لا يسمحون في استخدام “تركستان الشرقية” أو الانخراط في عمليات مناهضة للصين على أراضي أفغانستان، لكن قد يكون من الصعب عليهم تسليم عناصر “تركستان الشرقية” إلى الصين. فقد كان هذا هو الوعد الأول الذي قطعته عندما التقى ممثلو الحكومة الصينية مع زعيم حركة طالبان الأفغانية في عام ٢٠٠٠. ولكن المفتاح هو أن طالبان المركزية تقدم وعدًا، فهل ستلتزم فروعها المحلية به؟ هذه مشكلة. لأن طالبان ليست جماعة سياسية مركزية ومنضبطة للغاية. في الماضي، لم يتم تنفيذ الأوامر رفيعة المستوى لطالبان في أفغانستان بالضرورة من قبل فروعها المحلية المختلفة. لذلك، من أجل تحقيق طالبان للأهداف السياسية الموعودة ، يجب تحسين النظام التنظيمي، وبالنسبة للحركة، يعد هذا أيضًا تحديًا جديدًا للعلاقات الصينية الأفغانية.
في النهاية، يمكن القول إن الصين تراقب الوضع الداخلي بدقة وحذر شديد، وتركز اهتمامها على تأثير القوى المختلفة على الوضع في أفغانستان مع الانتباه إلى تصرفات الولايات المتحدة. كما أن أهم علاقة في الوضع الدولي اليوم، هي العلاقة الثنائية التي تشكلت بشكل مشترك بين الولايات المتحدة والصين، وأي حدث يحدث سينعكس في التفاعل بين البلدين.
لذلك، الصين في حالة تأهب للتخطيط الاستراتيجي والتغييرات وراء الإجراءات والأحداث في الولايات المتحدة. ويمكن القول بأن تحقيق السلام في أفغانستان، هو اتجاه الوضع الداخلي في أفغانستان، كما أنه يلبي توقعات منطقة آسيا الوسطى والمجتمع الدولي، بل واحتياجات المصالح الوطنية للصين، كقوة عالمية مسئولة ودولة مجاورة لأفغانستان.