كيف يرسم منتدى التعاون العربي الصيني آفاق العلاقات بين الجانبين؟
يصادف المؤتمر الوزاري العاشر لـ”منتدى التعاون العربي الصيني” في بكين يوم 30 مايو 2024، الذكرى العشرين لتأسيس منتدى التعاون، في ظل التوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة العربية والحرب الروسية الأوكرانية ونزاعات بحر الصين الجنوبي لاسيما بين الصين والفلبين وأيضا التوترات المتصاعدة على مضيق تايوان بين الصين وتايوان والحرب التجارية-التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، والتحالفات التي تقودها واشنطن في شرق آسيا لتقويض بكين مع الحملات الإعلامية ومساعي الإدارة الأمريكية لتعزيز مكانة تايوان على الساحة العالمية عن طريق محاولات فرض شرعيتها في المؤسسات الدولية، الأمر الذي يخالف الاتفاقات التاريخية بين بكين وواشنطن والقائمة على “دولة واحدة ونظامين”.
ويعد منتدى التعاون العربي الصيني منصة مهمة للصين والدول العربية لإجراء حوار جماعي وتعاون عملي. ويمثل الاجتماع الوزاري آلية التعاون الأعلى مستوى للمنتدى.
شراكة استراتيجية واعدة
منذ القمة الصينية العربية الأولى، حققت العلاقات الصينية العربية تعاونا مثمر في مختلف المجالات، حيث أقامت الصين شراكات استراتيجية أو شراكات استراتيجية شاملة مع 14 دولة عربية وجامعة الدول العربية. وتعد الجامعة العربية أول منظمة إقليمية ترحب مبادرة أمن البيانات العالمية التي أطلقها الرئيس الصيني شي جبين بينج، ووقع الجانبان مبادرة التعاون في مجال أمن البيانات. كما تعد الجامعة أول من أصدر بيانًا مشتركًا حول مبادرة الحضارة العالمية، وأول من وقع على وثيقة تعاون بشأن بناء تحالف مراكز الفكر.
وفي إطار التعاون المتعدد الأطراف في سياق منتدى التعاون العربي الصيني، تم إنشاء 19 آلية تغطي مختلف المجالات، وإصدار ما إجماليه 85 وثيقة ختامية من مختلف الأنواع، لتصبح نقطة انطلاق فعالة لتعزيز التعاون العملي بين الصين والدول العربية.
ومنذ عام2013 ، شهدت السياسة الخارجية للصين تحولات كبيرة مع قدوم شي جين بينج للسلطة، للتحول هويتها من دولة نامية كبري إلى دولة اشتراكية كبري قوية، مع إبراز الأيدولوجيات ذات الخصائص الاشتراكية الصينية على الساحة الدولية، وتنفيذ سياسة خارجية تجمع بين القوة الصلبة والناعمة في إطار إطلاق مبادرة البناء المشترك لـ “الحزام والطريق”، والتي تعد منصة مهمة للتعاون الصيني العربي، والتي وقعت عليها جميع الدول العربية.
وساهمت في تعزيز التعاون بين الجانبين على كافة المستويات، والتي تتمثل في إطار” ”1+2+3 الذي أعلنه الرئيس شي في كلمته الافتتاحية في المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون العربي الصيني في عام 2014، كدليل على دمج الدول العربية في مبادرة الحزام والطريق.
ويتمثل المحور الأول في مجال الطاقة الذي يعتبر الحجر الأساسي للعلاقات الصينية العربية، فلا تزال الصين تعتمد بشكل كبير على الشرق الأوسط للحصول على النفط الخام، على الرغم من محاولاتها المستمرة لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الحصول عليها. ولم يتغير هذا الاعتماد، حتى مع التحول السريع لصادرات الطاقة الخليجية نحو آسيا منذ عام 2013. فأكثر من ٥٠٪ من واردات الطاقة الصينية يأتي من الشرق الأوسط.
ويتضمن المحور الثاني التجارة والاستثمار والبنية التحتية، وقد أصبحت الصين شريك تجاري رئيسي للكثير من الدول العربية، حيث ارتفع حجم التجارة الصينية العربية من 36.7 مليار دولار عام 2004 إلى 398 مليار دولار أمريكي في عام 2023، وتجاوز حجم الاستثمار المباشر الصيني العربي 30 مليار دولار.
وفي يونيو من العام الماضي، وخلال المؤتمر العاشر لرواد الأعمال والندوة الاستثمارية الثامنة لمنتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد في المملكة العربية السعودية، وقعت الصين والدول العربية 30 اتفاقية اقتصادية وتجارية بقيمة إجمالية تزيد عن 70 مليار يوان.
وشهد مجال البنية التحتية، تعاونا قويا ومثمرا بين الجانبين، لاسيما المنطقة التجارية المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، ومصفاة تشونجشا التي تغطي مساحة تبلغ حوالي 5.2 مليون متر مربع على الساحل الغربي للمملكة العربية السعودية؛ وبناء أول شبكة 5G تجارية على مستوى الشرق الأوسط في الكويت؛ وربط الطريق السريع الجزائري بين الشرق والغرب البالغ طوله 1216 كيلومتر وغيرها من المشروعات.
فيما تضمن المحور الثالث الطاقة الجديدة والطاقة النووية والأقمار الصناعية الفضائية، حيث جلب التعاون في مجال الابتكار الأخضر مناخًا جديدًا بين الجانبين، ومنها مشروع الطويل لتحلية مياه البحر في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، كما تم الانتهاء من رفع الوحدة الأولى لمشروع طاقة الرياح بقدرة 500 ميجاوات في خليج السويس بمصر، وإنشاء مركز مكافحة الجفاف والتصحر وتدهور الأراضي بين الصين والدول العربية، ونقل التكنولوجيا والطاقة النظيفة والقمر الصناعي “بيدو” ومراكز أخرى، ناهيك عن دور “هواوي” المتزايد في المنطقة.
فعلى سبيل المثال، افتتحت في 15 مايو 2024 قمة رواد الأعمال الصينية الإماراتية والتي ركزت على الصناعات الساخنة مثل الابتكار الأخضر وأمن الطاقة، والابتكار التكنولوجي والاستثمار المالي والتحول الرقمي في صناعة التعليم، والترويج العملي لـ “ثمانية إجراءات مشتركة رئيسية” للصين والدول العربية لتعميق التعاون.
وقد عززت الدول العربية والصين في السنوات الأخيرة، التعاون في مجالات الشباب والدين والأحزاب السياسية والصحافة والتعليم والثقافة والصحة والإذاعة والسينما والتلفزيون، مثل مركز أبحاث الإصلاح والتنمية الصيني العربي وهو منصة للجانبين لتبادل الأفكار حول تجربة الإصلاح والانفتاح والحوكمة في إطار منتدى التعاون العربي الصيني، وآليات التبادل الثقافي في مختلف المجالات مثل الحوار بين الحضارات والأخبار والمدن، وتأسيس الصداقة الشعبية؛ و”مهرجان الربيع السعيد”، و”الجولة الثقافية لطريق الحرير الصيني العربي”، وزيارات “طريق الحرير الفني” في الصين.
كما تم تشغيل مركز تبادل الأخبار العربي وبوابة المكتبة الإلكترونية الصينية العربية رسميًا، وتدشين تحالف مراكز الفكر الصينية العربية ومركز النشر الثقافي الصيني العربي، مما أرسى أساسًا متينًا لتعرف الحضارتين بعضهما البعض.
وقد قامت الدول العربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتونس بدمج اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية. وهناك أكثر من 20 معهد كونفوشيوس في الدول العربية ومئات المدارس التي تقدم دورات اللغة الصينية. كما أن هناك مراكز ترجمة تقوم بترجمة من نشر العديد من الاعمال الصينية والعربية الهامة في مختلف المجالات. وفي بداية عام 2024، افتتح “معرض العلا: واحة شبه الجزيرة العربية المعجزة” في متحف القصر في بكين؛ وفي مايو، انطلق “معرض السرد: الآثار الثقافية السورية القديمة” في ناننينغ بمقاطعة قوانغشي؛ وأقيمت “قمة الأهرامات: معرض الحضارة المصرية القديمة” في شنغهاي.
آفاق التعاون الصيني العربي
تواجه الصين والعالم العربي في الآونة الأخيرة تصاعدا للتوترات الجيوسياسية، والتي تتطلب تعاونا مشتركا بين الجانبين. فالمنطقة العربية وما تشهده من استمرار حرب غزة وتصاعد التوترات في باب المندب وأيضا الحرب في السودان والأزمة الليبية المؤرقة والأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان وتصاعد التوتر بين “حزب الله” وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وأيضا النفوذ الإيراني المتزايد والمستفيد من تصاعد التوترات في المنطقة، وعلى الجانب الآخر، يشهد بحر الصين الجنوبي توترات متصاعدة بين الصين والفلبين من ناحية، ومضيق تايوان الذي يشهد تعزيزا عسكريا متزايدا وقويا من الجانب الصيني منذ بداية العام على وقع تأثير الانتخابات التايوانية على العلاقات الصينية التايوانية إلى جانب التدخلات الامريكية والتحالف التي تحاول تعزيزه مع دول المنطقة لتقويض الصين.
وقد أكد الجانبين الصيني والعربي على أهمية تعزيز المصالح السياسة من خلال الدعم السياسي المشترك، وأيضا إبراز موقف موحد ومشترك بشأن جميع هذه القضايا، مع الاستمرار في تعزيز التعاون في المجالات المختلفة.
وتتطلب التحديات الأساسية لمنتدى التعاون العربي الصيني بذل المزيد من الجهد والتي تتمثل في الدور الأمني للصين في المنطقة والذي لا يزال عند المستوى المعقول لكنه لا يقارن بحجم مصالحها المتزايدة في المنطقة، وأيضا عدم وجود تحالف وإجماع عربي على الكثير من القضايا التي تتعلق بالمنطقة والتي هي أحد الأسباب في عدم رغبة الصين للعب دور أمني متزايد في المنطقة، وعدم وجود ثقة سياسية في العلاقات بين الجانبين تتعلق بالتعاون التكنولوجي والعسكري والذي تهيمن فيه الولايات المتحدة ويعتبر معضلة تواجه الدول العربية التي تتطلع إلى بناء اقتصاد أخضر، كما تربط خطط التنمية الوطنية لها بالمجال التكنولوجي، ناهيك عن العلاقات الصينية الإيرانية. وهذه بعض التحديات التي يواجهها الجانبان والتي تتطلب شرح مفصل لتوضيح الأسباب.
وفي النهاية، سيواصل الجانبان تعزيز التعاون في إطار “1+2+3“، وستظل هذه التحديات مرهونة بمدى قدرة الدول العربية على تحقيق الاستقلال الاستراتيجي في علاقاتها مع الولايات المتحدة، وأيضا الحرب التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة ومدى قدرة الصين على تحقيق الاستقلال الذاتي في هذه المجال، بالإضافة إلى العلاقات العربية وكيفية بناء وحدة عربية مشتركة وسوق عربي مشترك، والذي سيدفع القيادة الصينية نحو تعاون أكثر ثقة خارج إطار “البراجماتية التجارية الصينية”.