هل مازالت شبكة اتصالات “حزب الله” في الحدود الآمنة؟

جاء الاختراق الأخير، كذلك تفجير أجهزة “البيجر”و”الأيكوم”، الخاصة بعناصر حزب الله، وما نتج عنهما،- بمثابة الضربة الأخطر  لشبكة اتصالات الحزب منذ بداية الأحداث، وتغيير قواعد الاشتباك حتى ولو من جانب إسرائيل. وعلي الرغم من تقدير البعض، بأن الاختراق يمثل ضربة قاسمة لشبكة اتصالات حزب الله، إلا أن آخرين، خاصة من الخبراء العسكريين، قللوا من تداعياتها، معتبرين أن الضربة لن تؤثر ميدانياً علي الحزب، وأن الاستهداف اقتصر على جزء بسيط من شبكة اتصالاته.

ووفقا للطرف الذي يقلل من تداعيات ضربات إسرائيل الأخيرة على شبكة حزب الله الاتصالية، يمكن القول إن عمليات إسرائيل الأخيرة على حزب الله، نجحت تكتيكيًا، لكنها لم تؤثر  علي بنية المقاومة، ولا قيادة الحزب وسيطرته. فالحزب لديه شبكة اتصالات متنوعة سلكية وأخري لاسلكية، ينتشر مداها بمعاقل حزب الله بلبنان، كما أن هناك تباين بين نوعية الأجهزة التي يحملها المسؤولين عن الشؤون المدنية وقطاع الخدمات كأجهزة ” البيجر” والذين لم يكونوا في مواقع عسكرية، وبين الأجهزة التي يحملها القيادة العسكرية والجهاز العسكري بالحزب.

تأسيسًا على ما سبق، ووفقا لرؤية الطرفين، يمكن طرح سؤال، هو: ما حجم التهديد الذي تتعرض له شبكة اتصالات حزب الله إذا تزايدت وتيرة الهجمات خلال الفترة المقبلة؟

شبكة معقدة:

وفقًا للمقربين يمتلك حزب الله، بنية تحتية متقدمة ومعقدة من شبكات الاتصال الثابتة والتي يعتبرها الحزب من منظومة حمايته الأمنية، تم تأسيسها في بداية التسعينيات- أي بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، هذه الشبكة وفقا للخبراء مثبتة بكابلات ألياف ضوئية تنتشر في معاقله. فخلال الـ 20 سنة الماضية، مد حزب الله شبكة “سلكية”بدائية تعمل تحت الأرض، وهي بديلة عن الهواتف، وتعد أكثر أماناً مقارنة بالشبكات العامة لأنها لا تعتمد علي الإنترنت أو الهواتف المحمولة، فهي تعتمد علي أساليب تقليدية في الاتصالات.

ووفقا لتصريحات قيادات “حزب الله” المنشورة خلال السنوات الأخيرة، فإن شبكته السلكية غير المعتمدة على الانترنت، لعبت دوراً رئيسياً في قتاله خلال الحرب الإسرائيلية علي لبنان عام 2006، حيث سمحت للحزب الحفاظ علي الاتصال بين قيادة الحزب ووحداته الميدانية عندما قطعت القوات الإسرائيلية الاتصالات الهاتفية الخلوية، ومن ثم فقد أثبتت فعاليتها خلال هذه الحرب. وتمتد شبكة حزب الله “السلكية”، وفقا للمراقبين من معاقله في الضواحي الجنوبية لبيروت إلي بلدات في جنوب لبنان وشرقاً إلي وادي البقاع، ويتم توفيرها للقيادات الرفيعة العسكرية والسياسية فقط. أما الأخرى “اللاسلكية”، فهي عبارة عن خطوط معلقة علي أعمدة الكهرباء في الشمال وبعض المناطق المسيحية في جبل لبنان، وقد طورها الحزب وجعلها تعتمد علي تقنيات متقدمة للتشفير  وحماية المعلومات للحفاظ علي سرية الاتصالات.

ووفقا للخبراء، فإن “حزب الله” كان يستخدم وسائل الاتصال بحسب الموقف والاحتياجات العملياتية قبل 7 أكتوبر2023، فعند استخدام الهاتف السلكي يتمتع الحزب بقدر أكبر من الأريحية، فيكون التواصل أكثر سلاسة ولا يتطلب تشفير معقد أو استخدام رموز، وهو ما يسهل نقل الأوامر والمعلومات بشكل مباشر وآمن. أما الأجهزة اللاسلكية فيستخدمها الحزب للتواصل الإجرائي والعملياتي مع الحرص الشديد علي تشفير الاتصالات لحماية المعلومات، كأجهزة “البيجر” اللاسلكية التي لا تعتمد علي الإنترنت، ولا تحتوي علي أنظمة تحديد المواقع.

حجم التهديد:

ذكر تقرير لـ”رويترز” أن ثلاثة مصادر من حزب الله، أكدوا أن من طرق تأمين شبكة الاتصالات الثابتة الخاصة بالحزب، هو استخدام الكلمات المشفرة للأسلحة، ومواقع الاجتماعات، وإنه يتم تحديثها بشكل يومي تقريباً، وتسليمها إلي الوحدات عبر البريد السريع. كما أكدت مصادر أخرى بالحزب أن متخصصي الاتصالات فيه، يقومون بتقسيمها إلي شبكات صغري للحد من الأضرار  إذا تم اختراقها في أي وقت، وفي هذا الإطار قال مصدر كبير بالحزب لرويترز ” كثيراً ما نغير شبكاتنا الأرضية، ونقوم بتبديلها حتي نتمكن من تجاوز القرصنة والتسلل “.

وبتتبع تصريحات المسئولين بالحزب، تلاحظ اعتماده علي شبكة اتصالاته الداخلية، كبديل عن الهواتف، وأنه انقطع بشكل شبه تام عن استخدام الإنترنت، خاصة بعد اشتعال الجبهة الجنوبية في أكتوبر 2023، فقد سعى الحزب حينها إلي تعزيز هذه الأساليب للاتصال لمواجهة المخاطر التي تعرض لها جراء تعقب أفراده وقياداته عبر أجهزة الهواتف الخلوية. ورغم من ارتفاع معدل الآمان في الشبكة “السلكية”، إلا أنه لا يمكن استخدامها من قبل جميع أفراد الحزب، فهي متوفرة فقط للقيادات العسكرية والسياسية، أيضاً فقام باستخدام بعض الأجهزة “اللاسلكية” كـ ” البيجر” والتي لا تحتاج للإنترنت، ولا تحتوي علي أنظمة تحديد المواقع، ووزعها علي العناصر والقيادات المدنية بالحزب.

وعلى الرغم من تأكيد “حزب الله” في السابق على ارتفاع معدل الآمان بخطوط اتصالاته، إلا أنه في أعقاب مقتل بعض القادة الكبار مثل ” فؤاد شكر” الذي تم اغتياله بعد تلقيه اتصالا عبر هاتفه بقصف صاروخي “بحسب وسائل إعلام غربية”،- كشف بالصدفة عن اختراق إسرائيل لشبكة اتصالاته الداخلية “اللاسلكية”، التي بعدها استهدفت إسرائيل بشكل غير متوقع أجهزة الاتصال التقليدية “اللاسلكية “، المستخدمة من قبل الجهاز المدني للحزب، وهو الأمر الذي دلل بطبيعة الحال علي قدرة الجانب الإسرائيلي في اختراق الشبكة ” اللاسلكية ” لحزب الله.

 ووفقا للمتخصصين، أنه رغم نجاح الهجمات الأخيرة من قبل إسرائيل، إلا أن اختراق أجهزة البيجر لم يتم بوسيلة سيبرانية، بل كان من خلال زرع مواد متفجرة قبل تسليمها لحزب الله “- بحسب صحيفة نيويورك تايمز، وهو ما يشير إلي أن هذا الاختراق ليس وليد اللحظة، بل كان معد له بشكل مسبق، وبفترة ليست بالقليلة، الأمر الذي من الممكن اعتباره يصب في صالح كفاءة تأمين شبكة اتصالات حزب الله، وصعوبة اختراقها، حيث يحتاج الإعداد لاختراقها إلي فترات زمنية طويلة، وعدة طرق بديلة عن الطرق السيبرانية. وعليه، يمكن القول إن اختراق أجهزة حزب الله اللاسلكية، يعنى أنه لم يتبقى لدي حزب الله سوي الشبكة “السلكية” من شبكة اتصالاته الخاصة، والتي يتبع الحزب طرقاً معقدة لتأمينها، كما أنها منقطعة تماماً عن الإنترنت، الأمر الذي يجعل من الصعب تعرضها للاختراقات السيبرانية ومحاولات التجسس.

ختاماً، يمكن القول إن هجمات إسرائيل الأخيرة على حزب الله، لا تعني حدوث تدمير واسع في شبكة اتصالات حزب الله، فالشبكة لا تزال في الخدمة،حيث لم يدمر سوي أجزاء منها فضلاً عن عدم تأثر كفاءة الوحدات القتالية والعسكرية للحزب بما حدث حتى وقتنا هذا. ويرى بعض الخبراء أن حزب الله، قد يعتمد مستقبلاً علي أساليب أكثر أماناً في التواصل عبر شبكات الاتصال “السلكية”، مؤكدين أن هذا يتوقف علي تقييمه الدقيق للأجهزة المتاحة لديه، ومدي فعاليتها ما قد يقلل من خياراته المتاحة للاتصال، كما أنه من الممكن أن يعتمد علي الأفراد والسعاة لنقل الرسائل المهمة بين قياداته عبر الرسائل التي تحتوي علي شفرات ورموز.  وعلى الرغم من حرص حزب الله وتأكيده على تأمين شبكة اتصالاته خلال الفترة المقبلة، إلا أن هذا لا يضمن تحقيق الحماية الكاملة لهذه المنظومة من ضربات إسرائيل، خاصة في حال التوجه الإسرائيلي لخيار الهجوم البري علي الجنوب اللبناني.

د. جهاد نصر

رئيس برنامج دراسات الجيوبوليتيك بالمركز- مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية جامعة ٦ أكتوبر، متخصصة في مجال الجيوبوليتيكس، وشئون الأمن الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى