الرسائل المستهدفة: تحليل مضمون لـ “خطابات الجولاني الـ4”

أحمد الشرع “الجولاني” هو ابن عم فاروق الشرع وزير الخارجية ونائب رئيس الجمهورية الأشهر في سوريا في عهد آل الأسد والذي اعتزل العمل العام منذ 2014 عندما ألقى باللائمة على نظام بشار في الفوضى المحتملة، وقد أدلى بتصريح مؤخرًا لقناة العربية قال فيه إنه “يرحب بالتغيير الذي حدث في البلاد من شمالها إلى جنوبها”. وُلد الجولاني أو الشرع عام 1982، ونشأ في حي المزة بدمشق وهناك مصادر أخرى غير مؤكدة تشير إلى أنه وُلد بالسعودية، كما تشير مصادر إعلامية أخرى أن عائلته تنحدر من الجولان.

وُلد الشرع في كنف عائلة ميسورة وبدأ دراسة الطب، وبحسب موقع ميدل إيست آي، “بدأت أولى علامات الجهاد تظهر في حياة الجولاني” بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة. و”بدأ بحضور خطب دينية واجتماعات سرية في ضواحي دمشق. وتوجه للقتال بعد غزو الولايات المتحدة للعراق، حيث انضم إلى تنظيم “القاعدة” تحت راية أبي مصعب الزرقاوي. واعتُقِل الجولاني عدة مرات من قبل الجيش الأمريكي.

وبعد تحريره من معسكر بوكا، انتقل الجولاني إلى سوريا وبدأ القتال ضد نظام الأسد، وذلك بدعم من أبو بكر البغدادي، الذي أصبح فيما بعد مؤسس تنظيم “داعش”. ويشار إلى أن لقب الجولاني قد اكتسبه نسبة إلى الجولان السوري المحتل من حرب يونيو 1967 وأن اسم “هيئة تحرير الشام” يشير إلى سوريا ومن المفترض أن تضم أيضًا فلسطين، رغم أن أهل سوريا يشيرون إلى دمشق بـ”الشام”.

وزادت شهرة الجولاني عندما أرسله البغدادي إلى سوريا لتأسيس فرع التنظيم في سوريا تحت اسم “جبهة النصرة”. وصنفت الولايات المتحدة “جبهة النصرة”، على قائمة المنظمات الإرهابية، وما زال هذا التصنيف قائمًا. وقد وضعت الحكومة الأمريكية مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن الجولاني يومًا ما. ومع اشتداد حدة القتال في سوريا عام 2013، تزايدت طموحات الجولاني؛ فقد تحدى دعوات البغدادي لحل جبهة النصرة ودمجها مع عمليات تنظيم “داعش” في العراق. ومع ذلك، أعلن الجولاني ولائه لتنظيم “القاعدة”.

وفي أول مقابلة له في عام 2014، قال الجولاني في حديث لقناة الجزيرة إنه “يرفض المحادثات السياسية التي كانت تجري وقتها في جنيف لإنهاء الأزمة السورية”. وقال الجولاني في تلك المقابلة إن “هدفه تطبيق الشريعة الإسلامية”. ومنذ انفصال تنظيمه عن القاعدة عام 2016 – وفقًا لمركز التحليلات البحرية الأمريكي- يحاول الجولاني تغيير صورته وتقديم نفسه في مظهر أكثر اعتدالًا. ونقلت فرانس برس عن المتخصص في التنظيمات الإسلامية في سوريا توما بييريه قوله: “إنه متطرف براجماتي”.

الجولاني زعيمًا
أصبح الجولاني الآن الزعيم الفعلي لأكثر من 23 مليون سوري وعدة ملايين من اللاجئين السوريين الذين يعيشون خارج بلادهم، والذين سيرغب الكثير منهم بالتأكيد في العودة إلى ديارهم الآن بعد رحيل الأسد. والمتابع للجولاني يجد أنه نادرًا ما يجري مقابلات مع وكالات الأنباء الغربية، ولكن يوم الخميس الموافق 5 ديسمبر 2024، تحدث مع جمانة كرادشة من شبكة سي إن إن، وفي تلك المقابلة، بذل الجولاني قصارى جهده لإبعاد نفسه عن التنظيمات الإرهابية السنية مثل “داعش” و”القاعدة”، قائلًا: “إن الناس الذين يخشون الحكم الإسلامي إما أنهم رأوا تطبيقات غير صحيحة له أو لا يفهمونه بشكل صحيح”، وحاول طمأنة الأقليات العلوية والمسيحية في سوريا قائلًا: “لقد تعايشت هذه الطوائف في هذه المنطقة لمئات السنين، ولا يحق لأحد القضاء عليها”.

كما قال الجولاني، إنه “نضج منذ أن كان يقاتل الأمريكيين في العراق قبل عقدين من الزمان.. الشخص في العشرينات من عمره سيكون له شخصية مختلفة عن شخص في الثلاثينيات أو الأربعينيات، وبالتأكيد شخص في الخمسينيات من عمره”.
وفي هذا السياق، من الصعب تقييم صدق تصريحات الجولاني المهدئة وما قد تعنيه على المدى الأبعد، على الرغم من أن رجاله لم يرتكبوا مذابح طائفية على غرار “داعش” عندما استولوا على المدن السورية، وهو ما جعل الولايات المتحدة، تعلق وتقول سيكون المؤشر الإيجابي أيضًا هو إذا ساعد الجولاني في العثور على أوستن تيس، الصحفي الأمريكي الذي اختفى في سوريا قبل اثني عشر عامًا والذي قال الرئيس جو بايدن يوم الأحد إنه يعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة وهو الأمر الذي حدث بالفعل.
حديث من المسجد الأموي:
ليس من المستغرب أن يختار الجولاني المسجد الأموي في دمشق – ولم يختر استوديو تلفزيوني، ولا قصر رئاسي، لكي يدلي بأول حديث للشعب السوري بعد دخوله دمشق، وهو مكان ذو أهمية دينية شاهقة يبلغ عمره 1300 عام، وهو أحد أقدم المساجد في العالم – لإيصال رسائله ذات الأبعاد المتعددة. ونشير هنا إلى أن المسجد الأموي يحوي قبر النبي يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان عند المسيحيين)، ويقال أيضًا أن به المياه التي قام النبي يحيى بتعميد السيد المسيح بها ولذلك قام بابا الفاتيكان بزيارة المسجد خلال زيارته لسوريا.
وفي المسجد الأموي حرص الجولاني على تقديم نفسه للمجتمع السوري والإقليمي والعالمي على نحو مغاير بداية من المظهر الخارجي “الشكل”، من خلال تهذيب لحيته وإظهارها على نحو عصري،  وليس على النمط الجهادي المعروف لدى العامة. وهنا نجد تفسيرات وفق الأيديولوجيا التي يتبناها المحلل، ويعتنقها المتابع للأمر، والتي ينبغي علينا أن نتعرض لها جميعًا. ووفق الرؤية الأولى، هناك من يرى استمرارية النهج الجهادي والإقصائي وحرصه على التحدث من المسجد وإرجاع النصر للجهاديين والأمة الإسلامية، حيث قال: “هذا النصر، يا إخواني، هو انتصار للأمة الإسلامية بأكملها”، مما يعني عدم اكتراثه بمفهوم الدولة الوطنية، ونفي دور الثوار من أبناء الشعب السوري عامة. في حين يرى البعض أن الحديث من المسجد الأموي يعطي برسالة إنه مسلم سني في دولة ذات أغلبية سنية ولابد أن يعود الحكم للسنة. ويراها آخرون أنها رسالة مبطنة إلى إيران بأن الدولة الأموية وحضارة الشام مستمرة، وهي التي سيطرت وطردت إيران الشيعية من الأراضي السورية. كما يرى بعض المختصين في شأن الحركات الإسلامية أن ثمة تغيرًا ملحوظًا في لغة النهج الجهادي في خطاب الجولاني وميله إلى استخدام لغة معتدلة في الحديث. كما لا ننسى أن المسجد الأموي به قبر النبي يحيى عليه السلام وبما يعني أنها رسالة أيضًا للأقلية المسيحية في سوريا تعكس حرصه على احترام حقوق المسيحيين السوريين. أما الرأي الأرجح فإنه يميل إلى الحذر في التفسير والتأويل وعدم استباق الحكم قياسًا بلغة خطاب الخميني في إيران و”الإخوان المسلمين” في مصر في بداية الحكم، وهو الأمر الذي ما لبث أن شهد تغيرات جذرية على الأرض.

رسائل متعددة الأوجه:
من تحليل مضمون كلمات الجولاني يمكن أن نستنبط أنه يسعى إلى إقصاء إيران وتقديم رسالة بأن تدخلهم ووصولهم السهل إلى حزب الله في لبنان قد انتهى، وأن دعمهم لـ”حزب الله السوري” قد انتهى، وإن لم يتفوه بهذا على نحو صريح ومباشر ولكن هذا ما تثبته مجريات الأمور على الأرض. وفي ذات الوقت هي رسائل إلى كل من تل أبيب وواشنطن، حيث يبذل الجولاني قصارى جهده في سباقه إلى دمشق للتأكد من أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وحتى الرئيس المنتخب دونالد ترامب يعرفان نواياه وأفعاله.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يختار شبكة تلفزيونية أمريكية، سي إن إن، وليست عربية، لإجراء مقابلة مهمة في الأيام التي سبقت إطاحته بالأسد، مدعيًا أنه انفصل عن الجهاديين الآخرين بسبب تكتيكاتهم الوحشية. وفي حديثه بعد بضع ساعات، قال بايدن إنه “سمع الجولاني، يقول الأشياء الصحيحة، لكنه أصر على أنه يجب أن يُحكم عليه من خلال أفعاله”. وكانت رسالة الجولاني موجهة أيضًا إلى القوى الإقليمية التي سيحتاج إلى إبقائها إلى جانبه، وأضاف الجولاني أيضًا بأن: “سوريا يتم تطهيرها”، في إشارة إلى سمعة البلاد الإقليمية كدولة مخدرات، قائلًا إن “سوريا الأسد، أصبحت المصدر الرئيسي في العالم للكبتاجون”، وهو عقار من نوع الأمفيتامين، والجريمة في جميع أنحاء المنطقة.

كما أن عدم إدلائه بأي حديث تعليقًا على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الأراضي السورية تعكس درجة عالية من البراجماتية في سلوكه السياسي، وأن السياسة في شخصيته باتت تتغلب على النغمة الدينية وشعارات الموت لإسرائيل وبالروح بالدم نفديك يا أقصى، إدراكًا منه بأن السياق الإقليمي والدولي لا يسمح له بغير السكوت وعدم التعليق وعدم خلق جبهة من أي نوع مع إسرائيل. ومن ثم فإن الخطوات القادمة ومدى قربه أو بعده من إسرائيل ستكون حاسمة في بقائه من عدمه كزعامة في سوريا، وإذا ما ستكون تلك الزعامة مؤقتة انتقالية أم ستستمر لحين وجوب قرار بالتخلص منه مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل عملت على القضاء على البنية التحتية العسكرية للجيش السوري.

تحليل السلوك السياسي وفق المنهج التاريخي المقارن:
ولكي يتم تحليل شخصية الجولاني ومضمون حديثه فنحن بصدد عدة مناهج ومنها المنهج التاريخي المقارن لنماذج مشابهة وقريبة من فكر ونهج الجولاني في التاريخ المعاصر. وعلى سبيل المثال وضعت طالبان نفسها في موقع المتسامح والمعتدل قبل أن تستولي على كل أفغانستان في صيف عام 2021، وهي تحكم الآن بقبضة من حديد معادية للنساء تمامًا كما فعلت في آخر مرة كانت في السلطة قبل هجمات 11 سبتمبر 2001. وعندما استولى تنظيم “داعش” الإرهابي على جزء كبير من العراق قبل عقد من الزمان، قمع كل مجموعة عرقية ودينية مختلفة معه. لذا، فإن معاملة الجولاني للعلويين والمسيحيين الذين يحكمهم الآن ستكون مؤشرًا مهمًا على ألوانه الحقيقية.
وكذلك فعلت الثورة الإيرانية في بدايتها؛ حتى أن الخميني نفسه أمر بتدريس اللغة العربية في المدارس الإلزامية لأول مرة في تاريخ الدولة الفارسية وبدأ بالتوجيه بإلزامية احترام الشيخين أبو بكر وعمر “رضي الله عنهما” وضرورة أن يسبق اسمهما بكلمة “جناب”؛ أي محترم بالفارسية، رغم أنه وصفهما بـ”صنمي قريش”، وهو الأمر الذي ما لبث أن تبدد وتغير إلى تهديد الدول المجاورة وإنشاء الحرس الثوري وتصدير الثورة إلى الخارج بنص الدستور الإيراني. وقد حدث ذلك أيضًا مع “الإخوان” في مصر والذين انتهوا بالعمل على إصدار الإعلان الدستوري والإصرار على أخونة الدولة المصرية، ومن ثم فإن المنهج التاريخي المقارن ليس في صالح هذه التجربة ويحكم عليها بعدم الاطمئنان أو الترحيب ويوجب معه الحذر والقلق والخوف من تحول الدولة إلى دولة فاشية دينية.

وفي المقابل، يعطي المنهج التاريخي أيضًا بعض الأنماط المتطرفة التي تغيرت بالفعل، ولكن من الملاحظ أن جميعها قد تغير ورجع إلى صوابه بعد أن خفت عنه الضوء والقوة، أي توبة الضعف والوهن.
تحليل الجولاني وفق فرويد:
اعتمادًا على الوعي واللاوعي أو تأثيرات العقل الباطن والإيجو والسوبر إيجو والهوية وأيضًا وفق مبدأ “الحتمية السيكولوجية” وإرجاع الأحداث لضرورة وجود علة، وأهمية السنوات الأولى في عمر الإنسان؛ فإن تحليل فرويد لا يمكن أن يتنبأ بتغير جوهري في سلوكيات الجولاني على نحو يجعله ذو نهج ديموقراطي لأنه أقرب للأنماط الباطنية التي تظهر عكس ما تبطنه، ولذلك فإن الزمن والأفعال تعد حاكمة للتعرف عما إذا كان التغير الذي أبداه الجولاني حقيقية من العقل الباطن واللاوعي أما أنها بترتيب العقل والعقلانية الظاهرة التي تعمل على إظهار النفاق السياسي والبراجماتية التي ما تلبث أن تتحول عندما يتمكن من ذلك.

وفي سياق متصل فإن عنصر الزمن ليس بيده في ضوء البيئة الاستراتيجية الأمنية الإقليمية والدولية وهو ما قد يجبره على تقديم تنازلات لإسرائيل حتى يتم قبوله، أما إذا ترك وزهد في الحكم ورتب بالفعل لعملية انتقال لسلطة مدنية في سوريا، هنا يكون قد استطاع أن ينجو بنفسه من الفخ وأن يظهر نموذجًا جديدًا بالفعل قد يساعد حتى الأجهزة الأمنية على دراسة النموذج وإدراك إمكانية التغير لنماذج متطرفة.
تحليل وفق مبدأ السياق والأوضاع الراهنة
وفي هذا التحليل، يدرك الجولاني ببراجماتية عالية أن السياق الإقليمي والدولي الذي مكنه بشكل أو بآخر هو الذي يمتلك مجريات الأمور، وأنه لابد من التماهي مع هذا السياق نوعًا ما -حتى لو كان اللاوعي والتاريخ يقولان عكس ذلك- ومن ثم يبدأ في تفكيك “هيئة تحرير الشام” وتنظيم حمل السلاح وإعطاء ظهره لإيران ومن بعدها روسيا ومد يده تجاه إسرائيل للتأثير على الإدارة الامريكية لقبولها بهذه التغيرات ومدى تبنيها له كنموذج جديد بالمنطقة ورفع اسمه من قائمة الإرهابيين. ويعتمد ذلك أيضًا على مدى حصوله على دعم مالي واقتصادي ومن ثم يبدأ ظهور نموذج جديد يتم طرحه والتسويق له للاعتراف الدولي. ورغم وجود تحديات لهذا النموذج مثل عدم وجود شخصية مثل “بريجينيسكي” الذي شجع نمو الأيديولوجيات الدينية المتطرفة كخط دفاع أولي وضروري في عام 1979 لوقف التمدد السوفيتي. ورغم تحديات سوريا الجيوبوليتيكية المعقدة، إلا أنه يظل سيناريو وارد وغير مستحيل.
الجولاني وعلم النفس السياسي
في كتاب “علم النفس السياسي”، يقدم دايفد باتريك هوتون نمطين أساسيين من المقاربات لفهم السلوك السياسي الإنساني: أوّلهما مقاربة موقفية تعدّ البيئة أو الموقف المحيط بالفرد، أكثر أهمية في تشكيل سلوكه أو دوره في المجال العام من نزعاته أو خصائصه الشخصية أو انتمائه الحزبي؛ أمّا الأخرى فهي المقاربة النزوعية التي ترى أنّ شخصية الفرد وما لديه من اعتقادات وقيم أو حتى موروثات جينية، أكثر تأثيرًا في هذا المضمار. بل يمكن، على العموم، النظر إلى السلوك السياسي على أنّه حدث مدفوع بأسباب داخلية أو مؤثرات خارجية، أو بمزيج من هذين النوعين. وبتطبيق هذا على حالة الجولاني نجد أن هذا التحليل يعطي حالة تعادلية ما بين الموقف والنزعة وما بين البيئة المستحدثة والموروثات الجينية ويفتح المجال إلى وزن نسبي متساوٍ ما بين احتمالية استمراره في نهج المتطرف، واحتمالية إجراء مراجعات فكرية، ولكنه على الأرجح ستغلب عليه اللهجة الإسلامية في خطاباته لأنها سبيله في التأثير على أنصاره وجعل كلمته هي الأعلى في تجمعات مسلحة متناقضة. وفي هذا السياق لابد من تشريح حياة الجولاني لمعرفة فترات الإحباط والعدوانية والنرجسية في حياته ومدى تواجدها من عدمه، ونسبة وتأثير تواجدها -إن وُجدت- فضلًا عن علم نفس العنصرية ومدى ممارسته له خلال فترات انضمامه للتنظيمات الإرهابية وقبلها وتحليل درجة التسلطية وتأثيرها على سلوكه النفسي والسياسي.

وختامًا، لا شك أننا أمام نموذج جديد وليس له سابقة في الشرق الأوسط، لشخص تدرج في التنظيمات الإرهابية واكتسب خبرات فريدة في إدارتها ولديه مهارات الكر والفر والمواجهة والمناورة وفي نفس الوقت سليل أسرة بها احتكاكات مباشرة بعالم السياسة والحكم، وهو أمر مكّنه من إدارة محافظة في سوريا وباتفاق إقليمي ودولي، واستطاع أن يطيح بنظام قد تجاوز العقد الخامس من عمره وهو يحكم سوريا وبرعاية من أطراف إقليمية ودولية ويترأس جماعات مسلحة وبينها تناقضات كبيرة ما بين علمانية وإسلامية وانفصالية، ومن ثم فهو شخصية ثرية تتطلب تسليط الضوء عليها أكثر وأكثر وإن كانت الأطراف الإقليمية والدولية قد استطاعت أن تُحكم لجمه، فإن ذلك لا يعني أنها قد لا تفقد السيطرة عليه. ولكن في نفس الوقت فإن وجوده في إدارة دولة تجعله أضعف من وجوده على رأس تنظيم إرهابي، فلكل منها قواعد لعبة مختلفة وهو أثبت مهارة في الثانية ويراهن عليه في الأولى. وتظل النظرية الأقرب في تحليل تلك الشخصية هي نظرية السياق والوضع الراهن في ضوء براجماتيته وقد تحول من شخص إرهابي مطارد إلى زعيم دولة، وهذا أمر لا ينبغي إغفاله في تحليل قدراته على التحول والتغير.

د. مصطفى عيد إبراهيم

خبير العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الإماراتية، وعمل كمستشار سياسي واقتصادي في سفارة دولة الإمارات بكانبرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى