الانعكاسات الـ3: كيف تفكر إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي؟
أثارت تصريحات السفير الإثيوبي السابق بروك هايلو، جدلاً واسعاً على الساحة السياسية الإفريقية والدولية، حيث وصف الخبير الاستراتيجي لرئيس الوزراء الإثيوبي، أبعاد مخطط إثيوبيا لتقسيم والاستيلاء على أراضي في الصومال وإريتريا والسودان، مشيرًا إلى أن إثيوبيا تريد عمل منطقة عازلة داخل الصومال، والاستيلاء على أراضي بها، كما كشف عن قيام إثيوبيا بتدريب آلاف الانفصاليين الصوماليين، معتبرًا إياهم الذراع العسكري الذي سيساعد إثيوبيا في سيناريو الحرب المحتملة.
ومن الجدير بالذكر أن منطقة القرن الإفريقي تعرف بتعقيداتها الجيوسياسية والعرقية والدينية، حيث تضم دولًا تواجه تحديات داخلية وصراعات حدودية عميقة. ومن هذه الدول الصومال، السودان، وإريتريا، إلى جانب إثيوبيا، التي تمثل أحد أكبر اللاعبين في المنطقة. في هذا السياق، يعد تصريح السفير الإثيوبي السابق، حول المخطط الإثيوبي، هو خطوة مثيرة للقلق، ويمكن أن تكون لها تداعيات كبيرة على استقرار المنطقة بأكملها.
وبناء على ما سبق، سيتناول هذا التحليل التأثيرات المحتملة لهذا المخطط على دول القرن الإفريقي من الناحية السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية.
طموحات إثيوبيا في الصومال:
تعتبر الصومال دولة ذات وضع غير مستقر تاريخيًا نتيجة الحرب الأهلية التي بدأت منذ عام 1991، حيث تعاني من صراعات داخلية بين الفصائل السياسية والمسلحة إلى جانب تهديدات متكررة من تنظيمات متطرفة مثل حركة شباب المجاهدين، لذا تسعى إثيوبيا إلى السيطرة على العديد من المناطق في الصومال لخدمة أهدافها الجيوسياسية بالتواجد الفعال على ساحل البحر الأحمر مهما كلفها الأمر، وعدم الرضوخ لشروط الدول الساحلية التي تقوم إثيوبيا بالاعتماد عليها فى حركة التجارة سواء بالتصدير والاستيراد، كما تسعى لإنشاء “منطقة عازلة” داخل الصومال، وهو ما يعتبر خطوة تحمل أبعادًا متعددة ، منها إدعاء إثيوبيا بأن عزل هذه المنطقة يهدف إلى حماية حدودها من التهديدات الإرهابية أو الانفلات الأمني في الصومال، وهو تفسير يمكن أن يستخدم لتبرير التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال.
كذلك تسعى إثيوبيا إلى السيطرة على بعض المناطق فى الصومال، الأمر الذي قد يتسبب في تفاقم التوترات بين البلدين، لا سيما في ظل التعقيدات القبلية والمناطقية في الصومال، هذا قد يؤدي إلى نشوء صراعات جديدة بين الحكومة المركزية الصومالية والفصائل المحلية التي قد ترى في هذا التدخل انتهاكًا للسيادة الوطنية.
أما عن التداعيات السياسية، فإن تنفيذ هذا المخطط سيضع الصومال في موقف أكثر هشاشة، حيث قد يؤدي إلى تعزيز دور إثيوبيا كلاعب رئيسي في الشؤون الداخلية للبلاد، ما قد يعمق حالة الانقسام الداخلي، في الوقت نفسه، قد تستفيد التنظيمات المتطرفة مثل “حركة الشباب” من هذا الوضع، حيث يمكنها تقديم نفسها كمدافع عن السيادة الوطنية ضد التدخل الإثيوبي.
طموحات في السودان:
السودان وإثيوبيا لديهما تاريخ طويل من التوترات الحدودية، خاصة في مناطق مثل “الفشقة” التي تعتبر نقطة نزاع مستمر، فالسودان الذي يعاني من اضطرابات داخلية منذ فترة طويلة، قد يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع إثيوبيا، إذا سعت الأخيرة لتنفيذ خططها التوسعية.
وفقا للمراقبين، تسعى إثيوبيا إلى الصراع على الأراضي الخصبة، حيث تعتمد بشكل كبير على الزراعة، إلى تأمين مزيد من الأراضي الزراعية الخصبة مثل منطقة الفشقة، على سبيل المثال، تعتبر من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في المنطقة. فالسيطرة على هذه الأراضي، تمنح إثيوبيا ميزة اقتصادية استراتيجية، خاصة فيما يتعلق بالاستثمار في القطاع الزراعي بالتعاون مع بعض الدول الإقليمية.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن توسيع النزاع الحدودي مع السودان له العديد من الانعكاسات السياسية التى قد تؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقات الثنائية بشكل كبير، فالسودان التي تعاني من تحديات داخلية، قد يجد نفسه في موقف لا يسمح له بمواجهة إثيوبيا بشكل فعال، مما قد يؤدي إلى تقديم تنازلات سياسية أو قبول واقع جديد يفرضه الجانب الإثيوبي.
وبالتالي، قد تدفع هذه التوترات بالسودان إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية، كذلك توسيع دوائر علاقاته مع دول أخرى في المنطقة، تعتبر إثيوبيا خصمًا استراتيجيًا، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في التوترات الإقليمية.
طموحات فى إريتريا:
تعتبر إريتريا من الدول التي لديها تاريخ طويل من الصراعات مع إثيوبيا، منذ استقلالها في عام 1993، وبالرغم توقيع اتفاقية سلام بين البلدين في عام 2018، إلا أن العلاقات لا تزال هشة، توسع إثيوبيا في إريتريا أو محاولتها السيطرة على مناطق معينة فيها،- قد يعيد إحياء الصراع بين البلدين.
وفقا للمحللين، فإن إثيوبيا تسعى فى إطار مخططها للوصول بمنفذ بحري إلى البحر الأحمر،- إلى وجود قاعدة عسكرية لها، تساعدها فى بسط نفوذها على الإقليم، وفى حال فشل مخططها فى الصومال، فهي تسعى إلى السيطرة على مينائي عصب ومصوع، باعتبارهما المنفذين التاريخين اللذان اعتمدت عليها إثيوبيا طول فترة احتلالها للأراضي الإريترية وحتى الاستقلال.
وبالتالي، فإن محاولة إثيوبيا للسيطرة على أراضٍ في إريتريا، سيمثل استفزازًا كبيرًا للحكومة الإريترية، وهو ما قد يؤدي ذلك إلى إعادة إشعال الصراع الذي دام لسنوات بين البلدين، هذا الصراع قد يؤدي إلى تداعيات كارثية، لا سيما في ظل التاريخ الدموي بين البلدين.
أما من ناحية الأوضاع الداخلية، فمن المعروف أن إريتريا تعاني من عزلة دولية واقتصادية كبيرة، ويحكمها نظام سياسي صارم، لذا فإن أي تهديد خارجي من إثيوبيا قد يؤدي إلى تعزيز قبضة النظام الإريتري على السلطة من خلال استخدام “الخطر الخارجي” كوسيلة لتبرير القمع الداخلي.
تداعيات متنوعة:
من المحتمل أن يؤدي تنفيذ إثيوبيا لمخططاتها التوسعية في القرن الإفريقي، إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي بشكل كبير، فالدول المعنية تعاني بالفعل من تحديات داخلية كبيرة، وهذا التدخل الإثيوبي قد يؤدي إلى إشعال مزيد من الصراعات الحدودية والنزاعات المسلحة.
ويرجح أن يكون لهذا الصراع المحتمل، تأثيرات سلبية على دول الجوار مثل جيبوتي، التي قد تجد نفسها محاصرة بين العديد من القوى المتصارعة، وهو ما سيكون له العديد من التداعيات السياسية والاقتصادية؛ فمن الناحية السياسية، قد تجد جيبوتي نفسها مضطرة للانحياز لأحد الأطراف المتنازعة، مما قد يؤثر على علاقتها مع دول الجوار والقوى الدولية التي تعتمد على موانئها الاستراتيجية، كما أن تصاعد التوترات قد يضعف دورها كدولة محايدة ومستقرة في إقليم يعاني من اضطرابات، مما يهدد بتراجع مكانتها السياسية الإقليمية.
أما من الناحية الاقتصادية، فتعتمد جيبوتي بشكل كبير على تدفقات التجارة الدولية عبر موانئها، التي تعتبر شريانًا حيويًا لإثيوبيا ودول أخرى، وبالتالي فإن اندلاع الصراع قد يؤدي إلى تعطيل حركة التجارة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع تكلفة تأمين الحدود والبنية التحتية. كما أن موجات اللاجئين والنزوح ستفرض ضغوطًا إضافية على موارد البلاد المحدودة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
كما أن إحدى النتائج المحتملة للمخططات الإثيوبية، هي تعقيد النزاعات المائية في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بنهر النيل، حيث قد تزيد هذه التوترات من صعوبة التوصل إلى حلول دبلوماسية فيما يخص سد النهضة، مما قد يؤدي إلى تصعيد أكبر بين إثيوبيا ومصر والسودان.
وفي هذا السياق، يمكن أن تتدخل القوى الدولية الكبرى، مثل الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، والصين، من أجل حماية مصالحها في المنطقة، وبالتالي قد يتحول التنافس بين الدول الكبرى في منطقة القرن الإفريقي إلى صراع بين هذه الدول، ومن ناحية أخرى فقد تسعى هذه القوى إلى تقديم حلول دبلوماسية لتجنب اندلاع صراع أوسع قد يؤثر على التجارة الدولية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، خاصة وأن هذه المنطقة من أهم المناطق التى تشرف على حركة التجارة الدولية، خاصة حركة البترول القادم من الخليج إلى أوروبا.
الانعكاسات الـ3:
انعكاسات محتملة للطموح الإثيوبي ومخاطرة في منطقة القرن الإفريقي، يمكن تحديد ثلاث منهم على النحو التالي:
- 1. زيادة الفقر والهجرة: النزاعات الحدودية، خصوصًا في مناطق مثل الفشقة فى السودان، أو أرض الصومال فى الصومال، قد تؤدي إلى تهجير أعداد كبيرة من السكان المحليين، مما يزيد من أزمة اللاجئين في المنطقة، والتى تشهد بالأساس أكبر موجه من اللاجئين شهدها العالم فى العقود الأخيرة، كما أن استمرار النزاعات سيؤثر سلبًا على الاقتصادات المحلية للدول المشار إليها فى تصريحات السفير الإثيوبي، مما يعزز الفقر ويزيد من تبعية هذه الدول للمساعدات الخارجية.
- 2. تعميق الانقسامات العرقية والدينية: التوسع الإثيوبي في الصومال أو السودان أو إريتريا قد يؤدي إلى تعزيز الانقسامات العرقية والدينية في هذه الدول، مما يزيد من احتمالية اندلاع حروب أهلية جديدة. على سبيل المثال، النزاعات العرقية بين قبائل الأورومو والأمهرة داخل إثيوبيا قد تنتقل إلى دول الجوار إذا ما تم استغلالها من قبل جهات خارجية.
- 3. التداعيات البيئية: السيطرة على الأراضي الزراعية، قد تؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية في المنطقة، مما يزيد من التحديات البيئية التي تواجهها دول القرن الإفريقي بالفعل مثل تغير المناخ، والنزاعات البشرية، اللتان قد يؤديان إلى تدهور البيئة وزيادة التصحر والمجاعات.
وختامًا، يمثل المخطط الإثيوبي للاستيلاء على أراضي دول الجوار في القرن الإفريقي، تهديدًا خطيرًا لاستقرار المنطقة. فالتوسعات الإثيوبية المحتملة، قد تزيد من تفاقم النزاعات الحدودية، وتصعيد التوترات السياسية والعسكرية بين إثيوبيا وجيرانها، مثل الصومال والسودان وإريتريا. هذه التوترات يمكن أن تشعل صراعات جديدة أو تعيد إحياء نزاعات قديمة، ما يهدد بانفجار صراعات إقليمية واسعة النطاق.
تأثيرات هذه التحركات لن تكون مقتصرة على الجوانب العسكرية والسياسية فقط، بل ستمتد إلى البنية الاجتماعية والاقتصادية لدول القرن الإفريقي. فالسيطرة على الأراضي الزراعية والمناطق الحدودية، من المحتمل أن يؤدي إلى نزوح واسع للسكان المحليين، مما يزيد من أزمة اللاجئين ويعمق من الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي. كما أن التدخلات الإثيوبية قد تؤدي إلى تعزيز نفوذ الجماعات المسلحة والمتطرفة التي قد تستغل هذا الوضع لتعزيز مواقعها.
على الصعيد الإقليمي، ستؤثر هذه النزاعات على التوازنات والتحالفات السياسية بين دول المنطقة، مما يزيد من فرص التدخلات الخارجية من قوى عالمية تسعى لحماية مصالحها الاستراتيجية. وعليه، سيكون لاستمرار هذا التصعيد تأثيرات كارثية على استقرار القرن الإفريقي، ما يتطلب تحركًا عاجلًا نحو الحلول الدبلوماسية.