كيف تتصرف الدول التي تخترق صواريخ إيران وإسرائيل مجالها الجوي؟
أكدت تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق “إيهود باراك” فيما يتعلق بتأخير الرد الإسرائيلي علي إيران، قائلاً إن الرد يرتبط في المقام الأول بالتنسيق ليس مع واشنطن فقط، ولكن أيضاً مع دول المنطقة التي يشكل مجالها الجوي الممر الرئيسي للطيران الإسرائيلي في اتجاه إيران، حيث عبر بقوله “إسرائيل لا تستطيع إعادة ترتيب الشرق الأوسط بمفردها، وأن الرد الإسرائيلي، ربما يستغرق عدة أيام، فهناك الحاجة إلي التنسيق مع الدول المجاورة، حيث لا يمكن الوصول إلي إيران دون مساعدة دولتين مجاورتين أخريين بالمنطقة “.
تأسيسا على ما سبق، نطرح سؤال حول مدي احتمالية موافقة دول الجوار الإيراني علي السماح بعبور الطائرات الإسرائيلية عبر مجالها الجوي في اتجاه إيران، ومدي مشروعية ذلك؟
فعل ورد فعل:
شنت إيران مساء الثلاثاء الأول من أكتوبر 2024، هجوماً بمئات الصواريخ الباليستية علي مدن إسرائيلية، تلتها صافرات الإنذار في مختلف أنحاء إسرائيل، بما في ذلك القدس، ووقتها أغلق المجال الجوي لإسرائيل، وهرع الإسرائيليين إلي الملاجئ للاحتماء من الصواريخ. ولقد أخذت الهجمات الإيرانية علي إسرائيل مساراً جغرافياً من خلال بعض الدول التي أصبح مجالها الجوي ممراً للصواريخ الإيرانية حتى أصبحت هذه الدول أطراف معنية بتلك الهجمات وتداعياتها، ولكن وقفت الجغرافيا حينها عائقاً أمام فعالية هذا الهجوم الإيراني وعدم تمكنه من الوصول إلي بعض أهدافه بالأراضي الإسرائيلية بنجاح، حيث تم التصدي للصواريخ الإيرانية التي أطلقتها إيران باتجاه إسرائيل من خلال بعض الدول التي ساهمت في التصدي لتلك الهجمات الإيرانية من أجل الحفاظ علي سيادتها وحماية أمنها ومواطنيها.
وعلي الجانب الآخر، فإن الرد الإسرائيلي بتنفيذ هجوم جوي علي إيران لن يكون باليسير، فمن المحتمل أن تقف الجغرافيا مرة أخري عائقاً أمام الصواريخ والطائرات الإسرائيلية التي ستتجه إلي الأراضي الإيرانية في ظل وجود العديد من الاعتبارات الجغرافية لدول الجوار الإيراني، خاصة بعد التحذير الإيراني لدول المنطقة من التورط في الصراع والنأي بنفسها عن المعركة.
معوقات الرد:
ينص مبدأ ” عدم التدخل في شئون الدول” في ضوء قواعد القانون الدولي، علي أن الدولة لابد ألا يتم استخدام إقليمها “البري أو البحري أو الجوي” علي أي نحو فيه انتهاك لسيادة دولة أخري واستقلالها السياسي وسلامتها الإقليمية، وإلا ستصبح مخالفة لقواعد القانون الدولي. عليه، فإذا سمحت الدول المجاورة لإيران باستخدام إسرائيل مجالها الجوي ضد الأراضي الإيرانية، ستصبح بذلك مخالفة للقانون الدولي وظهورها بصورة الدول المتدخلة في الشئون الداخلية للدول والمهددة لاستقلال وسيادة إيران بجانب إسرائيل، الأمر الذي يفسر موقف الدول العربية المجاورة لإيران، حيث شددت علي حيادها في الصراع وعدم السماح لإسرائيل باستخدام المجال الجوي لتوجيه هجمات ضد إيران. وفي هذا السياق، صرح مصدران لـ “رويترز” بأن دول الخليج قد سعت إلي طمأنة طهران بشأن حيادها في الصراع بين إيران وإسرائيل، خاصة وسط مخاوف من تصعيداً أوسع قد يهدد منشآت النفط بالمنطقة.
بالإضافة إلي نفي الأردن لفتح مجالها الجوي أمام إسرائيل للهجوم علي إيران، ومع التأكيد علي هذا الموقف من دول الجوار الإيراني علي حيادها في هذا الصراع رأي بعض المحللين أنه طالما أعلنت تلك الدول الحياد فمن حقها أن تمنع طائرات الدول المتحاربة من التحليق في المجال الجوي التابع لها، حيث تؤكد قواعد القانون الدولي علي سيادة الدول المطلقة علي أجوائها الوطنية ومنع اختراقها من قبل أي طرف دون أن يكون هناك تنسيق مسبق، الأمر الذي يؤكد عليه مبدأ السيادة المطلقة للدولة علي إقليمها الجوي، فللدولة وحدها الحق في تحديد الوضع القانوني لاستخدام إقليمها الجوي مع مراعاة المبادئ والقواعد المنصوص عليها في المعاهدات الدولية والقانون الدولي .
وعلى ما سبق، فإنه في حال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة ضد إيران عن طريق اختراق المجال الجوي لتلك الدول المجاورة لها بدون موافقتها المسبقة، سيعد ذلك مخالفاً للأعراف الدولية وأحكام القانون الدولي، ويكفل لها حق الرد علي ذلك الاختراق وفقاً لقواعد القانون الدولي الذي لا يرتب أية مسؤولية علي الدول في الدفاع عن سيادتها وفقاً لقواعد الاشتباك المتعارف عليها دولياً، والتي تقضي بإنذار الطائرة الأجنبية الحربية التي تقوم بمهام عسكرية والمخترقة للأجواء 3 مرات متتالية لانسحابها قبل استهدافها عسكرياً من قبل الدولة المخترقة وإسقاطها. بالتالي لا يحق للدولة مالكة الطائرة أن تحتج علي استخدام القوة من قبل الدولة التي تم اختراق مجالها الجوي، كذلك يمكن للدولة التي تم اختراق مجالها الجوي سواء بالطائرات الحربية أو الصواريخ دون أن يكون هناك اتفاق أو تصريح بينها وبين الدولة المخترقة، أن تقوم بتقديم شكوى إلي مجلس الأمن الدولي لتوثيق سلوك تلك الدولة المعتدية علي سيادتها.
وعلي الرغم من ما سبق، فقد جاء تصريح لبعض الخبراء العسكريين أوضح من خلاله أن هناك نوعين من المجال الجوي،- الأول يكون للدولة،- والثاني المجال الأعلى وعليه فحين تمر الصواريخ الباليستية تكون في المجال الأعلى، وبالتالي من غير الممكن أن تكون الصواريخ لحظة عبورها ضمن المجال الجوي للدولة، خاصة وأن غالبية الدول العربية يصل ارتفاع مجالها الجوي حوالي 4 كم، والصواريخ الباليستية تطير في ارتفاعات أكبر من ذلك في المجال الأعلى للدولة، فالمشكلة هنا تكمن في التصدي لهذه الصواريخ من قبل إحدى أطراف الصراع فوق الدولة المخترقة، حيث يقع هناك انتهاك سيادتها لأن استهدافها فوق أراضيها يؤدي إلي سقوطها بداخلها، وهو ما تحاسب عليه تلك الدولة التي قامت بالتصدي، ولكن علي الرغم من ذلك نجد أن مهما كان ارتفاع الصواريخ لمسافات عالية ليس لهذا أي قيمة قانونية طالما انتهكت سيادة المجال الجوي للدولة ويحق للدولة المخترقة الرد .
وختاماً، نجد أن الهجمات التي يقوم بها أطراف الصراع المباشر سواء أكانت إسرائيل أو إيران وأذرعها المختلفة لا تعني تلك الأطراف فقط، فهناك جغرافيا للهجمات تجعل من بعض الدول الأخرى أطرافاً معنية ومؤثرة في مسار الصراع، ولو بصورة غير مباشرة. فاستخدام أطراف الصراع للمجال الجوي لتلك الدول لشن هجماتهم، قد يواجه العديد من العراقيل، ويزيد من خطورة المشهد وحدة التصعيد، وهو ما ننتظره في الأيام القادمة، خاصة في ظل انتظار الجميع للرد الإسرائيلي علي إيران في أي لحظة، واحتمالية دخول أطراف جديدة بالمشهد إذا سمحت بفتح مجالها الجوي للرد الإسرائيلي ضد إيران.