هل ينجح “الغزواني” في إجراء حوار ليبي؟
زار وفد رفيع المستوي من الاتحاد الأفريقي العاصمة طرابلس يومي 11 و 15 من أكتوبر الجاري، وعقد الاتحاد اجتماعين منفصلين بالعاصمة طرابلس، في محاولة لاستكمال جهود مواصلة حشد الدعم لصالح ملف “المُصالحة الوطنية”، ومناقشة الأطراف الليبية لميثاق المُصالحة الذي يواجه عراقيل عدة، تمهيدًا لإجراء الانتخابات، وكان من المقرر أن يتم التوقيع علي الميثاق بشكل مبدئي خلال حفل رسمي في مقر الاتحاد بأديس أبابا في منتصف أكتوبر الجاري قبل أن يتم تأجيله إلي فبراير 2025، وفي المقابل أعربت سلطات طرابلس حرصها علي تحقيق مسار المُصالحة، فهل يتمكن الاتحاد من جمع كافة الأطراف الليبية الرئيسية المتنازعة علي طاولة المفاوضات؛ لتحقيق “المُصالحة الوطنية”، وإنهاء المرحلة الانتقالية، وتوحيد المؤسسات؛ للتمكن من إجراء الانتخابات المتعثرة منذ عام 2021.
أهمية الزيارة:
تأتي زيارة وفد الاتحاد الأفريقي استكمالاً للجهود المبذولة منذ فبراير 2024؛ وللتمكن من عقد مؤتمر “المُصالحة الوطنية” الذي كان من المقرر عقده في أبريل الماضي بمدينة سرت؛ ولكن لم يكتمل، لذلك يحاول الاتحاد من خلال زيارته للعاصمة طرابلس معالجةالآتي:
(*) مناقشة الأطراف الليبية لميثاق المُصالحة: جاءت زيارة الاتحاد الأفريقي بقيادة الرئيس الحالي للاتحاد “محمد ولد الشيخ الغزواني” لمواصلة جهوده لتوقيع ميثاق “المصالحة الوطنية الليبية”، حيث عقد اجتماعين منفصلين بالعاصمة طرابلس في 11 أكتوبر الجاري، إحداهما مع رئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” الذي أكد خلال الاجتماع “أنه ليس طرفًا من أطراف الصراع في ليبيا”، مؤكدًا على تواصله مع الأطراف كافة، مشيرًا إلي حرصه علي تحقيق مسار المُصالحة، وتعزيز الشراكة الوطنية بين الليبيين، والاجتماع الثاني، عُقد مع “عبدالحميد الدبيبة” الذي أكد علي رغبته في إنهاء المرحلة الانتقالية؛ للتمكن من إجراء الانتخابات عبر أساس قانوني نزيه.
وفي ذات السياق، أكدت زيارة وفد الاتحاد الأفريقي على استمرار دعمه المتواصل لليبيا، والتزامه بمسار المُصالحة، من أجل الحفاظ على وحدة وسيادة ليبيا واستقرارها في مواجهة التحديات الخارجية؛ للوصول للمُصالحة الوطنية والتنمية المستدامة” حسب وصفه. كما أعلن الوفد عقب محادثاته مع سلطات طرابلس عن إجراء مشاورات مماثلة مع القيادة العامة للجيش ورئاسة مجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه في مدينة بنغازي، وذلك خلال أسابيع قليلة، وممثلي الأطراف المشاركة في الاجتماعات التحضيرية للمُصالحة الوطنية.
(*) تقريب وجهات النظر: تأتي زيارة الاتحاد الأفريقي بهدف حلحلة الأزمة السياسية الليبية المتعثرة، وذلك من خلال توحيد الأطراف الليبية وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة؛ للتمكن من إجراء حوار ليبي بمشاركة جميع الأطراف لعقد مؤتمر “المُصالحة الوطنية الليبية” الذي تعطل بسبب تزايد الخلافات السياسية بين الشركاء، ممثلين في السلطة التنفيذية بطرابلس والمجلس الأعلى للدولة، والخصوم الممثلين في جبهتي غرب ليبيا وشرقها، والحد من إضاعة الوقت في الفترات الانتقالية؛ لتمكين ليبيا من عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتعثرة منذ عام 2021.
جهود سابقة محدودة:
تعد الزيارة استمالاً لجهود تمد لأكثر من عامين، حيث شهدت أكثر من مدينة ليبية عقد اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المُصالحة، التي يرعاه المجلس الرئاسي، ويحاول الاتحاد الأفريقي لعب دور الوساطة بين الأطراف الليبية المتنازعة، وكانت قد اتفقت لجنة الاتحاد في وقت سابق عقب قمة “برازافيل” الكونغولية في 7 فبراير الماضي علي عقد مؤتمر المُصالحة الوطنية الذي يتولاه الاتحاد في 28 أبريل الماضي بمدينة سرت، بقيادة المجلس الرئاسي؛ ولكن لم يتم عقد المؤتمر؛ نتيجة حدوث عدة أمور أدت إلى فشل انعقاده، أهمها تراجع رئيس المجلس الرئاسي “محمد المنفي” عن ضم قتلي وجرحي قوات الجيش إلى “هيئة الشهداء” ونتج عن هذا القرار انسحاب ممثلي القيادة العامة للجيش الوطني عن المشاركة في ملف المُصالحة، فضلاً عن عدم التزام المنفي بتشكيل “المفوضية الوطنية العليا للمُصالحة”، التي أصدر قرار تأسيسها في مايو 2021، بالإضافة إلى وضع تيارات أخري شروط مسبقة قبل المشاركة؛ الأمر الذي أدي إلى عرقلة انعقاد المؤتمر. وفي المقابل رأي بعض المراقبين أن جهود الاتحاد الأفريقي محدودة وغير قادرة على التوصل للحلول المرجوة. كما تم دعوة أعداد كبيرة للمشاركة في المؤتمر ليس لديها أي تأثير أو ثقل على الأطراف المتصارعة.
تحديات راهنة:
يرجع السبب في تعقيد الأزمة السياسية الليبية، وعرقلة إتمام مؤتمر “المُصالحة الوطنية الليبية” في عدة تحديات، يعد من أبرزها:
(&) التدخلات الخارجية: تسبب موقع ليبيا الجغرافي الاستراتيجي المتميز في شمال أفريقيا، في جعلها عرضه للتداخلات الخارجية التي تمثل التحدي الأكبر في الداخل الليبي منذ عام 2011 وحتى الآن، حيث أدت التدخلات إلى حدوث فوضي سياسية، وصراعات داخلية نتج عنها تصلب موقف الفرقاء الليبين، الأمر الذي عمق من حجم الانقسامات الداخلية، وجعل ليبيا منطقة نفوذ للدول الغربية، خاصة وأن القوي الدولية تلعب بشكل أو بآخر دور مهم في دعم طرفي الصراع، ولا شك أن التدخلات الأجنبية تعيق كل محاولات توحيد مؤسسات الدولة والمضي نحو تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتعثرة.
فعلي سبيل المثال، تحاول الولايات المتحدةالأمريكية التموقع في الغرب الليبي، كمنافس للدولة الروسية المتفاعلة في المنطقة الشرقية، هذا بالإضافة إلى منافسة الصين التي تحاول أن تلعب دور اقتصادي في ليبيا من خلال إحياء رغبتها القديمة المتمثلة في التعاون في تشغيل ملف النفط. ومما سبق، فإن شكل التدخلات الخارجية تنوع ما بين الدعم العسكري لبعض الفصائل الليبية، فضلاً عن التدخل السياسي من قبل بعض الدول الكبرى والمنظمات الدولية للتأثير على العملية السياسية الليبية، إضافة إلى تصدير السلاح إلى الأطراف المتحاربة في البلاد، كما تستغل بعض الدول الأزمة لتأمين مصالحها الاقتصادية من خلال الاستثمار في قطاع النفط والغاز الليبي الذي يعد من أكبر الاحتياطات في العالم، ومن ثم تقوم الدول بتوسيع نفوذها في ليبيا مستغلة الأزمة. وعليه، فإن التدخلات الخارجية تزيد من صعوبة الوصل إلى حل دائم ومستدام للصراع.
(&) الانقسامات السياسية: تشهد ليبيا انقسامات سياسية حادة بين مختلف الفصائل السياسية والمسلحة ناتجة عن غياب الثقة بين الأطراف المختلفة، لذلك من الصعب التوصل إلى توافق شامل بين كافة الأطراف، خاصة في ظل سعي حكومتي البلاد (الأولي في الشرق مكلفة من البرلمان ويرأسها “أسامة حماد”، والثانية في الغرب بقيادة “عبدالحميد الدبيبة” وهي منبثقة عن اتفاقيات سياسية رعتها الأمم المتحدة) إلي تحقيق مصالحها، حيث يرفض الدبيبة تسليم السلطة إلا عبر إجراء الانتخابات المتعثرة؛ نتيجة لحسابات شخصية بين ساسة البلاد متمثلة في حصولهم علي مزيد من السلطة والبقاء في مناصبهم، الأمر الذي يشكل تحدي كبير أمام توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية تحت سلطة تنفيذية واحدة، مما يعرقل أية جهود للمُصالحة.
(*) هشاشة الوضع الأمني: تمثل الأوضاع الأمنية الهشة في ليبيا عائقًا، حيث تعاني العديد من المناطق من النزاع المسلح والاشتباكات بين الجماعات المسلحة، خاصة في غرب ليبيا، كما شهدت منطقة تاجوراء شرقي العاصمة طرابلس اشتباكات مسلحة في أغسطس الماضي، الأمر الذي يعيق فرص عقد المؤتمر، وقد يؤدي إلى تفشي العنف.
(*) الأزمة الاقتصادية: تعاني ليبيا من أزمة اقتصادية تؤثر بشكل كبير على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، حيث انخفض إنتاج النفط في البلاد من 1.6 مليون برميل قبل الأزمة إلى 640 ألف برميل عام 2014؛ بسبب الصراعات السياسة، ولكن شهد تحسن في الفترة الأخيرة، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إنتاج النفط إلى 1.5 مليون برميل يوميًا بحلول 2026، ويتطلب ذلك معالجة الضغوط الأساسية على سعر الصرف. الأمر الذي يجعل من الصعب على الأطراف المتنازعة تجاهل المشاكل الاقتصادية الحرجة أثناء محاولة بناء المُصالحة، إذ تحتاج ليبيا لرؤية اقتصادية واضحة للمستقبل.
(&) ضعف دور الاتحاد الأفريقي: منذ سنوات لم يتمكن الاتحاد الأفريقي من جمع كافة الأطراف الرئيسية على طاولة الحوار، وخاصة ممثلي القيادة العامة للجيش الليبي، وممثلي المجموعات المسلحة في غرب ليبيا، فضلاً عن غياب رؤية واضحة للاتحاد، كما لا يمتلك الاتحاد وسائل للضغط تساعده علي جبر جميع الأطراف الليبية المتنازعة على التفاوض لتسوية الأزمة، إضافة إلى عدم قدرة الاتحاد علي منع تدخل الأطراف الخارجية عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، لذلك لابد وأن يلعب الاتحاد الأفريقي دور أكثر فاعلية في عملية “المُصالحة الوطنية”، ولا يقتصر دوره على عقد الاجتماعات البروتوكولية واستضافة بعض الشخصيات؛ لكي يتمكن من إتمام مؤتمر المُصالحة بحضور كافة الأطراف.
تأسيسًا على ما سبق، فأن عقد مؤتمر “المُصالحة الوطنية” الذي يمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يتوقف على عدة عوامل، أهمها: المصالحة السياسية بين الأطراف الليبية المختلفة للجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى اتفاق شامل، يسهل من إجراء الانتخابات، فضلاً عن الحاجة إلى ممارسة المجتمع الدولي للضغوط على الدول المتداخلة في شؤون البلاد لمنع تدخلاتها من أجل تقدم مسار المُصالحة الوطنية، ومن ثم تحقيق الاستقرار الأمني في البلاد. كما يمثل عامل التباين الثقافي والقبلي تحدي مهم ويجب أن يؤخذ في الاعتبار عند إجراء مشاورات المُصالحة مع الأطراف المتنازعة، خاصة وأنه قد يؤدي إلى صراعات جديدة.
وختامًا، يمكن القول إن عقد مؤتمر “المُصالحة الوطنية” يواجه تحديات عدة تعرقل من إتمامه ولابد من معالجتها أولاً، لذلك فإن الأزمة الليبية بحاجة إلي بذل الاتحاد الأفريقي لمزيد من الجهود، خاصة وأن دوره محدود وعلاقاته ليست فاعلة مع جميع الأطراف الليبية، فضلاً عن ضرورة وجود إرادة سياسية قوية من جانب الأطراف المتنازعة لتوحيد الجهود وتغلب المصلحة الوطنية للبلاد علي مصالحهم الشخصية، خاصة وأن الحل بيد الليبين أنفسهم، بالإضافة إلى تكثيف دعم المجتمع الدولي للجهود المبذولة لتحقيق مُصالحة شاملة ومستدامة، ومن ثم تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي وتوحيد المؤسسات، للانتقال الديمقراطي للبلاد، وإجراء الانتخابات البرلمانية والتشريعية المتعثرة.