كيف تفاعلت الصين مع أجندة حوار شانجريلا 2024؟
يأتي حوار شانجريلا في المرتبة الثانية بعد ميونيخ، كمؤتمر مهم في مجال الأمن الدولي، وعلى الرغم من أن ميونيخ منتدى رفيع المستوى، إلا أن حوار شانغريلا أصبح بمثابة اجتماع لجميع الأطراف لمعرفة كيف ستتنافس الصين والولايات المتحدة.
وخلال اجتماع هذا العام، ترأس وزير الدفاع الصيني دونغ جون الوفد الصيني وألقى خطابًا رئيسيًا، شرح فيه مفهوم الأمن العالمي للصين وموقف الصين بشأن القضايا الإقليمية الساخنة مثل بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان. ويعد الاجتماع أيضًا أول اجتماع بين وزيري دفاع الصين والولايات المتحدة منذ عام 2022. ويمكن القول إن الأجواء هذا العام أفضل من ذي قبل، لاسيما وأن الحدث الأكبر هو الاجتماع بين وزيري دفاع البلدين بعد استعادة العلاقات بين الجيشين الصيني والأمريكي، التي أعلنت بكين تعليقها بعد زيارة بيلوسي إلى تايوان.
والأهم أيضًا، هو خطاب وزير الدفاع الأمريكي الذي عكس الانخفاض الكبير في الخطاب الليبرالي الأمريكي المتعلق بالنظام والقواعد، وهذا يعزى إلى الموقف الأمريكي غير الأخلاقي من حرب غزة، الذي كسر وانتهك جميع الأعراف والقوانين الدولية، وضرب بجاذبية القوة الناعمة للولايات المتحدة في العالم، وأيضًا كشف عن ضعف السياسة الامريكية في منطقة الشرق الأوسط، فالخطاب عكس لغة التردد والقلق والتحفظ في استخدام الكلمات الأيديولوجية.
بالنظر إلى الأمر الآن، على الرغم من وجود اختلافات كثيرة بين الصين والولايات المتحدة، إلا أن هناك قضية واحدة حيث يكون لدى الجميع نفس الموقف، وهو أنهم لا يريدون الصراع، فقد قال وزير دفاع الولايات المتحدة لويد أوستن في اجتماع العام الماضي وهذا العام: “الحرب مع الصين ليست وشيكة، وليست حتمية”.
الحرب الروسية الأوكرانية
على مدى العام الماضي أو نحو ذلك، أدت التغيرات التي طرأت على الوضع الدولي إلى ارتفاع كبير في مكانة الصين. ولنأخذ والموقف الصيني من الصراع الروسي الأوكراني كمثال، فقد وضعت أوروبا توقعات كبيرة على الدور الذي تلعبه الصين بعد اندلاع الصراع، وهو ما يعكس أيضًا صعود مكانة الصين الدولية.
ويمكن أن نرى من هذا الحوار بين وزيري الدفاع الصيني والأمريكي أن توقعات الجيش الأمريكي من الصين بسيطة أيضًا، أي أنه على الرغم من وجود منافسة بيننا، يجب ألا نخوض الحرب، وفي الوقت نفسه يجب علينا الحفاظ على الحوار، وهذا يعكس بأن الغرب يؤمن بسياسة “الآراء قد تختلف ولكن التواصل مطلوب”، حتى يمكن تقليل احتمالات سوء التقدير. وفي الواقع، هذا أمر مقبول بالنسبة لبكين التي تؤكد أيضًا على أهمية مواصلة الحوار.
فعلى عكس هؤلاء السياسيين في واشنطن، يمكنهم أن يقولوا ما يريدون، لكن الجيش الأمريكي حذر للغاية في هذا الصدد، والأكثر من ذلك، إنها حرب بين أكبر اقتصادين في العالم، وحرب بين قوتين نوويتين. وفي الواقع، حافظت الولايات المتحدة بشكل أساسي على هذا الخط الأحمر ولم تذهب أبدًا إلى أوكرانيا بصورة مباشرة للمشاركة في الحرب.
ومع ذلك يظل خطر توسيع الحرب سيناريو قائم لدى بعض الأطراف. فالآن بدأ صوت انضمام أوروبا إلى الحرب في الظهور، ويعتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن أوروبا يجب أن ترسل قوات للانضمام إلى الحرب، لكن المستشار الألماني أولاف شولتز يعارض ذلك بشدة. فمنذ يونيو من العام الماضي 2023، بعد فشل “الهجوم المضاد الكبير” الذي شنته أوكرانيا، شعرت كييف والغرب بالإحباط نسبيًا، لأن هذا الهجوم المضاد الكبير يحظى بالدعم الكامل من الغرب.
ومن الواضح أن التوقعات الحالية بالنسبة لأوكرانيا قاتمة للغاية، فالمعدات يتم توفيرها بالكامل بواسطة جهات خارجية، كما أن تعداد السكان يتقلص مع الحرب. وحتى لو قامت الولايات المتحدة بتزويد أوكرانيا ببعض الأسلحة المتطورة، فإن الأمر سوف يستغرق وقتًا طويلًا نسبيًا من التدريب ليستعيد الجيش الأوكراني بعضًا مما فقده.
وفي ظل هذه الظروف، لا يستطيع الأوروبيون تحمل الخسارة، لأنهم ينظرون إلى هذه الحرب باعتبارها “مواجهة بين الديمقراطية والاستبداد”. وبمجرد ربطها بالقيم، فسوف يستمرون في دعم أوكرانيا مهما كانت الظروف. وحتى الآن، تدور هذه المواجهة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “الناتو” في الوقت الحالي، ولا تزال لروسيا اليد العليا.
وقد شارك زيلينسكي في هذا الاجتماع، وألقى خطابان أحدهما كان في الساعة 11 صباحًا يوم 2 يونيو 2024، والثاني كان اجتماعًا مع مجموعة صغيرة من الصحفيين تم الإعلان بالفعل عن انتهاء الاجتماع عند الظهيرة. والغرض الرئيسي من زيارته هذه المرة هو أمله في أن تتمكن المزيد من الدول من المشاركة في قمة السلام العالمية التي تستضيفها سويسرا منتصف يونيو الجاري، وهي التي رفضت الصين المشاركة فيها، حيث تعتبر بكين عدم دعوة روسيا لهذه القمة هو بمثابة عمل علاقات عامة من جانب أحد الأطراف المتنازعة ولا يمكن أن يحقق تسوية للصراع. ناهيك عن أنه خلال خطابه ذكر بأن الصين لم تشارك في القمة وكانت تقنع الدول الأخرى أيضًا بعدم المشاركة.
ويبدو أن الصين تدرك جيدًا بأن الحرب من غير الممكن أن تستمر إلى الأبد، وبمجرد وصول الجانبين إلى وقف لإطلاق النار، يصبح بوسع الصين أن تلعب دورين حاسمين على الأقل: أولهما، بعد وقف إطلاق النار، قد تسعى أوكرانيا إلى الحصول على ضمانات أمنية من القوى الكبرى، فأوكرانيا لا تريد الاستمرار في القتال إلى ما لا نهاية، ولكن بعد التوقف، تحتاج إلى ضمانات أمنية جماعية من الدول الأوروبية وغيرها من القوى الكبرى، بما في ذلك الصين لضمان عدم الهجوم الروسي مرة أخرى. وهذه المرة، سوف تشارك الصين في ضمان الأمن الجماعي بعد وقف إطلاق النار. وثانيهما، من الممكن أن تلعب قدرات البنية التحتية المتفوقة التي تتمتع بها الصين أيضًا دورًا كبيرًا في إعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب.
التوترات بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي
ألقى الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس الإبن خطابًا رئيسيًا في حوار شانجريلا، حيث تضمن الحديث عن “القواعد” و”النظام” و”حرية الملاحة”، بينما هدد الصين قائلًا: “إذا مات فلبيني واحد في الصراع، فإن ذلك يعادل إعلان الصين الحرب على الفلبين”. وهو ما وصفته وسائل الإعلام الصينية الرسمية بأنه تصريح “شرير للغاية” و”استفزازي”.
فقد كانت بكين تعتقد بأن بعد وصول ماركوس الإبن إلى السلطة، سيواصل سياسة سلفه دوتيرتي الودية نسبيًا تجاه الصين، لكن موقفه كان مفاجئة وضربة قوية للتوقعات الصينية. وتعتقد الرواية الصينية بأن موقف كبار ضباط الجيش الفلبيني، الذين تدرب معظمهم في الولايات المتحدة، هجومي للغاية تجاه الصين. وبالإضافة إلى أنه عندما توفي والد ماركوس الإبن، الرئيس الأسبق ماركوس الأب، في هاواي، نشأ ماركوس الإبن في هاواي بعد أن أصبح والده رئيسًا، ولابد أن الأمريكيين شعروا بأنه “شخص متاح” على خط المواجهة المناهض للصين، لذلك قرروا استخدامه كـ “بيدق”.
وبالنظر إلى قيام الفلبين بفتح تسع قواعد للجيش الأمريكي، وهذه القواعد التسع بالتأكيد ليست لبحر الصين الجنوبي، ولكن لاستهداف مضيق تايوان. فوجود قواعد في الفلبين من أجل التدخل في مضيق تايوان. وتقع الفلبين على سلسلة الجزر الأولى، ولديها قاعدة على هذه الجبهة، وتنشر صواريخ باليستية متوسطة المدى.
أزمة تايوان: الاستقلال يساوي الحرب
في حديثه عن الوضع عبر مضيق تايوان خلال حوار شانجريلا، أدلى الجيش الصيني أيضًا ببيان واضح للغاية: “استقلال تايوان يساوي الحرب”. كما ذكر الوزير دونغ في كلمته أن قضية تايوان ليست مجرد علاقة بين البر الرئيسي وتايوان، ولكن الولايات المتحدة تقف وراءها؛ الأمر الذي فرض تساؤلات عديدة منها هل يعني ذلك أن احتمال استكمال عملية إعادة التوحيد بالطرق غير السلمية يتزايد؟ وهل تعتبر التدريبات العسكرية الأخيرة التي أجراها الجيش الصيني حول الجزر بمثابة “بروفة أم هي استعراض قوة”؟
قد لا تكون بكين تخلت بشكل كامل عن إعادة عملية التوحيد بالطرق السلمية، حيث أكد الوزير دونغ أيضًا في خطابه على أنه: “يجب علينا بذل كل جهد لحل قضية تايوان سلميًا بأكبر قدر من الإخلاص”، ولكن من ناحية أخرى، فإن الوضع في مضيق تايوان يتغير بالفعل، حيث تعتبر الصين القوى الانفصالية في تايوان تشكل خطرًا كبيرًا ومتزايدًا على قضية إعادة التوحيد. لذا، قد يكون التدريبات العسكرية الأخيرة للصين هي أيضًا تحذير واضح وقوي لقوى “استقلال تايوان”.
وفيما يتعلق بدور الولايات المتحدة، يمكننا أيضًا أن ننظر إلى سياق تدخلها بالصراع بين روسيا وأوكرانيا؛ فحتى الآن، لم ترسل الولايات المتحدة قوات للمشاركة في الصراع. وإذا اندلع صراع في مضيق تايوان، فهل سترسل الولايات المتحدة قوات إلى مضيق تايوان؟ وبمقارنة قوة الجيشين الصيني والروسي، وبصرف النظر عن حقيقة أن روسيا تمتلك أسلحة نووية أكثر من بكين، فمن الصعب إثبات أن الجيش الروسي أقوى من نظيره الصين. حيث يبلغ إنفاق بكين العسكري ثلاثة أضعاف روسيا، ولديها حتى الآن ثلاث حاملات طائرات أكثر من روسيا. وفي مجالات التكنولوجيا الفائقة مثل الطائرات بدون طيار، تتقدم الصين بشكل كبير، ولن تقتصر على المستوى الحالي.
وعلى النقيض، فإن إمكانات الصناعة العسكرية للولايات المتحدة في تراجع خطير، ويتعين عليها مناقشة ما إذا كان ينبغي إصلاح سفنها الحربية في اليابان أم كوريا الجنوبية. وبشكل عام، يعتقد الباحث أن واشنطن تشعر أيضًا مثل بكين بالمزيد من الضغط عند المواجهة.