كيف يتعامل الغرب مع الصراع في السودان؟

بعد تواصل الأعمال القتالية في السودان بين الجيش السوداني وقوات ميلشيا السريع لليوم الرابع على التوالي، وخرق الهدنة التي كانت مقررة لمدة ثلاث ساعات، تواترت التحليلات والتوقعات غير المبشرة حول الأحداث في السودان، وحول مدى إمكانية التوصل إلى اتفاق بأيادٍ سودانية، ومع وإعلان القوي الإقليمية أن ما يحدث في السودان شأن داخلي بحت، اتجهت الأنظار حول جدوى الضغوط الدولية في وقف أعمال القتال.

وتأسيسا على ما تقدم، يتناول هذا التحليل الإجابة عن تساؤل رئيسي حول ما إذا كانت هناك إمكانية للتأثير في مسار الأحداث من قبل الأطراف الدولية، وبالتحديد الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وجدوى هذا التأثير.

إدانات غربية:

حتى الآن لم تتجاوز ردود فعل الدول الغربية ( الولايات المتحدة وأوروبا ) حدود الإدانات المعتادة، والتعبير عن القلق البالغ إزاء الأحداث، والدعوة إلى هدنة من أجل التوصل إلى حل توافقي من خلال مفاوضات سودانية سودانية.

فخلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلي اليابان حث أطراف الصراع على” وضع حد فوري للأعمال العدائية بدون أي شروط مسبقة “.كما خص بلينكن عبدالفتاح البرهان وحميدتي على” اتخاذ تدابير فعالة لخفض التوترات وضمان سلامة المدنيين، مما يمثل السبيل الوحيد للمضي قدما بالعودة إلى المفاوضات التي تدعم طموحات الشعب السوداني بتحقيق الديمقراطية”.

كما أكد السفير الأمريكي بالسودان على أن  “تصعيد التوترات داخل المكون العسكري إلى القتال المباشر أمر خطير للغاية، وأدعو كبار القادة العسكريين إلى وقف القتال بسرعة “.

كما دعا وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي الأطراف المتصارعة إلى ” وقف أعمال العنف “، خاصة وأنها خلفت خسائر في صفوف المدنيين، كما أكد أن مستقبل السودان ” مرهون ” بما سيتفق عليه حميدتي والبرهان. وقِس على ذلك رد الفعل الفرنسي والألماني وغيره من الدول الأوروبية.

تخوفات واضحة:

ثمة مجموعة من الملفات التي تقلق القادة الغربيين فيما يخص الملف السوداني، لعل أهمها:

(*) التجارة الدولية: فالصراع في السودان من الممكن أن ينتقل صداه إلى دول المحيط الإقليمي، وبشكل أكبر فيما يتعلق بالدول الحدودية، خاصة حال تأزمت الأوضاع في السودان ولم يستطع أي طرف السيطرة.وهذا في مجمله من الممكن أن يؤثر على حركة التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر، ناهيك عن عودة الاضطرابات إلى المنطقة.

(*) النفوذ الروسي والصيني: فالصراع الراهن قد يضاعف من التخوفات الغربية عموما من تزايد النفوذ الروسي في السودان، خاصة بعدما جرت مباحثات بين موسكو والخرطوم حول إقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر، وبعد زيارة حميدتي إلى روسيا. والأمر نفسه بالنسبة للصين الذي يتسع نفوذها في القارة الأفريقية شيئا فشيئا، ولهذا أثار لقاء البرهان والرئيس الصيني على هامش قمة جدة غضب واشنطن، بعدما تعهد الأخير بإعادة النظر في ديون السودان لبلاده.

(*) ملف اللاجئين: حيث يعتبر ملف اللاجئين أحد أكثر الملفات إلحاحا في الفكر الأوروبي الراهن بالتحديد، ففي حال طال أمد الصراع، من الممكن أن تزداد معدلات الهجرة إلى أوروبا، خاصة وأن السودان نفسه يستضيف قرابة مليون لاجئ، حتى أن حميدتي حذر في وقت سابق من أن بلاده قد تصبح مُصدرة للاجئين إلى أوروبا في المستقبل.

تأثير محدود:

لا يبدو أن الملف السوداني وفقا لردود الفعل الغربية الهادئة نوعا ما ذو أولوية كبيرة لدى القادة الغربيين، ولهذا قد يكمن الهدف من التدخل أو الضغط هو ضمان استقرار المنطقة في وقت تنشغل فيه واشنطن بصراعات أكبر، ولكي تعيق أي تمدد روسي أو صيني في السودان. ولهذا قد تكون الاستراتيجية الأولى للولايات المتحدة والدول الأوروبية هي التنسيق والتشاور مع القوة الإقليمية الفاعلة في الشأن السوداني مثل مصر والسعودية والإمارات، ولهذا قد لا تنخرط في المفاوضات بشكل مباشر، ما لم تتدخل روسيا أو الصين.

بالذات وأن طرفي الصراع قد لا يخضعان لأي ضغوط خارجية بعدما أقدما على خطوة الصدام العسكري المباشر، فأصبحت المسألة أمرا وجوديا مما قد يصعّب المهمة على أي طرف خارجي ينوي التأثير في  مجريات الصراع. وأضحى أقصى ما يمكن فعله هو الحديث عن هدنة مثلا، وليس إنهاء الصراع باتفاق الطرفين، بالذات بعد ما سادت أجواء انعدام الثقة بينهما.

ووفقا لمسئولين غربيين، فإن الولايات المتحدة استخدمت معظم أدوات الضغط على الطرفين في وقت سابق من أجل التوصل إلى اتفاق يقضي بتشكيل حكومة مدنية، وهذا الاتفاق قد انهار الآن بعد الصدام العسكري الراهن، وبالتالي لم يتبق لدى واشنطن الكثير لتضغط به من أجل التأثير على مجريات الأحداث في السودان، خاصة إذا اقتصر الأمر على الجهود الأمريكية الفردية، ولم تنضم إليها قوة دولية وإقليمية أخرى، حتى أنها علقت المساعدات المالية للسودان في وقت سابق،ولم يكن لها أي جدوى تذكر بل تحولت الأحداث من سيء إلى أسوأكما هو الوضع الآن. أما إذا تعاونت اللجنة الرباعية ( الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات ) وغيرها من القوى المؤثرة فعندها يمكن الحديث عن تطورات إيجابية في الملف السوداني.

أما بالنسبة للقادة الأوروبيين، فلم تتضح من ردود الفعل الفورية حول الأحداث السودان رؤيتها لمسارات الصراع، أو موقفها من كلا أطرافه، بما يشير إلى أن المواقف الأوروبية مرهونة بالأوضاع على الأرض، ومن بإمكانه حسم المعركة لصالحه. ولهذا لا يرجح أن تكون الدول الأوروبية طرفا حاسما، بل من المتوقع أن تدعم الطرف المنتصر على أرض المعركة، أو من يحظى بتأييد غالبية الدول العربية، في وقت تبدو فيه أوروبا منهمكة في مشكلاتها الداخلية.

وختاما، حال تدخلت واشنطن في الأزمة بأي صورة كانت،ونجحت في التوصل إلى اتفاق أو هدنة في السودان، قد تكون المساهمة الأمريكية هذه هي البوابة لاستعادة واشنطن هيبتها بين دول المنطقة من جديد، بعدما تراجعت الثقة مؤخرا في إدارة بايدن بالتحديد، وبدأت دول القارة تتجه نحو التعاون مع روسيا والصين. وقد يكون نجاح وزير الخارجية الأمريكي في إقناع الأطراف المتصارعة للاتفاق على هدنة لمدة ٢٤ ساعة هو البداية لذلك.

 

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى