تأثير المسيرات في معادلة الحرب الروسية الأوكرانية
أظهرت الحرب الأوكرانية كثافة ملحوظة في استخدام الطائرات المسيرة منذ الأشهر الأولى من الحرب،حيث استُنفذت خلالها أسراب المسيرات التي كانت موجودة لدى موسكو كيف، والعدول عن استخدام المعدات العسكرية التقليدية، الثقيلة والمكلفة، واستمر الحال على ما هو عليه مع دخول الحرب عامها الثالث، الأمر الذي دفع الطرفين إلى الاهتمام بصناعة المسيرات المحلية الحفاظ على علاقات متوازنة مع مورديها. فما هي الأسباب التي دفعت روسيا وأوكرانيا إلى تكثيف الاعتماد على المسيرات ؟، ومن هم أهم الموردين لكن الطرفين؟، وما إذا كانت خارطة الموردين شهدت تغيرات مع دخول الحرب عامها الثالث.
سلاح مثير للقلق:
سبق أن استخدمت المسيرات في الحرب العالمية الأولى، حيث استعمل المتحاربون ما يشبه البالون أو المنطاد لاستكشاف مواقع العدو وجمع معلومات تكتيكية والتقصي حول مدى جاهزيتها. وحتى أواخر التسعينيات، اقتصرت مهام المسيرات على أغراض التجسس والاستطلاع، حتى لجأت الولايات المتحدة إلى المسيرات في حرب أفغانستان، مثل طراز ” إم كيو ١ بريداتور ” نتيجة للطبيعة الجغرافية الوعرة في أفغانستان والتي تصعب بدورها من مهام القوات على الأرض، التي استغلها تنظيما القاعدة وأفغانستان في الاختباء. ثم عاودت استخدامها في حربي العراق واليمن.
بوجه عام، تتم الاستعانة بالمسيرات في تعطيل واختراق إلكترونيات الطرف الآخر، وتعطيل الاتصالات والتشويش والاستطلاع وضرب المواقع وتوجيه المدافع، وحال تم التشويش عليها تكون محملة “بداتا” مسبقة تمكنها من تدمير الهدف انتحاريا كخطة بديلة حال انقطع الاتصال مع مشغلها. كما لعبت المسيرات دورا في عملية الاغتيالات مؤخرا، نتيجة للثورة في مجال التكنولوجيا العسكرية والذكاء الاصطناعي، والتي توظف في تعقب الأهداف بطرق ميسرة، حيث استخدمت في اغتيال أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في ٢٠٢٢، وقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سيلماني في ٢٠٢٠. حتى أن المسيرات تتيح في بعض الأحيان إنكار الصلة بها.
وفيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، مثل سلاح المسيرات الوسيلة الأفضل بالنسبة للجيش الأوكراني في إطار البحث عن طرق بديلة جديدة للقتال ضد القوات الروسية المحصنة جيدا، خصوصا في ظل تفاوت القدرات ونقص المساعدات الغربية وطول أمد الحرب.فطورت أوكرانيا بعض المسيرات القتالية ذات التكلفة المنخفضة نسبيا، مثل طراز ” كراش “و ” Magura V5 ” و” DJİ Mavic “محليا، وتبلغ تكلفتها نحو ٢٠٠٠ دولار. وفي هذا الإطار، أعلن وزير التحول الرقمي الأوكراني أن بلاده ستنتج آلاف المسيرات بعيدة المدى قادرة على توجيه ضربات مباشرة في العمق الروسي، وأكد وجود ما لا يقل عن ١٠ شركات تعمل في مجال تصنيع المسيرات. ونتيجة لاعتماد أوكرانيا بشكل كبير على سلاح المسيرات، عملت على مأسسة هذا السلاح، فدشنت فرعا جديدا للقوات المسلحة أطلقت عليه ” قوات الأنظمة غير المأهولة ” و لواء بحري للمسيرات.
إلى أن شرعت روسيا في تعديل تكتيكاتها بعدما أدركت أهمية المسيرات، فأطلقت آلاف المسيرات محلية الصنع،بإنتاجها نحو ١٠٠ ألف طائرة مسيرة شهريا، وفقا لموقع ” new age “، والاستعانة بالمسيرات الإيرانية من طراز شاهد. وبنهاية ٢٠٢٢، استخدمت روسيا مسيرات محلية من طراز ” أورلان-10 ” و ” إيليرون ٣ ” و ” إينخوديتس رو ” و ” غروشا ” و ” سيريوس ” و ” لانسيت “، هذا فضلا عن امتلاك روسيا تكنولوجيا متطورة في مجال التشويش وتضليل إشارات الاتصال بين المسيرات الأوكرانية ومشغليها. وفي وقت سابق، صرح الرئيس بوتين أن حجم الاستثمار في صناعة المسيرات سيصل إلى تريليون روبل (بنحو ١٢,٢ مليار دولار )، واعتبره من أهم النشاطات الروسية ” الواعدة للغاية “.
وبناءً على ذلك، أشار موقع ” ميلتري ووتش ” المتخصص في الشؤون العسكرية أنه لم يحدث في تاريخ الحروب السابقة أنه تم استخدام المسيرات بهذه الكثافة التي تم استعمالها فيحرب أوكرانيا. الأمر الذي يمكن إرجاعه لعدة عوامل، أهمها:
- الطائرة المسيرة ذات تكلفة منخفضة نسبيا بالنسبة لغيرها من الصناعات العسكرية الأخرى، مثل الصواريخ الباليستية والمدفعية، وهو عامل محفز للاعتماد عليها من كلا الجانبين، بالنظر لاستمرار الحرب للعام الثالث على التوالي، واستمرار العقوبات الغربية وتعطيل المساعدات لأوكرانيا.
- أوكرانيا _ تحديدا _ استخدمت المسيرات بكثافة، نظرا لأنها لا تملك سلاح طيران فعال ولا أسطول بحري يضاهي نظيره الروسي، وبالتالي عوضت المسيرات نوعا ما ضعف القدرات الأوكرانية في هذا الشأن.
- استهدفت القدرات القتالية وتعطيل مراكز القيادة وقصف المواقع المدنية التي يتعثر الوصول إليها عبر الوسائل العسكرية التقليدية مثل منشآت الطاقة والبنية التحتية.
- أسهمت في فرض قواعد اشتباك جديدة وإرساء استراتيجيات عملياتية جديدة لتتوافق مع الأمد المتوقع للحرب، بهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر المادية في صفوف العدو قد تسهم في المجمل في حسم الصراع، بعد سلسلة من المعارك.
- الاستخدام الموسع لتلك الطائرات يجعل من القوات الراجلة أو أية معدات موجودة على الأرض أهداف سهلة لمشغلي الطائرات، وبالتالي سيتمكن الطرفان من استهداف قوات الطرف الآخر دون أي احتكاك مباشر قد يمثل مغامرة لطرف بعينه، خاصة مع حالة التنظيم للخطوط الأمامية في الوقت الراهن.
خارطة الموردين:
منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير ٢٠٢٢، شرعت بعض القوى الدولية والإقليمية في دعم أحد طرفي الصراع على المستوى العسكري، وتحديدا فيما يخص سلاح المسيرات، واستمر هذا الدعم مع دخول الحرب عامها الثالث، إلا أنه شهد تطورا محدودا من حيث الأطراف وحجم ونوعية هذا الدعم،الأمر الذي يمكن توضيحه على النحو التالي:
(-) موردو أوكرانيا: منذ بداية الحرب، كان يتألف جيش الطائرات المسيرة الأوكراني من عناصر صينية الصنع، مثل طائرة ” DJİ” بسيطة التكلفة ويمكن تسليحها بسهولة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة التي كانت من أبرز موردي المسيرات لأوكرانيا، بعد أن أرسلت واشنطن نحو ١٠٠ قطعة من المسيرة الانتحارية ” سويتش بليد ” التي يمكنها التحليق لمدة ١٥ دقيقة وارتفاع ١٠ كم، كما تبث مشاهد مباشرة لمشغلها على الأرض وتستخدم في استهداف أهداف ثابتة ومتحركة، إلا إنها لم تخترق دروع الدبابات وفقا لتجارب الميدانية، ويعادل تأثيرها تفجير قنبلة يدوية، وأيضا مسيرة “فوينيكس غوست” أيضا، وتكلفة المسيرتين قليلة.
إلى جانب بريطانيا والنرويج اللاتي زودتا في العام الأول من الحرب أوكرانيا بطائرات مسيرة طولها ٢٠ سم، لأغراض تجسسية في الغالب نظرا لصغر حجمها.ناهيك عن تشغيل طائرات ” بيرقدار ” التركية، فقد سبق وأكد وزير الدفاع الأوكراني أن بلاده تستخدم الأسلحة التركية ” منذ اليوم السادس للحرب “.خاصة وأن إحدى نتائج زيارة أردوغان إلى أوكرانيا قبل أسابيع من اندلاع الحرب كانت الاتفاق على إنشاء مصنع للمسيرات التركية في أوكرانيا، كأحد أشكال التعاون الدفاعي بين تركيا وأوكرانيا، مما أثار انتقادات روسيا فيما بعد، التي هددت باستهدافه.
في المقابل، رفض رئيس شركة ” بايكار ” التركية المسئولة عن تصنيع مسيرات بيرقدار طلب روسيا ببيعها المسيرات التركية في أكتوبر 2022، مؤكدا ” ليس بإمكاننا إمدادهم في الوقت الحاضر، نحن ندعم الجانب الأوكراني تماما “. وكان رد روسيا بأنها استهدفت معمل ( Sich) في زابوروجيا الأوكرانية الذي تصنع بداخله محركات المسيرات التركية.
ظلت خارطة موردي المسيرات بالنسبة لأوكرانيا على ما هي حتى منتصف العام الماضي، ففي مايو ٢٠٢٣، قررت بريطانيا إرسال مئات الطائرات المسيرة التي تجاوز مداها ٢٠٠ كم إلى أوكرانيا، وذلك عقب زيارة زيلينسكي إلى لندن. كما قررت الصين في سبتمبر 2023، تقييد بيع المسيرات أو مكوناتها إلى روسيا وأوكرانيا، وهو ما فسر في ذلك الوقت على أنه بادرة للتنسيق صيني أمريكي لتقييد قدرات روسيا في هذا الشأن، إلا أنه أضر بسلسلة التوريد للجيش الأوكراني أيضا، فروسيا ليست متضررة بذلك القرار كما أوكرانيا، نظرا لموقفها على الأرض وامتلاكها شبكة علاقات وتكنولوجيا تمكنها من تلافي العجز.
ومع دخول الحرب عامها الثالث في فبراير ٢٠٢٤، انضم موردون جدد في هذا الشأن وبنوعيات أكثر تطورا، فقد أعلن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو أن بلاده تستعد لإرسال طائرات مسيرة انقضاضية جديدة إلى أوكرانيا ” لا زالت قيد الاختبار “. ووفقا لبلومبرغ، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا عازمتان على إدخال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على الطائرات المسيرة التي سيتم إرسالها إلى أوكرانيا في غصون بضعة أشهر. كما تم الإعلان عن ” تحالف الطائرات المسيرة “الذي تسعى أوكرانيا لتوسعته بحيث يشمل ٢٠ دولة بدلا من ٨ دول، لتوريد الطائرات المسيرة، وهي مبادرة أطلقتها بريطانيا ولاتيفيا وأوكرانيا في البداية. كما أكد مسئولون أوكران أن كييف تسعي للحصول على مليون طائرة مسيرة من طراز ” إف بي في ” هذا العام، وهي طائرة مسيرة صينية الصنع تابعة لشركة ” DJI “.
(-) موردو روسيا: كانت إيران من أوائل الموردين لروسيا خلال العام الأول من الحرب ب ٣ أنواع من الطائرات المسيرة، وهي ” شاهد ١٣١ ” و ” شاهد ١٣٦ ” و ” مهاجر ٦ “، وتواصل إيران توريد المسيرات إلى روسيا لتستخدمها في الحرب للعام الثالث على التوالي، مثل ” شاهد ٩١ ” و ” شاهد ١٣٦ ” و ” وشاهد ١٢٩ ” و ” مهاجر ٦ ” و ” مهاجر ١٠ “،لأغراض إطلاق الذخائر والاستطلاع بعيد المدي، وفقا لتقارير أمريكية. ونتيجة للعقوبات المفروضة على روسيا، اعتمدت الأخيرة بشكل كبير على الإنتاج المحلي والمورد الإيراني، خاصة وأن روسيا تستعمل تقنيات غربية في المسيرات، فعلى سبيل المثال طائرة ” أورلان ١٠ ” تستعمل جهاز تعقب أمريكي ومحرك ياباني ووحدة تصوير حراري فرنسية، الأمر الذي يضطرها للاعتماد في سد جزء من احتياجاتها على الاستيراد. كما استخدمت روسيا في الحرب مسيرة ” Mugin-5 ” الصينية، وغيرها من المسيرات التابعة لشركة ” DJI “. كما تلقت روسيا طائرات بدون طيار صينية تجارية يمكن استخدامها لأغراض الاستطلاع، باعتبارها لها استخدامات مزدوجة عسكرية ومدنية، وفقا ل ” دير شبيجل ” الألمانية.
إلا أن دائرة ونوعية التوريد لروسيا بدأت تتسع منذ العام الماضي رغم قرار الحظر الصيني،حيث استعانت روسيا بخبراء إيرانيين لتصنيع المسيرات في روسيا في منطقة ” ألابوجا ” الروسية على نهر الفلوجة بجمهورية تترستان، وتوقع البيت الأبيض في وقت سابق أن يعمل المصنع بكامل طاقته خلال العام الحالي، وتقود التعاون شركة ” ألباتروس ” الروسية، والتي أطلق اسمها على طائرات مسيرة مثل ” Albatross M5 “. وفي هذا الإطار، تحدثت تقارير غربية عن تعاون روسي إيراني صيني في هذا الشأن، حيث أكد الشريك المؤسس للشركة إيليا فرانكو أنه يتم استيراد أجزاء من الطائرات المسيرة مثل المحركات من الصين. وفي السياق ذاته، أكدت صحف أمريكية عن وجود أجزاء صينية في الطائرات المسيرة الإيرانية التي تستخدمها روسيا في حربها على أوكرانيا.
رغم النفي الصيني، تحدثت تقارير غربية عن أن الجيش الروسي يتفاوض مع شركة تصنيع المسيرات الصينية ” شيان بينجو إنتيليجنت أفياشن تكنولوجي ” بشأن تصنيع طائرات كاميكازي الانتحارية بدون طيار لصالح موسكو، ووافقت الشركة على تصنيع ١٠٠ طائرة من طراز ” TZ 180 ” قبل تسليمها إلى الجيش الروسي في إبريل 2023، فضلا عن تقديم المعلومات والمكونات اللازمة التي تمكن موسكو من إنتاج نحو ١٠٠ طائرة مسيرة شهرية بمفردها.ووفقا لوسائل إعلام يابانية، استوردت روسيا طائرات مسيرة من الشركات الصينية استخدمت في الحرب لشهور، وتم تسليم أكثر من ٣٧ طائرة بدون طيار منذ نهاية ٢٠٢٢ وحتى أبريل ٢٠٢٣. إلا أن الصين نفت ذلك فيما بعد على لسان وزير التجارة، الذي أكد أن الصين تعمل على ” منع استخدام جميع أنواع الطائرات بدون طيار في مناطق الحروب “.
وفي نوفمبر 2023، أظهرت الحكومة الأوكرانية وثائقا تشير إلى أن مكونات سويسرية حديثة تم تصنيعها في 2023 وجدت مدمجة في المسيرات الروسية لانست رغم العقوبات الغربية، وهو ما انتقدته كييف ولازالت تضغط باتجاه منعه سواء تم بشكل مباشر أو من خلال وسطاء، بالإضافة إلى وجود أجزاء من بولندا وهولندا وكندا.
حتى أن تركيا بدأ يتم ذكرها في التقارير الغربية وتصريحات المسئولين الغربيين، بأنها تصدر بعض التقنيات الدقيقة والمكونات العسكرية إلى روسيا، والتي تستخدمها موسكو في عملها العسكري، من خلال شركات وسيطة، ولهذا تم فرض عقوبات على شركتي “تيركك يونيون” و”آزو انترناشيونال” التركيتين. خاصة وأن أردوغان أكد خلال زيارته لروسيا في سبتمبر 2023، أن ” هناك خطوات كبيرة في التعاون العسكري بين روسيا وتركيا قريبا “، بما قد يؤشر إلى احتمالية التعاون في مجال المسيرات، خاصة وأن روسيا أبدت اهتمامها في وقت سابق بالمسيرات التركية.
كما كشفت تقارير أمريكية في مطلع ٢٠٢٣ بناء على سجلات تجارية ووثائق الضرائب الروسية عن استيراد شركة ” İ machine Technology ” الروسية معدات متطورة بنحو ٢٠ مليون دولار مصنوعة في تايوان، استفاد منها الجيش الروسي في تطوير صناعاته العسكرية، على رأسها المسيرات، وشكلت الواردات التايوانية ١٠٠٪ تقريبا من واردات الشركة الروسية من يناير وحتى يوليو ٢٠٢٣.
استنادا لما سبق، تعكس حركة التوريد سياسة الاصطفافات والتحالفات إلى جانب كل طرف، كما تعكس المواقف السياسية للدول التي تحاول تبني موقف الحياد من الحرب، مثل تركيا والصين، بهدف توظيف مجريات ونتيجة الحرب في معادلة النفوذ الدولي والإقليمي في مرحلة لاحقة.
تأثير محدود:
في مرحلة أخرى من الحرب، عقب فشل الهجوم الأوكراني المضاد، أضافت أوكرانيا ثلاثة مسارح جديدة للقتال مع روسيا، في الداخل الروسي وشبه جزيرة القرم والبحر الأسود، وخلال حملة الجيش الأوكراني في البحر الأسود ضد الأسطول الروسي، اعتمدت أوكرانيا على المسيرات، ودمرت ١٥ سفينة بحرية روسية بالكامل، وألحقت الضرر بـ ١٢ سفينة أخرى منذ بداية الحرب وحتى نوفمبر ٢٠٢٣، وحرمت تلك الضربات السفن البحرية الروسية من إطلاق الصواريخ، وآمّنت مرور شحنات الحبوب الأوكرانية عبر الممرات البحرية، وأضعفت دفاع روسيا عن شبه جزيرة القرم ومواقع القوات الروسية في البحر الأسود، وهي انتصارات رمزية من الناحية الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا.
كما غيرت المسيرات من تكتيكات وخصائص الحرب الحديثة ونوعية الأسلحة المستخدمة فيها، وثبُت من خلال التجارب على الأرض أنها قادرة على حسم معارك بعينها، فخلال الأشهر الأولى من الحرب كان لأوكرانيا اليد الطولى في حرب المسيرات، التي جعلت القوات الروسية مضطرة للبقاء في موقف دفاعي، وخلال تلك الفترة قليلة هي الأراضي التي انتقلت فيها السيطرة إلى روسيا. وفي منحى مقابل، خسر الجيش الروسي نحو 90% من الجنود والمعدات التي بدأ بها الصراع، وفقا لتقارير دولية، أشارت إلى عدم جاهزية روسيا لحرب المسيرات.
إلا أنها ليست قادرة حتى الآن على حسم الحرب بأكملها لصالح أي من مستخدميها. ووفق مراقبين، يمكن النظر في مدى قدرة المسيرات على إنهاء الحرب حال أضيفت لها بعض التقنيات، كأن تكون قادرة على حمل ” ميكرو ” قنبلة ذرية، الأمر الذي قد يسهم في وقف الحرب أو عدم خوضها من الأساس نتيجة لتواجد عامل الردع، وإن كان هذا الطرح مستبعدا في المدى القريب.
كما أن الطائرات المسيرة لم تغنِ عن الاشتباك البري، وبالتالي زيادة الخسائر البشرية، ففي معركة أفدييفكا الأخيرة على سبيل المثال، كانت الهجمات البرية الروسية أحد أسباب السيطرة على المدينة، بل واستهداف الطائرات المسيرة الأوكرانية نفسها، حيث قام الجيش الروسي بإرسال المجندين الجدد الذين لم يحظو بتدريب كاف إلى مهاجمة الخطوط الأمامية الأوكرانية، الأمر الذي استدعي الاشتباك ومن ثم الكشف عن مواقع القوات الأوكرانية المموهة ومشغلي الطائرات، وعلى الجانب الآخر، تتمكن القوات الروسية من رصد مواقع نظيرتها الأوكرانية وقصفها بالمدفعية. ووفق تقديرات عسكرية، يموت نحو ١٠٠ : ٢٠٠ شخصا يوميا من الطرفين في هذا النوع من القتال.
وختاما، يمكن القول أن إنهاء الحرب لا يرتهن فقط بوجود المسيرات، فالطرفان يظلا بحاجة صناعات عسكرية متكاملة، والأهم وجود إرادة سياسية غربية _ أمريكية تحديدا _ وجهود دبلوماسية حقيقية تسهم في الأخير بالجلوس على طاولة المفاوضات.