تحديات العودة الطوعية للاجئين السوريين
في العدد الرابع من "مساحات فكرية"
وصل عدد اللاجئين في العالم إلى نحو 36.4 مليون شخص في منتصف 2023، بزيادة قدرها 1.1 مليون شخص بما يعادل 3% مقارنة بالعام السابق، ينقسمون ما بين 5.9 مليون شخص مسجل لدىمفوضية شئون اللاجئين، و30.5 مليون لاجئ منهم في أوضاع شبيهة باللاجئين، إلى جانب 5.3 مليون شخص بحاجة إلى الحماية الدولية. وحسب البيانات الأممية المسجلة تعد تركيا وإيران من أكثر الدول المستضيفة للاجئين حول العالم بنحو 3.4 مليون لاجئ لكل منهما، وهذا العدد الأكبر على مستوى العالم لدولة مضيفة، تليهما ألمانيا باستضافتها ٢,٥ مليون لاجئ.
كما وصلت طلبات اللجوء في منتصف 2023 إلى 1.6 مليون طلب، وكانت الولايات المتحدة أكبر الدول المستقبلة بنحو 540600 طلبًا، تليها ألمانيا بنحو 150200 طلبًا، ثم إسبانيا بـ 87100 طلبًا، إلى جانب 74800 طلبًا في المكسيك، و60400 في فرنسا.
وجاءت هذه الزيادة مدفوعة بجملة من الاضطرابات التي شهدها العالم،ومنطقة الشرق الأوسط خصيصًا، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في ظل استمرار نزوح الأوكرانيين والسودانيين، ورغم ذلك ظل عدد اللاجئين السوريين هو الأكبر على مستوى العالم كما العام الماضي، حيث أشارت تقارير أممي لوجود أكثر من ٦,٥ مليون لاجئ سوري حتى منتصف عام 2023 في 130 دولة، مقارنة بـ 6.1 مليون لاجئ أفغاني و5.9 مليون لاجئ أوكراني.
يأتي ذلك وسط الجدل الدائر في الدول المستضيفة للاجئين السوريين بشأن عودتهم إلى بلادهموطريقة العودة، سواء بالترحيل أو العودة الطوعية أو وفق خطط ممنهجة، فقد سبق وعبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي عن عدم استعداد بلاده لاستقبال مزيد من اللاجئين، كما اعترضت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية أيضًا على موجات النزوح الجديدة عبر ممرات غير شرعية، وفقا لتصريحات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتؤكد تركيا على ضرورة تسهيل الظروف لعودة طوعية للاجئين السوريين.
إلى جانب أزمة اللاجئين السوريين، هناك موجة نزوح عالية داخل سوريا، في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي الذي شهد حركة نزوح لعشرات العائلات من بعض البلدات والقرى إلى المناطق الآمنة نسبيًا، فحتى أغسطس 2023، وصل عدد النازحين السوريين المسجلين لدى المفوضية إلى نحو 6.7 مليون نازح، يتركزون في مناطق محددة، مثل الشمال الغربي الذي أضحى يضم نحو 4.5 مليون سوري، يشكل النازحون 70% منهم، فمدينة إدلب وحدها تضم حوالي 980 ألف نازح في المساكن العشوائية البالغ عددها 818، إلى جانب مدن أخرى مثل أعزاز وجسر الشغور وحارم.
كذلك الشمال الشرقي، حيث تضم مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية 16 مخيمًا نظاميًا وعشرات المخيمات العشوائية أيضًا، وتحديدا في محافظتي الرقة والحسكة.
تأزم دول الجوار
مؤخرًا، بدأت تضغطدول الجوار بسبب غياب الحل السياسي للأزمة السورية حتى الآن، مع تراجع وعدم كفاية التبرعات للدول المستضيفة، خاصة وأن أزمة اللاجئين لا تؤثر فقط من الناحية الاجتماعية، وإنما مرتبطة بملفات اقتصادية وأمنية أخرى، خصوصًا في دولة مثل لبنان.
ففي تركيا، حدثت توترات فيما يخص ملف اللاجئين منذ 2021، وبدأت تظهر احتكاكات بين اللاجئين والسكان المحليين نتيجة للأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، فقبل أشهر شهدت مدينة أورفا جنوب تركيا هجمات على بعض ممتلكات السوريين، وكذلك العاصمة أنقرة.
وفق مراصد حقوقية، تمارس الحكومة التركية عمليات ترحيل قسرية للاجئين السوريين لديها “دون وجود مبررات قانونية”، حيث رحلت نحو 30 ألف سوري قسرًا منذ بداية 2023، في ظل تعتيم إعلامي على ما يحدث، وذلك بتعطيل بعض معاملاتهم الرسمية أحيانًا، مثل تجديد الهوية، لكي يتسنى ترحيلهم بحجة عدم استيفاء أوراقهم الرسمية اللازمة للإقامة، ووفق محللين أتراك، أصبحت تركيا تخير اللاجئين إما بالذهاب للمناطق الحدودية الشمالية التي تسيطر عليها القوات التركية، أو البقاء في مراكز الإيواء لحين استكمال الأوراق المطلوبة.
كما أطلق وزير الداخلية التركي على يرلي كايا حملة أمنية غزتها بعض الاعتراضات الشعبية والحزبية عقب انتخابات مايو الماضي على المهاجرين غير الشرعيين، وتم خلالها ترحيل نحو 43 ألف مهاجر غير شرعي خلال ثلاثة أشهر، كما تم القبض على 100 ألف آخرين.
وفي الإطار ذاته، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مطلع 2022 بأنه يحضر لإعادة مليون سوري بشكل طوعي إلى بلادهم، من خلال تمويل استحداث بنى مناسبة لاستقبالهم في شمال غرب سوريا بمساعدات دولية، وأكد في وقت لاحق عودة 600 ألف فرد، وتعهد بمواصلة بناء منازل الفحم الحجري في شمال سوريا بدعم قطري، حتى أنه أعلن الانتهاء من بناء من 100 إلى 150 ألف منزل، ولكن حتى الآن لا توجد خطة عمل واضحة أو آليات أو مدى زمني للتنفيذ.
ووفق آخر الإحصائيات، انخفض عدد اللاجئين السوريين المسجلين في تركيا إلى 3 ملايين و288 ألف و755 سوريًا، وهو العدد الأدنى منذ 7 سنوات، وفقًا لرئاسة إدارة الهجرة التركية.
أما في لبنان، فوفقًا لحكومة تصريف الأعمال، تستضيف لبنان أكثر من مليوني لاجئ سوري، بينما لا يتخطى العدد المشمل لدى الأمم المتحدة نحو 840 ألف لاجئ، ويتركز اللاجئون السوريون الموجودون في الأراضي اللبنانية في منطقة البقاع شرق البلاد، وشمال لبنان، وهي تضم أكثر من مليون لاجئ سوري.
ويعيش اللاجئون في لبنان في ظل ظروف صعبة منذ بدء الانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد في 2019، بالتزامن مع خطاب عدائي موجه للاجئين عموما الذين يتلقون مساعدات من هيئات دولية، في وقت أضحى فيه نحو 80% من اللبنانيين تحت خط الفقر، ولهذا عرقلت الحكومة برنامجًا للمساعدات النقدية للاجئين بالدولار من الأمم المتحدة كنوع من الضغط على اللاجئين، وفقًا لتقارير فرنسية.
وفي سبتمبر 2023، أكد رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي على عدم قدرة بلاده على استيعاب المزيد من اللاجئين السوريين في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد خلال اجتماع له بالأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك، لذا عزمت الحكومة اللبنانية على ترحيل نحو 15 ألف سوري شهريًا، مع ضمان تأمين الظروف الملائمة والآمنة للعيش، أو الترحيل إلى دولة ثالثة، ولكن بشكل طوعي، فلبنان رغم عدم توقيعه على اتفاقية اللاجئين في ١٩٥١، إلا أنه ملتزم بمبدأ عدم الترحيل القسري بموجب القانون الدولي العرفي وبصفته عضوًا في اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب. وفي 26 أبريل 2019، رحلت السلطات اللبنانية نحو 16 سوريًا من ضمنهم مسجلين كلاجئين لدى المفوضية، بعدما وقعوا على استمارات العودة الطواعية.
ووفقًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، منذ بداية لجوء السوريين إلى لبنان لم تمنح السلطات اللبنانية هؤلاء حقوقهم كلاجئين، على اعتبار أن لبنان غير موقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ونتيجة لذلك عانوا على المستوى القانوني والسياسي، بشكل قلص من فرصهم الاقتصادية والاجتماعية وجعلها مرهونة بما تقرره الحكومة تحت ضغوط الأوضاع الاقتصادية، مما أدى إلى تصاعد عمليات الترحيل القسري خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. وأشارت المفوضية إلى أن نحو 840 ألف لاجئ سوري مسجلين لديها في لبنان يحصلون على موارد مالية وغذائية محدودة توفرها المفوضية بنفسها.
جدير بالذكر، يشكل اللاجئون السوريون نحو 25% من إجمالي عدد السكان اللبنانيين البالغ عددهم نحو 6 ملايين نسمة، وهي أعلى نسبة في العالم، وفي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى سياسة إعادة التوطين التي تعني نقل اللاجئين من دولة اللجوء إلى دولة أخرى تمنحهم حق الإقامة. وفي 2020، قدمت المفوضية ملفات أكثر من 39500 لاجئ لتقييمها من قبل دول إعادة التوطين، وغادر منهم نحو 22800 لاجئ، كان للبنان النصيب الأكبر منها حيث غادر منها نحو 4600 لاجئ.
وبالنسبة للأردن، استضاف الأردن نحو 1.4 مليون لاجئ سوري بينهم نحو 655 ألف لاجئ مسجلين لدى المفوضية، و4 ملايين لاجئ من جنسيات مختلفة، يمثلون أكثر من ثلث سكان الأردن البالغ عددهم 11 مليون نسمة.
في وقت سابق، أعرب ملك الأردن في خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن عدم قدرة المملكة على استضافة المزيد من اللاجئين السوريين، وأكد أن “مستقبلهم في بلدهم وليس في الدول المستضيفة”، وانتقد خطة الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين التي أقرت ولم تمول بشكل كامل، حيث لم يتلق الأردن في 2023 سوى 22% فقط منها، وعمل على تغطية بقية أعباء اللاجئين من الموازنة العامة للدولة وفقًا لوزارة التخطيط الأردنية، التي أفادت بأن الأردن تحمل خلال سنوات الاستضافة نحو 63 مليار دولار حتى نهاية 2022، ولم تقدم الدول الداعمة سوى 10 مليارات فقط.
حتى أن دولة مثل الدنمارك أعلنت في يوليو 2023 عن فتح الباب أما عودة مئات السوريين اللاجئين لديها، بعدما صنفت بعض المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية على أنها “آمنة”، رغم أن معظم دول الاتحاد الأوروبي والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين تؤكد أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين.
تحديات قائمة
رغم أن دولًا مثل تركيا ولبنان والأردن طالبت في 2022 بعودة اللاجئين السوريين، الذي كان أحد أهداف إعادة سوريا للجامعة العربية، إلا أن ملف العودة الطواعية لا يزال يواجه بعض المعوقات، يأتي أهمها على النحو التالي:
(*) الوضع على الأرض: فواقعيًا، سوريا لا تزال بيئة غير آمنة لاستقبال اللاجئين، حيث تستمر أعمال القتال على عدة جبهات، ففي 2022، استمرت الهجمات على البنى التحتية في إدلب وغرب حلب، ويعيش في هذه المنطقة أكثر من 4 ملايين مدني، نزحوا مرة واحدة منذ بداية النزاع، ويفتقرون إلى الموارد اللازمة للانتقال إلى أماكن أخرى، فهم لا يملكون العبور إلى تركيا، ولا الانتقال لمناطق سيطرة الحكومة.
حتى شمال شرق سوريا فهي أيضًا منطقة غير مستقرة بسبب الهجمات المتبادلة بين التنظيمات الكردية المسلحة والقوات التركية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا جراء تبعات أزمة كورونا والحرب الأوكرانية والعقوبات على دمشق والأزمة الاقتصادية في الجارتين تركيا ولبنان، فضلًا عن أن هناك مخاوف من التجنيد الإجباري، بجانب ندرة فرص العمل في سوريا لأن دور الإنتاج شبه متوقفة.
بالإضافة إلى احتمالية عدم رغبة الحكومة نفسها في إعادة اللاجئين، فهي لم تقدم حتى الآن الضمانات المطلوبة لأمن اللاجئين، بل تواصل الحكومة مصادرة الممتلكات حتى تجاه الأفراد الذين وقعوا ما يسمى باتفاقات المصالحة، ناهيك عن عمليات الإخفاء والاحتجاز في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة (وسط وغرب وجنوب غرب)، وفقًا لتقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا في سبتمبر 2022. بالتالي قد تستغل الحكومة السورية ملف اللاجئين للضغط على المجتمع الدولي والغربي بصفة خاصة للقبول بشرعيتها، ووفقًا لمراقبين، فإن الرئيس السوري يرغب في إعادة أقل قدر ممكن من المسلمين السنة في إطار خطة “سوريا المفيدة ” لضمان حد أدنى من المعارضة.
(*) إشكالية إعادة الإعمار: خطة الإعمار التي تعمل على تنفيذها الحكومة التركية في الشمال السوري لإعادة نحو مليون لاجئ سوري لديها بشكل طوعي لن تكون حل لأزمة اللاجئين السوريين الأكبر في العالم، فالعودة الطوعية للسوريين لن تتم إلا باستيفاء عملية إعادة الإعمار بشكل كامل وتقديم كافة الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون العائدون، سواء خدمات صحية أو تعليمية أو غيرها، وهو أمر لا يتوقع حدوثه دون مصالحة سياسية وقبول من جانب المجتمع الدولي الذي يسهم بدوره في جهود إعادة الإعمار بالحكومة السورية وإعادة انخراطها مجددا في الساحة الدولية، خاصة في ظل العقوبات الغربية على دمشق التي تعرقل أي عملية تعاون اقتصادي وليس سياسي فقط معها، هذا إلى جانب التمنع الذي يبديه الجانب السوري في التطبيع مع تركيا رغم إبداء الأخيرة استعدادها لذلك أكثر من مرة مقابل عودة السوريين، نتيجة ما تراه أنقرة شروطًا تعجيزية كمقدمة للتفاهم، وهي خطوة قد تعرقل أي تقدم فيما يخص القبول بشرعية الوضع القائم.
(*) أوضاع الدول المستضيفة: فدولة مثل لبنان على سبيل المثال تعاني من الشغور والشلل المؤسساتي غير قادرة على إدارة ملف بهذا الحجم، وفي ظل ضغوطات غربية للإبقاء على اللاجئين. كما تتلقى تركيا دعما أوروبيا على إثر استضافتها للاجئين يقدر بنحو 6 مليارات يورو قد يعينها بشكل ما في تخفيف الضغوطات الاقتصادية، وبالتالي قد لا تجازف أنقرة بخسارة هذا الدعم، حتى أن تركيا توظف ملف اللاجئين للضغط على الدول الأوروبية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من وراء ذلك.
والأمر نفسه بالنسبة للأردن، الذي يتلقى دعمًا وتسهيلات مالية عدة جراء استضافة اللاجئين، حيث بلـغ حجــم المنــح الموجهــة لدعــم خطــة الاستجابة للأزمة الســورية حوالي 373.9 مليون دولار، موزعة على دعم المشاريع الخدمية في المجتمعات المستضيفة بواقع 91.2 مليون دولار، ونحو 282.7 مليون دولار لدعم اللاجئين السوريين، وتمثل هذه النسبة حوالي 16.4% من حجم التمويل المطلوب لدعـم خطـة الاستجابة للازمة الســورية البالغ 2.2 مليار دولار لعام 2023، وفقًا لبيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية.
(*) الحلول البديلة: مع صعوبة العودة الكلية للاجئين السوريين إلى بلادهم ورغبة الدول المستضيفة في إعادتهم، بدأت تظهر حلول بديلة أخرى، تمثلت في إعادة التوطين، أي نقل اللاجئين من دولة اللجوء إلى بلد آخر مسموح فيها بمنحهم الإقامة الدائمة.
ووفقا للمفوضية، فإن أكثر من مليوني شخص من النازحين قسرًا تمكنوا من الحصول على تصاريح دخول من قبل 37 دولة عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إضافة إلى البرازيل بين عامي 2010 و2021 ، من سبع دول مختارة، وهي سوريا والصومال والعراق وإيران وإريتريا وفنزويلا وأفغانستان، كأحد الحلول المطروحة أمام اللاجئين، والتي أتاحت لهم فرصة للمساهمة في مجتمعاتهم الجديدة من خلال نهج جديد قائم على التمكين.
وفي عام 2021 سارعت ألمانيا وكندا لمنح تأشيرات العمل والدراسة للاجئي الدول السبع، وكانت بريطانيا والسويد والولايات المتحدة في قائمة الدول من حيث عدد التأشيرات الصادرة عنها. كما تعهدت البرتغال كإحدى دول غرب أوروبا، باستقبال حوالي 300 لاجئ، على أن يُعاد توطينهم سنويًا في عامي 2022 و2023. وفي الأرجنتين، تم إطلاق برنامج لمنح تأشيرات إنسانية في 2014، وتم تعزيزه في سبتمبر 2016 عندما وافق الرئيس اأرجنتيني وقتها ماوريسيو ماكري على استقبال 3000 سوريًا، وتحديدا الموجودين بلبنان. وفي المجمل، مثلت أوروبا 54% من كافة التصاريح الصادرة، بينما جاءت الأمريكتان في المرتبة الثانية بنسبة 38%، إلا أن الأمر رافقه بعض التحديات، كارتفاع الرسوم الإدارية وعدم توفر وثائق السفر وغيرها.
ورغم أن فيروس كورونا وما رافقه من قيود على السفر أدى إلى تراجع في إصدار التأشيرات لعام 2020، إلا أن تقرير منتصف العام يبين أن العدد عاود الارتفاع مرة أخرى في العام التالي، حيث وصل عدد التأشيرات إلى 160 ألف تأشيرة، وتمثل التصاريح الممنوحة للم شمل العائلة نسبة 64%.
ومن المتوقع أن تزداد في 2024 طلبات إعادة التوطين، فوفقًا لتقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من 2.4 مليون لاجئ سيحتاجون لإعادة التوطين بارتفاع يقدر بنحو 20% مقارنة بعام 2023. ومع استمرار الأزمة السورية للعام الثالث عشر، وباعتبارها مصدرًا لأكبر أزمة لاجئين على مستوى العالم، سيكون اللاجئون السوريون هم الأكثر احتياجًا وأولوية لإعادة التوطين، حيث قدرت المفوضية أن هناك 754 ألف لاجئ سوري حول العالم يحتاجون إلى مساعدات عاجلة.
(*) إجراءات الدمج: في بعض الحالات نجحت إجراءات دمج السوريين في المجتمع المضيف إلى درجة صعبت من احتمالات العودة لسوريا مجددًا، فوفقا لاستطلاعات رأي أردنية، رفض غالبية اللاجئين مغادرة الأردن، وفي ولاية غازي عنتاب التركية أصبح السوريون محركًا لقطاع النسيج الذي يحتاج لأياد عاملة كثيرة، إلى جانب عملية الدمج في المدارس التركية التي تستقبل نحو 800 ألف طفل سوري. باستثناء بعض الدول كلبنان، والمناطق التي تعاني ظروفًا اقتصادية صعبة، مثل منطقة شانلي أورفه في الجنوب الشرقي من تركيا، فهناك صعوبة في التعايش بين السكان المحليين واللاجئين السوريين، نظرًا لأن السوريين يمثلون نحو ربع السكان البالغ عددهم 2 مليون شخص، في ظل الامكانات الاقتصادية والموارد المحدودة بالمدينة.
(*) الضغوطات الدولية: لا تزال بعض الدول الكبرى والهيئات الدولية تمارس ضغوطًا على الدول المستضيفة للاجئين السوريين لضمان عدم إعادتهم على اعتبار أن شروط العودة الآمنة لم تتحقق بعد، فبالنسبة للبنان على سبيل المثال، صدر قرار للبرلمان الأوروبي في يوليو 2023 مكون من 16 بندًا، يدعو لبنان للانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة للاجئين في 1951، لذا اعتبرته قوى لبنانية يدعو لبقاء اللاجئين، حيث وصفه وزير الخارجية اللبناني بأنه ” يهدد استمرار ووجود لبنان ككيان “. وفي الأردن، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي في يوليو 2023 عزمه تقليص حجم المساعدات إلى اللاجئين بالأردن بسبب نقص التمويل لأكثر من 100 ألف لاجئ. حتى أن الحكومة التركية لا تستطيع ترحيل عدد كبير من اللاجئين على أراضيها لأنها ملزمة دوليًا بموجب اتفاقية اللاجئين بحماية اللاجئين الموجودين على أراضيها، إلا في حالة العودة الطوعية.
واستنادًا لما تقدم، على ما يبدو أن اهتمام المجتمع الدولي بملف العودة الطوعية للاجئين السوريين تراجع نوعًا ما، في ظل وجود أزمات مشابهة جديدة في أوكرانيا والسودان وغزة ملحة أيضًا، وقد يتجلى ذلك في بحث الدول المستضيفة منفردة عن حلول لأزمة اللاجئين السوريين لديها. حتى أن محاولات جامعة الدول العربية بإعادة العلاقات مع الحكومة السورية لم تجد نفعًا في هذا الشأن في ظل وجود رفض من جانب المجتمع الدولي للاعتراف بشرعية الحكومة السورية، وعدم وفاء دمشق بالتزاماتها أمام جامعة الدول العربية في مايو 2023 بتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين، هذا إلى جانب التهديدات الأمنية التي لا تزال موجودة في سوريا، حتى في الشمال السوري إذا أرادت تركيا تحديدًا إرسال اللاجئين إلى هناك، فقد شهد شهر ديسمبر 2023 ضربات جوية متواصلة ضد عناصر حزب العمال الكردستاني.
ونتيجة لكل ذلك، كانت عودة اللاجئين السوريين محدودة وانتقائية، ففي الأردن عاد فقط نحو 40 ألف لاجئ منذ إعادة فتح الحدود بين البلدين في 2018. كما وصل العدد الإجمالي للاجئين السوريين العائدين إلى البلاد منذ 2016 وحتى يوليو 2023 إلى 373912 لاجئًا من مختلف الدول المستضيفة، مقارنة بنحو 50966 حتى 2022، و 35624 في 2021. وهي أرقام محدودة إذا ما قورنت بعدد اللاجئين السوريين حول العالم وكم الجهود المبذولة لتسهيل عودتهم.
وبالتالي، فإن ملف عودة اللاجئين السوريين قد يبقى عالقًا لأن بعض الأطراف تعمل على تسييسه، بما يعني استمرار المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية المرتبطة به.
للاطلاع على العدد كاملًا يمكن فتح الرابط التالي: مساحات فكرية العدد الرابع- مارس 2024