تحولات الصعود والهبوط في هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر

شهدت الـ 3 أشهر الماضية، هجمات متنوعة لجماعة الحوثي، استهدفت وفقا لمرصد الجماعة بعض السفن الإسرائيلية وغيرها في البحر الأحمر. ونظرا لتهديد الهجمات الحوثية التي شهدت تحولات فى مستوها خلال هذه الفترة، للتجارة الدولية،- شنت بعض القوى الدولية (أمريكا-بريطانيا) ضربات مغايرة تجاه مواقع تابعة لهذه الجماعة، للحد من استهدافها للسفن المرتبطة بإسرائيل.

ونتيجة لتصاعد عمليات جماعة الحوثي في البحر الأحمر، وإصرارها على مواصلة عملياتها، أطلق الاتحاد الأوروبي عملية “أسبيدس” للقوات البحرية التابعة له، هدفها وفقا لقادته، المساعدة في حماية الملاحة الدولية بالبحر الأحمر، وعليه يحاول هذا التحليل قراءة التحولات في مستوى هجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر خلال الثلاث أشهر الأخيرة، ومدى تأثيرها على الحرب في غزة، وتأثير الترتيبات الأمنية لها.

تطور ملحوظ:

شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة تطورا لافتا في وجهة وكم ومدى تأثير الضربات الحوثية، منذ انطلاقها في نوفمبر الماضي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

(-) تطور كمي: منذ ١٩ نوفمبر 2023 وحتى ٢٢ فبراير 2024 نفذت القوات المسلحة اليمنية أكثر من ٣٠ عملية بحرية استهدفتما يقارب 3٤ سفينة، منها ٤  سفن مملوكة للكيان الإسرائيلي، ونحو ١٦ سفينة أمريكية، منها بارجات حربية، وأيضا ٧ سفن بريطانية، و ١٠ سفن كانت متجهة إلى الكيان المحتل، هذا إلى جانب تغيير عدة سفن مسارها استجابة لتحذيرات ونداءات البحرية اليمنية. هذا فضلا عن إسقاط ٦ طائرات أمريكية من طراز MQ6، كانت الأخيرة في ١٩ فبراير الجاري بصاروخ أرض جو عندما كانت تحلق في سماء مدينة الحديدة.

كما شنت جماعة الحوثي سلسلة عمليات استهدفت سفن حربية أمريكية في البحرين الأحمر والعربي بطائرات مسيرة، بالإضافة إلى توجيه ضربات لمواقع حساسة بالنسبة لإسرائيل في منطقة أم الرشراش جنوب الأراضي المحتلة، كما استهدفت العملية سفينة إسرائيلية في خليج عدن بعدد من الصواريخ البحرية.

تم البدء بعملية واحدة في أواخر شهر نوفمبر، ازداد بعدها عدد هجمات الحوثي في البحر الأحمر إلى ٩ هجمات في شهر ديسمبر، ليزداد العدد مرة أخرى إلى ١٢ هجمات في شهر يناير، وأكثر من ١٠هجمات حتى الآن خلال شهر فبراير، بما يوضح أن عدد هجمات الحوثي في تزايد مستمر مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.

المصدر: الإعلام الحربي اليمني

(-) تطور نوعي: في بداية عمليات الحوثي كانت الهجمات متنوعة تجاه سفن من جنسيات مختلفة.ففي 19 نوفمبر، قام الحوثيون بالاستيلاء على سفينة الإسرائيلية ” جالاكسي ليدر “، وعرضت الجماعة مقطع فيديو يوثق العملية.وخلال شهر ديسمبر من العام الماضي وحتى مطلع يناير،تم استهداف سفينتين إسرائيليتين بصاروخ حربي وطائرة مسيرة في باب المندب، إلى جانب ثلاث سفن سويسرية، وسفينتين دنماركيتين، وأخرى نرويجية، بالإضافة إلى سفينة فرنسية كان بعضها متوجها إلى إسرائيل.

ومنذ 10 يناير، دخلت السفن البريطانية والأمريكية تحديدا بنك أهداف الحوثي، إلى جانب الأهداف الإسرائيلية. ففي 10 يناير، نفذت قوات الحوثي عملية عسكرية بعدد كبير من المسيرات والصواريخ الباليستية ضد سفينة أمريكية متجهة إلى إسرائيل، في أول رد على الهجوم الأمريكي البريطاني في 31 ديسمبر.

وخلال الشهر ذاته، تمت إصابة نحو ٦ أهداف أمريكية، ما بين سفن تجارية وحربية ولوجستية ومدمرات، وفي 22 يناير اشتبكت قوات الحوثي بمجموعة من السفن والمدمرات الحربية الأمريكية في خليج عدن وباب المندب أثناء تقديمهما الحماية ل سفينتين تجاريتين أمريكيتين، مما أدى إلى إصابة سفينة حربية إصابة مباشرة وإجبار السفينتين التجاريتين على التراجع. كما تمت إصابة سفينة شحن عسكرية أمريكية بصواريخ بحرية مناسبة. وفي 27 يناير استهداف سفينة بريطانية مما أدى إلى احتراقها. بالإضافة إلى إصابة السفينة اليونانية ” زوغرافيا ” التي كانت متجهة إلى إسرائيل في ١٦ يناير.

بقي الوضع على ما هو عليه خلال شهر فبراير، حيث تم استهداف ما يقارب ٦ سفن بريطانية متنوعة ما بين سفن تجارية أو نفطية، وعدد أكبر من السفن أمريكية حتى ٢٢ فبراير الجاري (أكثر من ٦ سفن ). فضلا عن شن سلسلة عمليات عسكرية تجاه أهداف إسرائيلية.

(-) حجم الأضرار: فمن خلال رصد لنتائج هجمات الحوثي على السفن المارة قبالة السواحل اليمنية، نجد أن هناك عددا قليلا من السفن التي تمت إصابتها إصابات دقيقة ومباشرة، وبالتالي مكلفة، مثل الاستيلاء على السفينة الإسرائيلية جلاكسي ليدر في ١٩ نوفمبر الماضي، وإصابة سفن أمريكية في ١٥ و ١٧ و ٢٢ يناير و١٩ و ٢٢ فبراير إصابات دقيقة. وبعض السفن البريطانية، والتي احترق بعضها في ٢٧ يناير و٣١ يناير، ومنها ما أصيب إصابات دقيقة، كما حدث في يومي ١٩ و ٢٢ فبراير، وإغراق السفينة ” روبيمار “.بالإضافة إلى سفينة ” ميرسك جيبرلاتر ” الدنماركية في ١٤ ديسمبر.

(-) لهجة الخطاب: من خلال استعراض خطابات القادة الحوثيين على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، يتضح مدى التزام الحوثي بذات اللهجة الخطابية، والأهداف من الهجمات، ففي جل الخطابات أكد زعيم الحركة عبدالملك الحوثي والمتحدث العسكري يحيي سريع على استمرار الهجمات في البحر الأحمر نصرة لغزة، وقد أفاد أحد التصريحات في ١٩ فبراير الجاري بأن ” القوات المسلحة اليمنية لن تتردد في اتخاذ المزيد من الإجراءات العسكرية، وتنفيذ المزيد من العمليات النوعية ضد كافة الأهداف المعادية، دفاعا عن اليمن العزيز، وتأكيدا على الموقف المساند للشعب الفلسطيني “.

لكن مؤخرا أصبح قادة الحوثيين يؤكدون على عبارة ” عمليات نوعية “، في إشارة إلى عدم وجود نوايا حوثية _ حتى الآن على الأقل في إطار المعطيات الراهنة _ لتوسيع نطاق الهجمات على عموم السفن المارة بأنواعها ومهامها المختلفة أيضا، فالأمر يقتصر حتى الآن على السفن الأمريكية والبريطانية والمرتبطة بإسرائيل. وهو ما أكده الناطق باسم أنصار الله محمد عبدالسلام في بيان أفاد بأن ” الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي وباب المندب آمنة وكل سفن العالم تعبر بسلام، باستثناء السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، إضافة إلى حقنا المشروع في الرد على العدوان الأمريكي البريطاني “.

حدود التأثير:

لا شك أن استمرار هجمات الحوثي وفقا لما يراه اقتصاديون قد تسهم في تراجع النجارة العالمية، مما سيؤدي إلى مزيد من الإرباك لشركات الشحن على المدى الطويل، الأمر الذي سيترك تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي برمته. ووفق بيانات غرفة الشحن الدولية، فإن هجمات الحوثي أعاقت حركة الملاحة عبر البحر الأحمر الذي تمر منه ١٢٪ من التجارة العالمية، وقد تسببت هذه الهجمات في مضاعفة تكلفة النقل البحري، نتيجة لتغيير أكثر من ١٨ شركة مسار سفنها عبر باب المندب مرورا بقناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح، وفقا للأمم المتحدة.

لكن في الوقت نفسه، حال استمرت الهجمات بهذه الانتقائية وحجم الإصابات غير الدقيقة في معظمها، فإنها قد لا تحدث الأثر الملحوظ أو المباشر بالنسبة للحرب الإسرائيلية على غزة، بعد أن توقع مراقبون أن هجمات الحوثيين على السفن المارة بمختلف جنسياتها سيصدر ضغوطا على الجانب الإسرائيلي والأمريكي من قبل المجتمع الدولي عموما من شأنها أن تؤثر في مسار الحرب، لأن حركة التجارة العالمية مهما بلغت درجة تأثرها، سيظل تأثير مؤقتا سيتلاشى بانتهاء الحرب، ومحدودا نظرا لتضرر دول بعينها. وقد لا تغامر جماعة الحوثي باستهداف عموم السفن، لأنها بذلك ستصعد التوتر مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية المتضررة بشكل أكبر من تعطيل حركة الملاحة.

حتى أن وجود أهداف غير معلنة للحوثيين والأمريكان قد يقلل من تأثير هجمات الحوثي في البحر الأحمر على حرب غزة؛ فقد سبق وأعلنت الولايات المتحدة أن الهدف من تدشين عملية ” حارس الازدهار ” هو مواجهة هجمات الحوثيين، إلا أن الهدف غير المعلن يتمثل في إدراك واشنطن لأهمية البحر الأحمر، في ظل وجود نحو ١١ قاعدة عسكرية في القرن الأفريقي، وبالتالي مثلت هجمات الحوثي فرصة لواشنطن لخلق موطئ قدم لها في المنطقة، بهدف حماية أمن إسرائيل وتقويض النفوذ الصيني والروسي هناك، ولهذا استصدرت قرارا من مجلس الأمن لنشر قوات في البحر الأحمر تحت ذريعة حماية حركة الملاحة لإضفاء الشرعية على تحركاتها، وذلك بعد تضخيم إعلامي لهجمات الحوثي.

وعلى الجانب الآخر، فالحوثيون من خلال موقفهم الداعم لغزة يهدفون في المقام الأول إلى تعزيز مكانتهم داخليا وخارجيا، وبالفعل بدأوا يكتسبون شعبية غير مسبوقة داخل اليمن وخارجه، وسط موجات تضامن عالية في الدول العربية والإسلامية، كما سيخدم استمرار العمليات شعارهم التأسيسي ” الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام “، وبالتالي فإن تراجعهم قد يعرض مصداقيتهم وشعارهم للخطر.كما قد تكون هجمات الحوثي ورقة قد تستخدمها الجماعة في مفاوضات إنهاء الحرب مع السعودية، وإثباتا لمكانتها الاستراتيجية في المعادلة الداخلية والإقليمية في المستقبل.

لذا، لا يتوقع أن تتوقف الهجمات، خاصة بعدما أعادت الولايات المتحدة الحوثيين إلى قوائم الإرهاب. حتى أن القرار الأوروبي بتشكيل مهمة عسكرية ” أسبيدس ” لردع هجمات الحوثي في البحر الأحمر لن يغير من موقف الحوثيين، إلا أنه قد يعتبر إشارة لضرورة وجود ترتيبات أمنية مكثفة طويلة الأمد لإعادة الاستقرار للبحر الأحمر، سواء نتيجة لإدراك أوروبي لأهمية التموضع في المنطقة أو نتيجة لضغط أمريكي للضغط على الحوثيين. لكن مع بقائها في النطاق ذاته دون تصعيد أو وضع أهداف جديدة طالما استمرت تطورات حرب غزة وموقف الدول الغربية من هجمات الحوثي على مستواها الحالي.

إلا أن ذلك لا ينفي حال استدعت تطورات حرب غزة أن يقوم الحوثيون بتقييد المرور عبر باب المندب أو إغلاقه، وفي احتمال آخر حذرت منه الحكومة اليمنية، وهو إمكانية تخريب الحوثيين لكابلات الاتصالات البحرية الحيوية، بما في ذلك خطوط الإنترنت، التي تمتد تحت البحر الأحمر وتربط آسيا بأوروبا، بعد أن نشرت قناة مرتبطة بالحوثين خريطة توضح مسارات الكابلات البحرية في البحر الأحمر التي تمر عبر سواحلها، وتحديدا عند مضيق باب المندب  إلا أن كابلات الألياف التي تنقل 17% من حركة الإنترنت تقع في قاع البحر على عمق يمتد لمئات الأمتار بما يجعلها بعيدة عن متناول الغواصين، ويجعل مهمة تخريبها صعبة بالنسبة لإمكانيات الحوثيين، كما سبق وصرح عبدالملك الحوثي بأنه ” ليس لدينا نية لاستهداف الكابلات البحرية، توجهنا واضح “، إلا أنها تظل احتمالات قائمة وفقا لمراقبين.

بناءا على ذلك، من المرجح أن يظل التصعيد بين الحوثيين والقوات الدولية الموجودة في البحر الأحمر في إطار المحدود كما هو عليه الآن لحين انتهاء حرب غزة، فواشنطن قد لا يكون هدفها القضاء على الحوثيين تماما نظرا لحسابات سياسية، كما أن تقرير البنتاجون أكد أن ” الحوثيين حافظوا على قوتهم رغم الضربات الأمريكية البريطانية، وأنهم ما زالوا قادرين على عرقلة الشحن التجاري، كما ظهرت لديهم أسلحة نوعية جديدة مثل الغواصة _ المسيرة الإيرانية الصنع قبل أيام “، كما أشار مسؤولون بريطانيون إلى صعوبة القضاء على الحوثي في المستقبل القريب. وقد يترك الأمر فيما بعد للوساطات الإقليمية كعمان والسعودية، خاصة بعدما أفادت تقارير إعلامية بطرح بلينكن مسألة هجمات الحوثيين خلال زيارته الأخيرة للسعودية، وحاول أن تكون الرياض وسيطا لدي الحوثيين لوقف الهجمات.

وإجمالا، يمكن القول إن هجمات الحوثي بطبيعتها الحالية وحجم الأضرار المادية الناجمة عنها، لم يعد لها نفس الزخم القوي كأهم أدوات الضغط على المجتمع الدولي لوقف الحرب في غزة، نظرا لكونها أصبحت تحمل طابعا انتقاميا ضد قوات التحالف بغض النظر عن مدى تأثيرها في مسار الحرب.

 

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى