إلى أين ينتهي الصراع في السودان؟

استيقظ العالم اليوم، أمس 15 أبريل 2023، على اشتباكات ومطاردات بين كل من قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة  محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتضارب البيانات والأنباء عن السيطرة على المواقع الحيوية في العاصمة الخرطوم، مثل المطار، ومبنى البث التليفزيوني، وما تبع ذلك من دعوة دبلوماسيي القوى الغربية والإقليمية إلى التزام كافة الأطراف بضبط النفس، والعودة إلى الحوار وطاولة المفاوضات، وما تلاه من إعلان كل من مصر والسعودية تعليق رحلاتهما من وإلى السودان.

ونظرا لخطورة الصراع وانعكاساته على الداخل السوداني والمنطقة، نظرا للأهمية الاستراتيجية التي يمثلها السودان المُطل على البحر الأحمر، بالإضافة إلى التخوف من انزلاق السودان في حلقة جديدة من العُنف.

إرهاصات الصراع:

خلال شهر يونيو 2022، تم تداول تقارير وتصريحات حول عودة قياديي حزب المؤتمر الوطني، الذي ينتمي إليه الرئيس السابق والمعزول عمر البشير، إلى الحياة السياسية، خاصة أن قيادة المجلس السيادي قامت بحل اللجنة التي كانت مسئولة عن محاسبة رموز النظام السابق، وتجميد ممتلكاتهم، وعزل من بقي منهم في المناصب العامة، وذلك عقب أحداث أكتوبر 2021، بل وتم أيضًا الإفراج عن بعض المسئولين السابقين، وإنهاء تجميد حساباتهم البنكية، الأمر الذي اعتبرته الحركات المدنية عودة قوية لرموز النظام السابق على يد قيادة المجلس الانتقالي السيادي[1].

يُشار في هذا الصدد إلى تعيين الفريق أحمد مفضل مديرًا لجهاز المخابرات العامة في السودان في نوفمبر 2021، علمًا بأنه كان يشغل منصب والي جنوب كردفان في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وذلك بالإضافة إلى إعادة العديد من الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية والذين ينتمون إلى عهد الرئيس السابق البشير بعدما تم عزلهم من قِبل اللجنة المذكورة آنفًا عقب الإطاحة بالرئيس السابق[2].

في فبراير 2023، صرح محمد حمدان دقلو (حميدتي) بأن الانقلاب في 2021 خَدَم داعمي النظام السابق للرئيس المعزول عمر البشير، وبالتالي اعتبر أن ذلك الانقلاب يُمثل بوابة لعودة النظام السابق، مؤكدًا أن ذلك الانقلاب كان خطأً من البداية.

جاءت تلك التصريحات عقب أسبوع من تأكيد الفريق عبد الفتاح البُرهان، رئيس المجلس السيادي الانتقالي، أنه لن يسمح لقوات الدعم السريع، التي يقودها حميدتي، بأن تعمل بشكل منفصل عن القوات المسلحة السودانية، وأنه لابد من دمجها في صفوف الجيش السوداني.

في المُقابل، وُجهت انتقادات لتصريحات حميدتي، باعتبار أنه تجاهل الاتهامات التي تُواجه قوات الدعم السريع باعتبارها شاركت في العنف ضد المدنيين في يونيو 2019، واتهامها بالضلوع في المذابح التي تمت إبان تحالفها مع نظام البشير خلال الحرب في غرب دارفور والتي نشبت عام 2003[3].

في السياق ذاته، أعلن نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، في مارس 2023 ضرورة تسليم السلطة إلى القوى المدنية وفقًا لما جاء في الاتفاق الإطاري، مُصرحًا “رسالتنا إلى إخواننا في السلطة، تسليم السلطة للشعب من دون لف ولا دوران”. مضيفًا أنه”من اليوم فصاعداً، لن نسمح بقتل الشباب المتظاهرين أو اعتقال السياسيين”، وأضاف “في صدورنا الكثير وصمتنا كثيراً، ولا نريد أن نصبح سبباً (فيما يحدث)، لكن لن نتزحزح أو نرجع عن المبادئ الأساسية التي تجمع وتنصف الشعب السوداني”[4].

ما هي ميلشيا قوات الدعم السريع؟:

تُشير التقديرات إلى أن قوام قوات الدعم السريع يصل إلى حوالي 100 ألف فرد، علمًا بأن تلك القوات انبثقت مما سُمي سابقًا “ميليشيات الجنجويد المسلحة” التي استخدمها نظام الرئيس السابق البشير لإخماد التمرد في دارفور، وتُتهم الميليشيا بالمشاركة في تشريد حوالي 2.5 مليون شخص ومقتل حوالي 300 ألف شخص، بالإضافة إلى اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان.

استمر تنامي نفوذ قوات الدعم السريع وعلى رأسها حميدتي، حتى ساهمت مع الجيش السوداني في الحرب في اليمن ضمن المعسكر السعودي الإماراتي، الأمر الذي سمح لحميدتي بتوسيع علاقاته الإقليمية، وفي عام 2017، تم إقرار القانون الذي منح قوات الدعم السريع صفة قوة أمن مستقلة، الأمر الذي جعل قيادة الجيش تعبر عن قلقها إزاء تنامي قوة ونفوذ “حميدتي” مع رفض دمج تلك القوات في صفوف الجيش السوداني[5].

يُذكر أن حميدتي قد زار روسيا في فبراير 2022 عشية اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية[6]، كما أنه أوضح عقب زيارته أن “من حق روسيا إقامة قاعدة عسكرية في السودان إذا كان ذلك في مصلحة السودانيين”[7].

ملامح القُدرات العسكرية:

يصل عدد القوات المسلحة السودانية إلى حوالي 205 ألف جندي؛ حيث تنقسم هذه القوات إلى 100 ألف قوات عاملة، و50 ألف قوات احتياطية، و55 ألف قوات شبه عسكرية، أما بالنسبة للقوات الجوية، فتمتلك 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، و37 طائرة هجومية، و25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، و12 طائرة تدريب، كما تُصنف القوات الجوية السودانية باعتبارها رقم 47 ضمن الأقوى عالميا.

يمتلك الجيش السوداني 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالميا، إضافة إلى 6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالميا، وقوة تضم 20 مدفعا ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالميا، كما يمتلك الجيش السوداني 389 مدفعا و40 راجمة صواريخ.

من ناحية أُخرى، يمتلك جيش السودان أسطولا حربيا يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالميا، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار[8].

أما قوات الدعم السريع، والتي سبق الإشارة إلى أن قوامها يصل إلى 100 ألف فرد، فيتركز تواجدها في العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، كما استولت في وقت سابق على عدد من المقرات مثل جهاز الأمن الوطني، ومبنى لحزب المؤتمر الوطني المنحل، وتتخذ من تلك المقرات تمركزا لها، إضافة إلى انتشارها على الحدود مع دول الجوار الأفريقي.

يُشار أيضًا إلى وجود تلك القوات في أغلب ولايات السودان، إلى جانب ثُكنات الجيش، وخاصة في مناطق دارفور، وجنوب وشمال وغرب كُردفان، كما أن قوات الدعم السريع بدأت، منذ حوالي 3 أشهر، في نقل ما يُقدر عدده بحوالي 50 ألف فرد من دارفور إلى الخرطوم، مع تعزيز ذلك التمركز من خلال قطع حربية صغيرة ومدرعات، بالإضافة إلى الاحتفاظ بمواقعها على البحر الأحمر، وبالقُرب من منطقة حلايب[9].

اتجاهات الصراع:

يظل المشهد السوداني ضبابيًا؛ فالأمر لا يقتصر فقط على الاتهامات المتبادلة حول من أطلق الرصاصة الأُولى، ولا حول المدة التي يجب أن تستغرقها عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني بين عامين كما يراها الفريق البرهان أو عشرة أعوام كما يريدها الفريق حميدتي، ولكن تزداد حدة الموقف مع كل ضحية تسقط جراء ذلك الصراع، بالإضافة إلى التقدير بعدم نجاح حميدتي في جذب القوى المدنية الديمقراطية في ضوء الاتهامات التي يواجهها هو وقوات الدعم السريع بشأن جرائم الحرب التي تم ارتكابها سواء في دارفور أو خلال عام 2019، وبالتالي، يُرى اعتماد الطرفين على الدعم الدولي لكل منهما والذي يعكس صراع النفوذ الغربي الروسي في السودان، بالإضافة إلى ما يحمله تدهور المشهد السوداني من خطورة على المستوى الإقليمي في ظل استمرار هشاشة الأوضاع في الصومال، وتشاد، الأمر الذي يزيد من الضغط على المنطقة بصفة عامة، ومصر بصفة خاصة بحُكم الجوار الجغرافي والتأثيرات المحتملة على منطقة جنوب البحر الأحمر.

في كافة الأحوال، وعلى الرغم من أن التفاعلات السياسية تسمح بكافة الاحتمالات، إلا أنه من الصعب تخيل قبول القوى المدنية لسيطرة أي من الطرفين على المشهد السياسي السوداني، وبالتالي فإن قُدرة أي من الطرفين على حسم المعركة لصالحه لن تعني بالضرورة انتهاء العُنف أو استقرار المشهد السياسي السوداني في ضوء التقدير باستمرار القوى المدنية في السعي إلى استعادة السيطرة على مقاليد السلطة في البلاد.

[1]Mohanad Hashim, “Sudan alarm at return of Bashir loyalists and the NCP”, BBC News, accessed April 15th, 2023: https://www.bbc.com/news/world-africa-61550100.

[2]“من هو الفريق أحمد مفضل مدير المخابرات العامة الجديد في السودان”، القاهرة 24، تاريخ الزيارة 15 أبريل 2023:https://www.cairo24.com/1432087.

[3]Dickens Olewe, “Mohamed ‘Hemeti’ Dagalo: Top Sudan military figure says coup was a mistake”, BBC News, accessed April 15th, 2023: https://www.bbc.com/news/world-africa-64704858.

[4]“قوات «حميدتي» تطالب بتسليم السلطة للمدنيين في السودان”، جريدة الشرق الأوسط، تاريخ الزيارة 15 أبريل 2023: https://aawsat.com/home/article/4193081/%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%C2%AB%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A%C2%BB-%D8%AA%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%A8%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86.

[5]“ما هي قوات الدعم السريع التي تخوض مواجهة مسلحة مع الجيش السوداني”، France 24، تاريخ الزيارة 15 أبريل 2023: https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/20230415-%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AA%D8%AE%D9%88%D8%B6-%D8%AD%D8%B1%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A.

[6]أحمد يونس، “حميدتي في موسكو لإجراء مباحثات مع الحكومة الروسية”، جريدة الشرق الأوسط، تاريخ الزيارة 15 أبريل 2023: https://aawsat.com/home/article/3492881/%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-%D9%84%D8%A5%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%AD%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A9.

[7]محمد محمد عثمان، “روسيا وأوكرانيا: ما الذي جناه نائب رئيس مجلس السيادة السوداني من زيارته إلى موسكو؟”، تاريخ الزيارة 15 أبريل 2023: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-60610856.

[8]“ما هي قدرات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؟”، سكاي نيوز عربية، تاريخ الزيارة 15 أبريل 2023: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1613325-%D9%82%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%9F.

[9]“قوات الدعم السريع في السودان: من حليف للجيش إلى قوة متمردة”، الجزيرة نت، تاريخ الزيارة 15 أبريل 2023: https://1-a1072.azureedge.net/politics/2023/4/15/%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%86-%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%81#:~:text=%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%AC%D8%AF%20%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B9%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%B9%20%D9%81%D9%8A,%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D9%81%D9%88%D8%B1%20%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%202003..

رضوى صقر

رضوى صقر- باحثة مشاركة مهتمة بالشئون الإقليمية والإفريقية ودراسات بناء السلام، حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وخريجة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى