التوازن المحسوب”: هل “روسيا” أهم للجزائر من “الصين”؟

تنوعت أسباب وأدوات النفوذ الصيني[i] والروسي[ii] في القارة الإفريقية، حتى أن المتخصصين في الشأن الإفريقي ما زالوا يعقدون مقارنة بين آليات كل من الصين وروسيا والمناطق التي يتم التركيز عليها في إفريقيا، وتعتبر الجزائر إحدى أبرز الدول ذات التعاون المشترك مع القوتين الشرقيتين، الأمر الذي يستدعي الانتباه ويُثير التساؤل حول مدى وجود تنافس أو تكامل بين القوتين فيما يخص التعاون مع الدولة الشمال إفريقية.

العلاقات الجزائرية الروسية:

جاءت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا في يونيو 2023، والتي كان مقررًا لها أن تتم في شهر مايو 2023 وفقًا لنتائج الاتصال الهاتفي بين الرئيسين في يناير 2023، تمت الزيارة عقب تكهن بعض التحليلات بأن العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد تحديات جمة خاصة في ظل سعي الجزائر إلى مزيد من الاستقلالية، وتحقيق التوازن في علاقاتها الدولية[iii].

منذ عام 2002، جاءت حوالي 76% من واردات الجزائر التسليحية من روسيا؛ حيث حلت الجزائر ضمن الوجهات الخمس الأولى عالميًا للأسلحة الروسية، كما أجرت البحرية الروسية مناورات عسكرية استضافتها الجزائر في أكتوبر 2022، وتلا ذلك زيارة كل من الأمين العام لمجلس الأمن الروسي/ نيكولاي باتروشيف، ومدير المصلحة الفيدرالية للتعاون العسكري والتقني/ ديميتري شوغاييف، إلى جانب إعلان الجزائر في نوفمبر 2022 عن نيتها الانضمام إلى مجموعة بريكس، الخطوة التي رحب بها وزير الخارجية الروسي/ سيرجي لافروف.

أما الحديث عن وجود ما يُزعزع العلاقات الثنائية بين الجزائر وروسيا، فيعود إلى عدة عوامل منها استفادة الجزائر من السعي الأوروبي للاعتماد على مصادر للغاز الطبيعي بدلاً من روسيا؛ حيث أصبحت الجزائر المُورد الأول للغاز إلى إيطاليا، كما جاءت تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول وجود مجموعة فاجنر في مالي في ديسمبر 2022 التي أكد فيها أن “الأموال التي يدفعها المجلس العسكري الحاكم في مالي مقابل خدمات مرتزقة مجموعة فاجنر الروسية الخاصّة ستكون أكثر فائدة إذا تم استثمارها في مشاريع اقتصادية[iv].

وتأتي خطوات تعزيز العلاقات الإيطالية الجزائرية في ظل التوتر بين كل من الجزائر وإسبانيا وإعلان الأولى في يونيو 2022 تعليق معاهدة الصداقة وحُسن الجوار مع إسبانيا الموقعة عام 2002، كما سبق وأن حذرت شركة سوناطراك النفطية الجزائرية إسبانيا من إعادة بيع النفط الجزائري إلى طرف ثالث ومهددة بوقف عقود التوريد إلى إسبانيا، وذلك على خلفية الدعم الإسباني للمغرب فيما يخص قضية الصحراء[v].

وفي يناير 2023، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، الذي كان يزور فرنسا تلبية لدعوة نظيره الفرنسي تييري بوركار، وهي الزيارة الأولى لقائد جيش جزائري إلى فرنسا منذ حوالي 17 عام، وقد أعلنت وزارة الدفاع الجزائرية أن “الزيارة تندرج في إطار تعزيز التعاون بين الجيش الوطني الشعبي والجيوش الفرنسية، وسيتمكن الطرفان من التباحث حول المسائل ذات الاهتمام المشترك”[vi]، الخطوة التي تلاها في أبريل 2023 إعلان الرئاسة الجزائرية عن زيارة مرتقبة للرئيس الجزائري إلى فرنسا في يونيو 2023، وهي الزيارة التي كان مقررًا لها شهر مايو 2023[vii]، إلا أن تلك الزيارة لم تتم؛ حيث اختار الرئيس الجزائري التوجه إلى روسيا، كما لم يتم الإعلان عن تحديد موعد جديد لزيارته المرتقبة إلى فرنسا[viii].

وخلال زيارته إلى روسيا، عقد الرئيس الروسي ونظيره الجزائري محادثات تتضمن توقيع إعلان شراكة استراتيجية بين البلدين، حيث أعلن الرئيس “تبون” أن “الأوضاع الدولية لا تؤثر على صداقة الجزائر مع روسيا، التي تمتد على مدى 60 سنة، حيث كان الاتحاد السوفياتي حينئذ من الداعمين لاستقلال الجزائر” مضيفًا أن “الجزائر حصلت على العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن (التي تبدأ في يناير 2024) بفضل أصدقائنا وعلى رأسهم روسيا”، موضحا سعي بلاده للتعجيل بالانضمام إلى منظمة “البريكس” الاقتصادية التي تشكل روسيا أحد أهم أعضائها”[ix].

وبتاريخ 31 يوليو 2023 وصل رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة إلى روسيا، وقد تَفَقَّد في اليوم الثالث لزيارته قاعدة جوكوفسكي الجوية في ضواحي العاصمة الروسية موسكو، وقد رافقه دميتري شوغاييف، مدير مصلحة التعاون العسكري الفيدرالية روسيا، حيث عاين بعض أنواع الطائرات العسكرية، واطلع رئيس الأركان الجزائري خلال زيارته، على أحدث التجهيزات والتقنيات المستخدمة في مجال الطيران العسكري، بعدها انتقل الفريق أول إلى مقر شركة “ديناميكا” لتكنولوجيا الطيران، حيث اطلع على آخر التجهيزات والتكنولوجيات في مجال التكوين القاعدي للطيارين بما في ذلك البرامج المخصصة للمحاكاة في مجال الطيران، كما سبق أن التقى رئيس الأركان وزير الدفاع الروسي في يوم وصوله إلى موسكو[x]. بعيدًا عن روسيا، تستورد الجزائر حوالي 7% من وارداتها الدفاعية من الصين، و6% من ألمانيا، و3% من إيطاليا[xi].

العلاقات الجزائرية الصينية:

تعتبر العلاقات الجزائرية الصينية أيضًا من العلاقات الراسخة والمستمرة منذ خمسينيات القرن الماضي، أي قبل حصول الجزائر على استقلالها مع بداية الستينيات؛ حيث أنه بعد إقامة حكومة الجزائر المؤقتة في سبتمبر 1958، اعترفت الصين بها على الفور، فكانت أول دولة غير عربية تعترف بحكومة الجزائر المؤقتة، ثم أُقيمت العلاقات الدبلوماسية في 20 ديسمبر 1958. وعقب استقلال الجزائر عام 1962، شهدت العلاقات الثنائية تطورا مطردا، وقدمت الجزائر إسهاما مهمًا لاستعادة الصين مقعدها في الأمم المتحدة.

بعد انتهاء الحرب الباردة، قدمت الجزائر دعما كثيرا للصين في قضايا حقوق الإنسان وتايوان وغيرها من القضايا، كما قدمت الجزائر خلال رئاستها الدورية لمنظمة الوحدة الأفريقية من 1999 إلى 2000 مساعدات كبيرة للأعمال التحضيرية لـ”منتدى التعاون الصيني الأفريقي”، مما أسهم في تأمين إقامة المنتدى في بكين بنجاح في أكتوبر عام 2000 حسب الموعد المحدد[xii].

ومنذ عام 2013 أصبحت الصين المُصدر الرئيس للجزائر، وقد بلغت الصادرات الصينية إلى الجزائر بنهاية عام 2019 حوالي 8 مليار دولار، كما ساهمت الصين في عديد من المشروعات المهمة في الجزائر مثل الطريق السيار شرق – غرب، وتطوير شبكة السكك الحديدية، ومطار الجزائر الدولي الجديد، ومسجد الجزائر الأعظم، والمستشفى الجامعي بوهران، وعدد من الفنادق الكُبرى، والملاعب الرياضية، وقد وصل عدد العاملين الصينيين في مشروعات الأشغال العامة في الجزائر إلى حوالي 100 ألف عامل قبل جائحة كورونا[xiii].

في نوفمبر 2022، أعلنت الجزائر توقيعها على “الخطة الخماسية الثانية للتعاون الإستراتيجي الشامل” مع الصين للسنوات 2022-2026، تزامنا مع تقدمها رسميا بطلب الانضمام لمجموعة “بريكس”، حيث تهدف الخطة لتكثيف التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي[xiv]، وذلك إلى جانب انضمام الجزائر إلى مبادرة الحزام والطريق منذ عام 2018.

في عام 2022 أيضًا، بدأ الشريك الصيني استثمارا بقيمة 7 مليارات دولار في قطاع الفوسفات لإنتاج 5.4 ملايين طن من المخصبات الزراعية، كما ظفرت 3 شركات صينية بمشروع منجم غار جبيلات لاستخراج خام الحديد بقيمة ملياري دولار في مرحلة أولى.

وفي أبريل 2023، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن اقتراب بلاده من الانضمام إلى مجموعة بريكس، مؤكدا أن دول التكتل لا تمانع في نيل الجزائر العضوية الكاملة[xv]، قائلاً أن دول روسيا والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل أبدت موافقتها على انضمام الجزائر إلى “بريكس”، كما أن انضمام الجزائر إلى التكتل في المرحلة الأولى سيكون كمراقب قبل أن تنال العضوية الكاملة.

وخلال الفترة 17 – 21 يوليو 2023 زار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الصين، حيث التقى الرئيس الصيني “شي”، ورئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانج، وتم توقيع 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين تشمل مجالات مختلفة، بينها تحويل التكنولوجيا والتعاون الزراعي، كما اتفق الجانبان على دعم المصالح الأساسية المشتركة والحفاظ على سيادتهما وسلامة أراضيهما[xvi].

في النهاية، يمكن القول إن الجزائر ستظل تُحافظ على علاقات متوازنة مع كل من روسيا والصين؛ خاصة أن الدولتين تدركان أن الصراع في الوقت الحالي ليس في صالحهما، وأن الأفضل هو التعاون والتكامل لكسب مزيد من الحُلفاء، والحفاظ على الشركاء التقليديين خاصة في المناطق ذات النفوذ التاريخي أو ذات الأهمية الاستراتيجية أو تلك المتاخمة جغرافيًا للقوى الغربية، وذلك على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية.

في هذا الإطار، تستفيد الجزائر من الإمكانات الهائلة المتاحة للقوتين الدوليتين، مع الحفاظ على هامش محدد من علاقات التعاون مع القوى الغربية بما يُحقق للجانب الجزائري الاستفادة من موارده، ولكن دون الإضرار بمصالحه الاستراتيجية، أو التأثير سلبًا على علاقاتها التاريخية مع روسيا والصين، كما تعمل على إيجاد موطئ قدم لها في الكيانات الاقتصادية الجديدة التي تقودها القوتان الساعيتان لتغيير النظام الدولي بعيدًا عن الوصاية والمشروطيات الغربية.

_______________________________________________________________________

[i][i] رضوى صقر، “النفوذ الصيني في إفريقيا: إلى أين”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2023: https://rcssegypt.com/13716.

[ii] رضوى صقر، “مستقبل النفوذ الروسي في إفريقيا بعد تحديات فاجنر”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2023: https://rcssegypt.com/14652.

[iii] سابينا هيلنبرج، غرانت روملي، إيريك يافورسكي، “العلاقات الجزائرية الروسية بعد غزو أوكرانيا”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تاريخ 25 يوليو 2023: https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/allaqat-aljzayryt-alrwsyt-bd-ghzw-awkranya.

[iv] “تبون: كلفة مرتزقة فاغنر في مالي ستكون “أكثر فائدة” لو استثمرت اقتصاديا”، فرانس 24، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2023:   https://shorturl.at/kqwB9

[v] يونس بورنان، الجزائر تعلق معاهدة الصداقة مع إسبانيا، ومدريد تأسف”، موقع العين الإخباري، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2022: https://al-ain.com/article/algeria-spain-friendship-treaty-arrest.

[vi] “ماكرون يلتقي في الإليزيه رئيس أركان الجيش الجزائري”، سكاي نيوز عربي، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2023:  https://shorturl.at/nvDTW

[vii] “الجزائري يزور فرنسا في النصف الثاني من شهر يونيو المقبل بهدف تعزيز علاقات البلدين”، فرانس 24، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2023:

[viii] “رهان ماكرون على الجزائر يصطدم بتعقيدات”، فرانس 24، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2023: https://shorturl.at/nvDTW

[ix] “بوتين يلتقي الرئيس الجزائري ويعلن شراكة استراتيجية بين البلدين”، الجزيرة.نت، تاريخ الزيارة 25 يوليو 2023:   https://shorturl.at/hyHLU

[x] “رئيس أركان الجيش الجزائري يزور قاعدة جوية في ضواحي موسكو”، سبوتنيك عربي، تاريخ الزيارة 4 أغسطس 2023:  https://shorturl.at/chyCP

[xi] سابينا هيلنبرج، غرانت روملي، إيريك يافورسكي، “العلاقات الجزائرية الروسية بعد غزو أوكرانيا”، مرجع سبق ذكره.

[xii] “العلاقات الصينية الجزائرية”، الصين اليوم، تاريخ الزيارة 5 أغسطس 2023: http://www.chinatoday.com.cn/Arabic/2004n/4n3/3n3n2.htm.

[xiii] صالح زياني، يوسف بوعندل، “العلاقات الجزائرية الصينية: مشروع شراكة استراتيجية شاملة وواعدة في ضوء مبادرة طريق الحرير الجديد”، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، المجلد 12، عدد 1، يناير 2023، ص.ص: 61 – 69، تاريخ الزيارة 5 أغسطس 2023: chrome-extension://efaidnbmnnnibpcajpcglclefindmkaj/https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/291/12/1/210830.

[xiv] عبد الحكيم حذاقة، “خطة خماسية بين الجزائر والصين: ماذا سيجني البلدان من التعاون الاستراتيجي”، الجزيرة.نت، تاريخ الزيارة 5 أغسطس 2023:   https://shorturl.at/apwFL

[xv] “تبون: الجزائر تقترب من الانضمام إلى بريكس”، روسيا اليوم، تاريخ الزيارة 5 أغسطس 2023:   https://shorturl.at/djJV6

[xvi] “زيارة الرئيس الجزائري للصين.. توقيع 19 اتفاقية وتأكيد التعاون في مجالات الدفاع ونقل التكنولوجيا”، الجزيرة.نت، تاريخ الزيارة 5 أغسطس 2023:   https://shorturl.at/pJPV1

رضوى صقر

رضوى صقر- باحثة مشاركة مهتمة بالشئون الإقليمية والإفريقية ودراسات بناء السلام، حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وخريجة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى