قراءة لواقع.. إلى أين ينتهي صراع القبائل في السودان؟
تتعالى الصيحات الدولية التي تُحذر من تدهور الأوضاع في السودان من الصراع على السلطة وبسط النفوذ وكسب مزيد من الأراضي إلى حرب وصراع عرقي شامل يُجدد جراح الماضي القريب؛ حيث حذرت الأمم المتحدة من صراع عرقي ممتد على الساحة السودانية كأحد تداعيات الصراع الدائر في البلاد منذ أبريل 2023 والذي أدى إلى نزوح حوالي 4 ملايين مواطن سوداني بعيدًا عن منازلهم؛ إذ تأتي تلك التصريحات في ظل الاشتباكات العنيفة التي تشهدها كل من أم درمان ودارفور[i].
تداعيات إنسانية متفاقمة:
تأتي تلك التحذيرات عقب التقارير التي أصدرتها منظمة العفو الدولية Amnesty International بشأن ارتكاب جرائم حرب لا يمكن تخيلها في دارفور من جانب كل من قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع والميليشيات والمجموعات الداعمة لكل منهما على حد سواء، وهي التقارير التي تمت بناءً على شهادة حوالي 180 من أولئك الذين لجأوا إلى شرق تشاد هربًا من الصراع الدائر في الإقليم[ii].
أدت الاشتباكات التي امتدت إلى أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور إلى مقتل حوالي 30 شخصًا وإصابة عشرات آخرين في أعمال عُنف قبلية بين قبائل السلامات وبني هلبة[iii].
تحتدم الاشتباكات عقب إصدار الفريق/ عبد الفتاح البُرهان قرارًا بتشكيل لجنة ”لجرائم الحرب وانتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع، منذ بداية الصراع العسكري، في شهر أبريل الماضي[iv].
ومنذ 4 يونيو 2023 أعلن حاكم إقليم دارفور/ منى أركو مناوي الإقليم منطقة منكوبة، جراء استمرار أعمال النهب والقتل، مطالبا بإرسال المواد التموينية عبر جميع الحدود لتفادي المزيد من المعاناة، حيث صرح عبر حسابه على موقع تويتر، إكس حاليًا، أنه “في الوقت الذي نسعى فيه لحماية المدنيين ومحاربة الجريمة ضمن الإمكانات الشحيحة المتوفرة لدينا، أبت الأيدي الآثمة إلا أن تواصل ارتكاب الجرائم ضد المواطن في الإقليم، فاليوم يتعرض الإنسان في مدينة كتم لانتهاكات فظيعة كما يحدث في الجنينة”، كما أدان “أعمال النهب والقتل التي طالت ومازالت تجري في المدينة المنكوبة كتم ومعسكر كساب ومدينة نيالا، بهذا نعلن دارفور منطقة منكوبة ونطالب العالم بإرسال المساعدات الإنسانية عبر جميع الحدود وبكل الوسائل المتاحة لإنقاذ الإنسان في الإقليم المنكوب”[v].
اتهامات متبادلة:
بتاريخ 14 يوليو 2023، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق جديد بشأن جرائم حرب في السودان، مشيرا الى أن النزاع الراهن يثير “قلقا كبيرا”، قائلاً “الحقيقة هي أننا نواجه (…) السماح بتكرار التاريخ، التاريخ المروع نفسه” الذي أدى الى فتح التحقيق الأول في دارفور قبل نحو عقدين من الزمن، مُشيرًا إلى أن “الوضع الأمني الحالي في السودان وتصاعد العنف خلال الأعمال القتالية الراهنة هو مبعث قلق كبير”[vi].
جاء قرار المُدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية تزامنًا مع إعلان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن 87 جثة دُفنت في مقبرة جماعية بمدينة الجنينة مركز ولاية غرب دارفور السودانية، تنفيذا لأوامر قوات الدعم السريع[vii].
ولا تقتصر الاتهامات على قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق/ البرهان، أو قوات الدعم السريع بقيادة الفريق/ حميدتي، وإنما امتدت أيضًا لتُشير إلى وجود أذرع خفية بين القبائل التي تَدين بالولاء للرئيس السابق/ عمر البشير، حيث يُشير محللون إلى أن قائد قوات الدعم السريع استطاع حلحلة الكثير من الإشكالات بين قبائل المكون العربي، و بين جميع مكونات دارفور والسودان أيضًا، معتبرًا أن المتورط في الصراع القائم بين قبائل السلامات والبني هلبا هو الاستخبارات العسكرية بقيادة الفريق/ البرهان وفلول النظام السابق[viii].
أما عن سبب اندلاع الصراع بين قبيلتي السلامات والبني هلبا، فتشير صحيفة السودان تريبيون إلى أن ذلك يعود إلى سببين أولهما الاتهامات المتبادلة بسرقة المواشي، وثانيهما هو رفض قبيلة السلامات الضغوط التي تمارسها قوات الدعم السريع تجاه القبائل لإعلان دعمها المطلق لها في حربها ورفضها لحملات استنفار الشباب للقتال وتفويجهم إلى الخرطوم[ix]، وقد أدت الاشتباكات خلال يوم 12 أغسطس 2023 إلى مقتل حوالي 120 شخص.
لماذا إقليم دارفور؟
بعيدًا عن الانقسامات القبلية التي تجعل الإقليم أرضًا خصبة للصراعات العرقية والقبلية الدامية، إلا أن تلك الانقسامات تُمثل العامل الذي يتم استغلاله لشن الحروب والسيطرة على الثروات التي يتمتع بها الإقليم الغني بالمياه الجوفية التي تصل تقديراتها إلى 6 بحيرات جوفية، إلى جانب ثروات الذهب في جبل عامر، ومخزون الحديد، والأعداد الكبيرة من الثروة الحيوانية، والأهم هو مخزون اليورانيوم الذي تُشير تقديرات إلى أنه يصل إلى حوالي 6 ملايين طن رغم أنها تقديرات غير رسمية، بالإضافة إلى المخزون من معدن النحاس[x].
من ناحية أُخرى، فإن دارفور هي المعقل الذي ينتسب إليه الفريق/ محمد حمدان دقلو (حميدتي) المُنتمي بدوره إلى قبيلة الزريقات، وبالتالي سهولة تجييش القبائل المُوالية للفريق حميدتي وقبيلته، خاصة في ظل سيطرته على مناجم الذهب في جبل عامر، والتي اقتنصها من زعيمه السابق/ موسى هلال الذي كان حليفه وزعيمه تحت لواء الجنجويد خلال الصراع في دارفور بين عامي 2003 – 2005.
سيناريوهات محتملة:
هذه الظروف تفرض على الجيش السوداني السعي لكسب مزيد من دعم القبائل الأُخرى، خاصة تلك التي لديها ثأرٌ مع الفريق (حميدتي) وقبيلته، أو تلك الغاضبة من سيطرتهم على مناجم الذهب، بالإضافة إلى السيطرة على مزيد من الأراضي؛ فبالنظر إلى ثروات الإقليم، نجد أن السيطرة عليه تُعطي قوة داعمة للأطراف المتصارعة عند الجلوس على مائدة المفاوضات.
ولا يُستبعد أن تتم الاستعانة من قِبَل الأجهزة الأمنية والسيادية السودانية بأنصار الرئيس السابق البشير باعتبار أن حميدتي الذي كان مُقربًا من الرئيس السابق، والذي أطلق عليه لقب “حمايتي”، قد انقلب عليه وساهم في الإطاحة به، بالإضافة إلى إمكانية الاستعانة بأنصار موسى هلال الذي انقلب عليه الفريق (حميدتي) أيضًا، وتسبب في اعتقاله عام 2017[xi].
أما عن احتمالات التصعيد إلى مستوى التقسيم فليس أمرًا مستبعدًا؛ خاصة في ظل انشغال المنطقة بمُجريات الأحداث في النيجر، وبالنظر إلى خريطة إقليم دارفور، والتي تشترك في حدودها مع تشاد وليبيا وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وبوضع ثروات الإقليم في عين الاعتبار، ومساحة الإقليم التي تصل إلى حوالي 494 ألف كم مربع، فإنه حال سيطرة قوات الدعم السريع على الإقليم، فمن المتوقع أن تتم المطالبة بحكم ذاتي للإقليم على الأقل، أو الانفصال التام عن السودان، خاصة في ظل الخبرات التي يتمتع بها الفريق أول/ حميدتي بشأن السيطرة على الحدود منذ عهد عمله في تجارة الإبل وحماية القوافل من قُطاع الطرق.
وبالتالي، فإن انفصال دارفور في هذه الحالة لن يكون لأهداف قبلية وإنما لأهداف سياسية وسعيًا لبسط النفوذ والسيطرة على ثروات الإقليم، الأمر الذي من شأنه حرمان السودان من تلك الثروات، وزيادة حدة أزمتها الاقتصادية، وبالتالي المزيد من الصراعات وتدهور الظروف الإنسانية، مما يخدم القوى الإقليمية التي تستفيد من ضعف السودان لتحقيق مصالحها.
أما القوى الدولية، فلن تتوانى عن قبول انفصال دارفور إذا كان ذلك يعني استفادتها من ثروات الإقليم المختلفة خاصة اليورانيوم والذهب، وكسب حليف جديد في المنطقة في ظل تراجع حُلفاء القوى الغربية في منطقة الساحل والصحراء إثر انقلابات مالي وبوركينا فاسو ومؤخرًا النيجر.