السودان.. ماذا بعد إقالة “حميدتي” وتعيين ” مالك عقار”؟
تشهد الساحة السودانية تطورات متلاحقة ومتسارعة سواء على مستوى الاقتتال الداخلي وخاصة في العاصمة السودانية الخرطوم، أو على مستوى التصريحات المتبادلة بين قائدي طرفي الصراع، بالإضافة إلى التطورات على مستوى آلية الوساطة المنعقدة في جدة برعاية سعودية أمريكية مشتركة، إلى جانب تدهور الموقف الأمني والإنساني كجزء من تداعيات الصراع.
مشهد مرتبك:
بتاريخ 18 مايو 2023، صرح يوسف عزت، مستشار قائد قوات الدعم السريع للشئون السياسية، أنهم على استعداد للقاء قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في أي مكان وزمان شريطة وقف إطلاق النار، وذلك عقب يوم واحد من لقاءه برئيس دولة جنوب السودان “سلفا كير ميارديت”؛ حيث اعتبره مستشار قائد قوات الدعم السريع أكثر شخص يتفهم المشكلة السودانية، كما أشار في تصريحاته إلى سيطرة قوات الدعم السريع على 90% من مناطق الخرطوم[i].
عقب ذلك بساعات قليلة، وبتاريخ 19 مايو 2023، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان مرسوما بإعفاء قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، من منصب نائب رئيس المجلس، كما عين الفريق أول البرهان زعيم المتمردين السابق مالك عقار في منصب نائب رئيس مجلس السيادة[ii]، وذلك في الوقت الذي يلتقي فيه ممثلو طرفي الصراع في جدة بالمملكة العربية السعودية في محاولة للتوصل إلى تهدئة بين الجانبين.
جاءت تلك التطورات بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق المبادئ الأَولي بين طرفي الصراع، والذي تم توقيعه في جدة بتاريخ 12 مايو 2023، والذي نص على التزام الطرفين بسيادة السودان، ووحدته، والامتناع عن أي هجوم من شأنه أن يتسبب في أضرار مدنية، كما اتفقا على أن مصالح الشعب السوداني أولوية لهما، واتخاذ الجيش السوداني والدعم السريع جميع الاحتياطات لتجنيب المدنيين أي ضرر، والسماح لجميع المدنيين في السودان بمغادرة مناطق الأعمال العدائية والمحاصرة، إضافة للالتزام بالإجلاء واحترام المرافق العامة والخاصة في السودان وحماية العاملين في المجال الطبي والمرافق العامة بالسودان، واعتماد إجراءات بسيطة وسريعة لعمليات الإغاثة الإنسانية، والالتزام بحماية الاحتياجات والضروريات لبقاء المدنيين على قيد الحياة، إلى جانب الالتزام بفترات التوقف الإنسانية المنتظمة وأيام الهدوء حسب الحاجة، علمًا بأن الطرفين كان لديهما مطالب وشروط ارتأت الوساطة تأجيلها لصالح التوصل لاتفاق أَولي وفتح ممرات وقنوات آمنة بشكل سريع[iii].
وفي اليوم التالي، تم الإعلان عن دعوة المملكة العربية السعودية للفريق أول البرهان لحضور قمة جامعة الدول العربية المنعقدة بتاريخ 19 مايو 2023[iv]، إلا أن الفريق أول البرهان أوفد السيد دفع الله الحاج علي، الذي أكد أمام القمة العربية بقوله “لسنا دعاة حرب لكنها فُرضت علينا”، مضيفًا “إذا ألقى أفراد الدعم السريع السلاح فسوف نعفو عنهم”[v]، كما أضاف “أبوابنا مفتوحة أمام دمج قوات الدعم السريع إن رغبوا في ذلك”.
وبتاريخ 15 مايو 2023، نشر حميدتي تسجيلاً صوتيًا عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، ليؤكد أنه لا زال على قيد الحياة، نافيًا الشائعات التي ترددت حول مقتله، وقد نعت قوات الجيش السوداني بـ”الانقلابيين”، منوهًا عن مسئولية قوات الجيش بقيادة الفريق أول البرهان عن الترويج لمثل تلك الشائعات، حيث ادعى أنها جاءت نتيجة انهزامهم أمام قوات الدعم السريع، وقد توعد الفريق أول البرهان قائلاً “ستكون في قبضتنا عاجلا أم آجلا”[vi].
يرى محللون ومراقبون أن قرار إقالة حميدتي من منصبه يعتبر أحد تبعات وضرورات قرار حل قوات الدعم السريع، وهو القرار الذي تم تأجيله لإعطاء الفرصة لقوات الدعم السريع للتراجع عن موقفها، وإعطاء الفرصة لجهود الوساطة، إلا أن القرار صدر نتيجة إصرار قوات الدعم السريع على موقفها، والتأثير السلبي على الشعب السوداني[vii].
إن الأحداث الجارية على الساحة الداخلية السودانية، وحالة التضارب في التصريحات بين الجانبين، تجعل من الصعب تأييد فكرة أن إقالة حميدتي، جاءت كنتيجة طبيعية لقرار حل قوات الدعم السريع، إلا أن تسلسل الأحداث الوارد أعلاه يجعل من الصعب تبني وجهة النظر تلك، خاصة في غياب الاتساق ليس فقط بين الأفعال وردود الأفعال، وإنما بين كل منهما على حدة.
“مالك عقار”.. من هو؟:
اختار الفريق أول الركن عبد الفتاح البُرهان أن يُولي السيد “مالك عقار” منصب نائب رئيس مجلس السيادة خلفًا لحميدتي، ويُشار إلى أن “عقار” يملك تاريخًا سياسيًا حافلاً؛ حيث تولى خلال التسعينيات قيادة القطاع العسكري للحركة الشعبية لتحرير السودان على الحدود السودانية-الإثيوبية جنوب ولاية النيل الأزرق حتى قيسان، وينتمي مالك عقار إلى شعب الإنقسنا.
تم انتخابه حاكماً لولاية النيل الأزرق في أبريل 2010، ثم أصبح في فبراير 2011 رئيسًا للحركة الشعبية في القطاع الشمالي، والذي أصبح بدوره حزبا سياسيا مستقلا عند انفصال الجنوب في يوليو 2011، وفي 3 سبتمبر 2011 تصاعدت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات جيش تحرير جنوب السودان الموالية لعقار، وأُعلن على إثرها فرض حالة الطوارئ في ولاية النيل الأزرق وعزل مالك عقار من منصبه وتعيين حاكم عسكري عليها[viii].
وفي أكتوبر 2020، وقعت الحركة التي يقودها عقار، مع حركات متمردة من إقليم دارفور اتفاق “سلام جوبا” مع الحكومة الانتقالية بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، وفي إطار الاتفاق أصبح عقار عضوا في مجلس السيادة الانتقالي بالسودان.
تُشير تقديرات إلى أن اختيار السيد مالك عقار خلفًا لـ حميدتي يأتي للأسباب التالية:
- موقف مالك عقار الإيجابي بعد دمجه قوات الحركة الشعبية جناح الشمال في الجيش السوداني دون تردد عقب اتفاق جوبا للسلام، وبالتالي التأكيد على عدم الانفراد بالسلطة خاصة أنه شخصية سياسية مدنية.
- تمثيل منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تعتبران منطقتين هامشيتين، وبالتالي كسب مزيد من التأييد في المنطقتين[ix].
تأثير إقالة “حميدتي” على مستوى الاشتباكات:
جدير بالذكر أيضًا أن بعض المحللين يرون أيضًا أن قرار الإقالة جاء على خلفية توافر معلومات لدى الجيش السوداني حول مقتل الفريق حميدتي، إلا أننا نرى صعوبة قبول ذلك الطرح، فمن الأجدر أن يتم الإعلان عن وفاة أو مقتل حميدتي مما يساعد في إحداث زعزعة واضطراب داخل معسكر قوات الدعم السريع وربما يفت من عضده وعزيمته أو دفعه نحو تحركات غير متزنة أو محسوبة، الأمر الذي يصب في صالح قوات الجيش السوداني.
في النهاية يمكن القول، إن اختيار السيد مالك عقار لتولي منصب نائب رئيس المجلس السيادي السوداني، يأتي للدلالة على نجاح تجربة الدمج السابقة التي تمت بالنسبة لقوات الحركة الشعبية – جناح الشمال؛ تأكيدًا على إمكانية دمج قوات الدعم السريع حال تخليها عن القتال، بالتزامن مع عزل حميدتي في محاولة لزعزعة صفوف قوات الدعم السريع، أو تشجيع الانشقاقات داخلها.
وعلى الرغم من الإعلان عن توصل طرفي المفاوضات القائمة في جدة إلى اتفاق تهدئة لمدة 7 أيام، إلا أن التطورات على الساحة السودانية، تُشير إلى احتمالات أكبر نحو مزيد من تدهور الأوضاع خاصة مع بدء استهداف مقار البعثات الدبلوماسية وآخرها مقر السفارة القطرية، ويُتوقع أيضًا أن تزداد حدة هجمات قوات الدعم السريع في مواجهة الجيش السوداني، خاصة الهجمات التي تستهدف النقاط والمناطق والمؤسسات ذات الأهمية الاستراتيجية؛ لتوجيه ضربات موجعة لقوات الجيش ردًا على عزل الفريق أول حميدتي، مع الوضع في الاعتبار شعور الفريق أولحميدتي بالتهديد المحدق، وأنه لم يعد هناك ما يخسره بعد عزله من منصبه.
___________________________________________________________________
[i] “مستشار حميدتي: مستعدون للقاء البرهان في أي زمان ومكان”، سكاي نيوز عربي، تاريخ الزيارة 19 مايو 2023: https://2u.pw/waTLIh
[ii] “البرهان يعفي دقلو ويكلف عقار بمنصب نائب رئيس مجلس السيادة”، سكاي نيوز عربي، تاريخ الزيارة 19 مايو 2023: https://2u.pw/oBz6gH
[iii] “توقيع اتفاق مبادئ أولي بين الجيش السوداني والدعم السريع” العربية. نت، تاريخ الزيارة 19 مايو 2023: https://2u.pw/cYxtKs
[iv] “السعودية تدعو البرهان للقمة العربية ومفاوضات جدة مستمرة”، موقع صحيفة البيان الإماراتية، تاريخ الزيارة 19 مايو 2023: https://2u.pw/Bk7NZr
[v] “مبعوث البرهان للقمة العربية: لسنا دعاة حرب لكنها فُرضت علينا”، موقع جريدة الشرق الأوسط، تاريخ الزيارة 19 مايو 2023: https://2u.pw/Zwc583
[vi] “حميدتي يرد على أنباء مقتله ويوجه تهديدا للبرهان: ستكون في قبضتنا”، CNN عربي، تاريخ الزيارة 20 مايو 2023: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/05/15/dagalo-denies-his-killing-news.
[vii] أحمد حامد دياب، “خبير إدارة أزمات سوداني يكشف للقاهرة الإخبارية سبب إقالة حميدتي من مجلس السيادة”، موقع جريدة الوطن، تاريخ الزيارة 20 مايو 2023: https://www.elwatannews.com/news/details/6582716.
[viii] “من هو مالك عقار الذي خلف حميدتي في منصب نائب أول البرهان؟”، العربية . نت، تاريخ الزيارة 20 مايو 2023: https://2u.pw/tssZWC
[ix] وائل الغول، “مالك عقار.. دلالات تعيين “زعيم المتمردين السابق” خلفا لحميدتي”، موقع الحُرة، تاريخ الزيارة 20 مايو 2023: https://2u.pw/930yhj