النفوذ الصيني في إفريقيا.. إلى أين؟

على مدار تاريخها الطويل، وعلى الرغم من التغيرات السياسية والعسكرية والجغرافية التي شهدتها خلال القرون القليلة الماضية، كانت القارة الإفريقية ولا تزال إحدى أهم ساحات التنافس بين القوى الكُبرى، إن لم تكن أهم تلك الساحات على الإطلاق، وسواء كان ذلك بين القوى الاستعمارية خلال عهود الاستعمار أو الاحتلال، أو بين القوى التي تسعى للاحتفاظ بمكانتها على قمة النظام الدولي، أو تلك الساعية إلى تغيير نمط النظام الدولي وهيكله ككل.

في هذا الإطار، يبرز حرص كل من الصين وروسيا إلى تعزيز نفوذهما الاقتصادي والسياسي والعسكري في مختلف الدول الإفريقية على اختلاف أنظمتها السياسية والتحديات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية التي تواجهها، وهو التنافس الذي يُثير جدلاً بين الأوساط التحليلية والبحثية بشأن مدى استفادة الدول الإفريقية من المشروعات والصفقات التي تعقدها مع القوتين الدوليتين، أو احتمالات سقوط الشعوب الإفريقية في شراك السيطرة والهيمنة من جانب إحدى القوتين أو كلتيهما، وهنا نركز على النفوذ الصيني في القارة الإفريقية على أن يتم بحث النفوذ الروسي في بحث لاحق إن شاء الله.

نفوذ صيني:

التغلغل الصيني في أفريقيا… الأبعاد والأهداف - المرصد

بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والقارة الإفريقية حوالي 282 مليار دولار خلال عام 2022 بزيادة قدرها حوالي 11%؛ حيث بلغ حجم الصادرات الصينية إلى إفريقيا حوالي 164.5 مليار دولار بزيادة سنوية قدرها 11.2%، بينما بلغ حجم الصادرات الإفريقية إلى الصين حوالي 117.5 مليار دولار بزيادة مكافئة تقريبًا خلال نفس العام، وتأتي أنجولا على رأس الشركاء التجاريين للصين في إفريقيا حيث قامت بتصدير ما يقدر بحوالي 25 مليار دولار من البضائع إلى الصين أغلبها من النفط، تليها جمهورية الكونغو الديمقراطية باعتبارها أكبر منتج للكوبالت على مستوى العالم، والمستخدم في صناعة السيارات الكهربائية وبطاريات الهواتف الذكية[1].

تُشير تقديرات إلى أن حجم الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر في إفريقيا يصل إى حوال 44 مليار دولار[2]، كما تملك الصين حوالي 12% من ديون الدول الإفريقية التي تضاعفت أكثر من 5 مرات بين عامي 2000 و2020 لتصل إلى حوالي 696 مليار دولار، وتأتي أنجولا على رأس الدول المقترضة من الصين في القارة الإفريقية بحوالي 18 مليار دولار، أي حوالي 40% من الدين الخارجي لأنجولا، وذلك في ظل توجه الصين نحو دعم الدول الإفريقية المُصدرة للنفط وحاجة الحكومة الأنجولية لدفع مشروعات إعادة الإعمار عقب انتهاء الحرب الأهلية في 2002، كما أصبحت أنجولا في عام 2021 المُصدر الخامس للصين بإجمالي حوالي 72% من صادرات أنجولا النفطية.

على الجانب الآخر، تأتي الصين على رأس قائمة الدول المُقرضة لكينيا بحوالي 6.83 مليار دولار عام 2022، منها حوالي 5.3 مليار دولار لتمويل مشروع Standard Gauge Railway الذي يربط بين العاصمة نيروبي وساحل مومباسا بقروض يأتي معظمها من بنك الصادرات والواردات الصيني[3]، ويُشار في هذا الصدد إلى حلول الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية لتحتل المركز الأول بين الشركاء التجاريين للدول الإفريقية، والمركز الأول بين الدول المُقرضة لدول القارة[4].

تأتي القارة الإفريقية على رأس مبادرة الحزام والطريق الصينية وذلك بعد انضمام حوالي 46 دولة إفريقية إلى المبادرة أي حوالي مليار من إجمالي عدد سكان العالم، و20% من مساحة الكرة الأرضية، ووفقًا لأحد التقارير الدولية، فقد بلغ عدد الشركات الصينية في القارة الإفريقية عام 2017 حوالي 10 آلاف شركة بإجمالي عائدات حوالي 180 مليار دولار مرشحة للزيادة حتى 250 مليار دولار عام 2025، كما وصل عدد المواطنين الصينيين ذوي الإقامة الدائمة في الدول الإفريقية إلى حوالي مليون مواطن منذ عام 2000[5].

منتدى التعاون:

منتدي التعاون الصيني الافريقي يدعو الى مزيد دعم الدول الافريقيا ماليا  وانمائيا

تم إطلاق منتدى التعاون الصيني الإفريقي عام 2000بين الصين من جهة، و53 دولة إفريقية من جهة أخرى، وهو المنتدى الذي توسع من مجرد منتدى للعلاقات الدبلوماسية، إلى منتدى شامل للعلاقات الاقتصادية والمشروعات التنموية والتعاون السياسي بالإضافة إلى تعزيز القوة الناعمة للصين في القارة الإفريقية.

شهد المنتدى طفرة كبرى في عهد الرئيس الصيني شي جين بينج منذ عام 2013 حيث تحول إلى إطار تعددي شامل لمختلف أوجه التعاون الصيني الإفريقي بما في ذلك قضايا الصحة والبيئة والتجارة والتمويل والأمن والقضايا السياسية والأيديولوجية وقضايا التنمية الإنسانية.

بين عامي 2015 – 2021 سعت الصين إلى تعزيز البُعد السياسي الأمني للمنتدى في ضوء ما يسمى المصير المشترك للصين وإفريقيا، وبناءً على ذلك، تم تدشين العديد من الآليات المرتبطة بالمنتدى مثل منتدى تعاون الشعب الصيني والشعوب الإفريقية China Africa People to People Forum ومنتدى القيادات الشبابية الصيني الإفريقي، ومنتدى وزراء الصحة الصيني الإفريقي، ومنتدى مكافحة الفقر والتنمية، والمنتدى القانوني، ومنتدى مراكز الفكر وغيرها من الآليات الفرعية التي مثلت أدوات القوة الناعمة الصينية في القارة الإفريقية[6].

التعاون العسكري:

الصين نحو إنشاء أول قاعدة عسكرية على الساحل الأطلسي | اندبندنت عربية

تشير التقديرات إلى أن حوالي 22% من واردات التسليح للدول الإفريقية جنوب الصحراء خلال الفترة 2010 – 2021 جاءت من الصين بإجمالي حوالي 2.04 مليار دولار، لتأتي الصين في المرتبة الثانية بعد روسيا، وذلك في مقابل الصادرات التسليحية الأمريكية للمنطقة والتي بلغت حوالي 473 مليون دولار بنسبة حوالي 5% من إجمالي واردات المنطقة من الأسلحة، كما تُشير التقديرات إلى أنه خلال الفترة 2017 – 2020، صَدَّرت الصين 3 أضعاف كميات الأسلحة التي صدرتها الولايات المتحدة لدول إفريقيا جنوب الصحراء، وقد تركزت 60% من صادرات الصين من الأسلحة في كل من تنزانيا ونيجيريا والسودان والكاميرون وزامبيا[7].

من ناحية أُخرى، وخلال عام 2022، طلبت الجزائر، وهي على رأس الدول الإفريقية المستوردة للأسلحة، عدد 6 طائرات مسيرة من طراز CH – 5 UAV الصينية[8] كما سبق أن استوردت نيجيريا عدد 4 طائرات هليكوبتر بدون طيار من طراز AR 500B الصينية لخدمة الشرطة النيجيرية في مواجهة عصابات العنف.

على مستوى الشركات التي تُقدم الخدمات الأمنية والعسكرية على غرار شركة فاجنر الروسية، تُشير إحدى الدراسات إلى الدور الذي تقوم به بعض الشركات الصينية المكافئة في كل من ليبيا وتونس وكينيا وجنوب السودان والنيجر وكوت ديفوار والكونغو برازفيل وغيرها من الدول الإفريقية، إلا أن تلك الدراسة تؤكد أن تلك الشركات تُعنى بحماية المشروعات والمصالح الصينية، وأنها ليست مُسلحة بالأساس، ولم يتم رصد قيامها بحملات عسكرية أو أعمال عُنف، وبالتالي فإن وجودها مرهون بحماية المصالح الاستراتيجية الصينية في القارة[9].

ومن نافلة القول أن يُشار إلى أن القاعدة العسكرية الأولى للصين خارج أراضيها تتمثل في القاعدة العسكرية التي أُنشئت عام 2017 في جيبوتي، وهي المرة الأولى التي تُرسل فيها الصين جنودها خارج الأراضي الصينية؛ حيث يضمن العقد المبرم وجود القوات الصينية حتى عام 2026 من أجل مهام حفظ السلام في أفريقيا وغرب آسيا، وتيسير إجلاء المواطنين الصينيين عند الحاجة، وحماية الممرات الملاحية لحماية التجارة الصينية العابرة لمضيق باب المندب.

في النهاية، يمكن القول أنه في ظل انتخاب الرئيس شي جينبينج لولاية ثالثة لمدة خمس سنوات بالإجماع، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية ومن وراءها التراشق الروسي-الأوروبي الأمريكي، وما يترتب على ذلك من تراجع نفوذ القوى الغربية في القارة الإفريقية سعيًا لتعبئة الجهود في مواجهة الجانب الروسي، تُصبح الساحة الإفريقية مُهيأة لمزيد من النفوذ الصيني على مختلف الأصعدة بما يخدم مساعي الرئيس شي جينبينج لتصبح الصين قوة دولية تزعزع هيكل النظام الدولي في اتجاه التعددية القُطبية، خاصة أن انشغال المعسكر الغربي بالصراع الروسي الأوكراني يدفع الدول الإفريقية نحو مزيد من التعاون مع الصين خاصة على المستويين العسكري والاقتصادي.

[1] “China – Africa Trade Surges to a Record USD 282 Billion in 2022”, China – Lusophone Brief, accessed March 16th, 2023: https://www.clbrief.com/china-africa-trade-surges-to-a-record-usd-282-billion-in-2022/.

[2] Shirley Ze Yu, “What is China’s investment end game in Africa?”, London School of Economics, accessed March 16th, 2023: https://blogs.lse.ac.uk/africaatlse/2022/11/04/what-is-chinas-investment-end-game-in-africa/.

[3] Alex Vines OBE, Creon Butler, and Yu Jie, “The response to debt distress in Africa and the role of China”, Chatham House, accessed March 17th, 2023: https://www.chathamhouse.org/2022/12/response-debt-distress-africa-and-role-china/02-case-studies-chinese-lending-africa.

[4] Zainab Usman, “What Do We Know About Chinese Lending in Africa?”, Carnegie Endowment For International Peace, accessed March 17th, 2023: https://carnegieendowment.org/2021/06/02/what-do-we-know-about-chinese-lending-in-africa-pub-84648.

[5] Michael Tanchum, “China’s new military base in Africa: What it means for Europe and America”, European Council on Foreign Relations, accessed March 17th, 2023: https://ecfr.eu/article/chinas-new-military-base-in-africa-what-it-means-for-europe-and-america/.

[6] Shirley Ze Yu, “What is FOCAC? Three historic stages in the China-Africa relationship”, London School of Economics, accessed March 17th, 2023: https://blogs.lse.ac.uk/africaatlse/2022/02/03/what-is-focac-three-stages-the-new-china-africa-relationship-trade-economics/.

[7] Jevans Nyabiage, “China arms sales cement its economic and security ties in Africa: study”, South China Morning Post, accessed March 17th, 2023: https://www.scmp.com/news/china/diplomacy/article/3213458/china-arms-sales-cement-its-economic-and-security-ties-africa-study.

[8] Brian Sabbe, “Africa and the Arms Trade, 2022”, International Peace Information Service, accessed March 17th, 2023: https://ipisresearch.be/weekly-briefing/africa-and-the-arms-trade-2022/.

[9] Cortney Weinbaum, Melissa Shostak, Chandler Sachs, John V. Parachini, “Mapping Chinese and Russian Military and Security Exports to Africa, RAND Corporation, accessed March 17th, 2023: https://www.rand.org/pubs/tools/TLA2045-3.html.

رضوى صقر

رضوى صقر- باحثة مشاركة مهتمة بالشئون الإقليمية والإفريقية ودراسات بناء السلام، حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وخريجة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى