من يحسم الصراع في السودان.. البر أم الجو؟
سمر عبدالله- باحثة في الشؤون العسكرية.
“لا منتصر.. لا مهزوم”.. كلماتٍ قصيرة قادرة على وصف الوضع العسكري في السودان الآن بعد دخول الصراع شهره الثاني دون أمل وشيك في انتهاء الأزمة، فبينما يدخل اتفاق جدّة حيّز التنفيذ؛ أملًا في التهدئة، تبقى الأوضاع قابلة للاشتعال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أي وقت.
يواجه الجيش السوداني جماعة عسكرية احتضنتها الدولة في بداية تشكيلها وسرعان ما تحولت من الموالاة إلى التمرد، هذه الجماعة أُطلق عليها عدة مسميات مثل “جيش موازٍ”، “ميليشيا”، أيّ كانت المسميات فنحن أمام قوتين عسكريتين يأكل صراعهما الأخضر واليابس، إذ تمتلك هذه الجماعة العسكرية الوسائل التقليدية والحديثة ما يجعلها قوة مناوئة للجيش النظامي تقترب من “المماثلة”، إضافة إلى تبنّي قوات الدعم السريع استراتيجيات دفاعية وهجومية في مسارح العمليات.
تأسيسا على ما سبق، تُطرح تساؤلات مهمة أولها حول قدرات الجيش السوداني مقارنة بقوات الدعم السريع، وثانيها حول ما يتميز به كل منهم على أرض الواقع، في ظل خلق قوات الدعم السريع لنمط “حروب استنزاف صغيرة” في عدة مواقع بشكلٍ يضمن بقاءها ويُسهم في إسراع وتيرة دوامة الفوضى.
تأصيل منطقي:
يُعرف فرانك هوفمان في كتابه “النزاعات في القرن الحادي والعشرين: صعود الحروب الهجينة”، إصدار 2005، الحرب الهجينة على أنها “المزج ما بين تكتيك حرب العصابات وامتلاك قدرات تقليدية وأسلحة تشبه تلك التي كانت حصرًا للجيوش النظامية”.. وهو ما ينطبق على قوات الدعم السريع في السؤال.
المراقب جيدًا للدول الأفريقية، يرى أنه على مدار عقود جسّد تهجين الهياكل الأمنية استراتيجية تلجأ إليها بعض الدول، حيث كانت الموازنة بين القوات الوطنية من جهة والهياكل العسكرية الموازية من جهة أخرى وسيلة لضمان عدم حدوث انقلاب على السلطة وإدامة النظام السياسي الحاكم.
في أواخر القرن العشرين، بدأت السلطات الحاكمة في تهجين الهياكل الأمنية مع تراجع قدرات الدولة، إلا أن ذلك انعكس سلبًا؛ إذ وجدت القوى السياسية نفسها عاجزة أمام صعود جماعات عسكرية خارج إطار الدولة، وهو ما أُطلق عليه عسكريًا “عملية تصاعدية” أي تأتي من رأس السلطة، ثم تتحوّل من “موالية” إلى “متمردة”.
الدور السياسي لـ الميليشيات:
“كلما صعدت الميليشيات سياسيًا.. ازداد تمردها”.. قاعدة لا غِنى عنها لفهم الدور السياسي للميليشيات، فحين نُطبق هذه القاعدة على السودان نجد أن قوات الدعم السريع المشكلة من “الجنجويد” كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية في حرب دارفور، ومع إعطاءها مهام يوم تلو الآخر، تحولت قوات الدعم السريع من جماعة تنتظر دمجها في الجيش السوداني إلى قوة متمردة، رغم أن سبب إنشائها رغبة الحكومة السودانية أن تكون القوات ذراعًا للجيش السوداني.
وفي الخامس عشر من أبريل الماضي، تحولت السودان إلى ساحة القِتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تلك القوة العسكرية التي تمتلك أدواتها العسكرية والاقتصادية ما يجعلها تستمر عدة سنواتٍ، فضلًا عن انضمام عدد من العسكرين الذين أحيلوا للتقاعد لها، لتحقيق رغبات شخصية.
مقارنة القدرات العسكرية:
من ناحية عدد الأفراد المقاتلين، ففي الجيش السوداني يبلغ حوالي 205 آلاف جندي، مقارنة بمائة ألف في قوات الدعم السريع، أي أن عدد المقاتلين في الجيش السوداني يبلغ ضعف المقاتلين في الدعم السريع، وهذه نقطة قوة تُحسب للجيش السوداني.
جويًا، تمتلك القوات الجوية السودانية 191 طائرة حربية تضم 45 مقاتلة، 37 طائرة هجومية، 25 طائرة شحن عسكري ثابتة الأجنحة، 12 طائرة تدريب، ما جعل القوات الجوية السودانية تُصنّف باعتبارها رقم 47 ضمن الأقوى عالميا.
يمتلك الجيش السوداني 170 دبابة، وتصنف في المرتبة رقم 69 عالميا، إضافة إلى 6 آلاف و967 مركبة عسكرية تجعله في المرتبة رقم 77 عالميا، كما أن للجيش السوداني قوة تضم 20 مدفعا ذاتي الحركة تجعله في المرتبة رقم 63 عالميا، فضلًا عن امتلاك الجيش السوداني 389 مدفعا و 40 راجمة صواريخ.
يمتلك جيش السودان أسطولا حربيًا يضم 18 وحدة بحرية تجعله في المرتبة رقم 66 عالميا، بينما تقدر ميزانية دفاعه بنحو 287 مليون دولار.
أما قوات الدعم السريع، فهي تُركز قوات الدعم السريع تواجدها في العاصمة الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، وحين بدأت الاشتباكات استولت على عدد من المقرات مثل جهاز الأمن الوطني، ومبنى لحزب المؤتمر الوطني المنحل، وتتخذ من تلك المقرات تمركزا لها، فضلًا عن انتشارها على الحدود مع دول الجوار الأفريقي.
لا توجد معلومات دقيقة عن نوعية الأسلحة التي تمتلكها قوات الدعم السريع، لكن من خلال فيديوهات القِتال المنتشرة لها فإنها تمتلك دبابات ومدرعات ثقيلة ومدافع رشاشة وقاذفات صواريخ.
نقطة الضعف لقوات الدعم السريع تتمثل في المجال الجوي، فهي لا تمتلك ما يمتلكه الجيش السوداني من قدرات جوية تُمكنّه من تنفيذ عدة هجمات جوية، كما لا تمتلك طيارين، وربما يُفسر هذا محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على أكثر من مطار عسكري في مختلف مناطق السودان، في تحركاتها الأولى، لكن الجيش استعمل طائراته ضد المتمردين في مناطق عدة، انطلاقا من قواعد أخرى.
نقاط القوة عسكريًا:
من حيث العتاد وعدد القوات فإن التفوق يُحسم لصالح الجيش السوداني في تلك المعركة الدائرة، إذ تمتلك آليات عسكرية كثيرة ومتطورة وعدد كافٍ لخوض حرب كبيرة.
ومن حيث القدرات الجوية فإن التفوق أيضًا لقوات الجيش السوداني، خاصة وأنه يمتلك المطارات وله باع طويل في التدريبات الجوية المشتركة مع عدة دول.
أما من الجانب البري، فإن الميليشيات في أي دولة وأي حرب تكون الأكثر قدرة على “حرب الشوارع” من الجيوش النظامية، وهذا ما يُمكنّها من حسم جزء كبير من الأرض لصالحها.
أما من حيث الشعبية فقوات الدعم السريع على مدار تاريخها، ارتكبت العديد من الانتهاكات المسجلة بدءًا من حربها في دارفور والانتهاكات الإنسانية هناك، وحتى فض اعتصام القيادة العامة في 2019، فلا ننسى أن هناك اتهامات باشتراكها في فض الاعتصام وقتل ما يقرب من 100 مدني بوحشية.
“أماكن السيطرة:
توجد قوات «الدعم السريع» في جزء من القيادة العامة للقوات المسلحة، وفي القصر الجمهوري، وفي مطار الخرطوم وعدد من الوزارات والمؤسسات، كما تنتشر في منطقة الخرطوم بحري وجنوب الخرطوم، وفي المناطق السكنية شرق الخرطوم “الرياض والمنشية والطائف وأركويت”، ومناطق جنوب الخرطوم “جبرة والصحافة”.
بينما يوجد الجيش السوداني في الجزء الأكبر من القيادة العامة، وفي المناطق العسكرية المعروفة الموزعة في المدن الثلاث، بالإضافة إلى منطقة وادي صيدنا العسكرية التي يوجد فيها المطار العسكري الذي تم استخدامه لإجلاء الجاليات الأجنبية، وتتحرك منه طائرات سلاح الجو السوداني. كما تسيطر الوحدات العسكرية للقوات المسلحة على كل مدن البلاد، ما عدا بعض المناطق المحدودة في دارفور.
“تاريخ الدعم السريع“:
قوات الدعم السريع تم إنشاؤها بموجب قانون قوات الدعم السريع الذي أجازه المجلس الوطني في جلسته رقم (43) من دورة الانعقاد الرابعة 18 يناير 2017.
قبل أن تكتسب الصفة الرسمية، كانت قوات الدعم السريع مكونة من ميليشيات عسكرية قبلية، وهي ذاتها مليشيات الجنجويد والتي قاتلت في دارفور منذ اندلاع التمرد في 2003، واستخدمها نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير لإخماد التمرد، بجانب قوات الجيش، فأصبحت قوة عسكرية موازية تتكون من ما يقرب 40 ألف مقاتل ومجهزة بالعتاد والأسلحة وأصبحت أحد أذرع النظام السوداني القوية، حتى تضاعف عددها الآن لتصبح 100 ألف مقاتل.
حاول عمر البشير إضفاء الشرعية عليهم، بإصداره مرسوما رئاسيا في 2013 بإنشاء تلك القوات كقوة تابعة للحكومة السودانية تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، للقضاء على التمرد في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق، قبل أن تنتقل تبعيتها للقوات المسلحة بموجب قانون 2017.
“إجراءات البرهان للسيطرة عسكريا“:
ولإعادة ترتيب البيت الداخلي عسكريا، عيّن البرهان أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة في مواقع عسكرية، حيث أعلن الفريق أول شمس الدين الكباشي نائبا للقائد العام للجيش، والفريق أول ياسر العطا والفريق إبراهيم جابر مساعدين للقائد العام للجيش، ضمن هيكلة جديدة للجيش بعد إقالة حميدتي في خطوة لنزع مشروعيته الدستورية ورفع الغطاء السياسي عنه.
الهيكلة الجديدة في الجيش السوداني اعتمدها البرهان حيث أعاد العمل بنظام القائد العام ورئاسة الأركان وتعيين نائب للقائد العام و3 مساعدين، ففي توزيعه للمواقع العسكرية راعى البرهان البعد الجغرافي؛ فكباشي ينحدر من ولاية جنوب كردفان، وياسر العطا من شمال البلاد، وجابر من غرب دارفور وينتمي إلى قومية الرزيقات التي ينتسب إليها قائد الدعم السريع “حميدتي”.
أصّر البرهان على عدم إحالة حميدتي للتقاعد في الجيش أو تجريده من رتبته العسكرية بعد تصنيفه متمردًا، لرغبته في تقديمه لمحاكمة عسكرية في حال إلقاء القبض عليه، فطبقًا لقواعد الجيش إذا أحيل قائد عسكري للتقاعد أو جُرد من رتبته فسيصبح شخصية مدنية.
“قاعدة وادي صيدنا.. هل تحسم المعركة؟”:
وفي خِضِم الصراع الدائر، يحاول الجيش السوداني إيقاف تقدم قوات الدعم السريع نحو قاعدته الجوية الرئيسية بالقرب من العاصمة الخرطوم، إذ يطرح السِباق في السيطرة على هذه القاعدة تساؤلات عدة، خاصة وأن “قاعدة وادي صيدنا” لها أهمية استراتيجية كبيرة للجيش السوداني، حيث يستخدم الجيش السوداني المطار لشنّ ضربات جوية على قوات الدعم السريع، كما استخدمته الحكومات الأجنبية لإجلاء مواطنيها في وقت مبكر من الصراع.
وأخيرًا.. يمكننا القول بأن السيطرة على قاعدة “وادي صيدنا” يُمكن أن ينبئنا مبكرًا عن جدوى الصراع، وبالأحرى عن المنتصر على أرض الواقع.