متى تنجح الوساطة في السودان؟

يُعتبر الصراع في السودان على رأس القضايا التي تثير قلق عديد من دول المنطقة سواء الدول المجاورة للسودان، أو القوى الإقليمية والدولية، ليس فقط بسبب الأهمية الاستراتيجية للسودان الذي يُضيف الصراع فيه أزمة جديدة إلى الأزمات التي يُعانيها النظام الإقليمي العربي والإفريقي، وإنما أيضًا نتيجة الأزمة الإنسانية التي يُتَوَقَّع أن تسببها إطالة أمد النزاع؛ حيث حذرت وكالة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف) من أن الوضع في السودان يُعتبر مخيفًا بالنسبة لعدد كبير من الأطفال في السوادان، بينما أشارت المنظمة الدولية للهجرة إلى أن حوالي 450 ألف مدني تركوا منازلهم منهم حوالي 115 ألف شخص سعوا للحصول على اللجوء إلى الدول المجاورة، في الوقت الذي أوضحت فيه الأمم المتحدة أن استمرار القتال في السودان سيؤدي إلى زيادة من يعانون من الجوع في السودان بحوالي 2.5 مليون شخص إضافيين[i].

وعلى الرغم من أن الصراع في السودان والتداعيات المحتملة حال استمراره تجعل من الوساطة لوقف إطلاق النيران تمهيدًا لبدء التفاوض على إنهاء الصراع أولوية إنسانية وسياسية واستراتيجية، إلا أن مجريات الأحداث في إطار الصراع الدائر في السودان تُشير إلى تَحُول ذلك الصراع إلى ملف جديد للتنافس على النفوذ في السودان بصفة خاصة وفي منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر بصفة عامة، وما يستتبعه ذلك النفوذ في تلك المنطقة من تعزيز مكانة القوى الإقليمية والدولية على مستوى النظام الدولي ككل؛ حيث يظهر ذلك من تصريحات وتحركات قادة ومسئولي القوى الإقليمية والدولية بشأن الوساطة لحل الصراع في السودان، وآليات مواجهة تداعياته

التنافس على جهود الوساطة:

منذ اندلاع الصراع في السودان، ومع بدء جهود إجلاء المدنيين، حرصت المملكة العربية السعودية على أداء دور محوري في استقبال من تم إجلاءهم من بورتسودان إلى ميناء جدة، خاصة الإيرانيين؛ حيث شارك اللواء/ أحمد الدبيس، قائد المنطقة الغربية السعودية، في استقبال الإيرانيين الذين تم إجلاءهم من السودان، وبرفقته حسن زرنجار، القائم بالأعمال الإيراني لدى المملكة، مُصَرِّحًا “هذا بلدكم إذا كنتم بحاجة إلى أي شيء في السعودية، فأنتم مرحب بكم، إيران والسعودية إخوة”، مؤكدًا أن الترحيب الودي بالإيرانيين “من توجيهات القيادة، من الملك، ومن ولي العهد”.

وبتاريخ 2/5/2023، أكد المتحدث باسم السفارة السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية “سنفعل كل ما في وسعنا للتخفيف من هذه الأزمة. نحن نقود هذا الجهد، لكننا نعمل بشكل وثيق للغاية مع الولايات المتحدة وشركائنا الإقليميين والدوليين”، ويجب التركيز هنا على كلمة “نَقُود” التي أكد عليها المسئول السعودي تأكيدًا على المكانة الدبلوماسية والإقليمية والدولية التي تسعى إليها المملكة؛ خاصة أنه سبق ذلك توسط السعودية بين طرفي الصراع في السودان، بالتعاون مع الولايات المتحدة، للتوصل إلى هدنة قصيرة بين الطرفين[ii].

تتصف الوساطة السعودية بأمر مهم يتمثل في عدم انحياز المملكة بشكل واضح إلى أي من طرفي الصراع سواء الفريق/ عبد الفتاح البُرهان أو الفريق/ محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وعلى الرغم من كون جهود الوساطة سعودية أمريكية مشتركة، إلا أن لجوء الولايات المتحدة إلى التهديد بالعقوبات لا يعتبر مُجديًا باعتبار أن السودان تمكن من الصمود أمام العقوبات الأمريكية المفروضة عليه منذ ثمانينيات القرن الماضي، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى جهود القوات المسلحة السودانية في ذلك المجال[iii].

أما الإمارات العربية المتحدة، فقد أعلنت وزارة خارجيتها بتاريخ 20/4/2023 عن “نجاح الوساطة التي قامت بها (دولة الإمارات العربية المتحدة) بالتنسيق والتعاون مع جمهورية مصر العربية الشقيقة لتأمين سلامة الجنود المصريين المتواجدين لدى قوات الدعم السريع، وتسليمهم إلى سفارة جمهورية مصر العربية في الخرطوم”[iv]، في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية المصرية في بيان لها “نجاح الجهود التي قامت بها بالتنسيق والتعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لتأمين سلامة باقي الجنود المصريين المتواجدين في جمهورية السودان لدى قوات الدعم السريع وتسليمهم إلى سفارة جمهورية مصر العربية في الخرطوم”[v].

وترى تحليلات أنه على الرغم من أن صياغة البيانين جاءت شبه متطابقة، إلا أن مضمونهما يختلف بسبب استخدام كلمة “وساطة” في البيان الأول، مقابل كلمة “جهود: في البيان الثاني، وتأويل ذلك بسعي دولة الإمارات إلى التأكيد على دورها في الوساطة في الصراع الدائر في السودان[vi].

بالتزامن مع ذلك، أعلنت الرئاسة التُركية عن الاتصال الهاتفي بين كل من الرئيس التركي/ رجب طيب إردوغان وكل من الفريق/ البرهان، والفريق/ حميدتي، مؤكدًا “أن أنقرة ستواصل الوقوف مع دولة وشعب السودان الشقيق خلال هذه الفترة أيضا، مضيفا أن تركيا مستعدة لتقديم كافة أشكال الدعم، بما في ذلك استضافة مبادرات الوساطة المحتملة”[vii].

وبتاريخ 28/4/2023، أجرى وزير الخارجية التُركية/ مولود جاويش أوغلو اتصالاً هاتفيًا مع الفريق/ حميدتي؛ لبحث قضايا عملية إجلاء المواطنين الأتراك من السودان، وقد تلا ذلك إعلان وزير الخارجية التُركي وصول نائبه إلى السودان خلال الأسبوع التالي لعرض وساطة تركية بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع[viii]

وعلى الرغم من عدم إتمام زيارة نائب وزير الخارجية التركي إلى السودان حتى تاريخه، إلا أنه التقى بتاريخ 2/5/2023 بمفوض الشئون السياسية والسلم والأمن لدى الاتحاد الإفريقي، بانكول أديوي، خلال زيارته إلى إثيوبيا لبحث الأزمة في السودان؛ حيث تم أيضًا الحديث حول جهود تركيا لإقرار السلم والأمن في القارة الإفريقية[ix].

لم تغب تل أبيب عن المشهد؛ حيث صدر بيان وزير الخارجية الإسرائيلي/ إيلي كوهين، بتاريخ 24/4/2023، والذي قال فيه “منذ اندلاع القتال في البلاد، تعمل إسرائيل عبر قنوات مختلفة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والتقدم الذي جرى إحرازه خلال الأيام القليلة الماضية في المحادثات مع الجانبين واعد جدا”، موضحًا أن تل أبيب عرضت استضافة محادثات بين الفريق/ البرهان والفريق/ حميدتي بهدف التوصل إلى اتفاق إطلاق نار بين الطرفين[x].

تُشير “توجيهات الأمم المتحدة من أجل الوساطة الفعالة”[xi] إلى أن الوساطة هي “عملية يقوم من خلالها طرف ثالث بمساعدة طرفين أو أكثر، بموافقة تلك الأطراف، لمنع نشوب نزاع أو إدارته أو حله عن طريق مساعدتها على وضع اتفاقات مقبولة للجميع. والفرضية التي تقوم عليها الوساطة هي أنه بإمكان أطراف النزاع، في وجود البيئة السليمة، تحسين علاقاتها والسير باتجاه التعاون. ويمكن أن تكون نتائج الوساطة محدودة النطاق، بحيث تتعامل مع قضية معينة من أجل احتواء نزاع ما أو إدارته، أو يمكنها أن تتناول نطاقا واسعا من القضايا في اتفاق سلام شامل”.

تشترط توجيهات الأمم المتحدة عددًا من الشروط لنجاح عمليات الوساطة، نختصرها ونحدد أهمها بالنسبة لدراستنا في السطور التالية:

  1. الاستعداد، والذي يتمثل في حشد الموارد اللازمة للاستجابة السريعة، وتحليل النزاعات أو الصراعات، وتشكيل فريق من المتخصصين لإدارة عملية الوساطة.
  2. الموافقة الطوعية من جانب أطراف النزاع أو الصراع.
  3. الحياد والذي يعتبر حجر الزاوية في عملية الوساطة، ويؤدي غيابه إلى تقويض تلك العملية وعرقلة التوصل إلى توافق بين أطراف النزاع أو الصراع.
  4. الشمول، والذي يُعنى بتمثيل آراء واحتياجات مختلف أطراف النزاع أو الصراع والمعنيين به.

بناءً على ما تقدم، وبعد استعراض التنافس الإقليمي على الوساطة في الصراع السوداني، نجد أن ذلك التنافس يفتح المجال أمام مسألة مهمة وهي مدى توافر شروط الوساطة الناجحة والفعالة لدى مختلف القوى الإقليمية المتنافسة على أداء دور الوساطة الرئيسي بين الفرقاء في السودان، بالإضافة إلى مدى القبول من جانب الطرفين لتلك الوساطة، والالتزام بنتائجها.

على الرغم من امتلاك القوى الإقليمية المتنافسة لمختلف الموارد الاقتصادية والدبلوماسية التي تُمكنها من القيام بدور الوساطة، إلا أنه توجد عوامل تُرجح كفة بعض القوى مقابل البعض الآخر؛ فمن الصعب لجوء طرفي الصراع إلى قبول الوساطة الإسرائيلية بالنظر إلى الإرث التاريخي بين البلدين، وترجيح عدم قبول الشعب السوداني وانتقاد القوى المدنية لتلك الوساطة مما يهدد شرعية الاتفاقات الناتجة عنها، وذلك في الوقت الذي تتحدث فيه تقارير عن علاقة الفريق/ حميدتي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتظل كفة المملكة العربية السعودية أرجح في مواجهة الكفة التُركية خاصة مع الدور السعودي في إجلاء السودانيين والأجانب من الأراضي السودانية، والنجاح في التوصل إلى وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى دعم الولايات المتحدة لتلك الجهود، والأهم من ذلك الخبرات المكتسبة من الوساطة السعودية لإنهاء الصراع الذي استمر لعقود بين كل من إثيوبيا وإريتريا والتوصل إلى اتفاق سلام بينهما، مع الاعتراف باختلاف طبيعة ذلك الصراع عن نظيره السوداني.

يظل التحدي الأكبر أمام الوساطة متمثلاُ في قبول طرفي الصراع للتفاوض المباشر، ومدى إمكانية التوصل إلى أرض مشتركة للتفاوض بشأنها بداية من وقف إطلاق النار، وحتى الوصول إلى اتفاق سلام شامل بين الجانبين، والذي يُثير بدوره العديد من الإشكاليات أبرزها العفو عن مرتكبي جرائم الحرب، وتقاسم السلطة، ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية الذي كان شرارة اندلاع ذلك الصراع من البداية.

[i] Jason Burke, “Sudan’s Warring Sides Arrive In Saudi Arabia For Talks As Fighting Rages On”, The Guardian, accessed May 12th, 2023: https://www.theguardian.com/world/2023/may/06/sudans-warring-sides-to-begin-talks-in-saudi-arabia-as-fighting-rages-on.

[ii] نادين إبراهيم، “السعودية تسعى أن تكون لاعبًا أكبر في الشرق الأوسط: هذه المرة من خلال الدبلوماسية”، CNN Arabic، تاريخ الزيارة 10 مايو 2023: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/05/04/saudi-diplomacy-iran-sudan-mime-intl.

[iii] “Sudan Crisis: Mediators Over A Barrel In Mission To End Fighting”, BBC News, accessed May 12th, 2023: https://www.bbc.com/news/world-africa-65495539.

[iv] “دولة الإمارات تنجح في وساطة تأمين سلامة الجنود المصريين في السودان”، وزارة الخارجية والتعاون الدولي لدولة الإمارات العربية المتحدة، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://www.mofaic.gov.ae/ar-ae/mediahub/news/2023/4/20/20-04-2023-uae-sudan.

[v] بيان وزارة الخارجية المصرية عبر صفحتها الرسيمة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://www.facebook.com/MFAEgypt/posts/pfbid02TLtWzVCjkSGJCh2pDqSAtcE58kuUra1mebwDgRaEez8ngVUopgcPYtFxaaiCiTz8l.

[vi] “”جهود” أم “وساطة”؟: اختلاف “ذو دلالة” بين أبوظبي والقاهرة بشأن الجنود المصريين في السودان”، موقع الحُرة، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://www.alhurra.com/arabic-and-international/2023/04/22/%D8%AC%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A3%D9%85-%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9%D8%9F-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%B0%D9%88-%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%B8%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%AF.

[vii] “الرئيس التركي يعرض الوساطة بين الطرفين المتحاربين في السودان”، موقع وكالة أنباء شينخوا بالعربية، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://arabic.news.cn/20230421/9823dd33b85d441481d4c1e691f30189/c.html.

[viii] “نائب وزير الخارجية التركي يتوجه إلى السودان بهدف عرض وساطة”، RT Arabic، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://arabic.rt.com/world/1456475-%D8%AA%D8%B4%D8%A7%D9%88%D9%88%D8%B4-%D8%A3%D9%88%D8%BA%D9%84%D9%88-%D9%8A%D8%B1%D8%B3%D9%84-%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8%D9%87-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%87%D8%AF%D9%81-%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9/.

[ix] “نائب وزير الخارجية التركي يبحث مع مسئول إفريقي تطورات السودان”، وكالة أنباء الأناضول، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/%D9%86%D8%A7%D8%A6%D8%A8-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%8A%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D9%85%D8%B9-%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86/2886709.

[x] “جهود إسرائيلية للوساطة بين البرهان وحميدتي”، موقع سكاي نيوز عربية، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1615377-%D8%AC%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%95%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A.

[xi] “توجيهات الأمم المتحدة من أجل الوساطة الفعالة”، موقع منظمة الأمم المتحدة، تاريخ الزيارة 12 مايو 2023: https://peacemaker.un.org/sites/peacemaker.un.org/files/GuidanceEffectiveMediation_UNDPA2012%28Arabic%29_0.pdf.

رضوى صقر

رضوى صقر- باحثة مشاركة مهتمة بالشئون الإقليمية والإفريقية ودراسات بناء السلام، حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وخريجة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى