تأثير انضمام حركات دارفور إلى الجيش على مسار الأزمة السودانية
بعد مرور 7 شهور من الحرب والتمسك بالحياد، قررت بعض حركات الكفاح المسلح في دارفور الموقعة على”اتفاق جوبا” يوم 16 نوفمبر الجاري الانضمام إلى الجيش السوداني في عملياته العسكرية ضدميليشيا “الدعم السريع”، في تأكيد منها على عدم السماح “بـأن تكون دارفور بوابة لتفكيك السودان”، واتهمت حركات مسار دارفور دولة تشاد بدعم ومساندة “الدعم السريع” في حربه ضد السودان وطالبتها بالتوقف الفوري عن إمدادها العسكري وكامل دعمها لقوات حميدتي، وذلك في بيانها الصحفي في بورتسودان، بينما تمسكت فصائل أخرى بالاستمرار في الحياد.
تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل الإجابة على تساؤل رئيسي، وهو: إلى أي مدي قد يؤثر انضمام حركات الكفاح المسلح في دارفور إلى الجيش السوداني على الوضع الراهن في السودان وخاصة دارفور؟
ملامح الصراع في دارفور:
سيطرت ميليشيا “الدعم السريع” على مواقع هامة في أربع ولايات بدارفور (جنوب ووسط وغرب وشرق)، وتسعى حاليًا للسيطرة علي مدينة “الفاشر” عاصمة ولاية شمال دارفور، إضافة إلي بداية حدوث اشتباكات في ولاية شرق دارفور، ويتم توضيح ذلك كالتالي:
(*) ولاية جنوب دارفور:شهدت ولاية جنوب دارفور اشتباكات عنيفة بين “الدعم السريع” والجيش السوداني منذ أكتوبر الماضي، وتحديدًا في مدينة “نيالا” عاصمة الولاية، حيث أعلنت ميليشيا “الدعم” السيطرة على مدينة “نيالا” التي تعد ثاني أكبر مدن السودان في أواخر أكتوبر، إضافة إلى سيطرتها التامة على الفرقة 16 مشاة نيالا بوابة جنوب السودان.
(*) ولاية وسط دارفور: تمكنت ميليشيا “الدعم” من السيطرة على الحامية العسكرية للجيش السوداني في مدينة “زالنجي” عاصمة الولاية، ممثلة في الفرقة 21 مشاة التابعة للجيش السوداني بكامل عتادها العسكري.
(*) ولاية غرب دارفور:نجح عناصر الدعم في السيطرة على مدينة الجنينة، إضافة إلىالسيطرة على الفرقة 15 مشاة في المدينة، بعد حدوث اشتباكات في محلية كرينك شرقي الجنينة.
(*) ولاية شمال دارفور:تسعى ميليشيا”الدعم السريع” للسيطرة على مدينة “الفاشر” عاصمة ولاية شمال دارفور، حيث شنت هجومًا على مقر قيادة الفرقة 6 مشاة الواقعة غرب المدينة مطلع نوفمبر، إضافة إلى سيطرتها بشكل كامل على اللواء 24 مشاة أم كدادة بولاية شمال دارفور.
(*) ولاية شرق دارفور: كانت ولاية شرق دارفور هي الولاية الوحيدة داخل إقليم دارفور لم تشهد أي اشتباكات عسكرية بين طرفي النزاع، ولكن شهدت الولاية اشتباكات في أكتوبر الماضي في مدينة “الضعين” عاصمة الولاية، حيث استولت على دورية تابعة للجيش جنوب المدينة.
وبعد فشل الوساطة التي قادها زعماء أهليون لتهدئة الوضع في المنطقة، شهدت مدينة الضعين يوم 19 نوفمبر 2023، اشتباكات عنيفة بين الجيش وميليشيا “الدعم السريع” في محيط قيادة الفرقة 20 مشاة بالمدينة قبل أن تعلن السيطرة عليها في 21 نوفمبر، كما أعلنت السيطرة على مطار المدينة.
يتضح مما سبق، أن ميليشيا”الدعم السريع” أحرزت تقدمًا كبيرًا من خلال سيطرتها على مواقع هامة في الولايات الخمس التابعة لإقليم دارفور، مما يعني في سبيل فرض سيطرتها الكاملة على الإقليم.
دوافع الانحياز:
بناءًا علي ما تقدم، قد يكون إعلان انحياز حركة العدل والمساواة التي يرأسها وزير المالية “جبريل إبراهيم” وحركة تحرير السودان برئاسة حاكم إقليم دارفور “مني أركو مناوي“، للجيش للأسباب الآتية:
(-) الخوف من فقدان نفوذهما: قد يكون انحياز جبريل ومناوي للجيش خوفًا من فقدان نفوذهما داخل إقليم دارفور حيث تسيطر ميليشيا “الدعم” على نحو 80% منه، بما في ذلك مناطق نفوذ مناوي وجبريل، وفي حال سيطرت قوات الدعم على مدينة الفاشر المحاصرة، سوف تسقط آخر المعاقل الرئيسية للحركتين.
وعليه، قد يرجع تخلي بعض الحركات عن الحياد من أجل الحفاظ على السلطة وانحيازًا للموقع السياسي الذي يمنحه لها وجود الجيش باعتباره يمثل دولة السودان المركزية التي وقعت على اتفاق جوبا مع الحركات، فإذا لم يعد لتلك الدولة المركزية والجيش سلطة علي دارفور، فإن سلطة الحركات في الإقليم ستسقط مع سقوط الإقليم بالكامل في يد الدعم السريع.
(-) عدم تكرار النموذج الليبي: عبر جبريل إبراهيم عن مخاوفه من تكرار مشهد الانقسام الليبي، حيت أوضح أن خروجه من موقف الحياد جاء بعدما تبين له أن نقل “الدعم السريع” الحرب إلى كردفان ودارفور يهدف إلى ما أسماه “تكرار التجربة الحفترية في ليبيا”، مما قد يهدد وحدة السودان أرضًا وشعبًا.
(-) حسابات ما بعد الحرب: قد يكون انحياز جبريل ومناوي، بضغط من الحركات الإسلامية التي نجحت خلال عقود في التغلغل داخل الحركتين، كما أن الحركة الإسلامية لا تزال تسيطر على القرار داخل بعض الحركات المسلحة، فضلًا عن أن أي تسوية في ظل الوضع الراهن، في مصلحة الدعم السريع الذي يمثل تهديد وجودي للدولة خاصة في إقليم دارفور.
انعكاسات محتملة:
بقراءة ومتابعة الوضع الراهن في السوادن وخاصة دارفور، قد تنعكس تلك التطورات على المشهد السوداني مما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا ويصعب السيطرة عليه، كالتالي:
(&) تعاظم الانقسام داخل حركتي جبريل ومناوي: قد يتسبب إعلان وقوف جبريل ومناوي إلى جانب الجيش السوداني في مواجهة عناصر “الدعم” في الخرطوم وعدد من مناطق دارفور وكردفان، إلى مزيد من الانقسامات داخل حركات دارفور التي قد تعمق أزمة السودان، حيث سارعت أطراف من الحركتين بسحب نفسها من إعلان الانضمام، والتزمت الحياد لمنع تورطها في الحرب، بينما أعلنت فصائل أخرى من حركات دارفور تفاهمات مع “الدعم السريع”، حيث تسعى تلك الفصائل إلى تحقيق الأمن والاستقرار في إقليم دارفور وحماية المدنيين، بعدما شكلت قوة مشتركة لتأمين الإقليم ومنع الإيقاع بين حركات دارفور على خلفية النزاع بين الجيش السوداني وميليشيا “الدعم السريع”.
وقد تشكل هذه الانقسامات دخول البلاد في مرحلة جديدة يصعب السيطرة عليها، ويوضح ذلك عدم التنسيق المسبق مع باقي قيادات الحركتين، مما قد يفاقم الأزمة الداخلية التي سوف ينتج عنها تصاعد الانقسامات في الداخل.
(&) خوض حرب أهلية: بتعاظم الانقسامات داخل الحركتين، انحياز بعض حركات الكفاح المسلح في دارفور للجيش التي يرأسها جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، فمن المتوقع أن تدخل تلك الحركات الموقعة على “اتفاق جوبا”الحرب بجانب الجيش، حيث أن المكون الأساسي بها هو القبائل غير العربية، مما قد يؤكد خطورة انزلاق الإقليم لمخاطر الحرب الأهلية.
قد تدل جميع المؤشرات على مواصلة الصراع في دارفور، وتحويل الحرب إلى حرب أهلية شاملة بين المكونات السكانية لإقليم دارفور، وخلال اجتماع قوى الحرية والتغيير في القاهرة في الفترة من 15 إلى 18 نوفمبر 2023، الذي تضمن أوضاع الحرب في السودان، ووجه الاجتماع نداءًا لكل المكونات الاجتماعية بإقليم دارفور لعدم الانسياق لهذه الحرب التي لم تورث إلا مزيد من الخراب والدمار وإطالة أمد الحرب وزيادة كلفتها مع التأكيد على الاستفادة من تجربة الحرب التي عاشها الإقليم منذ عام 2003.
(&) تقسيم السودان: بعد سيطرت قوات “الدعم” على 80% من إقليم دارفور، إضافة إلى سيطرتها على مناطق في الخرطوم وكردفان، تبين أن الأطراف ليست مستعدة لتقديم أي تنازلات على طاولة المفاوضات، وتحديدًا في ظل إحراز قوات الدعم تقدم ملحوظ في دارفور، إضافة إلى فشل الجولة الجديدة من مفاوضات جدة مطلع نوفمبر التي ترعاها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في تحقيق أي حلول، حيث لم تنجح أي مفاوضات تم إجرائها سوى في إبرام وقف مؤقت للمعارك التي سرعان ما يتم استئنافها قبل انتهاء المهلة، مما قد يثير المخاوف من أن استمرار الوضع الراهن لفترة طويلة قد يصل إلى مرحلة تقسيم السودان.
ولكن خيارات التقسيم لم تكن في صالح سكان أقاليم الأطراف، حيث أن الخيارات تتعلق بإمكانية السيطرة على مركز الدولة السودانية نفسها (الخرطوم) وليس الانفصال عنها، حيث أن خيارات الانفصال نفسها قد انتهت بالنسبة للدولة المركزية، كما أن انفصال دارفور أو تقسيم السودان لن ينهي الحرب ولن يجعل الدويلات المنقسمة تعيش بأمان في إطار حدودها المتخيلة.
وختامًا، يمكن القول إن الوضع في السودان أصبح أكثر تعقيدًا بعد انضمام بعض حركات دارفور بقيادة جبريل ومناوي للجيش، وفي ظل إحراز ميليشيا “الدعم السريع” تقدمًا ملحوظًا من خلال سيطرتها على معظم إقليم دارفور، إضافة إلى مناطق عدة في الخرطوم وكردفان، أصبح من الضروري بذل جهود مضاعفة من قبل القوي الإقليمية والدولية للتصدي لكل مخططات تقسيم السودان بما في ذلك تحويل الحرب الحالية إلى حرب أهلية، إضافة إلى استئناف مفاوضات جدة لوقف الحرب، ففي حال استمر الوضع الراهن في التدهور وتحديدًا الانقسامات الداخلية، قد نشهد وضعًا مأساويًا مشابهًا للوضع في ليبيا، مع وجود حكومتين أو أكثر لا تملك أي منها فعالية حقيقية وغير معترف بها دوليًا.