ما الذي استهدفته زيارة الرئيس السيسي إلى أفريقيا؟

كثيرة هي العوامل التي تدفع مصر بتوثيق علاقاتها بدول القارة الأفريقية، فما يجمع بينها يتخطى التاريخ والجغرافيا، ويرتبط بالمصير المشترك، ولعل ذلك هو ما دفع الرئيس السيسي بالتعامل مع الملفات الأفريقية بالكثير من الاهتمام؛ فمنذ وصوله إلى السلطة عام 2014، وضع رؤية خاصة للدبلوماسية الرئاسية المصرية تجاه القارة الأفريقية؛ تستند إلى استراتيجية حيوية تعيد إحياء العلاقات المصرية الإفريقية، سياسياً واقتصادياً وثقافياً وأمنياً، واعتبارها بعداً محورياً في السياسة الخارجية المصرية.

وقد شهد الدور المصري بأفريقيا نشاطاً واضحاً واهتماماً مكثفاً بتطوير وتفعيل العلاقات مع الدول الأفريقية، وهو ما ظهر بقوة خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي عام 2019، ومع رئاسة مصر لمجموعة السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي”الكوميسا” عام 2021، ورئاسة مصر للوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي “النيباد” عام 2022.

وفي إطار تدعيم العلاقات المصرية الأفريقية قام الرئيس السيسي، خلال الفترة من6 إلى 9 من يونيو الجاري، بزيارة إلى أنجولا، وزامبيا، وموزمبيق، وقد حملت هذه الزيارة الكثير من الأبعاد والدلالات، تكشف عنها النقاط التالية.

أهمية الزيارة:

جاءت هذه الزيارة وبحسب المتحدث باسم الرئاسة المصرية “أحمد فهمي”،”في إطار حرص مصر على تكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة، وكذا مواصلة تعزيز علاقاتها مع دول القارة في مختلف المجالات، لاسيما عن طريق تدعيم التعاون المتبادل على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، إلى جانب الأولوية المتقدمة التي تحظى بها القضايا الإفريقية في السياسة الخارجية المصرية”.

ويعد الرئيس “عبد الفتاح السيسي” أول رئيس مصري يزور أنجولا، بالرغم من أن العلاقات بين البلدين قائمة منذ عام 1965، كما شارك خلال زيارته إلى العاصمة الزامبية “لوساكا”، في أعمال القمة الثانية والعشرين للسوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي “كوميسا”، والتي شهدت تسليم الرئاسة الدورية للتجمع من مصر إلى زامبيا، وتسعى الدبلوماسية الرئاسية المصرية إلى تكثيف التواصل المصري الأفريقي، والتنسيق المشترك فيما يتعلق بالملفات والقضايا الأفريقية الراهنة، وهو ما يفسر حرص الرئيس السيسي على تعدد وتنوع زياراته لدول القارة الأفريقية، تشمل منطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل ودول وسط وغرب وجنوب إفريقيا، بما يعني الاتجاه نحو توسيع نطاق حركة الدبلوماسية الرئاسية المصرية على الساحة الأفريقية، على عكس ما كان سائداً في الرئاسات المصرية السابقة.

الملفات المطروحة:

شملت زيارة الرئيس السيسي التركيز على عدد من الملفات البارزة التي طرحت على طاولة النقاش مع رؤساء وقادة الدول الأفريقية الثلاث، والتي يأتي من أهمها، ما يلي:

(*) بحث الأزمات السياسية في عدد من دول القارة، والتي تواجه صعوبة في التوصل إلى حلول سلمية لها: حيث يشهد عدد من الدول الأفريقية توترات وأزمات متعددة – لا سيما الأزمة السودانية- التي فرضت نفسها على أجندة المباحثات بين الرئيس السيسي وقادة الدول الثلاث، لما تحتوية هذه الأزمة من مخاطر كبيرة، مع استمرار تصاعد وتيرة المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والذي يهدد بانهيار الأوضاع الأمنية الداخلية في السودان، والانزلاق نحو حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، والتي يمكن أن تؤثر بدورها على وحدة السودان واستقراره، بما يهدد الأمن القومي المصري، والأمن الأفريقي، بل والأمن الدولي بشكل عام، وتطالب مصر بوقف فوري للقتال في السودان، وتسعى القاهرة لإيجاد حل سريع لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع، بالتعاون مع دول القارة الأفريقية والاتحاد الإفريقي.

(*) أزمة سد النهضة الإثيوبي: يحرص الرئيس السيسي في كل لقاءاته الدولية على شرح وتوضيح الرؤية المصرية بشأن أزمة سد النهضة، وتداعيات السد على حياة المصريين، وضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم لضمان حقوق كل الأطراف- لا سيما- وأن مصر تعتمد على نهر النيل، بنسبة تزيد عن 90% من احتياجاتها، وتعاني عجزاً مقداره 54 مليار متر مكعب سنوياً، حيث تصل احتياجاتها المائية إلى نحو 114 مليار متر مكعب سنوياً، ما يعني أن مصر تقع تحت خط الفقر المائي العالمي المقدر من الأمم المتحدة بنحو 1000 متر مكعب من المياه سنوياً للفرد.

وقد دعا الرئيس الأنجولى”جواولورنكو”، إلى الجلوس على طاولة الحوار لإيجاد المصلحة المشتركة بين دول المنبع والمصب، مشدداً على أن نهر النيل يجب أن يكون مصدرا للوحدة، معلقاً بأن:”النيل ليس حكراً لأي دولة فهو ملك للجميع”.

(*) ملف الإرهاب والبعد لأمني: والذي كان حاضراً بقوة في مباحثات الرئيس السيسي مع القادة الأفارقة، فالأوضاع غير المستقرة في عدد من الدول الأفريقية، والتي تؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري، وأمن الدول الأفريقية، مع تنامي حالات الصراع في القارة الأفريقية في الفترة الأخيرة، مما يساهم في زيادة نشاطات الجماعات الإرهابية، خاصة تلك التي تتمدد في عدد من الدول الأفريقية، والذي يتطلب تعزيز التعاون الأمني بين الأجهزة المعنية بين البلدان الأفريقية، وبالتنسيق مع الجهود القارية ذات الصلة، وذلك لمواجهة تلك الآفة العابرة للحدود.

وتسعى مصر لمساندة الدول الأفريقية في عمليات مكافحة الإرهاب من خلال ما تتمتع به من خبرات وقدرات في هذا المجال، ولذلك لتحقيق المزيد من الأمن والاستقرار للدول الأفريقية؛ كما تطالب القاهرة المجتمع الدولي بتبني مقاربة شاملة للتصدي للإرهاب بمختلف أبعاده الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية، والفكرية والأيديولوجية، وكذلك من خلال مواجهة التنظيمات الإرهابية كافة، وتقويض قدراتها على استقطاب وتجنيد عناصر جديدة، وتجفيف منابع تمويلها، وهو ما يتطلب تعاونا دوليا متعدد المستويات.

(*) ملف التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري: والذي نال الكثير من الاهتمام خلال مباحثات الرئيس السيسي مع رؤساء البلدان الثلاث، خاصة وأن الأخيرة بحاجة إلى الجهود والخبرات والإمكانات المصرية، حيث ترغب العديد من البلدان الأفريقية في محاكاة النموذج التنموي المصري، والتجربة المصرية الناجحة في العديد من المجالات كـ “البنية التحتية، وتشييد المدن الجديدة، والتصنيع الدوائي، وإنشاء الطرق الكباري، والمشروعات التنموية والصحية والسياحية.

وقد انعكس الاهتمام المصري بملف الاستثمار والتبادل التجاري مع أفريقيا إلى زيادة حجم الاستثمارات المصرية في الدول الأفريقية، والذي بلغ عام 2021 بقيمة 1.2 مليار دولار ليصل إلى 10.2 مليار دولار، حيث تشير وزارة التجارة والصناعة المصرية إلى أن إجمالي الاستثمارات الإفريقية في مصر نحو 2.8 مليار دولار.

دلالات مهمة:

لقد حملت زيارة الرئيس السيسي، الكثير من الدلالات التي أكدت على أهمية مصر بالنسبة لأفريقيا، وأهمية أفريقيا بالنسبة لمصر، فالأمن القومي المصري يرتبط بشكل مباشر بالأمن الأفريقي، كما أن مصر تشكل عنصر توازن في المنطقة وأفريقيا، وممارسة مصر لدورها الأفريقي له ضرورته؛ حتى لا تظل القارة ساحة نفوذ لدول إقليمية ودولية تسعى للإضرار بالأمن القومي المصري والعربي والأفريقي على السواء.

ومنذ تولى الرئيس السيسى للسلطة، شهدت السياسة الخارجية المصرية توجهاً قوياً ناحية القارة الأفريقية، بهدف تعزيز وتوثيق العلاقات مع المحيط الأفريقي على أسس المصالح والمنافع المتبادلة، وتكشف زيارة الرئيس السيسي عن وجود استراتيجية مصرية لتطوير العلاقات مع الدول الأفريقية؛ تسند إلى مرتكزات الدور المصري الفاعل في القارة الأفريقية على المستويات كافة.

إن اهتمام مصر بأفريقيا وتعزيز العلاقات مع دولها والاهتمام بقضاياها، يتطلب ترجمة زيارات الرئيس السيسي إلى أرقام ومؤشرات حقيقية في مجالات التعاون كافة، وهو ما يعكس انفتاح مصر على القارة الأفريقية بشكل فاعل، فالحرص على مواصلة تعزيز علاقاتها بدولها في كل المجالات، وتكثيف التواصل والتنسيق معها، يساهم في ترسيخ مكانة مصر في أفريقيا، غير أن ذلك يتطلب في الوقت ذاته تطوير الأدوات المصرية للتفاعل مع إفريقيا، ستكون الآفاق المرجوة لهذه الزيارات امتلاك الآليات والأدوات المناسبة في هذه المرحلة للتفاعل مع إفريقيا يحوّل إفريقيا من فرصة للنمو الاقتصادي، ودعم وزن مصر الإقليمي على المستوى الاستراتيجي.

خلاصة القول، تشهد الدبلوماسية الرئاسية المصرية تجاه أفريقيا نشاطاً مكثفاً على كافة الاتجاهات، وهو ما يمنح التعاون المصري -الأفريقي المزيد من الزخم اللازم لزيادة فعالية العلاقات المصرية الأفريقية، غير أنه ليس من السهل استعادة الدور المصري الفاعل في أفريقيا، في ظل الأوضاع الأمنية الهشة التي تعيشها الكثير من دول القارة، ولعل السؤال المطروح الآن: هل تستطيع مصر في ظل ما تمر به من صعوبات، أن تستثمر علاقاتها الأفريقية بشكل فعال؟، في إطار سعيها نحو استعادة دورها الحيوي في أفريقيا والمنطقة، وحاجة مصر إلى ضمان مصالحها الوطنية، وتعزيز حضورها المتوازن في القارة الأفريقية؟، لا سيما وأن مصالح الدول تتطلب دائماً المبادرة وليس رد الفعل، وهو ما يقوم به الرئيس السيسي، من خلال المبادرة بالزيارات الخارجية التي تستهدف تفعيل علاقات مصر الدولية على المستويات كافة، على الرغم من العقبات التي تعترض طريق تطوير وترقية تلك العلاقات، غير أن النجاح وما يحققه من حوافز ومصالح مصرية يستحق ذلك الجهد المبذول في مواجهة التحديات!.

د. عبد الناصر سعيد

خبير مشارك- حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية , حاصل على في ماجستير الإعلام ,حاصل على ماجستير في العلوم السياسة , باحث مشارك في عدد من المراكز البحثية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى