هل تشهد إسواتيني اضطرابات في ٢٠٢٣؟

تشهد القارة الإفريقية العديد من الأزمات في مختلف الأقاليم الخمسة التي تُشكل القارة، وهي الأزمات التي تُعاني منها، على سبيل المثال لا الحصر، كل من ليبيا، وتونس، والصومال، وإثيوبيا، وبوركينا فاسو، والكونغو الديمقراطية، وإفريقيا الوسطى، ومالي، وهي الأزمات والقضايا التي سبق أن أشرنا إلى أهمية استمرار متابعتها خلال عام 2023؛ حيث تتنوع بين أزمات سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وأزمات ناتجة عن التغيرات المناخية، وأخرى تسبب فيها الصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في القارة السمراء[i].

من ناحية أُخرى، يبدو أن هناك قضية جديدة تستدعي المراقبة خلال عام 2023، وإن كانت في دولة بعيدة عن بؤرة الاهتمام البحثي بين الباحثين ومراكز الدراسات والفكر العربية؛ نظرًا لبُعدها الجغرافي نسبيًا عن المنطقة العربية، وهي القضية المتعلقة بملف حقوق الإنسان والأوضاع السياسية في مملكة إسواتيني القابعة في جنوب شرق القارة الإفريقية.

يأتي تصاعد القلق بشأن الوضع في إسواتيني إثر اغتيال المحامي والحقوقي البارز ثولاني ماسيكو بتاريخ 21 يناير الجاري (2023) حيث أصيب بطلق ناري نفذ إليه من نافذة منزله على بُعد حوالي 50 كم من العاصمة ماباباني، الأمر الذي نتج عنه اتهام السلطة الحاكمة والحكومة بالضلوع في عملية الاغتيال، ومطالبة منظمة “هيومان رايتس ووتش” بإجراء تحقيق شامل ومستقل يتمتع بالشفافية بشأن قضية الاغتيال[ii].

تأتي تلك الاتهامات على خلفية التحدي الذي أعلنه الملك مسواتي الثالث في مواجهة مُعارضيه قبل ساعات من اغتيال الناشط والحقوقي ثولاني ماسيكو؛ حيث صرح ملك البلاد “يتوجب على المواطنين عدم ذرف الدموع أو الشكوى من المرتزقة الذين سيقتلونهم” مستدركًا “هؤلاء الأشخاص هم الذين لجأوا للعنف أولاً، وعندما تشن الدولة حملة ضدهم، يثيرون الكثير من الضجة، ويلقون باللوم على الملك مسواتي بسبب إحضاره للمرتزقة”، بينما أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة، عقب الحادث، أن الحكومة لم تلجأ إلى استخدام أي قتلة مأجورين، في الوقت الذي تُصر فيه “شبكة تضامن سوازيلاند Swaziland Solidarity Network”، أن الملك قام بالاستعانة بمجموعة من المرتزقة من جنوب إفريقيا المجاورة؛ لمعاونة قوات الأمن في إسواتيني لقمع الحركة المعارضة لحكمه[iii].

ماذا تعرف عن مملكة سوازيلاند..وكم عدد زوجات الملك ؟!.. (صور) - اليوم السابع

 المشهد الداخلي:

تبلغ مساحة المملكة حوالي 17364 كم2، بينما تتراوح تقديرات التعداد السكاني من 1.120 مليون[iv] – 1.191 مليون[v] نسمة؛ حيث تبلغ نسبة نمو السكان بين 0.7% – 1%، ويبلغ متوسط عمر السكان حوالي 23.7 عام.

تبلغ نسبة التعليم بين من يبلغون 15 عامًا فأكثر حوالي 89%، بينما تبلغ نسبة البطالة بين الأيدي العاملة حوالي 26% وفقًا لتقديرات البنك الدولي لعام 2021[vi]، أما على مستوى الأداء الديمقراطي، تأتي إسواتيني في المرتبة 133 على مستوى العام وفقًا لتقرير الإيكونوميست لعام 2020، حيث حصلت على (0.092/10) على مستوى التعددية والعمليات الانتخابية، و(2.86/10) على مستوى الأداء الحكومي، و(2.79/10) فيما يخص المشاركة السياسية، و(5.63/10) بشأن الثقافة السياسية، و(3.24/10) لمؤشر الحريات المدنية[vii].

أما تقرير الإيكونوميست لعام 2021، فيشير إلى تقدم إسواتيني إلى المركز 128 على مستوى النظم الديمقراطية بإجمالي نقاط 3.08/10، حيث حصلت على (0.92/10) لمؤشر العمليات الانتخابية والتعددية، و(2.86/10) لمؤشر الأداء الحكومي، و(2.78/10) على مستوى المشاركة السياسية، و(5.63/10) لمؤشر الثقافة السياسية، و(3.24/10) لمؤشر الحريات المدنية، الأمر الذي يعني أن تلك المؤشرات شهدت تغييرًا يكاد يكون معدومًا، وأن تقدمها من المركز 132 إلى المركز 128 يعود إلى تراجع الأداء الديمقراطي في بعض الدول الأخرى، وليس نتيجة لتحسن المناخ السياسي الديمقراطي والتنموي في إسواتيني[viii].

وفقًا لمؤشر التنمية البشرية Human Development Index، يقع حوالي 69% من شعب إسواتيني تحت خط الفقر، بالإضافة إلى أن نسبة الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) بين البالغين تصل إلى 26% وهي النسبة الأعلى على مستوى العالم[ix]

تويتر \ jamal cheaib على تويتر: "هنا تقع مملكة #اسواتيني اللي هلق سمعت فيها لأنو رئيس وزراءها توفى بسبب #كورونا ! https://t.co/deDqf05gjM"

أزمة ممتدة:

تقع إسواتيني، التي كانت تُدعى حتى عام 2018 “سوازيلاند”، بين كل من جنوب إفريقيا وموزمبيق، وهي دولة حبيسة، وقد شهدت منذ يونيو 2021 موجة من عدم الاستقرار، وهي تُعد آخر دولة تعيش تحت الحكم المَلَكي المُطلق على مستوى القارة الإفريقية ككل، وقد بدأت حالة عدم الاستقرار بموجة من التظاهرات الداعية إلى تطبيق نظام للحكم أكثر حداثة وديمقراطية، إلا أن تلك التظاهرات تعرضت لمواجهات عنيفة من جانب قوات الأمن في إسواتيني[x].

اندلعت تلك التظاهرات إثر مقتل أحد الشباب، وهو طالب في إحدى كليات الحقوق، يبلغ من العمر 25 عامًا، على يد قوات الأمن، حيث بدأت التظاهرات بتاريخ 29 يونيو 2021 والتي قادها شباب من طلاب المراحل الدراسية العليا والجامعات احتجاجًا على تراجع مستويات التنمية وقلة الفرص المتاحة، بالإضافة إلى السلطات الواسعة للملك، وفقًا للدستور، واستغلاله لنفوذه بناءً على تلك الصلاحيات[xi].

في هذا الإطار، أرسل “التجمع التنموي لدول جنوب إفريقيا South Africa Development Community”، وفدًا للتحقيق في تلك التظاهرات، والمواجهات الأمنية التي أدت إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى إلقاء القبض على العديد من المتظاهرين، إلا أن المحتجين يتهمون المنظمة الإقليمية بعقد لقاءات واجتماعات انتقائية مع ممثلي النظام الملكي والمنظمات القريبة منه.

خلال شهر نوفمبر 2022، دعا كل من اتحاد العُمال والنقل في سوازيلاند، ومؤتمر شباب سوازيلاند إلى إغلاق شامل على مستوى الدولة والتوجه نحو التظاهر ضد النظام في يوم 15 نوفمبر 2022[xii]، وهي الاحتجاجات التي نشبت بالفعل، وطالب خلالها المتظاهرون بالإفراج عن برلمانيين إثنين تم اعتقالهما خلال احتجاجات يونيو 2021، بالإضافة إلى سحب سلطات ملك البلاد الذي يتولى الحكم منذ عام 1986، ويُعين رئيس الحكومة، بالإضافة إلى التحكم في تعيين أعضاء البرلمان، كما طالبوا بالإفراج عن كل المتظاهرين الذين تم اعتقالهم، ومحاسبة المسئولين عن مقتل المتظاهرين في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة أن قوات الأمن لا تتعرض للمتظاهرين السلميين، ولكنها تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها ضد من يلجؤون إلى العنف[xiii].

خريطة مجموعة الدول الصناعية السبع - موسوعة

ردود الفعل الدولية:

أدانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان مقتل الناشط والحقوقي ثولاني ماسيكو، ودعت السلطات في إسواتيني إلى بدء تحقيق سريع في تلك القضية وكشف ملابساتها، معربين عن قلقهم بشأن تفاقم الأحداث في الدولة الجنوب إفريقية[xiv].

على الجانب الآخر، وصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى عاصمة إسواتيني بتاريخ 24 يناير 2023، باعتبارها محطته الثانية خلال جولته الإفريقية التي بدأها بزيارة دولة جنوب إفريقيا ومقابلة الرئيس سيريل رامافوزا[xv]، وقد أكد لافروف خلال زيارته على استعداد روسيا لتقديم الدعم لإسواتيني من خلال توفير التدريب لقوات الأمن، وتحسين الإنتاج الغذائي، وتقديم المساعدة بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك[xvi]، وبسؤاله خلال المؤتمر الصحفي عن الأزمة السياسية التي تمر بها إسواتيني، أكد وزير الخارجية الروسي على أن روسيا لا تتدخل في الشئون الداخلية السياسية للدول الأخرى.

في النهاية يمكن القول، إن الشرارة التي أدت إلى اشتعال الاحتجاجات في مملكة إسواتيني، تُشبه إلى حد كبير الشرارة التي نتج عنها نشوب التظاهرات التي أدت للإطاحة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وألهمت سلسلة الاحتجاجات التي تلتها في مصر، وليبيا، وسوريا، واليمن، خلال عامي 2010 و2011 على الرغم من اختلاف التفاصيل والملابسات؛ مما يدعو لترقب تطورات الأحداث في الدولة الجنوب إفريقية؛ حاصة في ظل ارتفاع نسبة التعليم، ونسبة البطالة، ونسبة الإصابة بمرض الإيدز، والأداء السيء على مستوى مؤشري الديمقراطية والتنمية البشرية، وارتفاع معدلات الفقر، في الوقت الذي ترتفع فيه درجة الثقافة السياسية نسبيًا، وجميعها عوامل تُشير إلى تفاقم الوضع، خاصة مع تصريحات ملك البلاد بشأن معارضيه من النشطاء والحقوقيين.

يزداد الأمر توترًا مع فقدان الثقة في إمكانية التوسط من قِبَل التجمع التنموي لدول جنوب إفريقيا (السادك) وبالتالي الحاجة إلى تدخل الاتحاد الإفريقي سعيًا لتجنب تفاقم الأزمة التي قد تُزيد، حال تطورها للأسوأ، من الأزمات الإنسانية التي تُعاني منها القارة بالفعل.

من المحتمل أيضًا، أن تتحول إسواتيني لساحة جديدة للتنافس من خلال الصراع بالوكالة بين روسيا من جانب، والقوى الغربية من جانب آخر، وهو ما يُشير إليه التناقض بين تصريحات كلا الطرفين بشأن الأزمة السياسية الحالية في إسواتيني.

[i] رضوى صقر، “ماذا ينتظر إفريقيا في 2023″، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، تاريخ الزيارة 29 يناير 2023: https://rcssegypt.com/12946.

[ii] “Eswatini: Activist, Rights Lawyer Brutally Killed”, Human Rights Watch, accessed January 29th, 2023: https://www.hrw.org/news/2023/01/25/eswatini-activist-rights-lawyer-brutally-killed.

[iii] “Gunmen Kill Eswatini Opposition Politician”, France 24, accessed 29th, 2023: https://www.france24.com/en/live-news/20230122-gunmen-kill-eswatini-opposition-politician-spokesman.

[iv]  “Eswatini”, CIA World Fact Book, accessed January 31st, 2023: https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/eswatini/#geography.

[v]  “Eswatini Population”, Worldometers, accessed January 31st, 2023: https://www.worldometers.info/world-population/swaziland-population/#:~:text=The%20current%20population%20of%20the,the%20latest%20United%20Nations%20data..

[vi] “Eswatini: Unemployment, total (% of total labor force) (modeled ILO estimate)”, World Bank, accessed January 31st, 2023: https://data.worldbank.org/indicator/SL.UEM.TOTL.ZS?locations=SZ.

[vii] “Democracy Index 2020: In sickness and in health?”, Economist Intelligence, accessed January 31sth, 2023: https://www.eiu.com/n/campaigns/democracy-index-2020/.

[viii] “Democracy Index 2021: the China challenge”, Economist Intellegence, accessed January 31st, 2023: https://www.eiu.com/n/campaigns/democracy-index-2021/#mktoForm_anchor.

[ix] “Eswatini”, Worl Population Review, accessed January 31st, 2023: https://worldpopulationreview.com/countries/eswatini-population.

[x] “Protesters in Eswatini, Africa’s Last Absolute Monarchy, Long for Democracy”, France 24, accessed January 29th, 2023: https://www.france24.com/en/tv-shows/focus/20211020-protesters-in-eswatini-africa-s-last-absolute-monarchy-long-for-democracy.

[xi] Thuso Khumalo, “Security tight on Eswatini protest anniversary”, DW, accessed January 29th, 2023” https://www.dw.com/en/eswatini-security-tight-on-protest-anniversary/a-62305500.

[xii] “Eswatini: Activists call for a shutdown and protests, Nov. 15”, Crisis 24, accessed Jnuary 2023: https://crisis24.garda.com/alerts/2022/11/eswatini-activists-call-for-a-shutdown-and-protests-nov-15.

[xiii] “”Release Detained Parliamentarians” – eSwatini Protesters”, VO Africa, accessed Jnuary 29th, 2023: https://www.voaafrica.com/a/release-detained-parliamentarians-eswatini-protestors-/6839143.html.

[xiv]  Jason Burke, “Eswatini: murder of pro-democracy activist prompts outrage”, The Guardian, accessed January 29th, 2023: https://www.theguardian.com/world/2023/jan/24/eswatini-of-pro-democracy-activist-prompts-outrage.

[xv]  “Russian Foreign Minister Lavrov Arrives in Eswatini on Visit”, Sputnik, accessed January 29th, 2023: https://sputniknews.com/20230124/russian-foreign-minister-lavrov-arrives-in-eswatini-on-visit-1106635783.html.

[xvi] “Russia’s Lavrov Pledges Security Training to Eswatini”, The Moscow Times, accessed January 29th, 2023: https://www.themoscowtimes.com/2023/01/25/russias-lavrov-pledges-security-training-to-eswatini-a80032.

رضوى صقر

رضوى صقر- باحثة مشاركة مهتمة بالشئون الإقليمية والإفريقية ودراسات بناء السلام، حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وخريجة البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى