صراعات محتملة.. كيف يؤثر “المناخ” على نزوح العائلات في القرن الإفريقي؟

رضوى صقر- باحث في وحدة دراسات الأمن الإقليمي.

في الوقت الذي تتحول فيه أنظار العالم إلى مصر منذ أيام، وتحديدًا مدينة شرم الشيخ لمتابعة فعاليات مؤتمر الدول أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ “COP 27″، وذلك أملاً في أن تُسهم فعاليات المؤتمر في وضع آليات تنفيذية محددة لتنفيذ تعهدات مختلف دول العالم نحو سياسات مواجهة تغير المناخ، يُثار الحديث حول الآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ والتي تعاني منها القارة الإفريقية رغم أنها تعتبر القارة الأقل من حيث الإسهام في الانبعاثات والعوامل التي أدت إلى تفاقم ظاهرة تغير المناخ، ولكنها في ذات الوقت أكثر القارات تأثُرًا بتلك الظاهرة.

وتتجلى ظاهرة تغير المناخ وأثارها السلبية بشكل ملحوظ في منطقة القرن الإفريقي، من حيث ارتفاع درجات الحرارة، وتراجع معدلات الأمطار السنوية، وتزايد نسبة التصحر، وارتفاع مستوى سطح البحر، وإصابة المنطقة بحالة من أسوأ حالات الجفاف التي شهدتها خلال عقود، وفي هذا المقال نسعى لاستكشاف أبرز الآثار المترتبة على ظاهرة تغير المناخ في منطقة القرن الإفريقي على مختلف المستويات.

انعكاسات سلبية على الحياة اليومية:

أدى انخفاض معدل سقوط الأمطار إلى مستوى دون المتوسط خلال السنوات الماضية إلى أزمة، هي الأخطر والأصعب منذ 40 عاما، وذلك فيما يتعلق بتداعيات الجفاف على مستوى منطقة القرن الإفريقي والتي تشمل دول إثيوبيا، وجيبوتي، والصومال، وكينيا، وإريتريا؛ إذ أجبر الجفاف الممتد الذي تُعاني منه تلك المنطقة، العديد من العائلات على النزوح بعيدًا عن منازلهم بحثًا عن الطعام والمياه، مما يُعرض صحتهم وأمنهم للخطر، ويؤثر سلبًا على فرص التعليم المتاحة لأبنائهم[i].

وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، فإنه من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يُعانون من الجوع نتيجة الجفاف في منطقة القرن الإفريقي من حوالي 14 مليون شخص في إبريل 2022 إلى حوالي 20 مليون شخص بنهاية العام؛ حيث تشهد المنطقة الموسم الرابع على التوالي من حيث تراجع كميات الأمطار، مما يجعل المنطقة تُعاني ليس فقط من ارتفاع أسعار الطعام والوقود نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، وإنما أيضًا نُدرة الطعام نتيجة مواسم الجفاف الممتدة والمتتالية[ii].

لقد ارتفعت تكلفة سلة الطعام بنسبة 66% في إثيوبيا، و30% في الصومال، مما يُعيق العائلات من الحصول على التغذية الملائمة؛ إذ ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة تتراوح بين 3 إلى 5 أضعاف، بالإضافة إلى انخفاض أعداد رؤوس الماشية، وعلى سبيل المثال، انخفض حجم الحبوب التي يُمكن شراؤها بثمن بيع إحدى الخراف أو الماعز بنسبة تصل إلى 40% عن المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية في كينيا، بينما انخفضت كمية الحبوب المكافئة بنسبة 80% في بعض المناطق الصومالية.

وفي إثيوبيا، تُشير التقديرات إلى نفوق حوالي مليون رأس من الماشية خلال الأعوام الـ 4 الأخيرة، بالإضافة إلى معاناة حوالي 7.2 مليون شخص من الجوع في جنوب وجنوب شرق البلاد، التي تشهد جفافًا هو الأكثر قسوة منذ عام 1981.

أما على الصعيد الكيني، فقد تضاعف عدد الأشخاص الذين يُعانون من أثار الجفاف بأكثر من 4 مرات خلال العامين المنصرمين، حيث وصل عدد الأشخاص الذين يعانون من حالة حادة من انعدام الأمن الغذائي إلى 3.1 مليون شخص منهم نصف مليون شخص يعانون من حالة شديدة من الجوع الذي يستلزم التدخل الطارئ لإنقاذهم، ومن ناحية أخرى، يُتوقع أن تشهد الصومال مجاعة شديدة حال استمرار الجفاف وندرة سقوط الأمطار؛ حيث يعاني حاليًا 6 ملايين شخص أو حوالي 40% من الصوماليين من نقص الأمن الغذائي الحاد.

اتساع مستوى التأثير:

تأتي الآثار السلبية للجفاف الناتج عن ظاهرة تغير المناخ لتُزيد حدة الأزمات التي تعانيها دول منطقة القرن الأفريقي بالفعل؛ فإلى جانب الصراعات الدائرة وعدم الاستقرار في دول تلك منطقة، يوجد حوالي 2.9 مليون لاجئ وطالب لجوء في منطقة القرن الإفريقي، إضافة إلى ما يزيد عن 12 مليون نازح[iii].

على صعيد متصل، تشهد منطقة القرن الإفريقي أحد أسوأ أزمات انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم؛ ففي أغسطس 2022 وصل عدد الأشخاص الذين يُعانون من الانعدام الحاد للأمن الغذائي إلى حوالي 22 مليون شخص في كل من إثيوبيا وكينيا، والصومال، ما يعني أن عدد هؤلاء الأشخاص قد تخطى توقعات برنامج الغذاء العالمي المذكورة آنفًا.

تُشير تقديرات المؤسسات والمنظمات المعنية إلى أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر يصل إلى حوالي 25% في إثيوبيا، ليرتفع في كينيا حيث تصل النسبة إلى 30%، وصولاً إلى 70% في الصومال، وبالنظر لتعداد سكان كل من تلك الدول، نجد أننا نتحدث عن حوالي 60 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر.

كما تزداد حدة تأثير ظاهرة تغير المناخ على دول القرن الإفريقي مع اعتماد اقتصادات تلك الدول على القطاع الزراعي؛ حيث يمثل ذلك القطاع 40% من الدخل القومي الإجمالي لإثيوبيا، و80% من حجم الصادرات، كما يعمل به حوالي 75% من حجم العمالة في إثيوبيا، بينما يعمل في ذلك القطاع حوالي 80% من العاملين الصوماليين.

أما في كينيا، فيمثل قطاع الزراعة العمود الفقري للاقتصاد حيث يُسهم بحوالي الثلث في الدخل القومي الإجمالي ويعمل به 40% من السكان بصفة عامة، و70% من سكان المناطق الريفية بصفة خاصة.

صراعات محتملة:

من المُرجح أن يؤدي تغير المناخ، وزيادة حدة الجفاف، وندرة سقوط الأمطار، وتغير النظم الإيكولوجية في البحار والمحيطات، إلى زيادة الصراعات المسلحة سواء بين دول المنطقة أو بين المجتمعات المحلية، وذلك في ظل ما تتسم به المنطقة من اختلافات عرقية، وانتشار الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى النزاعات القائمة بالفعل حول مصادر المياه، وتُشير بعض الدراسات[iv]، إلى أن زيادة درجات الحرارة في منطقة القرن الإفريقي بمقدار (0.5) درجة سيليزيوس، تزيد من احتمالات نشوب الصراع بنسبة 10 – 20%.

يُعزز من تلك الرؤية، أن تفشي الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، وندرة الموارد، ستؤدي إلى النزاعات بين القبائل والمجموعات العرقية على مختلف الموارد الطبيعية، كما أنها تُشجع على قيام الاحتجاجات والتظاهرات ضد الأنظمة الحاكمة مما يدفع بالمنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار؛ فعلى سبيل المثال، كان ارتفاع أسعار الخبز هو الشرارة التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات في السودان عام 2018.

يزداد الأمر سوءًا بالنظر إلى امتداد المجموعات العرقية عبر حدود الدول الرسمية المعترف بها دوليًا بين دول القرن الإفريقي، وبالتالي، فإن أن أي نزاع محلي بين المجموعات العرقية في إحدى تلك الدول، من شأنه أن يُلقي بظلاله ويؤثر سلبًا على الاستقرار في الدول المجاورة.

حال زيادة أعداد النازحين واللاجئين نتيجة عدم قدرة الحكومات والشعوب على مواجهة التأثيرات السلبية لتغير المناخ على منطقة القرن الإفريقي، فإن ذلك يُنذر بالعديد من الأزمات والتحديات التي تتصل ببعضها البعض وتؤثر في بعضها البعض، وذلك على النحو التالي:

(*) تعزيز النزعات العرقية سواء داخل الدولة الواحدة أو بين مجتمعات دول القرن الإفريقي ذات الأعراق والديانات المختلفة.

(*) زيادة أعداد النازحين واللاجئين والضحايا نتيجة الصراعات الداخلية على الموارد مما يُفسح المجال لتجنيد هؤلاء المتضررين من جانب الجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى زيادة أنشطة التجارة غير المشروعة.

(*) سعي القوى الإقليمية والدولية إلى زيادة نفوذها في دول المنطقة من خلال حروب الوكالة عبر استغلال الانقسامات الداخلية في دول القرن الإفريقي.

(*) احتمالية لجوء قادة المجموعات العرقية والجماعات المُسلحة إلى حشد دعم المجتمعات المحلية من خلال إثارتهم ضد القوى الإقليمية والدولية ليس فقط باعتبار القوى الدولية الكُبرى هي المسئول الأول عن الانبعاثات والأضرار البيئية التي أدت إلى تفاقم ظاهرة التغير المناخي، وإنما أيضًا في ظل لجوء عدد من القوى الإقليمية إلى الاعتماد على الأراضي الزراعية في دول المنطقة لتلبية الاحتياجات الغذائية لشعوبها وتحقيقًا للأمن الغذائي، وبالتالي النظر إلى تلك الاستثمارات من جانب المجتمعات المحلية باعتبارها لا تهتم بمصالح شعوب القرن الإفريقي وإنما يتم استغلال تلك الأراضي لتلبية احتياجات شعوب القوى الإقليمية ذات الصلة.

في النهاية، يمكن القول، إن الوضع في منطقة القرن الأفريقي بسبب الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية، يتطلب التدخل السريع من دول العالم الغنية، فقد أثبتت بعض الدراسات التي أجراها معهد الولايات المتحدة للسلام[v] إلى أن التطورات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية تجعل التعامل مع منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر باعتبارهما منطقتين منفصلتين أمرًا عسيرًا، بل إنه أصبح من الضرورة بمكان التعامل معهما باعتبارهما منطقة واحدة، وبالنظر إلى ارتباط القرن الإفريقي والبحر الأحمر بطرق التجارة العالمية العابرة في المحيط الهندي جنوبًا وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط شمالاً، فإن نشوب أي صراعات مستقبلية جديدة، أو تفاقم النزاعات الحالية، نتيجة الآثار السلبية لتغير المناخ لن يؤثر على الدول التي تشهد تلك الصراعات فقط، وإنما سيؤثر على مصالح كافة الدول المحيطة المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بالإضافة إلى التأثير السلبي على تجارة النفط، ومختلف سلاسل الإمداد حال تزايد نشاطات القرصنة والتجارة غير المشروعة، وبالتالي فإن تفاقم الوضع في تك المنطقة يؤثر على مصالح العالم ككل لاسيما القوى الكُبرى التي تتنازع السيطرة على النظام العالمي.

_____________________________________________________________________________

المراجع:

[i]Children are facing deadly drought in the Horn of Africa“, United Nations International Children’s Emergency Fund, accessed November 8th, 2022: https://www.unicef.org/stories/climate-drought-horn-of-africa#:~:text=Consecutive%20years%20of%20below%2Daverage,safety%20and%20education%20at%20risk.

[ii]Horn of Africa drought: Late rains in Ethiopia, Kenya and Somalia are inflaming hunger, warns WFP“, The World Food Programme, accessed November 8th, 2022: https://www.wfp.org/stories/horn-africa-drought-late-rains-ethiopia-kenya-and-somalia-are-inflaming-hunger-warns-wfp.

[iii] Michelle D. Gavin, “Climate Change and Regional Instability in the Horn of Africa“, Council on Foreign Relations, accessed November 8th, 2022: https://cdn.cfr.org/sites/default/files/report_pdf/Climate%20Change%20and%20Regional%20Instability%20in%20the%20Horn%20of%20Africa.pdf?_gl=1*1xfgzpr*_ga*MTQ5MTcxMjg5MS4xNjY3OTE0NjU2*_ga_24W5E70YKH*MTY2NzkyMjA1OS4yLjAuMTY2NzkyMjA1OS4wLjAuMA

[iv]Robert Muggah, “Climate Threats are Multiplying in the Horn of Africa”, Foreign Policy, accessed Nonember 12th, 2022: https://foreignpolicy.com/2021/12/08/climate-security-council-africa-horn/.

[v]Payton Knopf, Why the US Needs a Special Envoy for the Red Sea, (United States Institute for Peace), accessed December 30th, 2018: https://www.usip.org/publications/2018/10/why-us-needs-special-envoy-red-sea.

وانظر أيضًا:

“Final Report and Recommendations of the Senior Study Group on Peace and Security in the Red Sea Arena”, United States Institute of Peace, accessed August 27th, 2021: https://www.usip.org/publications/2020/10/final-report-and-recommendations-senior-study-group-peace-and-security-red-sea.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى