ما التداعيات المُحتملة لفوز “دونالد ترامب” على الصومال؟
تُعاني الصومال من توترات أمنية متزايدة في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع توقيع إثيوبيا وأرض الصومال “مذكرة تفاهم”، والتي تسمح لأديس أبابا بالحصول على “ميناء بربرة” لمدة 50 عامًا، فضلًا عن الانسحاب الكامل لبعثة “أتميس” بنهاية هذا العام، ومع إعلان فوز المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2025، زادت المخاوف من سياسات ترامب تجاه الصومال، خاصة وأن سياسة الرئيس المُنتخب تقوم على استراتيجية تحقيق مصالح “أمريكا أولاً”، كما أنه لم يبد أي اهتمام بالقارة السمراء أثناء حملته الانتخابية، وخلال ولايته الأولى قرر سحب القوات الأمريكية من الصومال، الأمر الذي أثار التساؤل بشأن التداعيات المحُتملة لرئاسة ترامب علي القوات الأمريكية المتواجدة في الصومال، والتوترات مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، ومستقبل بعثة حفظ السلام الجديدة ” AUSSOM” التي تعد واشنطن من أكبر داعمي جهودها في مكافحة “حركة الشباب” الإرهابية في مقديشو.
سياسة واشنطن تجاه مقديشو:
شهدت العلاقات الأمريكية الصومالية تباينًا بالمقارنة بين ولاية “دونالد ترامب” الأولى و”جو بايدن”، حيث شهد الدور الأمريكي في عهد ترامب تراجعًا ملحوظًا؛ لأن سياسته تقوم على تحقيق مصالح “أمريكا أولاً”، لذلك قرر سحب 700 جندي من القوات الأمريكية بالصومال في ديسمبر 2020، والتي كانت تدعم القوات الصومالية بمعلومات استخباراتية للتصدي لـ “حركة الشباب”، الأمر الذي أدى إلى توسع نفوذ الحركة وإعادة تمركزها في عدة مناطق في الصومال، مما أثر على المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الأمريكية.
وعليه، أدرك الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أهمية تعزيز العلاقات مع الصومال منتهجًا سياسة مغايرة لسياسة سلفه “دونالد ترامب”، تهدف إلى إعادة التمركز الأمريكي في الصومال؛ نظرًا لموقعها الاستراتيجي الذي جعلها ممرًا رئيسيًا للتجارة العالمية، كما أن استقرار الوضع الأمني للصومال، يُعد بمثابة الطريق لتحقيق المصالح الاستراتيجية الأمريكية، خاصة في ظل تصاعد النفوذ الصيني الذي استغل التراجع الأمريكي في مقديشو في عهد ترامب، حيث قدمت بكين في مارس 2022 بعض المساعدات العسكرية للحكومة الصومالية، لحماية التجارة الصينية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق بابا المندب، فضلاً عن ضمان استكمال مبادرة الحزام والطريق التي تنخرط فيها دول القرن الإفريقي، لذلك أصدر بايدن قرارًا في مايو 2022 يتضمن إعادة نشر قرابة 500 جندي مجددًا؛ لمساعدة القوات الصومالية في التصدي لحركة الشباب، ولمجابهة النفوذ الصيني المتزايد.
كما قامت الحكومة الصومالية والولايات المتحدة في عهد “جو بايدن” بتوقيع اتفاقية عسكرية في 15 فبراير 2024، بهدف زيادة الدعم العسكري الأمريكي للصومال، فضلاً عن تعزيز قدرات القوات المسلحة لمقديشو من خلال التدريب العسكري المشترك، خاصة لواء القوات الخاصة “دنب”، إضافة إلى إنشاء خمسة مراكز عسكرية في البلاد، وذلك لتعزيز قدرة الجيش الصومالي في حربه ضد “حركة الشباب”، وبالتزامن مع الانسحاب التدريجي لبعثة “أتميس”.
ومما سبق، فإن سياسة ترامب خلال ولايته الثانية تجاه إفريقيا بشكل عام والصومال بشكل خاص، قد تحمل تغييرات بسيطة، تهدف إلى تحقيق المصالح الأمريكية من خلال مجابهة التنافس الصيني، مع استمرار الولايات المتحدة في تهميش القارة السمراء، خاصة وأن سياسات الرئيس الأمريكي تجاه إفريقيا تستند إلى الحد من المساعدات والهجرة، بالإضافة إلى رغبة ترامب في إلغاء قانون الفرص والنمو الإفريقي (أجوا) عقب انتهاء العمل به في 2025، حيث يسعى لفرض رسوم جمركية على جميع السلع المستوردة من الخارج من أجل دعم القطاعات الاقتصادية المحلية. كما أن إدارة ترامب تقلل من أولوية الديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل مصالح واشنطن الاستراتيجية. وعليه، فإن أي تدخل في شؤون دول القارة السمراء سيكون من أجل تفادي أي معوقات، قد تؤثر على نفوذ واشنطن في إفريقيا.
مؤشرات دالة:
وفقًا لقراءة مشهد حملة ترامب الانتخابية وسياساته السابقة تجاه الصومال، فقد تحاول واشنطن إحداث تغييرات بسيطة في سياساتها من أجل تحقيق مصالح الولايات المتحدة، وذلك من خلال تعزيز وجودها في إقليم أرض الصومال بدلاً من دولة الصومال، وهناك مؤشرات عدة تؤكد ذلك، يتم توضيحها فيما يلي:
(-) وثيقة “مشروع 2025: مشروع الانتقال الرئاسي”: تُعتبر أرض الصومال من أبرز القضايا التي أشارت إليها وثيقة “مشروع 2025: مشروع الانتقال الرئاسي” التي صاغها أعضاء وأنصار الحزب الجمهوري قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، والتي تتضمن الأهداف الواجب تنفيذها على “دونالد ترامب” خلال أول 100 يوم من وجوده في المكتب البيضاوي، إذ اقترحت الوثيقة أنه في حال فوز ترامب بالانتخابات، فسوف تعترف واشنطن رسميًا بـ “أرض الصومال”، في إشارة إلى أهمية الاعتراف باستقلال الإقليم الانفصالي. وفي المقابل، نفى ترامب معرفته بأي معلومات عن “مشروع 2025″، مؤكدًا أنه ليس لديه علاقة بهم، فضلاً عن سعي حملة ترامب لعدة أشهر إلي توضيح أن “مشروع 2025” لا يتحدث عنهم، ومع ذلك، فإن الوثيقة من صاغها هم حلفاء ترامب، حيث شارك ما لا يقل عن 140 شخصًا من إدارة ترامب في صياغة “مشروع 2025″، بالإضافة إلى الأشخاص الآخرين المرتبطين به سياسيًا، وفقًا لشبكة سي إن إن.
(-) مجابهة النفوذ الصيني: لم تحظ إفريقيا باهتمام ترامب خلال حملته الانتخابية 2024، ومع ذلك فإن التنافس مع الصين يعد على قائمة أولوياته في سياساته تجاه القارة السمراء، لذلك قد تسعى واشنطن للاعتراف بإقليم “أرض الصومال” من أجل مجابهة سياسات الصين لحماية المصالح الأمريكية في جيبوتي، حيث تزايد الوجود العسكري والتجاري لبكين في جيبوتي التي تمتلك أكبر ميناء في القرن الإفريقي، الأمر الذي يجعل جيبوتي تواجه صعوبات عدة نتيجة لاستضافة القواعد العسكرية الأمريكية والصينية في بلادها، حيث تحاول القوتين طرد الأخرى، الأمر الذي يمثل تعقيدًا متزايدًا للوضع الجيوسياسي في منطقة القرن الإفريقي. وعليه، فإن “أرض الصومال” ستكون بمثابة إحياء للتواجد الأمريكي في القارة.
(-) الأهمية الاستراتيجية لأرض الصومال: قد تكون “أرض الصومال” عنصر رئيسي في سياسة ترامب المستقبلية في إفريقيا، خاصة وأن الإقليم الانفصالي يعد ذات أهمية جيوسياسية، ويتمتع بموقع استراتيجي على خليج عدن ومضيف باب المندب، لذلك قد تسعى واشنطن للحصول على قاعدة بحرية جديدة في إقليم “أرض الصومال” الاستراتيجي، وتجدر الإشارة إلي أن أرض الصومال قامت بتعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان في عام 2020 دون تخوف من سياسات الصين، الأمر الذي يتوافق مع السياسات الأمريكية تجاه الصين وتايوان.
وعلاوة على مما سبق، يرى بعض الدبلوماسيين الأمريكيين، أنه من الضروري على إدارة ترامب أن تعزز من علاقاتها مع “أرض الصومال” في الفترة المُقبلة، في مقابل الحد من تقديم المساعدات للصومال. وعليه، من المتوقع أن تراجع واشنطن سياساتها تجاه الصومال وأرض الصومال لتعزيز وجودها في شرق القارة السمراء، وفقًا للمصالح الأمريكية الاستراتيجية والاقتصادية.
وتجدر الإشارة أن ترامب خلال ولايته الأولى اعترف بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية في مقابل تطبيع الرباط علاقاتها مع إسرائيل، ولذلك لا يستبعد في ولايته الثانية أن يعترف بأرض الصومال، خاصة وأن العديد من المحافظين يحثه على الاعتراف بالإقليم الانفصالي، على الرغم من المعارضة الشديدة من الصومال.
تداعيات مُحتملة:
تتمثل التداعيات المُحتملة لسياسة ترامب تجاه الصومال، وفقًا لقراءة المشهد، في عدة تداعيات، يتم توضيح أبرزها فيما يلي:
(*) تخفيض المساعدات: من المحتمل أن يؤثر فوز ترامب بولاية ثانية على تخفيض أو خسارة المساعدة للصومال والمقدرة بحوالي 1.22 مليار دولار، الأمر الذي قد يزيد من معاناة السكان المدنيين، بالإضافة إلى أنه رغم تلقي الصومال مليارات من المساعدات، إلا أنه يسيطر علي أقل من 10% من أراضيه.
(*) إمكانية عرقلة تمويل جهود حفظ السلام في الصومال: تدل كافة المؤشرات على أن ولاية ترامب الثانية قد تعرقل بشكل كبير تمويل جهود بعثة حفظ السلام الجديدة في الصومال “AUSSOM” بعد إنهاء مهام بعثة “أتميس” في ديسمبر القادم، خاصة وأن الرئيس الأمريكي المُنتخب ليس لديه اهتمام بتمويل بعثات حفظ السلام في الصومال، وبالتالي في حال قطعت واشنطن دعمها، فإن دول الاتحاد الأوروبي لن تتدخل لتغطيه النقص، خاصة وأنها تعاني من صراعات، أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية.
ومع ذلك، فإن تمويل جهود بعثة “أوسوم”، سوف تعتمد على عدة عوامل، منها: تحديد أولويات ترامب تجاه إفريقيا، ففي حال أعطت إدارة ترامب أولوية أقل للجهود الإنسانية والدبلوماسية تجاه القارة السمراء، فقد يؤثر ذلك على تمويل البعثة، ولكن في حال رأى ترامب أن الاستقرار في الصومال يخدم مصالح الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، فمن المؤكد سيدعم التمويل. كما قد يؤثر الوضع الأمني في الصومال على القرارات المتعلقة بالتمويل، وإذا زاد العنف الناتج عن نشاط “حركة الشباب”، فقد تزيد الضغوط لزيادة التمويل، والعكس صحيح، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية والخارجية التي قد تلعب دور في تحديد مستوى التمويل، مثل الكونغرس والدول المشاركة في البعثة والمنظمات غير الحكومية.
(*) سحب القوات الأمريكية من مقديشو: قد يحاول الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” سحب القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة “بيلدوجلي” العسكرية في الصومال، فضلاً عن وقف التدريب والرواتب والحصص الغذائية لجنود لواء “داناب” الذين دربتهم الولايات المتحدة للتصدي لحركة الشباب، خاصة وأن ترامب قام بسحب القوات الأمريكية من الصومال خلال فترة ولايته الأولى.
(*) إعطاء “مذكرة التفاهم” طابعًا رسميًا: على الرغم من معارضة الليبراليين العالمين لمذكرة التفاهم، إلا أن إدارة “دونالد ترامب” قد تحاول خداع مقديشو؛ لإضفاء الطابع الرسمي على “مذكرة التفاهم” بين إثيوبيا وأرض الصومال في اتفاقية رسمية وملزمة، تماشيًا مع المصالح الأمريكية.
(*) زيادة التوترات الإقليمية: قد تؤدي سياسة ترامب إلى زيادة التوترات بين الصومال و إثيوبيا ودول الجوار، خاصة في ظل النزاعات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي، فضلاً عن قضية سد النهضة، الأمر الذي قد يؤثر على الاستقرار الأمني في المنطقة.
وختامًا، يمكن القول إن سياسة ترامب تجاه الصومال تتوقف على تحقيق وتعزيز المصالح الأمريكية في المقام الأول، لذلك من المرجح أن تعدل إدارة ترامب من سياساتها لمجابهة النفوذ الصيني المتزايد في منطقة القرن الإفريقي دون إحداث أي تغييرات جذرية. كما أن فكرة تعزيز التواجد الأمريكي في أرض الصومال وإضفاء الشرعية لمذكرة التفاهم، تتوقف على عدة عوامل منها: المفاوضات الثنائية، والضغط الدولي، والوضع الأمني، والاستقرار السياسي في الصومال وإثيوبيا. أما بالنسبة للحد من المساعدات، فقد يستخدم ترامب المساعدات كأداة ضغط لتحقيق أهداف واشنطن السياسية والاقتصادية، وبالتالي فإن مستقبل المساعدات المقدمة للصومال، يتوقف علي الاستراتيجية السياسية بشأن مكافحة الإرهاب في القرن الإفريقي بشكل عام والصومال بشكل خاص، فضلًا عن مراجعة استخدام المساعدات، وقد تعيد إدارة ترامب هيكلة توزيع التمويل بعيدًا عن التجاوزات في المساعدات، خاصة وأن الاعتقاد السائد أنه يتم استخدامها بشكل غير صحيح، لذلك قد يحدث تعديل في شروط أو حجم المساعدات المقدمة، بالإضافة إلى أن الوضع الأمني والإنساني قد يؤثر على قرارات تقديم المساعدات. وعليه، فإن الوضع في الصومال يبقي مرهونًا بالقرارات المستقبلية للإدارة الأمريكية والكونجرس وليس الرئيس الأمريكي وحده، كما قد تتأثر القرارات الأمريكية بالعلاقات الدولية التي تتغير بمرور الوقت.