د. عبدالحميد كمال يكتب: حقوق مصر البيئية والاقتصادية ونزاع عدن
يشهد مضيق باب المندب حاليًا نزاعًا مسلحًا بين القوات الحوثية وبعض الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى، مما يؤدي إلى أضرار مباشرة على السفن التجارية وناقلات النفط. يُعد مضيق باب المندب، واحدًا من أهم الممرات المائية في العالم، حيث يمر من خلاله جزء كبير من حركة التجارة العالمية. وطبقًا للأخبار الرسمية لوكالات الأنباء وبيانات المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، فإن حجم ما تم استهدافه خلال الفترة من أكتوبر ونوفمبر 2023 وحتى فبراير 2024 بلغ ما يزيد عن 166 سفينة تجارية وناقلة بترول، هذا غير حاملات الطائرات و المدمرات والقطع الحربية البحرية.
لقد كان الاستهداف الأكبر للسفن المملوكة لإسرائيل، التي تحمل أعلام ليبريا ومالطة والبرتغال، وفي ظل النزاع القائم حليا في منطقة الشرق الأوسط، تعرضت بعض السفن لاعتداءات التي تسببت في تسريبات نفطية خطيرة، مما يهدد بانتشار تلوث بترولي واسع النطاق، قد يؤثر على بيئة البحر الأحمر، ويمتد ليصل إلى المياه الإقليمية المصرية في خليج السويس وخليج العقبة. ويمكن توضيح هذا على النحو التالي:
- السفن المتضررة وأنواع التلوث: لقد تضمنت الحوادث الأخيرة في مضيق باب المندب، تعرض عدة سفن شحن وناقلات نفطية لهجمات، أدت إلى تسرب النفط منها. ورصد من بين السفن المتضررة، ناقلات النفط الكبيرة مثل “MT Blue Star” و”MT Gulf Trader”، حيث تعرضت لهجمات أدت إلى تسربات نفطية مباشرة. كذلك سفن شحن تجاري مثل “Al-Salam 1” و”Suez Express”، التي تعرضت لأضرار ميكانيكية نتيجة للهجمات، وهو ما أدى إلى تلوث محدود بمواد كيميائية مشحونة. هذا بالإضافة إلى قائمة السفن التي أُعلن عن استهدافها بشكل رسمي طبقا لبيان القوات المسلحة اليمنية ( عقيد يحيى سريع ) او بيانات امريكية و بريطانية و من خلال بيان عمليات البحرية التجارية و شركة أميري البريطانية للأمن البحري. ويمكن تقسيم التلوثات التي تتعرض لها هذه المساحات المائية إلى مباشرة وغيرة مباشرة، هي كالتالي:
أ. التلوثات المباشرة: تتمثل في تسريبات النفط الخام من السفن المتضررة، وهو تعتبر التهديد الأكبر، حيث يمكن لهذه التسريبات أن تتسبب في بقع نفطية كبيرة قد تمتد مع التيارات البحرية إلى الشواطئ المصرية. كما أن المواد الكيميائية المشحونة التي تسربت من بعض سفن الشحن، مثل الزيوت الصناعية والوقود الثقيل، قد تضيف تهديدًا بيئيًا آخر يؤثر على نوعية المياه.
ب. التلوثات غير المباشرة: يمكن أن يؤدي التلوث البترولي إلى تعطيل النظم البيئية البحرية بشكل كامل، ما يؤثر على السلسلة الغذائية البحرية. كما قد تسبب بقايا النفط المترسبة على السواحل في تلوث بيئي طويل الأمد، من المحتمل أن يؤثر على التربة والشعاب المرجانية.
- الطبيعة الجومائية وانتشار التلوث: يعتمد انتشار التلوث البترولي بشكل كبير على العوامل الجومائية، بما في ذلك التيارات البحرية واتجاه الرياح في المنطقة. دراسة هذه العوامل تتيح لنا توقع مدى انتشار التلوث وآثاره، وذلك على النحو التالي:
أ. التيارات البحرية: تتميز منطقة البحر الأحمر بتيارات سطحية تتحرك من الجنوب إلى الشمال، وهو ما يزيد من احتمال انتقال التلوث البترولي من مضيق باب المندب باتجاه خليج السويس وخليج العقبة. كما أن التيارات العميقة تسهم في تقليص انتشار التلوث إلى أعماق أكبر، ولكنها قد تحمل جزءًا من التسربات البترولية إلى مناطق الصيد.
ب. اتجاه الرياح: الرياح الموسمية التي تهب من الجنوب الغربي في فصل الصيف، يمكن أن تسهم في دفع التلوث شمالًا باتجاه السواحل المصرية، مما يزيد من احتمالية تعرض هذه المناطق لآثار التلوث. كما أنه في فصول أخرى، مثل الشتاء، قد تساهم الرياح في توجيه التلوث باتجاه الخليج العربي، مما يقلل من تأثيره على مصر.
- الأضرار البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتوقعة، ويمكن رصدها على النحو التالي:
أ. الأضرار البيئية: يعد التسرب النفطي أحد أخطر أشكال التلوث البحري. وفي حال امتداد التلوث إلى الشواطئ المصرية، يمكن توقع الأضرار التالية:
(*) تدمير الشعاب المرجانية: الشعاب المرجانية في خليج السويس وخليج العقبة تعتبر من بين الأغنى تنوعًا في العالم. فالتلوث النفطي، يمكن أن يضر هذه الشعاب بشكل دائم.
(*) الحياة البحرية: الثروة السمكية، التي تشكل مصدر رزق للمجتمعات المحلية، مهددة بالانقراض أو التدهور نتيجة للسموم المنبعثة من النفط. إضافة إلى ذلك، السلاحف البحرية والدلافين والكائنات البحرية الأخرى معرضة لخطر الاختناق والوفاة.
ب. الأضرار الاقتصادية، وتتمثل الأضرار الاقتصادية في:
(*) قطاع السياحة: المناطق السياحية في البحر الأحمر، تعتمد بشكل كبير على البيئة البحرية النظيفة. فأي تلوث في المياه، قد يؤدي إلى تقليص حركة السياحة بشكل كبير، مما يتسبب في خسائر مالية كبيرة لشركات السياحة والفنادق.
(*) قطاع الصيد: يعتمد العديد من سكان خليج السويس وخليج العقبة على صيد الأسماك كمصدر رئيسي للدخل. فالتلوث النفطي سيؤدي إلى تدمير هذا القطاع، مما يزيد من نسب البطالة ويؤثر على الاقتصاد المحلي
(*) النقل البحري: التلوث الناتج عن النزاع قد يؤدي إلى تعطيل حركة السفن في الممرات البحرية، مما يرفع من تكاليف الشحن ويؤثر على الاقتصاد الإقليمي والدولي.
ج. الأضرار الاجتماعية، وتتمثل الأضرار الاجتماعية فيما يلي:
(*) الصحة العامة: تعرض المجتمعات الساحلية للهواء الملوث بالزيوت والأبخرة الناتجة عن التسربات البترولية، قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل الصحية، بما في ذلك أمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية.
(*) الآثار على المجتمعات المحلية: المجتمعات التي تعتمد على البيئة البحرية في معيشتها ستتضرر بشكل كبير، حيث ستتأثر قدراتها على الصيد والسياحة والزراعة الساحلية.
- الإطار القانوني وحقوق الإنسان: بالنسبة للواثيق الدولية المتعلقة بالتلوث البحري، فإنه توجد عدة اتفاقيات دولية تتعلق بحماية البيئة البحرية، ومن أبرزها:
أ. اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS): تنظم هذه الاتفاقية حقوق الدول ومسؤولياتها في استخدام البحار والمحافظة على البيئة البحرية. وتشمل الأحكام المتعلقة بتلوث البحار وسبل مكافحة التسربات النفطية.
ب. اتفاقية منع التلوث البحري الناتج عن السفن (MARPOL): تفرض هذه الاتفاقية معايير صارمة لمنع التلوث البحري الناتج عن السفن، سواء كان من جراء التسربات النفطية أو المواد الكيميائية.
ج. البروتوكول الدولي بشأن المسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن التلوث بالنفط (CLC): يُلزم هذا البروتوكول مشغلي السفن بدفع تعويضات عن الأضرار التي يتسبب فيها التلوث النفطي.
- المسؤولية عن التعويض: بموجب الاتفاقيات الدولية، تقع مسؤولية التعويض عن الأضرار البيئية على عاتق الجهة المتسببة في التلوث، سواء كانت هذه الجهة دولة أو مجموعة مسلحة. في حالة النزاع الحالي في مضيق باب المندب، ويمكن تحديدها على النحو التالي:
أ. المسؤولية القانونية: قد تكون القوات الحوثية أو الأطراف الدولية المشاركة في النزاع مسؤولية عن الأضرار الناجمة عن التسربات النفطية.
ب. إجراءات التعويض: يمكن للدول المتضررة، بما في ذلك مصر، تقديم دعاوى قضائية دولية للمطالبة بتعويضات مالية وفقًا للاتفاقيات الدولية.
- التوصيات والاستنتاجات، يمكن رصدها كالتالي:
(-) تعزيز المراقبة البيئية: من الضروري إنشاء أنظمة مراقبة بيئية دقيقة لمتابعة انتشار التلوث البترولي واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة في الوقت المناسب.
(-) تعزيز التعاون الدولي: يتعين على مصر التعاون مع دول المنطقة والمنظمات الدولية لضمان تطبيق المعايير البيئية وتنسيق جهود التنظيف والتعويض.
وإذا كانت مصر بلدنا قد خسرت ما يزيد عن 40 % من إيرادات و دخل قناة السويس، مما سبب لها أضرار اقتصادية ضخمة فإنه أمام بلادنا حقوق لا يمكن إهدارها، وهي الحقوق عن الأضرار البيئية والتلوث و التي يمكن أن تقدم مصر عن طريق الاتفاقيات الدولية أو عن طريق الدعاوى القضائية عن تلك الدول وملاك السفن الذين كانوا وراء السبب في التلوث البحري والاحتياج إلى تحرك رسمي مهم لتعويض مصر عن ما أصابها من أضرار.