هل يحل المجلس الوطني للتعليم مشاكل مدارس مصر؟

زياد الجزار- باحث ببرنامج دراسات السياسات العامة

تعد قضية التعليم من القضايا الشاغلة للرأى العام لأنها تؤثر على حاضر ومستقبل أي دولة، لذا تحظى قضية التعليم باهتمام كبير من كافة أطياف المجتمع ومن كافة المستويات الفكرية، وذلك نظرًا لأهميتها الكبيرة بالنسبة للدولة والمجتمع. ولأن قضية التعليم، هي قضية أمن قومي، لذا تعمل الدولة على تطوير منظومة التعليم التى ظلت لعقود طويلة مهمشة، ويهدف هذا التطوير إلى تحسين جودة التعليم والارتقاء به إلى مستويات عالمية وتحسين البنية التحتية لمنظومته.

وطالما أن الدولة المصرية تدرك أن التعليم، يعتبر بمثابة ركيزة أساسية من ركائز التطوير الشامل لأى دولة وكل الدول تسعى للارتقاء بمنظومة التعليم، التي تساعد بشكل كبير وفعال على رفع المستويات الاقتصادية والعمل على التقدم والتنمية الشاملة  لدى هذه الدول،- لذلك عملت الحكومة المصرية على إنشاء مجلس مختص لتطوير التعليم تهدف منه تحسين مستوى أداء المدارس والارتقاء بالمنظومة.

عوامل محفزة:

ثمة عوامل عززت من التفكير في إنشاء المجلس الوطني للتعليم، هي:

(*) تفاقم أزمات التعليم المصري: كانت مستويات التعليم المصري فى العقود الماضية غير مرضية بسبب وجود تهميش لتطوير منظومة التعليم. وبالرغم من بدء الدولة فى السنوات الأخيرة عملية تطوير للتعليم، لكن كانت هناك حالة من الاضطرابات فأداء المنظومة وضعف فآليات عملها، ومن أكثر المشاكل التي تواجه تطوير منظومة التعليم وتشغل الرأي العام، هي ارتفاع الكثافة الطلابية في الفصول والتي تعد من الأزمات الكبيرة والمتفاقمة التى تواجه الدولة فى حل مشكلة التعليم وتطويره، فهناك بعض الفصول فى المدارس الحكومية تستوعب أكثر من 210 طالب فى الفصل الواحد، وهناك تقديرات تقول بأن الدولة تحتاج إلى بناء أكثر من 117 ألف فصل دراسي لتقليل كثافة الفصول إلى 45 طالبا في الفصل الواحد.

لم تنته الأزمة عند عجز أعداد الفصول فقط، بل هناك عجز فأعداد المعلمين، الذي يقدر بنحو 400 ألف معلم بمختلف المراحل التعليمية، ويرجع هذا العجز إلي الزيادة السكانية، حيث ينضم للمنظومة التعليمية أكثر من 750 ألف طالب كل سنة، وهو ما يتطلب تشغيل نحو 20 ألف معلم سنويا، بالإضافة إلى بلوغ عدد كبير من المعلمين سن التقاعد سنويا.

(*) ربط مخرجات التعليم بأسواق العمل المحلية والخارجية: وفقًا للأرقام المعلنة، فإن هناك أكثر من 700 ألف خريج لا يجد أغلبهم فرص للعمل في مجالهم، وهناك شكاوى كثيرة من أصحاب الأعمال تؤكد على تدني مستويات العمالة الفنية المصرية، وهو ما سيؤثر سلبًا على تدفقات الاستثمارات، خاصة وأن الأسواق الخارجية بدأت تشترط المهارة المسبقة في اختيار الفنيين الخارجية، هذا بالإضافة إلى وجود نقص شديد في بعض التخصصات الفنية والطبية الهامة مثل مهن التمريض والطب البشرى، حيث يبلغ العجز في التمريض ما يقرب من 75 ألف كادر تمريض نتيجة لسفرهم خارج البلاد، بالإضافة إلي تطبيق مراحل التأمين الصحي الشامل فى كل المحافظات بعد استكمال تطبيقه.

(*) دعم الاقتصاد الوطني: تعد التحويلات النقدية للعاملين بالخارج واحدة من أهم مصادر الدخل القومي المصري، حيث بلغت هذه التحويلات من يناير إلى يوليو 2024 نحو 15 مليار دولار مقابل 11 مليار دولار خلال ذات الفترة العام الماضي. وبالرغم من حجم هذه التحويلات، إلا أنها تعتبر متواضعة مقارنة بباقي دول العالم، حيث تحتل مصر المركز السادس عالميًا في تلقى التحويلات من عامليها بالخارج بعد كل من الهند والمكسيك والصين والفلبين وفرنسا. يُذكر أن إجمالي التحويلات على مستوى العالم وصلت إلى 860 مليار دولار عام 2023 منها نحو 22 مليار دولار من نصيب مصر. وبالتالي فإذا تم تلبية احتياجات سوق العمل الدولى وتحسين مخرجات العملية التعليمية واكتساب الخريجين المهارات المطلوبة سيسهم ذلك فى زيادة التحويلات الخارجية والمساهمة فى حل الأزمة الاقتصادية بسبب زيادة تدفق عائدات بالعملات الأجنبية.

تأصيل فكرة المجلس الوطني للتعليم:

طرحت فكرة إنشاء مجلس وطنى للتعليم على هامش جلسات الحوار الوطني، استجابة لمعاناة المواطنين الذين تضرروا من التضارب الشديد فى سياسات التعليم ووجود حالة ضبابية من مستقبله، لذا تم التوافق على ضرورة إنشاء مثل هذا المجلس لتكون قضية تطوير التعليم مسئولية مجتمعية وليست فردية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فكرة مجلس وطني للتعليم لم تكن ولادة مصرية، بل سبقت مصر فيها دول أخرى منها المجلس التعليمي فى سنغافورة، الذي يعد من أفضل الأنظمة التعليمية حول العالم بسبب وجود آليات عمل قوية تنفذ أهدافه، فهو عمل على إحداث إصلاحات كبيرة فى مجال التعليم، من أهمها “الحركة الإصلاحية” والتي كانت تهدف إلى التحول إلى الاقتصاد المبني على المعرفة. بالإضافة إلى الاعتماد على منهج قياسي نموذجي يعمل على رؤية قدرات وإمكانيات كل طفل وطالب ومراعاة ذلك فى التعليم من خلال توظيف كل طالب حسب موهبته وقدراته. كما يعد النموذج الفنلندي واحدا من أفضل النماذج التعليمية فى العالم بسبب قيامه على فلسفة تعليمية تعتمد على سهولة العملية التعليمية، وتكسير العوائق. وعليه، يمكن القول إن الدولة المصرية تسعى من إنشاء المجلس الوطني للتعليم إلى الوصل للمستويات العالمية سابقة الذكر، وإحداث فلسفة فى التعليم المصري تدرك واقعه وتحدد مستقبل طلاب مدارسه، وما ينجح التجربة المصرية، هو ترأسه رئيس الجمهورية للمجلس الوطني للتعليم، وهو ما يؤكد جديته، بل ويدعم قراراته.

ما المنتظر من المجلس؟

وفقًا لمشروع القانون المقدم من الحكومة، فإن اختصاصات المجلس ستكون على النحو التالي:

  1. وضع استراتيجية وطنية لعمل خطط وبرامج تطوير منظومة التعليم والعمل على وجود عمليات البحث والابتكار وآلية متابعة تنفيذها بالتنسيق مع الجهات الوزارية والأجهزة والمعنية.
  2. مراجعة وتحديث الأولويات الوطنية فى مجال التعليم وإعداد التوصيات المتعلقة بالأطر الفنية والإدارية والقانونية اللازمة لتطوير عملية التعليم واقتراح سبل تطويرها.
  3. وضع مخطط تنفيذي لسياسات التدريب فى كافة المراحل التعليمية وما بعدها والتوعية بأهمية التعليم الفنى ودوره فى دعم الاقتصاد الوطني.
  4. وضع مخطط قومى لتطوير البنية التحتية للمدارس بكافة أنواعها ومراحلها والمعاهد الأزهرية بما يتوافق مع توزيع الجامعات والمعاهد.
  5. اقتراح سبل آليات وتطوير المؤسسات القائمة على المنظومة التعليمية وآليات التنسيق مع الوزارات والأجهزة المعنية، هذا بالإضافة اقتراح معايير وشروط لاختيار المسئولين عن منظومة التعليم والبحث والابتكار.
  6. اقتراح سبل وآليات تطوير الهيكل التنظيمى للبحث والابتكار لتحقيق أهدافها في كافة المجالات العلمية، هذا الإضافة إلى وضع وتطوير رؤية شاملة لرعاية الموهوبين والعباقرة خلال المراحل المختلفة.
  7. إصدار تقرير دورى شامل عن تطوير منظومة التعليم بكافة أنواعه وجميع مراحله كل عامين بالتعاون مع الهيئات المختصة بضمان الجودة والاعتماد، ويقدم إلى مجلس الوزراء أو مجلس النواب.

تشكيل المجلس وآليات عمله:

وفقًا لما تم نشره، فإن مشروع القانون سيقدم من الحكومة لإنشاء المجلس الوطني، الذي سيترأسه مجلس الوزراء يضم عدد من الوزارات، هموزارة الدفاع والإنتاج الحربى، وزارة الصناعة، التخطيط والتنمية الاقتصادية، الداخلية، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، المالية، الثقافة، التربية والتعليم، التعليم العالي، ويضم أيضا وكيل الأزهر الشريف، رئيس مجلس الهيئة القومية لضمان جودة التعليم، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد فى التعليم الفني والتقني، والمدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب، كما يضم ثمانية خبراء متخصصين فى مجال عمل المجلس وأربعة رجال أعمال يصدر اختيارهم بقرار من رئيس الجمهورية بناءا على ترشيح رئيس مجلس الوزراء لمدة عامين قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة.

وتتمثل آليات عمل المجلس الوطني للتعليم في أنه يجتمع بدعوة من رئيسه مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر أو في أي وقت تم الاحتياج إليه، ويجب أن يحضر أغلبية أعضائه، وعلى الأقل نصف عدد الخبراء ورجال الأعمال، ويصدر قرارات هذا المجلس بالأغلبية المطلقة. وإذا تساوت الأصوات سيرجح الجانب الذى منه الرئيس، كما يعرض المجلس تقريرا بنتائج أعماله وتوصياته كل ستة أشهر على رئيس الجمهورية.

وما سبق، يعزز من إلزامية قرارات المجلس الوطنى للتعليم، حيث ستكون كافة المؤسسات التعليمية ملزمة بتنفيذ السياسات العليا للمجلس، وهذه المؤسسات تتمثل في المجلس الأعلى للأزهر، والمجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، والمجلس الجامعات الخاصة، ومجلس الجامعات الأهلية، ومجلس شئون فروع الجامعات الأجنبية، والمجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي وغيرهم من المجالس المختصة.

وختاما، إن اهتمام الدولة المصرية بالتعليم يأتي من منطلق أنه ضرورة من ضروريات الحياة ويعد ركيزة أساسية من ركائز النمو الاقتصادي وبناء أسس التغير والبناء والتنمية والعمل. كما أن تطويره سيعطى للدولة أهمية كبرى،  فيجب على منظومة التعليم أن تخرج أجيالا تستطيع بناء هذه الدولة والحفاظ عليها وعلى مقدراتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى