خيارات صعبة.. كيف يتعامل ترامب مع ملف أوكرانيا؟
في ظل استنزاف كل من روسيا وأوكرانيا في الحرب التي اندلعت منذ فبراير 2022، فإن الطرفين يتوقان إلى أي مبادرة من الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” لوقف هذا الصراع. ولكن ما الذي يمكن لترامب أن يقدمه لبوتين وزيلينسكي حتى يقبلا بتوقف الحرب غير الاستنزاف؟.
يرى بوتين أن الغرب يعامله بنوع من الدونية عبر عنها عندما كانت روسيا في مجموعة السبعة الصناعية الكبرى والتي جمدت عضويته بعد ضم شبه جزيرة القرم، كما أن أوروبا لم تتطرق لإمكانية ضم روسيا للاتحاد الأوروبي على الإطلاق، فضلًا عن أن الناتو قد اقترب من حدود روسيا وهو ما يراه بوتين تهديدًا مباشرًا لبلاده.
في المقابل فإن أوكرانيا لو لم تضمن أمنها وسيادتها ضد التهديد الروسي عبر أي تنازل يفرضه عليها ترامب، فإن هذا قد يعد رسالة مقلقة إلى أوروبا بأكملها عبر الولايات المتحدة، وبما يخلق مواجهة (أو تعاون استراتيجي) بين روسيا وأوروبا في المستقبل دون الاعتماد على الولايات المتحدة الامريكية. وبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات وفوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ، قد تفقد أوكرانيا الدعم المستمر من حليفتها الأكثر أهمية، الولايات المتحدة، التي أنفقت 108 مليار دولار على المساعدات العسكرية والإنسانية والاقتصادية لمساعدة الأوكرانيين منذ فبراير 2022، فلقد انتقد ترامب حجم المساعدات المقدمة لأوكرانيا وزعم أنه سينهي الحرب في غضون 24 ساعة، رغم أنه لم يوضح كيف.
لا يثق العديد من الأوكرانيين في ترامب بسبب إعجابه المعلن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسابقًا ألقى ترامب باللوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وليس بوتين، في بدء الحرب. يُذكر أن ترامب قد تعرض لمحاولة عزله في عام 2019 لضغطه على زيلينسكي لفتح تحقيقات جنائية مع جو بايدن وابنه هانتر بشأن التعاملات التجارية في أوكرانيا. فماذا قد تفعل إدارة ترامب المنتخبة حديثًا في ملف اوكرانيا؟
تحركات ميدانية وردود افعال
على الصعيد الميداني، هناك عمليات كر وفر بين المعسكرين الروسي والأوكراني وعلى نحو لم يستطع فيه أي طرف أن يفوز بالضربة القاضية لوضع حد لهذه الحرب في عامها الثالث، والتي ما زالت تسير على خطى محاولة الفوز بالنقاط. وعلى مدى الأشهر الماضية، حاولت روسيا استغلال فشل الهجوم الأوكراني المضاد في عام 2023، والأزمة المدنية العسكرية في أواخر عام 2023 في الحكومة الأوكرانية، والنقاش الطويل حول المساعدات الأمريكية لأوكرانيا والتي حرمت الأوكرانيين من الذخائر والمعدات التي يحتاجون إليها بشدة في أوائل عام 2024، فالجيش الروسي ينفذ حملة هجومية واسعة النطاق على الأرض وفي الجو لضرب الجيش الأوكراني والتأثير على الحسابات السياسية للحكومة الأوكرانية وأنصارها الغربيين.
وتتقدم القوات الروسية على خط الجبهة الشرقي، وينضم إليها آلاف الجنود من كوريا الشمالية، وفقًا لمسؤولي الدفاع الأوكرانية والبنتاجون، وتضرب روسيا المدن والبلدات الأوكرانية كل يوم بطائرات بدون طيار هجومية وصواريخ باليستية وقنابل مختلفة النوع والحجم والتاثير، ودمرت الهجمات الروسية جزءًا كبيرًا من شبكة الطاقة في أوكرانيا، مما جعل الملايين عُرضة للخطر مع اقتراب فصل الشتاء.
وعلى الرغم من كل جهودها، فلقد تعرضت روسيا لخسارة 180 ألف جندي، مع عدم تحقيقها سوى مكاسب استراتيجية إقليمية محدودة. في ذات الوقت، تواجه أوكرانيا تحديات هائلة مع اقتراب الحرب من عامها الثالث. حيث يعتمد اقتصادها، الذي خنقته الحرب، بشكل كبير على المساعدات الخارجية. ومع ذلك، جاءت ردود أفعال الجانبين على فوز ترامب ما بين الترحيب، والحذر، ففي يوم الأربعاء الموافق 6 نوفمبر، قدم زيلينسكي، التهنئة لترامب على فوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحدث معه عبر الهاتف فيما أسماه محادثة “ممتازة”. وقال زيلينسكي إنه تبنى ما أسماه نهج ترامب “السلام من خلال القوة” في الشؤون العالمية. وقال زيلينسكي في خطابه المسائي عبر الفيديو: “ستستفيد أمريكا والعالم بأسره بالتأكيد من ذلك”، مضيفًا: “يريد الناس اليقين، يريدون الحرية، حياة طبيعية. وبالنسبة لنا، هذه هي الحياة بدون العدوان الروسي ومع أمريكا القوية، وأوكرانيا القوية، وحلفاء أقوياء”.
من ناحية أخرى، زعم الكرملين أنه لم يحتفل بانتصار ترامب، مستشهدًا بالمساعدة الأمريكية المستمرة لأوكرانيا. ولم يهنئ الرئيس بوتين، ترامب، على الفور. وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف يوم الأربعاء الموافق 6 نوفمبر، في إفادة صحفية يومية مع الصحفيين: “دعونا لا ننسى أننا نتحدث عن دولة غير صديقة متورطة بشكل مباشر وغير مباشر في حرب ضد دولتنا”.
التحركات الميدانية وفوز ترامب
تحاول كل من روسيا وأوكرانيا أن تحسن من وضعها الميداني حتى دخول “ترامب” إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، فكلا الطرفين يريد أن يقوي من موقفه التفاوضي قبيل التوصل لاتفاق سلام محتمل، وأن هذا سيتوقف على عدة عوامل منها: تأثير الهجوم الروسي المستمر وما إذا كان سيستولي على أراضٍ إضافية، وإمكانية حدوث اختراق روسي كبير.
فمن المرجح أن تستمر موسكو في شن هجمات على محاور متعددة، مما سيجبر كييف على الالتزام بالقوات والقوة النارية التي تفضل الاحتفاظ بها للهجمات القادمة. وكذلك دور ” الشتاء” في عمليات أوكرانيا في عام 2025. فالأوكرانيون يواجهون شتاء قاسٍ بسبب تدمير روسيا لنحو 50% من قدرة توليد الطاقة في البلاد اللازمة لأشهر الشتاء. وسوف يكون لهذا تأثير سياسي على نظرة الأوكرانيين لحكومتهم والحرب، وسوف يكون الشتاء أيضًا تأثير ميداني على الجيوش الأوكرانية والروسية من خلال إجراء عمليات الضربات بعيدة المدى وإجراء التقييمات النهائية والخطط والتخزين اللوجستي للعمليات البرية . ومع ذلك، في حين تحاول عملية كورسك الأوكرانية تغيير الوضع الراهن في الحرب، فإن التأثير الأكبر على ديناميكيات الصراع قد يكون عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
معسكر ترامب بشأن أوكرانيا
هناك بعض المؤشرات حول الاتجاه الذي قد يميل إليه الرئيس ترامب وفريقه في فترة ولايته الثانية. فقد زعم المرشح الرئاسي ترامب أنه سينهي حرب أوكرانيا بسرعة إذا انتُخب. وتقترح خطة وضعها عضوان سابقان في طاقم مجلس الأمن القومي التابع لترامب، كيث كيلوج وفريد فليتز، وقف إطلاق النار على أساس الخطوط الأمامية الحالية في ساحة المعركة، لكن من غير المعروف أن ترامب أيد هذه الخطة من عدمه. وفيما يتعلق بالمرشح لمنصب نائب الرئيس حينها “جيه دي فانس”، فإنه كان صريحًا للغاية بشأن آرائه حول أوكرانيا، فبعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، صرح فانس قائلاً: “لا أهتم حقًا بما يحدث لأوكرانيا بطريقة أو بأخرى”. وفي مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز في أبريل 2024، كتب فانس أن “تحدي أوكرانيا ليس الحزب الجمهوري؛ بل الرياضيات. تحتاج أوكرانيا إلى جنود أكثر مما تستطيع نشره، حتى مع سياسات التجنيد الصارمة. وهي تحتاج إلى مواد أكثر مما تستطيع الولايات المتحدة توفيره. يجب أن يكون هذا الواقع بمثابة دليل على أي سياسة مستقبلية تجاه أوكرانيا”. ويخشى العديد من الأوكرانيين أن يجبرهم ترامب على التخلي عن الأراضي التي تحتلها روسيا مقابل إنهاء الحرب. وقد روج نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس لهذه الفكرة، التي لا تحظى بشعبية في أوكرانيا.
وعلى الرغم من المكالمة الهاتفية الودية بين زيلينسكي وترامب في أعقاب المؤتمر الوطني الجمهوري، فإن إدارة ترامب ستكون صعبة على الأوكرانيين. وفي أحدث استطلاع لمركز بيو للأبحاث، نُشر في مايو الماضي، فإن أقل من نصف الناخبين الجمهوريين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه حلف شمال الأطلسي مقارنة بنحو 75 في المائة من الديمقراطيين.وإذا ما أخذنا هذه المشاعر جنباً إلى جنب مع دور ترامب في تشجيع انقطاع المساعدات الأميركية لأوكرانيا لمدة أربعة أشهر في عام 2023، وتأكيداته على أنه سيسمح لروسيا “بفعل ما تريد” لدول حلف شمال الأطلسي التي لم تنفق ما يكفي، وتعليقاته الأخيرة حول عدم دفع تايوان للولايات المتحدة ما يكفي لضمان دفاعها، فإن الصورة تبدأ في التشكل حول الكيفية التي قد تتعامل بها إدارة الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب مع العالم، لكنها تظل وجهة نظر غامضة في أفضل الأحوال.
وفي حال لم يتمكن ترامب من التوصل إلى حل سريع في حرب أوكرانيا، فقد ينقلب على بوتين ويزيد من الدعم الأمريكي لأوكرانيا، فلقد صرح الروس في السابق أن أي خطة سلام تقترحها إدارة ترامب يجب أن تعكس الواقع على الأرض في أوكرانيا، لكن بوتين يظل منفتحًا على المحادثات. ويجب أن نضيف إلى هذا الآن الواقع على الأرض في كورسك. وفي ذات السياق، تقول سولوميا خوما من مركز الأمن والتعاون الأوكراني، وهو مركز أبحاث في كييف، إن الولايات المتحدة تظل أفضل فرصة لأوكرانيا لإنهاء الحرب بأفضل شروطها. إن مقترحات السلام الأخرى من دول مثل الصين أو البرازيل “ستؤدي إلى وقف مؤقت للحرب، ولكن ليس إلى تحقيق سلام دائم”.
وختامًا، حاول البيت الأبيض في عهد بايدن “حماية” بعض أولوياته من “ترامب” إذا قرر خفض المساعدات لأوكرانيا، فلقد اتخذ الرئيس بايدن خطوات “لحماية” أوكرانيا من ترامب قبل مغادرته منصبه، كما أعلن بايدن أن الأموال المتبقية لأوكرانيا سيتم تخصيصها بحلول نهاية ولايته، مما لا يترك أي أموال لتقدير الرئيس القادم. فالولايات المتحدة هي أيضًا جزء من خطة لمجموعة الدول السبع الرائدة في الاقتصادات لتقديم قرض بقيمة 50 مليار دولار لأوكرانيا باستخدام الفائدة من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة كجزء من العقوبات، حيث ستوفر الولايات المتحدة 20 مليار دولار من هذا الإجمالي، وستخرج الأموال قبل تنصيب ترامب.
وأخيرًا، فإن الرئيس ترامب يصعب توقع خطواته وحتى نائب الرئيس الذي اختاره يمكن أن يقع بينهما خلاف على غرار ما حدث في ولايته الأولى التي شهدت خلافات مع معظم فريق عمله الذين اختارهم بنفسه. ولكن المؤكد، أن هناك تغيرات ستحدث فيما يتعلق بنظرته لحرب أوكرانيا والتي سينظر إليها على أنها تحدٍ شخصي له، فإما من خلالها يمكن وضع حد للحرب عن طريق الضغط على أوكرانيا – وهو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب- حيث لا يمكن لترامب أن يضغط على بوتين لوقف الحرب. وإذا فشلت ضغوطه لوقف الحرب فلن يكون أمامه إلا أن يتحول إلى غريم لبوتين الذي طالما ما عبر عن إعجابه به.