“لقاء الأربعاء” يناقش سيناريوهات الانتخابات الأمريكية وانعكاساتها على الشرق الأوسط
حسام إبراهيم: الديمقراطيون يعشقون الحروب
حررها: ضياء نوح/ كتبها: زياد مصطفى/ تصوير: فريدة حمدي
عقد مركز رع للدراسات الاستراتيجية في 9 أكتوبر الجاري حلقة نقاشية بعنوان “سيناريوهات الانتخابات الأمريكية وانعكاسات نتائجها”، وأدار النقاش المدير الأكاديمي د. أبو الفضل الإسناوي مع الخبير في الشأن الأمريكي أ. حسام إبراهيم كمتحدث رئيسي؛ وبدأت الحلقة باستعراض تساؤلات خبراء وباحثي المركز عن طبيعة المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة والتأثيرات المحتملة التي تطرحها أزمات الشرق الأوسط ومستجدات الماراثون الانتخابي للعام 2024، وحضر اللقاء وشارك في النقاش عدد من خبراء وباحثي المركز.
بدأ دكتور حسام حديثه بالتأكيد على أن الانتخابات حدث هام بالنسبة للشعب الأمريكي وأن السلطة التشريعية “الكونجرس” هي الأولى من حيث الأهمية في السياسة الأمريكية ويأتي الرئيس في المرتبة الثانية وبعده السلطة القضائية. وأوضح الخبير في الشأن الأمريكي أن المادة الثانية في الدستور تحدد صلاحيات الرئيس وهو الرجل الأول في النظام السياسي والقائد الأعلى للقوات المسلحة وله حق إعلان الحرب وتعيين السفراء والقضاة وتعيين مسئولي الهيئات والمؤسسات الفيدرالية بعد موافقة الكونجرس والتصديق على قراراته، فصلاحيات الرئيس الأمريكي واسعة إلى حد كبير، ومن هنا تأتى فكرة الاهتمام بالرئيس.
وأشار “إبراهيم” إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر هي الدولة الأولى وأكبر دولة تمتلك قواعد عسكرية خارجية حول العالم، فكل ملف في السياسات الدولية والإقليمية يرتبط بالولايات المتحدة، فمعرفة الرئيس الأمريكي ومن سيشغل هذا المنصب تعطينا فرصة للتنبؤ بالسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، وهذا هو سبب الاهتمام الاستثنائي بالانتخابات الأمريكية وتظل هي الحدث الأهم والجدير بالمتابعة، رغم ما شهده العام الجاري 2024 من دعوة نحو 4 مليارات نسمة للانتخاب حول العالم. وأوضح أ. حسام إبراهيم أن الانتخابات الأمريكية من أعقد الانتخابات على مستوى العالم، وتكون بدايتها الحقيقية قبل سنتين من يوم الانتخاب في الثلاثاء الأول من نوفمبر.
كما تناول الخبير بالشأن الأمريكي تعقيدات السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة بالإشارة إلى الشكل الهرمي للإدارة الأمريكية والتي تتكون من الرئيس ونائبه وبعد ذلك الطاقم الوزاري وطاقم البيت الأبيض ومستشاري الرئيس والهيئات الفيدرالية، ويسمى الوزير في النظام الأمريكي بالسكرتير، منوهًا بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحكم العالم من مربع 5 كم يتكون من البيت الأبيض والكونجرس والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية ومراكز الدراسات والبحوث، منوهًا لأهمية التركيز على تشكيل الحملات الانتخابية ومساعدي كل مرشح، وأن معرفة طاقم الرئيس المقبل أمر في غاية الأهمية ولم يُسلط الضوء عليهم بالقدر الكافي.
وقال حسام إبراهيم إن الطاقم الوزاري هو جهة تنفيذ السياسات الأمريكية، مؤكدًا أهمية كبير موظفي البيت الأبيض في ترتيب وجدولة لقاءات واجتماعات الرئيس مع مساعديه والطاقم الوزاري، وذكر “إبراهيم” أنه في ظل تركيز العالم مع الانتخابات الأمريكية لم ينتبه الكثير وخصوصًا الإعلام العربي لانتخابات التجديد النصفي والتي يتم فيها انتخاب كافة أعضاء مجلس النواب وعددهم 435 عضو وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وأوصى الخبير بالشأن الأمريكي الباحثين بالتركيز على انتخابات الكونجرس كذلك باعتبارها السلطة الموازية للرئيس والذي بدوره يشرع القوانين ويوافق على تعيين السفراء ومجموعة من المناصب وهو ما يستوجب كذلك موافقة الكونجرس عليها والتصديق على الميزانية العامة للدولة. كما تطرق المتحدث لتركيبة الكونجرس وصلاحيات مجلسيه “الشيوخ” و”النواب”، حيث يعتبر مجلس الشيوخ هو الغرفة العليا، بينما يقر مجلس النواب التشريعات والضرائب.
وفي تناوله لمحددات الانتخابات الأمريكية، أشار “إبراهيم” إلى أن كل ولاية من الولايات الخمسين تعتبر جمهورية في حد ذاتها لها حاكم وكونجرس وميزانية خاصة، مشيرًا إلى أن واشنطن العاصمة تعتبر مركز حكم الولايات المتحدة ولا تحظى بتمثيل في الكونجرس، وأشار حسام إبراهيم إلى اختلاف أوزان الكتل التصويتية فى انتخابات 2024 مقارنة بالانتخابات الماضية. وتجرى الانتخابات الأمريكية على مرحلتين وهما الانتخابات التمهيدية داخل كل حزب والانتخابات العامة، كما أن آلية التصويت فيها تكون عبر البريد أو التصويت في مراكز الاقتراع.
وأشار الخبير بالشأن الأمريكي إلى أن هذه الانتخابات بالتحديد استثنائية وهناك تنافس كبير بين المرشحين ويصعب توقع الفائز بسبب حدة المنافسة خصوصًا بعد انسحاب جو بايدن ودخول كامالا هاريس، وذكر “إبراهيم” أن كل ولاية تضع شكل الانتخابات داخلها وتضع قوانينها مثل موعد تسجيل الناخبين وطرق وتوقيتات التصويت، وتخضع العملية الانتخابية لإشراف لجنة الانتخابات الفيدرالية ومهمتها تلقي أوراق المرشحين ومراقبة العملية الانتخابية.
ويساهم في تحديد نتائج الانتخابات الأمريكية المجمع الانتخابي الذي يتشكل من 538 عضوًا بما يعادل 535 عضوًا بالكونجرس و3 أعضاء ينوبون عن العاصمة واشنطن، وتناول “إبراهيم” كيفية انتخاب المجمع الانتخابي للمرشحين منوهًا بأن للفائز في التصويت الشعبي يحصل على كل أصوات الولاية بالمجمع (باستثناء نبراسكا وماين) لذلك يسعى المرشحين لاجتذاب أصوات الولايات الكبيرة، وأن حسم الفائز في الانتخابات الرئاسية يتطلب جمع 270 صوتًا بالمجمع الانتخابي.
وأشار الخبير بالشأن الأمريكي إلى أهمية معرفة الكتل التصويتية على أساس الأعراق والفئات العُمرية لدورها في معرفة اتجاهات الناخبين، ويعتبر الأمريكيون البيض هم الكتلة التصويتية الأكبر عددًا يليهم اللاتينيين ثم ذوي الأصول الآسيوية والأمريكيين السود وفي الأخير ذوي الأصول والعربية، ومؤكدًا أن السياسة الداخلية هي المحور الأهم في قضايا انتخابات 2024 وخصوصًا القضايا الاقتصادية وحقوق الإجهاض والرعاية الصحية.
ولفت أ. حسام إبراهيم إلى كيفية إدارة الحملات الانتخابات الأمريكية وحيث من الممكن أن يتراوح عدد كل حملة ما بين 2000 و3000 شخص وهذه الحملات واحدة من المتغيرات الحاسمة في هذه الانتخابات، ولكل مرشح أسلوبه في إدارة حملته الانتخابية، ملقيًا الضوء على حجم التمويل الذي جمعته الحملتان حيث حازت حملة كامالا هاريس على الحصة الأكبر من حيث التمويل بما يتجاوز نصف مليار دولار.
وبالحديث عن تكتيكات الحملات الانتخابية والقضايا محل الاهتمام، ذكر “إبراهيم” أن برنامج هاريس يتمثل في دعم حقوق الإجهاض وإعطاء تسهيلات ضريبية للمشروعات المتوسطة وتعزيز الرعاية الصحية وتوسيع مخصصات الرعاية الصحية، وبالنسبة لترامب فبرنامجه يتمثل في تقديم تسهيلات ضريبية لرجال الأعمال.
وعلى صعيد ملفات السياسة الخارجية، تمثل الصين العدو الحالي والمستقبلي للولايات المتحدة الأمريكية والمنافس الأقوى للهيمنة على العالم ولا يوجد مركز دراسات في الولايات المتحدة لا يهتم بدراسة الصين -حسب “إبراهيم”- وهو ما لا يختلف عليه المرشحان ترامب وهاريس من حيث المبدأ بينما تختلف آليات التعامل مع بكين؛ حيث يريد ترامب مضاعفة التعريفات والرسوم الجمركية على الواردات الصينية، بينما قد تختلف هاريس عن ذلك النهج لأنها تعتبر أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على الصين، ومن المتوقع أن تتعامل مع الصينيين بشكل دبلوماسي إذا فازت بالانتخابات.
وتأتي روسيا في المرتبة الثانية بقائمة أعداء الولايات المتحدة وتمثل الحرب الروسية الأوكرانية الصراع الأهم بين البلدين حالًا، وتختلف تصريحات كلا المرشحين حول كيفية وتوقيت إنهاء هذه الحرب، فترامب يعد بحل سريع للحرب كما يشير أ. حسام إلى أن المرشح الجمهوري لا يرغب في استمرار الحروب خلافًا للديمقراطيين الذين “يعشقون الحروب”.
ووصف الخبير بالشأن الأمريكي إيران باعتبارها ثالث عدو للولايات المتحدة؛ وتعتبرها واشنطن دولة مزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط وتمثل خطرًا على أمن إسرائيل وهناك إجماع بين الحزبين على وجوب تقييد قوة إيران في المنطقة، ويرى الديمقراطيون أن إنهاء الصراع مع إيران يتمثل في تقديم الدعم للإصلاحيين حتى يتمكنوا من السيطرة على الحكم، بينما يؤيد الجمهوريون فرض مزيد من العقوبات على إيران والتعامل معها بسياسات متشددة.
وأشار حسام إبراهيم إلى ما تمثله حرب غزة في الجانب الأخلاقي كأحد المؤثرات المحتملة على الانتخابات الأمريكية رغم استمرار دعم الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا لإسرائيل؛ مشيرًا إلى أن تأييد إسرائيل يأتي بمثابة عقيدة لدى الأمريكيين، لكن الحرب في غزة جذبت جانبًا من اهتمام المجتمع الأمريكي وخاصة فئة الشباب وجيل زد على وجه التحديد، وذكر أن هاريس لديها خطاب متقدم في القضية الفلسطينية ولكنه ينطوي على جانب نظري فقط يوازي بين دعم إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها من جهة وحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم من جهة أخرى.
وفي سياق متصل تناول “إبراهيم” 4 سيناريوهات لنتائج الانتخابات الأمريكية وتأثيراتها المحتملة على سياسة واشنطن تجاه منطقة الشرق الأوسط مشيرًا إلى استقرار العلاقات المصرية الأمريكية في الفترة المقبلة بغض النظر عن ساكن البيت الأبيض بسبب دور مصر المحوري في الشرق الأوسط ودورها في الوساطة وخفض التصعيد بين مختلف الأطراف في المنطقة.
حضر اللقاء وشارك في النقاش د. أشرف الدبش مستشار مدير المركز للتخطيط الاستراتيجي وضياء نوح المنسق الأكاديمي، ود.هند المحلي كبير الباحثين ورئيس برنامج الدراسات الآسيوية، ود. حسام البقيعي رئيس وحدة دراسات العالم، ورضوى محمد رئيس برنامج الدراسات المصرفية، ود. محمد بشندي رئيس وحدة دراسات مصر، ود. جهاد نصر رئيس برنامج دراسات الجيوبوليتيك ود. محمود صلاح، وسارة أمين رئيس برنامج التحولات الداخلية، وعبير مجدي الباحثة في الشأن الإفريقي، وديانا محسن الباحثة في الشأن الأمريكي وزياد مصطفى الباحث المساعد و فريدة حمدي مسئولة العلاقات العامة بالمركز.