تعزيز الشفافية: انعكاسات مشروع قانون المالية العامة الموحد
فى سلسلة من الإصلاحات التى تقوم بها الحكومة المصرية بهدف تعزيز شفافية إعداد الموازنة وبيان أداؤها والرقابة والمشاركة العامة وكذلك طرق تقييمها ومراجعتها والتوافق مع النصوص الدستورية وتوصيات المؤسسات الدولية، ناقش مجلس النواب بجلسته فى الثانى من نوفمبر 2021 مشروع قانون (المالية العامة الموحد)، والذي يهدف إلى دمج قانون الموازنة العامة للدولة وقانون المحاسبة الحكومية في قانون موحد، ووافق المجلس عليه من حيث المبدأ، وهو القانون الذى يعتبر ضمن أهم السياسات الإصلاحية التى تستهدفها وزارة المالية خلال العام المالى الحالى 2021/2022، لرفع كفاءة إدارة نظم المالية العامة وميكنة كافة المعاملات الحكومية على جانبى النفقات والإيرادات العامة.
أهمية القانون:
يهدف مشروع قانون المالية العامة الموحد إلى ظبط النظام المالى وحسن إدارته، فى ظل التحول إلى النظم المميكنة بين جميع أجهزة الحكومة العامة ويحتوى على كافة وظائف إدارة المالية العامة من العمليات وربط الإعداد بالتنفيذ لدى ميكنة إعداد وتنفيذ الموازنة بتطبيق نظام معلومات الإدارة المالية الحكومية GFMIS الذى يربط المالية والمحاسبية التى تتم فى كافة مراحل إعداد وتنفيذ الموازنة بداية من مرحلة التخطيط الاستراتيجى حتى مرحلة المحاسبة والإبلاغ، مما استوجب إضافة أحكام جديدة لم تكن موجودة من قبل بقانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة وقانون رقم 127 لسنة 1981 الخاص بالمحاسبة الحكومية ودمج القانونين لإزالة عدم الترابط بين نصوصهما.
وبالتالى، يعمل هذا المشروع على رفع كفاءة الأداء المالى سواء بوزارة المالية أو الجهات الإدارية المختلفة فى شأن تحديد الأهداف الاستراتيجية وتحديد أولويات الإنفاق العام، وأعلى مستويات الشفافية والإفصاح فى الإعداد والتنفيذ والرقابة من خلال تبويبات الموازنة، مع تحقيق مستويات المرونة فى تنفيذ الموازنة والمحافظة على المخصصات المالية بإعادة استخدامها فى السنوات التالية حال عدم صرفها سنة الاعتماد.
إضافات جديدة:
يتكون مشروع قانون المالية العامة الموحد من 80 مادة بخلاف مواد الإصدار، مقسمين إلى 6 أبواب، اشتمل الباب الأول على التعريفات الخاصة بالموازنة ومبادئها، ويختلف هذا القانون عما سبقه من قانونى رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة وقانون رقم 127 لسنة 1981 الخاص بالمحاسبة الحكومية فى ضوء المستجدات التى جاء القانون ليواكبها، ومن أبرز هذه الاختلافات ما يلى:
(*) تنفيذا للاستحقاق الدستورى بمادتى 18 و19 بتخصيص نسب محددة من النفقات الحكومية للصحة والتعليم والتعليم الجامعى والبحث العلمى إلى الناتج القومى الإجمالى، حيث ألزم مشروع قانون المالية العامة الموحد وزارة المالية بالتنسيق مع الوزارة المعنية بالتخطيط بتحقيق هذه النسب على أن تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
(*) ولتحقيق أعلى درجات التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والائتمانية فيما يتعلق أهداف الخطة الاقتصادية والاجتماعية، نص مشروع القانون على قيام وزارة المالية بإجراء استطلاع رأى البنك المركزى فيما يتعلق بالتنسيق بين هذه السياسات.
(*) إدخال مفهوم موازنة البرامج والأداء والمطبق بالفعل ضمن أسس إعداد الموازنة، حيث أقر مشروع القانون على إعداد الموازنة على أساس موازنة البرامج والأداء، كما أقر القانون أن يتم ذلك فى ضوء أهداف خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأهداف الاستراتيجية للدولة، واستخدام مصطلح الهيئات العامة الاقتصادية بدلا من الإشارة إليها باسم الهيئات العامة فى قانون الموازنة العامة رقم 35 سنة 1973.
(*) توسيع مفهوم الجهات التى تحتاج إلى عقد قروض أو الارتباط بمشروعات غير واردة بالمادة 25 فى قانون الموازنة العامة رقم 35 سنة 1973 واستبداله بالمادة (31) التى نضت على أنه “لا يجوز لأية جهة من الجهات الإدارية عقد قروض أو الحصول على تمويل أو الارتباط ببرامج غير واردة فى الموازنة العامة للدولة أو موازنات الهيئات العامة الاقتصادية يترتيب عليها إنفاق مبالغ من موازنتها أو ترتيب أعباء مالية عليها فى مدة مقبلة إلا بعد موافقة مجلس النواب..” بدلا من النص على الجهات التنفيذية.
(*) الإقرار بالتبويبات التى يتم تطبيقها فى الوقت الحالى بالموازنة العامة للدولة، مما يعزز من مستويات الشفافية والإفصاح.
(*) فى ظل التغيرات الحاصلة فى الصرف والتحصيل المميكن واستخدام التوقيع الإلكترونى، تم إدخال مفهوم التصديق الإلكتروني لأول مرة، وإلزام الجهات الإدارية باستخدام الأنظمة والتطبيقات الذكية فى إعداد وتنفيذ موازناتها، كما أجاز القانون تحصيل موارد الدولة بالطرق النقدية وغير النقدية بما يتماشى مع قانون رقم 18 لسنة 2019 بشأن تنظيم استخدام وسائل الدفع غير النقدى.
(*) تنظيم إدارة الصناديق الخاصة وإنشاء حساباتها الخاصة.
انعكاسات تطبيق القانون:
يساعد مشروع قانون المالية العامة الموحدة فى تحقيق أعلى مستويات الشفافية والإفصاح في الإعداد والتنفيذ والرقابة، وهو ما يظهر مردوده فى مكاسب اقتصادية عديدة، تتمثل فيما يلى:
(&) تعزيز ثقة المواطنين فى الحكومة المصرية وتعزيز جهود مكافحة الفساد: وذلك فى ضوء إقرار قانون جديد يعمل على معالجة أوجه القصور بالقوانين السابقة له، ويتلاءم مع توجهات الدول فى التحول الرقمى والنظم المميكنة، وإلزام وزارة المالية بتحقيق الاستحقاقات الدستورية فى نسبة الإنفاق الحكومى للتعليم والصحة والبحث العلمى من الناتج القومى الإجمالى، كما يعزز القانون من الإجراءات الرقابية من خلال مادة (36) التى تنص على “منع اعتماد أى باب من أبواب الاستخدامات المختلفة أو نقل أى مبلغ من باب إلى باب أخر من أبواب الموازنة أو الموافقة على مصروف غير وارد بها أو زائد على تقديراتها إلا بعد الرجوع إلى وزارة المالية والحصول على موافقة مجلس النواب وصدور قانون خاص بذلك”، بما يساهم فى تعزيز جهود الدولة لمكافحة الفساد”، كما حظر القانون فى مادته (43) قبول أى جهة إدارية أو موظفيها التبرعات والإعانات والهبات لصالحها إلا بعد الحصول على الموافقات اللازمة.
(&) تحسين إدارة النفقات العامة: وذلك من خلال القضاء على ما يعرف باسن (حرق الموازنات)، والذى كان ينتج عن تخوف من قبل بعض الجهات الحكومية بالإبلاغ عن وجود فائض لديها مما يعرضها إلى خفض ميزانيتها فى العام الذى يلى هذه الموازنة، حيث أتاح مشروع القانون بمادة (37) للجهات الإدارية استخدام الاعتمادات المالية غير المستخدمة خلال السنة المالية السابقة فى تعزيز موازانتها فى ضوء المنفذ الفعلى وقيمة الأنشطة المرحل تنفيذها من سنة مالية إلى أخرى بعد موافقة وزارة المالية والوزارة المعنية بالتخطيط فيما يتعلق بالاستثمارات.
(&) تحسين مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية: فهناك علاقة معنوية بين زيادة شفافية الموازنة وزيادة مخصصات التعليم والصحة كمتغيرات مستقلة وتحسن مؤشرات التنمية البشرية وزيادة الاستجابة لمطالب المواطنين فى الدولة كمتغيرات تابعة، وبالتالى تحسن معامل جينى، والذى يعبر عن الفجوة بين الفقراء والأغنياء فى توزيع الدخل.
(&) مواكبة التحولات السريعة فى النظام المالى العالمى: وذلك فى ظل التحول إلى المدفوعات الإلكترونية بتقليص تداول الأوراق النقدية والتحول إلى مجتمع غير نقدى وتعميق الشمول المالى، وإعلان العديد من البنوك المركزية حول العالم نيتها فى إصدار عملات رقمية مدعومة بعملتها المحلية، وإعلان وكيل محافظ البنك المركزى المصرى لنظم المدفوعات وتكنولوجيا المعلومات “أيمن حسين”على هامش فعاليات المؤتمر الأول للاقتصاد الرقمى بأبوظبى خلال الفترة 16-18 ديسمبر 2018 بدء العمل فى دراسة اتخاذ قرار حول إصدار أول عملة رقمية مصرية منذ عام 2018 كان من المقرر الانتهاء منها بنهاية العام السابق، كما نفذت مصر فى السنوات السابقة مشروع البنية المعلوماتية وتم إتاحة الكثير من الخدمات الحكومية عبر الانترنت وعددهم 45 خدمة على بوابة مصر الرقمية وعدد 42 خدمة الكترونية على بوابة خدمات المحليات، بالإضافة إلى إصدار قانون الدفع غير النقدى رقم 18 لسنة 2019 والذى يلزم جميع الكيانات الحكومية والقطاع الخاص، بسداد المستحقات المالية واشتراكات التأمينات من خلال وسائل الدفع غير النقدى واستخدام وسائل الدفع غير النقدى فى تحصيل الرسوم والغرامات والضرائب والجمارك ومقابل الخدمات والمبالغ المستحقة للجهات وأقساط التمويل وأقساط وثائق التأمين، وكذلك لدفع اشتراكات النقابات وصناديق التأمين الخاصة وغيرهم من المدفوعات المالية التى تتم من خلال القطاع العام والخاص.
(&) المساهمة فى رفع كفاءة الأداء المالى للهيئات الاقتصادية: والتى يعانى عددا منها لسنوات عديدة من تدنى الكفاءة وسوء الإدارة وضعف الإنتاجية وسوء الخدمات المقدمة بالإضافة إلى المديونية المرتفعة، مما يجعل صافى العلاقة بين الموازنة العامة وموازنة الهئيات الاقتصادية سالبة، والمُقدر أن تصل إلى 125.1 مليار جنيه بموازنة العام المالى الحالى 2021/2022.
(&) تعزيز رؤية المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف الائتماني للاقتصاد المصرى: وذلك نتيجة تعزيز استقرار وشفافية السياسات المالية والضريبية للحكومة المصرية، ووجود معدلات فساد منخفضة فى إعداد وتنفيذ الموازنة، وبالتالى التحسن فى ترتيب مصر وتصنيفها من قبل هذه المؤسسات الدولية، وعلى رأسها مسح الموازنة المفتوحة الذى يصدر عن منظمة شراكة الموازنة الدولية (IBP) ويستخدم ثلاث معايير مقبولة دوليًا، لتقييم مدى شفافية الموازنات العامة للدول وإحكام الرقابة عليها، يقاس كل منهما بعدد من المؤشرات الفرعية ذات وزن متساوي، وتتراوح قيمة كل معيار بين صفر إلى 100 درجة وهم (الشفافية- مشاركة الجمهور-الرقابة)، والذى انعكست فيه الإصلاحات التى خاضتها الحكومة المصرية فى السنوات الأخيرة على جانب إعداد الموازنة والالتزام بإصدار التقارير فى موعدها وتعزيز الشفافية والمشاركة المجتمعية، حيث تحسن ترتيب مصر العالمى فى مؤشر الموازنة المفتوحة للعام 2019، لتحتل المركز الـ 61 من بين 117 دولة، مقارنة بالمركز 65 من بين 115 دولة للعام 2017، وارتفاع قيمة المؤشر للمرة الثالثة على التوالى، ليسجل 43 درجة عام 2019 مقارنة بـ 13 درجة عام 2012.
المصدر 5إعداد الباحثة، بالاعتماد على نتائج مسح الموازنة المفتوحة لسنوات متفرقة
(&) تحفيز بيئة الاستثمارات فى مصر: فبجانب تمتع مصر ببيئة جاذبة للاستثمارات نتيجة المتمع بمزايا عديدة كجحم السوق الكبير والموقع الجغرافى، يعتبر التقدم فى المؤشرات الدولية التى تقيس شفافية الموازنة كمؤشر الموازنة المفتوحة من ضمن المزايا الجاذبة للاستثمارات أيضًا، لما يعكسه من شفافية السياسات المالية والضريبية للدولة، وخططها المستقبلية فى هذا الشأن، بما يوفر بيئة مطمئنة للاستثمارات.
حاصل القول، يمثل مشروع قانون المالية العامة الموحد دفعة قوية لتطوير الخدمات الحكومية الإلكترونية وتعزيز الشفافية والحوكمة فى الجهاز الإدارى للدولة، وتعزيز إدارة النظام المالى، لينعكس كل هذا على تحقيق مصر لمستهدفات رؤية 2030، ومواصلة التحسن فى المؤشرات الدولية.