من منطلق المسئولية: لماذا شارك “الأهلي” و”الزراعي” فى تطوير الري المصري؟

استكمالا لجهود الدولة المصرية فى السنوات الأخيرة بتحديث منظومة الرى والتحول إلى الرى الحديث، شهد رئيس الوزراء “مصطفى مدبولى” فى الخامس من أغسطس 2021، توقيع بروتكول تعاون لتنفيذ المبادرة القومية لتطوير الرى والتحول إلى الرى الحديث بين وزارات الزراعة واستصلاح الأراضي والموارد المائية والرى والمالية، وكل من البنك الأهلى المصرى والبنك الزراعى، وهى المبادرة التى جاء تنفيذها بمحافظات الوادى والدلتا منذ العام 2020 تنفيذًا لتوجيهات الرئيس “عبد الفتاح السيسى” بضرورة توجه الدولة إلى تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المائية والوصول إلى أعلى إنتاجية زراعية ممكنة، وحققت هذه المبادرة العديد من النجاحات حتى الآن هذا إلى جانب انعكاساتها طويلة المدى المتوقعة.

ملامح المبادرة:

بدأت المبادرة القومية لتمويل الفلاحين لتحديث منظومة الرى من خلال التحول من الرى بالغمر إلى منظومة الرى الحديث، والتي تعتبر الأولى من نوعها فى تاريخ مصر ويتم تنفيذها بالتنسيق بين وزارة الموارد المائية والري ووزارة الزراعة واستصلاح الأراضي متمثلة في البنك الزراعي المصري، فى يناير 2020، تنفيذا لتوجيهات الرئيس “عبد الفتاح السيسى” بالتوسع في تطبيق نظام الري الحديث للأراضي الزراعية على مستوى محافظات الجمهورية، وذلك ضمن استراتيجية الدولة لترشيد استهلاك المياه.

وتستهدف المبادرة تبطين المساقي وإعادة تأهيلها لزمام قدره 4 ملايين فدان بالأراضي القديمة كمرحلة أولى من متطلبات التحول للري الحديث وتنفيذ شبكات الري الحقلي من خلال الرش والتنقيط عن طريق توفير قروض ميسرة حوافز تشجيعية للمزارعين المشاركين فى المنظومة.

 وتتم المبادرة من خلال اثنين من المراحل، تستهدف المرحلة الأولى مليون فدان مناصفة بين وزارتي الموارد المائية والرى ووزارة الزراعة، أما المرحلة الثانية فتتضمن ٤ ملايين فدان فى الأراضى القديمة والدلتا.

معدلات الإنجاز:

 مر تنفيذ المبادرة حتى تاريخه بعدد من الخطوات التنفيذية، والتى يمكن إيجازها فيما يلى:

 (*) حصر الأراضي المستهدفة بالوادى الجديد والدلتا: من خلال قيام وزارتي الرى والزراعة بحصر بيانات ومساحات المناطق المستهدف تحديث نظام الري الحديث فيها والتى يتم تصنيفها على أساس نظام الرى والتركيب المحصولى، وتشمل المساحات المستهدفة للمبادرة للأراضى الجديدة بالوادى والدلتا 205 ألف فدان بمحافظة الوادى الجديد و90 فدان بالمنيا، و70 فدان ببنى سويف، و40 ألف فدان بالواحات البحرية بالجيزة، وفى قنا 25 ألف فدان، والإسماعيلية بمساحة 25 ألف فدان، والسويس بمساحة 25 ألف فدان، والشرقية بمساحة 24 ألف فدان.

 (*) تدشين حملات توعية للمزارعين: انطلاقا من أهمية وضرورة إطلاق حملات التوعية للتعريف بفوائد وإيجابيات المبادرة، عقدت العديد من المحافظات حملات توعية وندوات إرشادية للمزارعين المستهدف تحديث منظومة الري في أراضيهم، بأهمية التحول من الرى التقليدى إلى أنظمة الرى الحديث والتدريب على أساليب صيانة شبكات الري الحديث وجدولة وتنفيذ برامج التسميد والري من خلال نظم الري الحديثة.

(*) الشركات المنفذة والدور البارز للبنك الزراعى: حيث شملت المبادرة دعوة الشركات المعتمدة والمختصة بتنفيذ تحديث الري بحيث تتولى تجميع مساحات زراعية لا تقل عن 50 إلى 100 فدان، ويتم الاتفاق مع هذه الشركات بأقل الأسعار وتوفير المستلزمات، فضلا عن تجميع الطلبات والتنسيق مع البنك الزراعي بهذا الشأن.

(*) بروتكول تعاون بين وزارات الزراعة واستصلاح الأراضى والموارد المائية والرى والمالية والبنك الأهلى المصرى والبنك الزراعى: تم توقيع هذا البرتكول فى 5 أغسطس 2021، والذى يتضمن التعاون فى تقديم الدعم الفني والمالي اللازم لتحديث منظومة الري بالأراضى المستهدفة، حيث تتولى وزارتى الرى والزراعة عمليات حصر الأراضى وتحديد مواصفات التنفيذ عند تأهيل المساقي والري الحديث، وإعداد كراسات الشروط والمواصفات وموافاة البنوك بحجم الأعمال والتكلفة والمستندات الخاصة بتوقيع المنتفعين بموافقتهم على تحمل نصيبهم في تكاليف الأعمال، على أن تتحمل وزارة المالية وفقا للبوتوكول قيمة الفائدة المستحقة على التمويل الذي يمنح للجمعيات والمزارعين.

انعكاسات إيجابية:

تساهم المبادرة فى تحقيق العديد من النتائج الإيجابية على المدى القصير وطويل الأجل، وذلك كالتالى:

(&) تحقيق التنمية المستدامة لمشروعات التنمية الزراعية: حيث تؤدى تغيير البنى التحتية بالأراضى الزراعية لاستبدال نظم الرى التقليدية بأخرى حديثة إلى  تحقيق التنمية المستدامة للمشروعات الزراعية، وهى الأنظمة التى ستكون جزءًا من البنية التحتية للأراضى وتخضع لعمليات صيانة مستمرة.

(&) تحسين الأوضاع المعيشية للفلاحين والمزارعين: وفقًا لتقديرات وزارة الموراد المائية والرى فمن المتوقع أن يؤدى تطبيق منظومة الرى الحديثة إلى زيادة الإنتاجية الزراعية بنحو30-40%، وهو ما يعنى تحقيق معدلات ربحية أكبر للمزارعين، الناتج عن زيادة الإنتاجية وتقليل تكلفة العمالة والطاقة وزمن الري بالإضافة إلى إنتاج المحاصيل بجودة أعلى.

(&) تحسين محفظة الائتمان لدى البنوك المشاركة بالمبادرة: لما تتيحه عملية القروض الميسرة للبنوك ضمن المبادرة، من الحصول على سعر عائد للإقراض يحقق لهم الربحية، ورفع نسبة توظيف القروض إلى الودائع، وهو ما سيكون له تأثير إيجابي على نمو محفظة القروض لدى البنوك، وزيادة إيراداتها وأرباحها خلال الفترة المقبلة، مما سيعزز من المركز المالى الإجمالى للبنوك.

(&) دعم جهود الدولة فى تحقيق الاكتفاء الذاتي: وذلك كنتيجة لزيادة الإنتاج الزرعى المتوقع من تطبيق منظومة الرى الحديث.

(&) خفض أسعار المنتجات الزراعية والسلع الغذائية: طبقا للنظرية الاقتصادية، تؤدى زيادة العرض من السلع إلى خفض أسعارها، بالإضافة إلى انعكاس تكاليف الإنتاج والنقل أيضًا على أسعار السلع، وبالتالي فإن النتائج المترتبة على إتباع نظم الرى الحديثة بالمبادرة من خلال زيادة المساحات الزراعية وضمان عدم تضرر الأراضي نتيجة الرى بالغمر، سيعمل كل هذا على زيادة المعروض من السلع الزراعية المنتجة، وبالتالي خفض أسعارها في الأسواق، وتوفيرها بأسعار أقل للمواطنين، وخفض معدل التضخم، لاسيما وأن مجموعة الطعام تشكل الوزن النسبى الأكبر من الرقم القياسى لأسعار المستهلكين، مقارنة بباقى المجموعات الرئيسية للسلع المكونة للرقم، حيث يبلغ هذا الوزن النسبى نحو 17%.

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء.

(&) زيادة الدخل القومى: نتيجة الزيادة المتوقعة فى الإنتاج الزراعى انعكاسًا لاستخدام نظام الرى الحديثة، حيث يشكل نشاط الزراعة والصيد والغابات نحو 11.3% من الناتج المحلى الإجمالى للدولة، وبالتالي فإن التوسع في ناتج هذا النشاط الاقتصادى الحيوى، يساهم في زيادة الناتج المحلى الاجمالى لقطاع الزراعة، والذى بلغ 438725.7 مليون جنيه في العام المالى 2019/2020 بحسب إحصائيات البنك المركزى المصرى.

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات البنك المركزى المصري.

(&) ترشيد استهلاك المياه: وفى الوقت الذى تعتمد فيه مصر على نهر النيل للحصول على الغالبية العظمى من موارد المياه العذبة وتعانى من زيادة الطلب مع تراجع نصيب الفرد منها، فإن ترشيد المياه المتوقع من تطبيق المبادرة والذى يتراوح بين 40-50% سيكون له مردوده الإيجابى فى دعم جهود الدولة المصرية لترشيد المياه، فإذا نظرنا إلى الجدول التالى نجد أن النسبة الأكبر من الأراضى الزراعية داخل كل محافظة تعتمد على المياه السطحية فى الرى وهو ما يتطلب إتباع نظم ترشيد لمياه الرى سواء بإتباع طرق الرى الحديثة وفقا للمبادرة أو تحلية المياه وإعادة تدويرها لاستخدامها فى الرى.

المصدر: إعداد الباحثة، بالاعتماد على إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة

إجمالا، يمكن القول بأن المبادرة القومية وما تم بها من خطوات تنفيذية حتى الآن بمشاركة البنك الأهلى المصري والبنك الزراعي المصري، جاءت لتستكمل جهود الدولة المصرية فى السنوات الأخيرة الهادفة إلى إحداث تطوير جذرى بالقطاع الزراعى وتعظيم الفرص الإنتاجية الكامنة في مجال استصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتى، فضلا عن التغلب على تراجع نصيب الفرد من المياه، بما يحمل العديد من الانعكاسات الإيجابية على المدى القصير والطويل وينعكس على المستويات المعيشية للمزارعين.

 

قمر ابو العلا

باحثة مشاركة بوحدة دراسات مصر، وباحثة دكتوراة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، شاركت في العديد من التقارير والدراسات الاقتصادية والاجتماعية في الشئون المصرية والخارجية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى