بعد موافقة البرلمان.. ما هي حيثيات قانون صندوق الوقف الخيري؟
شيماء محمود- رئيس برنامج الدراسات البرلمانية.
وافق مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 28 يونيو 2021 على مجموع مواد مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن إنشاء صندوق الوقف الخيري تكون له الشخصية الاعتبارية ويتبع رئيس مجلس الوزراء، وقد تم إحالة مشروع القانون لمجلس الدولة لمراجعته وذلك بعد مناقشة تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية والخطة والموازنة والتي أحيل إليها مشروع القانون في 14 يناير 2021 والتي عقدت (14) اجتماعاً للنظر فيه في الفترة من (24 يناير-20 مايو) 2021.
والجدير بالذكر أن مجلس النواب قد أحال مشروع القانون إلى مجلس الشيوخ لأخذ رأيه بشأنه في 14 مارس 2021، وذلك توافقاً مع المادة (249) من الدستور، وقد وافق مجلس الشيوخ بصفة نهائية على مشروع القانون في إطار جلسته المنعقدة في 5 أبريل 2021 مع إدخال بعض التعديلات، ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا المشروع بقانون؛ حيث سبق أن أحال المجلس بجلسته المنعقدة في 12 يناير 2020 إلى لجنة مشتركة من لجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية والخطة والموازنة مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن إنشاء “صندوق الوقف الخيري”، وبالفعل عقدت اللجنة المشتركة (4) اجتماعات وذلك خلال دور الانعقاد العادي الخامس من الفصل التشريعي الأول، وفي ظل انتهاء الفصل التشريعي لم تستطع اللجنة عرض تقريرها على المجلس.
وإعمالاً بالمادة (180-الفصل الثاني) -وفي ظل تمسك الحكومة بمشروع القانون- تم إعادة النظر فيه؛ حيث تقضي هذه المادة بأن “يخطِر رئيس المجلس رئيس مجلس الوزراء خلال الخمسة عشر يوماً التالية لافتتاح دور الانعقاد الأول من كل فصل تشريعي بمشروعات القوانين التي لم تفصل فيها الهيئة التشريعية السابقة، وإذا لم تطلب الحكومة من رئيس المجلس استمرار النظر في المشروعات المذكورة خلال شهرين من تاريخ إخطار رئيس مجلس الوزراء اعتُبرت غير قائمة، وإذا طلبت الحكومة نظرها أحالها المجلس إلى اللجنة المختصة، وللجنة أن تكتفي في شأنها بما انتهى إليه رأى اللجنة السابقة، إذا كانت قد وضعت تقريرا فيها”.
وتأسيساً على ما سبق يستهدف هذا التحليل إلقاء الضوء على فلسفة مشروع القانون والهدف منه فضلاً عن التطرق في النهاية إلى النتائج المترتبة عليه.
فلسفة مشروع القانون:
تكمن فلسفة مشروع القانون في المساهمة في الحفاظ على أموال الوقف واستثماره وتنميته، وذلك من خلال إنشاء صندوق لاستثمار الوقف الخيري ليضم فوائض حسابات الأنشطة المتعددة كافة والخاصة بأموال الوقف من قبيل (صناديق النذور، اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية، وصندوق إعمار المساجد) والتي تحمل كل منها حساب مستقل؛ لتكون بذلك تحت مظلة واحدة وفق أسس اقتصادية وعلمية سليمة تعيد للوقف دوره البارز في تنمية المجتمع، وذلك اتساقاً مع المادة (90) من الدستور والتي تقضي بأن ” تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيري لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية، والثقافية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، وتضمن استقلاله، وتدار شئونه وفقاً لشروط الواقف، وينظم القانون ذلك”.
قراءة في مشروع القانون:
جاء مشروع القانون في (12) مادة بخلاف مادة النشر (المادة 13)، وقد قضت المادة رقم (1) بإنشاء صندوق يسمى (صندوق الوقف الخيري)، بحيث يتمتع بالشخصية الاعتبارية ويتبع رئيس مجلس الوزراء، ويكون مقره مدينة القاهرة، وله أن ينشئ فروعاً أخرى في جميع أنحاء الجمهورية، في حين تطرقت المادة رقم (2) إلى الهدف من إنشاء الصندوق، وتناولت المادة (3) تشكيل مجلس إدارة الصندوق، ومدة العضوية، وطرق دعوة المجلس ومواعيد انعقاده، وقد حددت المادة رقم (4) اختصاصات مجلس إدارة الصندوق، بينما نظمت المادة رقم (5) القواعد المتعلقة بانعقاد مجلس إدارة الصندوق وآلية إصدار قراراته، وقضت المادة رقم (6) بأن يكون لوزير الأوقاف بصفته سلطة التصرف في أموال الصندوق بعد اعتماد رئيس مجلس الوزراء.
وحددت المادة رقم (7) من مشروع القانون آلية تعيين المدير التنفيذي للصندوق ومدة عمله فضلاً عن تحديد اختصاصاته، في حين ذكرت المادة رقم (8) الموارد المختلفة للصندوق، وقد قضت المادة رقم (9) بأن يكون للصندوق موازنة مستقلة كما نظمت آلية الإيداع والصرف من الحساب الخاص به، في حين أعفت المادة رقم (10) مشروع القانون أموال وعوائد الصندوق من جميع أنواع الضرائب والرسوم الحالية أو المستقبلية، وقضت المادة رقم (11) بأن أعضاء مجلس إدارة الصندوق والعاملين به في حكم الموظفين العموميين في تطبيق أحكام البابين (3، 4) من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وأن أموال الصندوق تعد أموال عامة في تطبيق أحكام الباب الرابع منه ولإدارة الصندوق حق توقيع الحجز الإداري لاستيفاء مستحقات الصندوق، وأخيراً ألزمت المادة رقم (12) وزير الأوقاف بإصدار اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به.
والجدير بالذكر، أن اللجنة المشتركة المعنية بالنظر في مشروع القانون كانت قد قامت بإدخال بعض التعديلات عليه، ويقع السواد الأعظم منها في إطار ضبط الصياغات اللغوية والتشريعية، وقد أثارت عدد من التعديلات على مشروع القانون الجدل داخل أروقة البرلمان ومن أهمها المادة الأولى والمتعلقة بمسمى الصندوق؛ حيث قامت اللجنة بتغيير مسمى الصندوق من “صندوق الوقف الخيري” إلى “صندوق الاستثمار الخيري بوزارة الأوقاف”، ولكن طالب وكيل المجلس الأول بالعودة إلى مسمى القانون كما جاء من الحكومة ووافق عليه مجلس الشيوخ حيث أنه يتفق مع المادة (90- الباب الثالث) من الدستور والتي تقضي بأن: “تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيري لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية، والثقافية، والصحية، والاجتماعية وغيرها، وتضمن استقلاله، وتدار شئونه وفقاً لشروط الواقف، وينظم القانون ذلك”، وانتهى المجلس إلى الموافقة على العودة إلى مسمى مشروع القانون كما جاء من الحكومة.
أهداف ومقاصد:
نصت المادة (2) من مشروع القانون على الهدف من إنشاء صندوق الوقف الخيري -والتي تعتبر بمثابة مجالات الإنفاق الخاصة بالصندوق- في تشجيع ودعم نظام الاستثمار الخيري لإقامة ورعاية المؤسسات العلمية والثقافية والصحية والاجتماعية وغيرها من أعمال البر ومنها ( نشر الدعوة الإسلامية بالداخل والخارج، معاونة أجهزة الدولة في إقامة مشروعات خدمية وتنموية خاصة التعليمية، المساهمة في تطوير مشروعات البنية التحتية وكافة المشروعات التي تسهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة، المساهمة في تطوير العشوائيات، المساهمة في الحد من ظاهرة أطفال الشوارع والمشردين، فضلاً عن المساهمة في الحالات الأولى بالرعاية ويصدر بتحديدها قرار من مجلس إدارة الصندوق بناء على عرض وزير الأوقاف بصفته).
مصادر تمويل الصندوق:
حددت المادة (8) من مشروع القانون موارد تمويل الصندوق، والتي تتمثل في فوائض حسابات اللجنة العليا للخدمات الإسلامية والاجتماعية وصناديق النذور وصناديق إعادة إعمار المساجد القائمة في نهاية السنة المالية، فوائض ريع الوقف وسائر التبرعات والهبات والمنح النقدية أو العينية التي يتلقاها من الأشخاص الطبيعية والاعتبارية والتي يقبلها مجلس إدارة الصندوق بما لا يتعارض مع أغراضه القائمة في نهاية السنة المالية، عائد استثمار أموال الصندوق، فضلاً عن أي موارد أخرى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية فيما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وقد نصت المادة (9) بأن يكون للصندوق موازنة مستقلة، بحيث تبدأ السنة المالية له مع بداية السنة المالية للدولة وتنتهي بانتهائها، كما يكون للصندوق حساب خاص برقم موحد بأي من البنوك الخاضعة لإشراف ورقابة البنك المركزي المصري أو الهيئة القومية للبريد تودع فيه جميع موارده، ويرحل فائض أموال الصندوق من سنة مالية إلى أخرى، على أن يتم الصرف من الحساب وفقاً للقواعد التي يصدر بها قرار من مجلس إدارة الصندوق وفقاً للائحته التنفيذية، وقد أعفت المادة (10) من مشروع القانون أموال وعوائد الصندوق من جميع أنواع الضرائب والرسوم.
النتائج المستهدفة:
سيعمل صندوق الوقف الخيري على حسن استثمار أموال الوقف وتنميتها وكذلك تعظيم الاستفادة منها، حيث أن العائد من استثمار هذه الأموال ما زال لا يلبى الطموحات المتوقعة في هذا الشأن، الأمر الذي يستوجب ضرورة إيجاد أدوات وآليات اقتصادية لاستثمار أموال الوقف لتنمية المجتمع عن طريق تحقيق أهداف مشروع القانون سالف الإشارة إليها والتي تغطي المجالات التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية، وسيساعد في ذلك الارتفاع الملحوظ في إيرادات هيئة الأوقاف؛ حيث بلغت قيمة إيرادات الهيئة التراكمية ما يزيد عن التريليون و546 مليار جنيه حتى العام المالي 2019/ 2020، وقد سجل العام 2020/2021 أعلى قيمة للإيرادات والأرباح في تاريخ هيئة الأوقاف والتي بلغت نحو (1,8) مليار جنيهاً، مقارنة بنحو (0,56) مليار جنيهاً في العام المالي 2013/2014 وذلك كما هو مبين بالشكل الموضح أدناه.
تأسيساً على ماسبق، يمكن القول إن هذا المشروع يأتي في ظل مساعي ومقاصد القيادة السياسية نحو التطوير وقيادة مسيرة التنمية الداخلية التي بدأت خلال السنوات الماضية، والتي تأتي مبنية ومتفقة مع مجمل محاور وأبعاد “استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030″، والتي ارتكزت على مفهومي التنمية المستدامة والنمو الشامل/ الاحتوائي، واللذان يهدفان إلى إحداث ثورة إنشائية تشمل تنفيذ برامج ومشروعات ومبادرات في مختلف القطاعات الهيكلية وكافة مناطق الدولة وتشمل كافة الفئات السكانية، ولعل مبادرة حياة كريمة تعد بمثابة أحد النماذج الدالة في هذا الصدد، والتي تهدف لإحداث تطوير شامل وجذري في الريف المصري على كافة المستويات للارتقاء بالمستوي المعيشي للمواطن، ولذا فإن هذا القانون سيشكل أحد الأدوات المحورية التي ستدعم توجهات وتحركات الدولة في هذا الإطار عبر توفير ظهير مالي قوي لإتاحة الموارد المالية اللازمة لتمويل هذه البرامج والمشروعات المختلفة.