هل يشهد “النواب المصرى” تكتل معارض خلال دور الانعقاد الثاني؟
شهدت أروقة البرلمان تحركات واتصالات لتشكيل تكتلات وتحالفات بقيادة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي سواء بين الأحزاب وبعضها البعض أو بين المستقلين الذين يتمتعون بتوجهات معارضة من جهة والأحزاب من جهة أخرى، وذلك بغية تدشين تكتل معارض داخل مجلس النواب الحالي ليكون بمثابة تكتل منافس للأغلبية المتمثلة في حزب مستقبل وطن، الذي يضم (٣١٧) عضواً، وذلك على غرار تكتل(٢٥/٣٠) في مجلس النواب ٢٠١٥ وذلك بدءاً من دور الانعقاد الثاني الذي من المقرر أن يبدأ قبل الخميس الأول من شهر أكتوبر، وذلك كما هو مقرر في المادة (١١٥) من الدستور، والجدير بالذكر أن دور الانعقاد الأول كان قد شهد محاولات لتشكيل مثل تلك التكتلات، إلا أنها لم يكتب لها النجاح.
وتأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التحليل إلقاء الضوء على إمكانية تشكيل تكتل معارض يغير من أداء مجلس النواب خلال جلسته العامة وفي اللجان التي يتوزع فيها أعضاء هذا التكتل، مع العلم أن قراءة وترجيح-التحليل- لمدى ظهور تكتل خلال الدور التشريعي الثاني للبرلمان الحالي، سيكون مسترشداً في ذلك بتجربة تكتل (٢٥/٣٠).
عودة إلى تشكيل تكتل (٢٥/٣٠):
بلغ عدد أعضاء تكتل (٢٥/٣٠) نحو (٤٠) عضو فقط، يؤمن كل منهم بتشكيل تحالف برلماني سياسي يدافع عن العدالة الاجتماعية من منظور اليسار، وقد ظهر التكتل إلى النور نتيجة تجاهل رئيس مجلس النواب آنذاك اقتراح أحد نواب التكتل بوضع خارطة عمل يمكن من خلالها مراجعة القوانين التي أصدرها رئيس الجمهورية قبل انعقاد المجلس وإلا أصبحت شرعية بقوة الدستور، مما أدى إلى تشكيل التكتل وبعد نقاشات طويلة تم الاستقرار على أن يكون اسم التكتل (٢٥/٣٠) التزاماً بأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ وكذلك ثورة ثلاثين يونيو ٢٠١٣.
والجدير بالذكر، أنه كثيراً ما تم اتهام أعضاء تكتل (٢٥/٣٠) بإثارة الرأي العام وإصدار بيانات تحريضية تثير شكوك المواطنين حول مجلس النواب من خلال وسائل الإعلام، الأمر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى تحويل أعضاء التكتل إلى لجنة القيم، وتهديدهم المستمر بإسقاط عضويتهم.
تحدي قائم ومعوق مستمر:
واجه تكتل (٢٥/٣٠) تحدي متعلق بضوابط تشكيل الائتلافات البرلمانية داخل المجلس، حيث قضت اللائحة الداخلية للمجلس من خلال نص المادة (٩٦) من الفصل الأول للباب الرابع، بأن يكون تشكيل الائتلاف البرلماني من (٢٥%) من أعضاء المجلس على الأقل- أي (١٥٠) نائباً، على أن يكونوا من خمسة عشرة محافظة من محافظات الجمهورية، منهم عضوان على الأقل من كل محافظة وترشحاً على مقاعدها، ولا يجوز لعضو مجلس النواب الانضمام إلى أكثر من ائتلاف في الوقت ذاته، ولكن على الرغم من أن الشرط العددي لتشكيل تحالف برلماني لم يتحقق لتكتل (٢٥/٣٠)، إلا أن أداء أعضاءه أجبر المجلس وهيئة المكتب على الاستماع إليهم، خاصة حينما كان يبدأ كل عضو حديثه بقوله “باسمي، وباسم أعضاء تكتل (٢٥/٣٠) “.
احتمالات ظهور “تكتل معارض”:
تسعى الأحزاب السياسية، وخاصة المعارضة داخل البرلمان إلى تشكيل تحالفات وتكتلات سياسية للاقتراب من أغلبية الثلثين والتي تصل إلى نحو (٣٩٥) نائباً من أعضاء مجلس النواب الحالي وذلك لتسهيل تمرير القوانين، حيث بدأ نواب تكتل (٢٥/٣٠) والممثل في البرلمان الحالي بثلاثة نواب فقط فى إجراء اتصالات بنواب مستقلين ومنتمين لأحزاب معارضة لضمهم للتكتل، كما يسعى حزب الوفد -والذي يحتل الترتيب الثالث فى مجلس النواب بواقع (25 نائباً) كما هو موضح بالشكل رقم (١)- إلى تشكيل ائتلاف للمعارضة، كما اقتربت أحزاب الإصلاح والتنمية والمصري والديمقراطي الاجتماعي والعدل وكذلك عدد من المستقلين من تشكيل تكتل سياسي للمعارضة، حيث تسعى تلك الأحزاب الثلاثة والتي لا يتجاوز عدد نوابها مجتمعة نحو (١٨) عضواً إلى تعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب وتحديداً المادة (٩٦) وذلك ليسمح لهم بتكوين ائتلاف (٢٠) نائباً.
تأسيساً على ما سبق، يمكن تحديد مسارات ظهور تحالف معارض خلال الدور التشريعي الثاني، أو تأجيله واستمراره طوال الفصل التشريعي الثاني، كتكتل قيد التشكيل يسعى لبناء نفسه، لكن نتيجة لتحديات اللائحة الداخلية أو استرجاع فشل تجربة تحالف 25/30 التي لم تغير شيء أو تؤثر بالإيجاب في أداء برمان 2015-2020 المنتهي، وذلك على النحو التالي:
(*) المسار الأول،”تكتل مؤثر ولكن غير قانوني أو غير رسمي”، وهنا غير قانوني تشير إلى عدم تحقيق الشرط العددي لتشكيل الائتلافات حسب اللائحة، وبالتالي قد يشهد الدور التشريعي الثاني ولكن خلال نصفه الثاني ظهور تكتل غير مشروط- أي قد تشهد الثلاثة شهور الأخيرة من العام البرلماني الجديد تكتل من مجموعة أحزاب اليسار وغيرهم وبعض المستقلين، منهم المصري الديمقراطي، والعدل، والإصلاح والتنمية، وبالإضافة إلى نسبة لا تتجاوز الثلث من المستقلين البالغ عددهم 117 نائباً. وحتى إن تقاربت هذه الأحزاب ونسبة المستقلين المحتملة والمذكورة سابقا، بالإضافة إلى نواب حزب النور السلفي، الذي يمثل ظهور تكتل بهذا الشكل محطة إنقاذ بعد أداءه الضعيف الذي بدا على نوابه خلال الفترة الماضية- فإن هذا التكتل لا يتجاوز عدده وتأثيره تحالف 25/30، وبالتالي لن يؤثر على شكل أداء البرلمان خلال فترته المتبقية، خاصة لأن الأحزاب الوازنة داخل برلمان 2021 بالمقارنة ببرلمان 2015 ستكون أكثر سيطرة على المسارين التشريعي والرقابي للبرلمان، وعليه يمكن القول إنه لا تأثير محتمل من أي تحالفات تتشكل على الأداء البرلمان طالما تكونت بطريقة غير رسمية.
(*) المسار الثاني،”استمرار ظاهرة المعارضة الفردية دون تنسيق جماعي كما حدث أثناء تحالف 25/30، والذي أثرى المجلس السابق نتيجة التنسيق المسبق لنوابه قبل الجلسات العامة، خاصة فيما يتعلق بالقضايا ذات التأثير الاجتماعي الواسع والتي كان أهمها في ذلك الوقت مناقشات قانون الخدمة المدنية. وبالتالي قد يكون المسار الأرجح، هو المسار الأول، المتمثل في تكتل غير رسمي بأداء ضعيف يقتصر على “تسخين الجلسات العامة” فقد لكن يظل تكتل مستقبل وطن المسيطر على البرلمان، خاصة وأن حزب الوفد وظاهرة المستقلين المنتقلين التي تعودنا عليها بعد 2011 تظل “مُكربنة” كما كانت في برلمان 2015- 2020- أي مراقبين ومتفرجين على المشهد مع الاشتباك المدروس داخل الجلسات العامة، وهو ما قد نشهده خلال الستة ظهور الأخيرة فقط من عمر البرلمان0أي قبل انتخابات 2025.
ختاماً يمكن القول، إنه على الرغم من أن تشكيل الائتلافات داخل البرلمان يسمح بتنوع الآراء والاختلاف داخل المجلس، بيد أن تشكيلها يخضع لجملة من العوامل لعل أهمها إمكانية تعديل الشرط العددي الخاص بتكوين تلك الائتلافات في اللائحة الداخلية للمجلس، وذلك حيث أن أحزاب المجلس مجتمعة لا تضارع في تمثيلها حزب مستقبل وطن والذي يضم (٣١٧) نائباً ليقترب بذلك من أغلبية الثلثين إذا ما استطاع استقطاب بعض المستقلين، بينما يتمثل ثاني هذه العوامل في مدى توافق أهداف وسياسات الأحزاب بما يسمح بتكوين الائتلافات، وأخيراً رغبة معظم المستقلين داخل البرلمان في الانضمام إلى حزب الأغلبية العددية والممثل في حزب مستقبل وطن والذي يسيطر على قرابة (٥٤٪) من إجمالي عدد المقاعد، وتأسيساً على ذلك يمكن لتلك الأحزاب إذا لم تستطع أن تبلغ العدد الواجب توافره في تشكيل الائتلافات فإنها ستلجأ إلى تكوين تكتلات تضم أفراد مشتركين في التوجه تفرض رأيها بقوة على غرار تكتل (٢٥/٣٠).