هل يشهد دور الانعقاد الثاني لمجلس النواب المصري “مشروع قانون” بإلغاء “خانة الديانة”؟
يعتبر حذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي ليس بالمطلب الجديد؛ حيث نظم المجلس القومي لحقوق الإنسان ورشة عمل لمناقشة مقترح بحذف هذه الخانة من البطاقة الشخصية في عام 2006، كما أثارت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – والتي تأسست في عام 2002 كجماعة مصرية معنية بحقوق الإنسان – هذه القضية عام 2007 بسبب ادعائها تعرض بعض المواطنين لانتهاكات بعد تعسف مصلحة الأحوال المدنية في إثبات معتقداتهم الحقيقية في الأوراق الرسمية، وأطلق بعض النشطاء حملة إلكترونية على موقع “فيسبوك” لحذف خانة الديانة تحت عنوان “حاجة تخصني” وذلك في عام 2013، كما بادرت نقابة المهندسين المصرية وجامعة القاهرة بإلغاء خانة الديانة من كافة الأوراق والشهادات المتعامل بها في الجامعة وفي شهادة طلب قيد المهندس الاستشاري عام 2016، والجدير بالذكر أنه قد تم تقديم مشروع قانون من قِبل أحد النواب عام 2018 لإلزام الحكومة المصرية بحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.
وتأسيساً على ما سبق، يستهدف هذا التحليل إلقاء الضوء على مدى إمكانية مناقشة مشروع قانون بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي خلال دور الانعقاد الثاني من عدمه؟.
ملامح مشروع القانون القديم:
يتكون مشروع القانون المقدم لمجلس النواب عام 2018 – والذي قوبل بالرفض من أعضاء لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية ولجنة الشئون الدينية بمجلس النواب- من (3) مواد بخلاف مادة النشر، وتقضي المادة الأولى من مشروع القانون بأن يستبدل النص “تحدد اللائحة التنفيذية شكل البطاقة والبيانات التي تثبت بها ومستندات وإجراءات استخراجها، على ألا يكون من بين البيانات المشار إليها بيان بنوع الديانة ” بنص المادة (49) من القانون رقم (143) لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية، في حين ذهبت المادة الثانية من مشروع القانون بأن “يلتزم كل من يقبل على الزواج باستخراج وثيقة رسمية من مصلحة الأحوال المدنية تتضمن نوع الديانة لتقديمها إلى المأذون الشرعي، أو لأي من الجهتين المنصوص عليهما في المادة (5) من القانون رقم (143) لسنة 1994 في شأن الأحوال المدنية، بحسب الأحوال، كما تلتزم الجهات المنصوص عليها في الفقرة السابقة بعدم إبرام عقد الزواج، أو قيده، أو توثيقه، بدون تقديم هذه الوثيقة”.
ويكمن الهدف الأساسي من المادة الثانية بمشروع القانون في تجنب إقامة أية علاقة زوجية بين أصحاب الديانات أو الطوائف أو الملل المختلفة والذين لا يجوز إقامة علاقة زوجية بينهم طبقا لشريعتهم الدينية، وأخيراً تنص المادة الثالثة على “مع عدم الإخلال بالعقوبات المنصوص عليها في لائحة المأذونين في مصر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من خالف أحكام الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من هذا القانون، ويكمن الهدف الأساسي من هذه المادة في مواجهة الحالات التي يتم فيها مخالفة حكم المادة الثانية.
اتجاهات متباينة:
انقسمت الآراء فيما يتعلق بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي إلى اتجاهين رئيسيين يمكن توضيحهم كما يلي:
(*) الاتجاه الأول: يتمثل في الاتجاه المعارض لحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، حيث يرى أنصار هذا الاتجاه أن خانة الديانة لا تتعارض مع ما نص عليه الدستور المصري، حيث أن المعلومات التي تحتوى عليها ما هي إلا وصف للإنسان ولا علاقة لها بالتمييز، كما أن حذف هذه الخانة يعتبر بمثابة مطلب شكلي لا جدوى منه؛ حيث أن الأسماء يعرف منها ديانة صاحبها، كما أن وجود خانة الديانة على بطاقة الرقم القومي أمر بالغ الأهمية ولا يمكن الاستغناء عنه في العديد من الإجراءات الإدارية من قبيل حالات الزواج والوفاة، واستخراج الأوراق الخاصة بهما، وتعاملات المواطنين المصريين مع الدول الخارجية، كما يرى أنصار هذا الاتجاه أنه ومن ناحية أخرى يمكن أن يساعد إزالتها المتطرفين على ارتكاب الجرائم، فقد تساعد مسلم متزمت من دخول الكنائس والعبث بها، وتتيح فرصة لمسيحي متزمت في التنكر وانتحال صفة مسلم وغيرهما من الأفعال الشائنة بين المواطنين، وأن إثارة هذه القضية ما هي إلا افتعال لمشكلة لا يوجد لها وجود لشغل المجتمع بأمور غير ضرورية بدلاً من توعية الشباب وتحصينهم ضد التطرف والإرهاب.
(*) الاتجاه الثاني: يتمثل الاتجاه الثاني في الاتجاه المؤيد لحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، ويرى أنصاره أن هذا الإجراء يعد نقلة نوعية وحضارية ويحافظ على الوحدة الوطنية، حيث يسهم في إعلاء مفهوم المواطنة المنصوص عليه في إطار الباب الثالث من الدستور والمعني بالحقوق والحريات والواجبات العامة وتحديداً المادة (53) والتي تذهب إلى أن “المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض”، ويستدل أنصار هذا الاتجاه بأن بعض ضعاف النفوس يقومون باستبعاد بعض المواطنين من التعيين في الوظائف الكبرى بناء على الديانة، الأمر الذي وصل إلى عقود الإيجار والتملك التي يتأثر إتمامها في بعض الأحيان بوجود هذه الخانة، كما أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يحمي الأقليات خاصة في الأماكن التي تشهد أقليات دينية مثل بعض المحافظات لا سيما الوجه القبلي.
مسارات محتملة:
تأسيساً على ما سبق، يمكن تحديد مسارات طرح مشروع قانون بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي خلال الدور التشريعي الثاني كما يلي:
(&) المسار الأول: يتمثل في طرح مشروع القانون مرة أخرى – وربما بنفس صيغة مشروع القانون القديم سالف الإشارة إليه- على مجلس النواب خلال دور الانعقاد الثاني ويدعم ذلك المسار تصدر هذه القضية الحديث بين التنويريين خاصة بعد إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في إحدى المداخلات التلفزيونية إلى قضية تجديد الخطاب الديني وتشكيل الوعي في المجتمع ومشكلات العقيدة لدى المصريين، ويقابل هذا السيناريو بدوره احتمالين، يتمثل الاحتمال الأول في رفض المشروع من قِبل بعض أعضاء مجلس النواب على غرار ما حدث عام 2018، بينما يكمن الاحتمال الثاني في قبول مشروع القانون إذا ما تمت الموافقة عليه من أغلبية الثلثين.
(&) المسار الثاني: يتمثل في عدم طرح أي مشروع قانون متعلق بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي على مجلس النواب، وأن تظل هذه القضية مجرد أراء متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعزز من ذلك المسار عدم وجود توافق كلي بشأن إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، حيث يرفض رجال الدين هذا الأجراء ويرون أن هذه القضية مسألة تنظيمية من اختصاص الدولة، كما أن غياب خانة الديانة ستعرقل بعض الإجراءات الإدارية مثل الميراث والزواج، بالإضافة إلى مسائل الدفن إذا وقع حادث ما لأحد الأشخاص ولم يتم التعرف على هويته، بالإضافة إلى بعض السلبيات الأخرى التي قد تنتج عن مثل هذا الإجراء.
ختاماً يمكن القول، إن الدستور المصري قد أكد وضمن ورسخ مبدأ المواطنة خاصة في مادته رقم (1) التي تقضي بأن (جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها، نظامها جمهوري ديمقراطي، يقوم على أساس المواطنة وسيادة القانون)، وكذلك المادة (53) سالف الإشارة إليها، وأن إلغاء خانة الديانة هو مجرد إجراء شكلي، كما أن تنفيذ هذا الإجراء يحتاج إلى مراجعة وضبط لمجمل الإجراءات الإدارية اليومية التي تحتاج إلى معرفة نوع الديانة، وذلك على غرار (تسجيل المواليد، الزواج، الطلاق، استخراج شهادات الوفاة، والميراث)، وبوجه عام يعتبر تجديد الخطاب الديني ونشر الوعي المجتمعي للمساواة بين المواطنين دون أي تمييز على أساس ديني في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والجهات الرسمية بالإضافة إلى القائمين على إنقاذ القانون المساهم الأكبر في زرع أواصر المحبة بين الطرفين واحترام كل طرف للآخر ومعتقداته.