قبل التمرير: ما هي تداعيات قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة؟
شيماء محمود- رئيس برنامج الدراسات البرلمانية.
أحال رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي مشروع قانون مُقدم من رئيس لجنة الإدارة المحلية و(60) نائبًا -وهو ما يمثل أكثر من عُشر عدد أعضاء المجلس- بشأن إصدار قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة واقتناء الكلاب إلى لجنة مشتركة من لجنة الـزراعـة والري والأمـن الغذائي والثـروة الحيوانية ومكتب لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، وتأتي أهمية هذا المشروع بقانون كونه يمس الاستقرار والسلام المجتمعي.
وتأسيساً على ما سبق، يحاول هذا التحليل إلقاء الضوء على مشروع القانون بمختلف أبعاده وجوانبه وأسباب طرحه، وكذا تناول التداعيات المختلفة المصاحبة له حال تمريره.
نظرة في فلسفة مشروع القانون:
يتناول مشروع القانون المعروض على مجلس النواب ثلاثة مسارات مختلفة تختص ببعض الظواهر المجتمعية المتعلقة بالتعامل مع الحيوانات، وذلك كما هو مبين بالمذكرة الإيضاحية الملحقة بمشروع القانون، ويكمن المسار الأول في الحيوانات الخطرة، بينما يتناول المسار الثاني تنظيم حيازة واقتناء الكلاب غير الخطرة، في حين يهتم المسار الثالث والأخير بظاهرة الحيوانات الضالة والتي تشكل خطر يهدد الصحة العامة وسلامة المواطنين.
ويتألف مشروع القانون من (5) فصول منتظمة في (24) مادة، ويتضمن الفصل الأول – والذي يحتوي على مادة واحدة فقط – تناول المقصود بالمصطلحات الواردة بمشروع القانون من قبيل (الحيوانات الخطرة، التداول، حائز الحيوان، الحيوان الضال، السلطة المختصة، والوزير المختص)، فيما يختص الفصل الثاني بضوابط ومحددات حيازة الحيوانات الخطرة منتظمة في (8) مواد، وقد نص مشروع القانون من خلال هذا الفصل وتحديداً المادة (2) على “حظر حيازة أو تداول أو إكثار أي من الحيوانات الخطرة”.
كما استثنت هذه المادة من خلال فقرتها الثانية المؤسسات العلمية التي يتطلب عملها توافر الحيوانات الخطرة، حدائق الحيوان، المنتزهات الحيوانية، السيرك، فضلاً عن المراكز المتخصصة في إيواء ورعاية الحيوانات وذلك بعد الحصول على ترخيص من السلطات المختصة والتي حددها القانون بأنها الهيئة العامة للخدمات البيطرية وذلك وفق الشروط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية لمشروع القانون، وقد قضت المادة (3) من ذات الفصل بأن يحظر اصطحاب أي من الحيوانات الخطرة بالأماكن العامة.
وقد تطرق الفصل الثالث إلى المسائل المتعلقة باقتناء الكلاب، وذلك من خلال (5) مواد عالجت كافة الأمور المتعلقة باقتناء الكلاب، وقد نص مشروع القانون على حظر حيازة واقتناء الكلاب بدون ترخيص من مديرية الطب البيطري المختصة وفق الشروط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية للقانون، على أن تنشئ مديريات الطب البيطري سجلات إلكترونية أو ورقية بأرقام مسلسلة لقيد الكلاب المرخصة بحيازتها، تتضمن كافة البيانات ذات الصلة بالكلب وحائزه وعلى الأخص اسم الحائز ومحل إقامته وعلاماته المميزة، ويسلم حائز الكلب لوحة معدنية تحمل الرقم المسلسل لحيوانه، كما نص في المادة (13) على ضرورة أن تكمم الكلاب وتقيد بقلادة مناسبة لإحكام السيطرة عليها وألا يقل سن المصطحب عن (16) عاماً.
في حين تناول الفصل الرابع من مشروع القانون المقدم العقوبات الخاصة بمخالفي ذلك التشريع وذلك من خلال (8) مواد، حيث قضت المادة (16) على أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (6) أشهر ولا تتجاوز (3) سنوات وبغرامة لا تقل عن (100) ألف جنية ولا تزيد عن (200) ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف أحكام المواد (2، 3، 4، 5، 6، 7) وتدور كل من هذه المواد على الترتيب حول حظر حيازة أو تداول أو إكثار أي من الحيوانات الخطرة باستثناء جهات معينة، حظر اصطحاب أي من الحيوانات الخطرة بالأماكن العامة، اتخاذ حائز الحيوانات الخطرة التدابير اللازمة لضمان عدم هروبها، توفير الرعاية الصحية لها وتحصينها ضد الأمراض، إخطار السلطة المختصة حال حدوث أي من هذه الحالات ( إصابة الحيوان بأحد الأمراض المعدية، حدوث إصابة لشخص أو وفاته نتيجة التعرض لاعتداء الحيوان الخطر، في حال نفوق الحيوان أو هروبه، وفي حالات الرغبة في نقل حيازته)، فضلاً عن إخطار السلطة المختصة بحالات ولادة الحيوانات الخطرة.
بينما قضت المادة (17) بأن يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز (5) سنوات كل من استخدم حيواناً خطراً أو كلباً للاعتداء على إنسان، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تقل عن (10) سنوات إذا أفضى الاعتداء إلى عاهة مستديمة، والسجن المؤبد إذا أفضى الاعتداء إلى الموت، وتقضي المادة (18) بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز (3) سنوات وبغرامة لا تقل عن (100) ألف جنيه ولا تتجاوز (300) ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استخدام حيواناً خطراً لإثارة الرعب بين الناس.
وقد ذهبت المادة (19) بأن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن (3) أشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن (50) ألف جنيه ولا تجاوز (100) ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، كل من حاز كلباً من دون الحصول على ترخيص بذلك من السلطة المختصة، بينما قضت المادة (20) بأن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز (6) أشهر وبغرامة لا تقل عن (50) ألف جنيه كل من يخالف أحكام المواد (12، 13، 14) والمعنية بتثبيت اللوحة المعدنية الحاملة لرقم المسلسل في رقبة الكلب بصفة دائمة وتكميم الكلاب وتقييدهم بقلادة مناسبة لإحكام السيطرة.
والجدير بالذكر، أن القانون من خلال مادته (21) قد أجاز للوزير المختص (وزير الزراعة واستصلاح الأراضي) التصالح مع المتهم في الجرائم المنصوص عليها في المادتين (19، 20) سالف الإشارة إليهم ما لم ينتج عنها إصابات أو حالات وفاة وذلك شريطة أن يتم دفع مبلغ لا يقل عن الحد الأدنى ولا يجاوز ثلث الحد الأقصى للغرامة المقررة وذلك قبل إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة المختصة، أما في حالة أنه قد تم إحالة الدعوى الجنائية للمحكمة المختصة وصدور حكم نهائي بشأنها فإنه يتم دفع مبلغ لا يقل عن ثلاثة أمثال الحد الأدنى للغرامة المقررة ولا يجاوز نصف حدها الأقصى، في حين ناقش الفصل الخامس والأخير بعض الأحكام العامة، وذلك من خلال (3) مواد، وقد قضت المادة (23) بأن تتخذ السلطة المختصة ومديريات الطب البيطري التدابير والإجراءات اللازمة بالنسبة للحيوانات الضالة التي تشكل خطراً على الإنسان وقد جاءت هذه المادة اتساقاً مع المسار الثالث الذي حدده القانون.
دوافع تبني مشروع القانون: المسارات الثلاثة:
صدر مشروع قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة واقتناء الكلاب في مساراته الثلاثة لعدد من الأسباب، يمكن تناولها كما يلي:
(*) المسار الأول الحيوانات الخطرة: يكمن الدافع في تبني المشروعات إجراءات بشأن هذا المسار في أن بعض الأشخاص يسعون إلى اقتناء بعض الحيوانات المفترسة في منازلهم وهو ما أدى إلى تكرار حوادث هروب هذه الحيوانات من حائزيها، الأمر الذي كشف بدوره عن عدم وجود تنظيم قانوني مواجه لمثل هذه الحوادث باستثناء بعض أحكام قانون البيئة الصادر بالقانون رقم (4) لعام 1994.
(*) المسار الثاني الخاص بحيازة واقتناء الكلاب غير الخطرة: يكمن الدافع في تبني المشروعات إجراءات بشأن هذا المسار في انتشار ظاهرة اقتناء الكلاب لدى المواطنين، واتجاه البعض نحو تشريسهم واستخدامها لترويع المواطنين أو الاعتداء عليهم، وبالرغم من وجود بعض الكلاب المرخصة إلا أن أصحابها يفتقدون الوعي الكافي للتعامل مع هذه الكلاب بشكل يحافظ على الصحة العامة، الأمر الذي ظهر في بعض الممارسات من قبيل عدم الاكتراث لتكميم الكلب أثناء اصطحابه للخارج وسط المارة، أو عدم تقييده بقلادة مناسبة الأمر الذي ترتب عليه تلقي جهات التحقيق العديد من بلاغات العقر بواسطة هذه الكلاب، لذلك رؤي أن يتم تنظيمها بواسطة قانون بدلاً من قرار يصدر من الوزير المختص بشئون الزراعة واستصلاح الأراضي.
(*) المسار الثالث ظاهرة الحيوانات الضالة: يكمن الدافع في تبني المشروعات إجراءات بشأن هذا المسار في انتشار الكلاب الضالة التي تكمن خطورتها في حملها العديد من الأمراض المعدية على رأسها مرض السعار “rabies” والذي يُطلق عليه (داء الكلب)، فوفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية فإن داء الكلب يتسبب في وفاة ما يقرب من (60) ألف شخص سنوياً وتحدث أكثر من (95%) من الوفيات البشرية في إقليمي آسيا وأفريقيا.
وقد شهدت مصر ارتفاع مستمر في أعداد الكلاب الضالة حيث بلغت نحو (20) مليون كلب ضال عام 2020 وتختص الكلاب بوجه عام بنحو (85%) من حالات العقر، ويمكن الاستشهاد في هذا الشأن بالبيانات الصادرة وفقاً لأخر تقرير رسمي للهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة وبيان وزارة الصحة، حيث بلغ إجمالي عدد حالات العقر الآدمية (300) ألف حالة عام 2014، ثم ارتفعت تدريجياً لتصل إلى (482,5) ألف حالة عام 2018، كما ارتفعت حالات الوفيات بسبب الإصابات بالعقر تدريجياً خلال ذات الفترة، حيث بلغت (52) حالة وفاة عام 2014، ثم واصلت الارتفاع حتى بلغت (70) حالة وفاة عام 2018- للمزيد يمكن الإطلاع على الشكلين (1 و2) الموضحين أدناه.
مشروع القانون: تداعيات ومآلات متباينة:
انعكاسات واضحة قد تحدث نتيجة تمرير مشروع القانون، قد يكون أكثرها إيجابي، ويؤثر بصورة واضحة على واقع اجتماعي معاش، ويمكن رصد أهم تداعيات ومآلات تمرير مشروع هذا القانون، على النحو التالي:
(&) تحقيق الانضباط في الشارع المصري: سيعمل مشروع القانون حال تمريره على تحقيق الانضباط في الشارع المصري، من خلال التحكم في ظاهرة تواجد الكلاب الشرسة بصحبة أصحابها داخل الأحياء المختلفة والتجمعات السكنية وفوق أسطح العقارات والأدوار السفلية، بالإضافة إلى تواجد العديد من المزارع غير المرخصة وأيضًا الكلاب غير المقيدة بهيئة الخدمات البيطرية، الأمر الذي من شأنه أن يمنع استخدامها في إرهاب المواطنين (الخصوم) أو السرقة أو حتى في التحرش، خاصة أن قانون العقوبات لم ينص صراحة على مسألة حيازة الكلاب الشرسة، كما لا يفرض القانون عقوبة على امتلاك حيوان غير مرخص إلا فى حالة ارتكابه جريمة.
(&) خفض معدلات الوفاة الناجمة عن مرض السعار: من المتوقع أن يقوم مشروع القانون في حال تمريره بخفض معدلات الوفاة الناجمة، حيث أن الهدف من فرض ترخيص الكلاب هو القضاء على مرض السعار؛ حيث أن الترخيص يرتبط ارتباط مباشر بالتطعيم، حيث تقوم مديريات الطب البيطري وجميع الإدارات والوحدات التابعة لها بمنح رخصة الكلب كحلقة معدنية صغيرة يتم تعليقها في الطوق الخاص به وتثبت ملكية صاحبه، كما يثبت به جدول التطعيم الخاص به، الأمر الذي من شأنه أن يخفض حالات الوفاة الناتجة عن العقر الآدمية وذلك كما تم توضيحه سابقاً، والجدير بالذكر أن المكسيك كانت أول بلد تحققت منظمة الصحة العالمية من تخلصها من الوفيات البشرية الناجمة عن مرض السعار المنقول بواسطة الكلاب في عام 2019.
(&) انخفاض في أسعار الكلاب ووجود فائض في أسواقها: يمثل أحد التداعيات المحتملة في حالة تمرير مشروع القانون، ويجد ذلك تفسيره في ضوء ما يفرضه مشروع القانون من عقوبات رادعة وصارمة للغاية في مواجهة المخالفين للضوابط الواردة به، والتي قد تصل إلى – في أقصى مدى لها- حد تطبيق عقوبة السجن المؤبد، وهو ما سيدفع الأفراد للتفكير ملياً قبل الإقبال على اتخاذ قرار بشأن شراء الكلاب وهو ما قد يستتبعه وجود فائض في المعروض منها وانخفاض في الطلب عليها وبالتالي انخفاض أسعارها بشكل ملحوظ.
تأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن مشروع القانون السابق ذكره، يرمي إلى تنظيم وتقنين حيازة الكلاب وليس حظرها، كما سيعمل على خلق حالة من التوازن بين حق الفرد فى حيازة الكلاب غير الخطرة وبين الحفاظ على السلامة والصحة المجتمعية بصفة عامة، خاصة أن هذا المشروع لا يتعارض مع أحكام قانون الزراعة الصادر بالقانون رقم (53) لسنة 1966 وقانون البيئة الصادر بالقانون رقم (4) لسنة 1994، كما لا يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التى صادقت عليها مصر وأبرزها اتفاقية التجارة الدولية فى الأنواع المعرضة للخطر وعلى رأسها الفونا والفلورا البرية الموقعة في واشنطن بتاريخ 3 مارس 1973.