قراءة في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى المصري

دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي فى أبريل 2022 أثناء افطار الأسرة لإطلاق مبادرة الحوار الوطنى، وسرعان ما لقيت الدعوة الرئاسية للحوار قبولاً من مختلف القوى المجتمعية والسياسية في مصر، ذلك لما يعكسه الحوار من قيم مهمه مرتبطة بالديمقراطية وما يرسيه من أسس وأفكار تنطوى على نبذ للتعصب وقبول للآخر، وتعدد الآراء. وتأسيساً على ذلك تأتى هذه الورقة للقراءة فى أولى جلسات الحوار الوطنى من ثنايا مدخلين هما التكوين والتأثير.

التكوين والإعداد:

لأول مرة فى تاريخ الحياة السياسية المصرية منذ عام 1952 يفرز الواقع السياسي حواراً وطنياً مؤطراً لجميع المؤسسات والقوى والاتجاهات في المجتمع، وبالنظر في بنية الحوار نجد أنها تعتمد فى بنيانها على التوازن بين جميع التيارات السياسية فى تشكيل لجان الحوار الوطنى، كذلك المرأة المصرية حاضرة بقوة والشباب المصرى يشارك بمساحات واسعة فى الحوار والتحضير والتنظيم. كما اعتمدت بنية الحوار المجتمع المدنى ورجال الدين، الإعلاميين، وأعضاء المؤسسات التشريعية بغرفتيها النواب والشيوخ، كذلك أعضاء المؤسسة القضائية، وقيادة المؤسسة التنفيذية، ورؤساء الجامعات وأكاديميين وقيادات المراكز البحثية، وأعضاء الأحزاب وغيرهم العديد، مما يعكس تنوع القوى المشاركة وكذلك مخرجات الحوار.

فالإعداد للحوار الوطني الذي بلغ عام كامل، يشير عمل مؤسسي محتمل، بل حوارا وطني يختلف عن الحوارات الخمس التي أجرتهم الدولة المصرين في فترات الرؤساء السابقين، فقد عقد مجلس أمناء الحوار الوطني العديد من الجلسات التى بدأت منذ ما يقرب من عام لترتيب سبل وآليات الحوار الوطني، فى 26 ابريل 2022 كان الإعلان من السيد رئيس الجمهورية لإطلاق الحوار الوطني فى 8 يونيو إعلان المنسق العام والأمانة الفنية ثم تشكيل مجلس الأمناء من 21 عضوا من مختلف الاتجاهات والفصائل السياسية، ثم فى سبتمبر تم اختيار المقررين للمحاور الأساسية شريطة أن يعكس ذلك التوازن المطلوب ، ثم بدأ الحوار النخبوي.

وذلك اقتضى تشكيل موضوعي وإعداد منظم للأمانات القائمة على الحوار، فكانت الأمانة الفنية فى المقدمة بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية للتدريب. فقد تم تقسيم الأمانة الفنية لأربع لجان رئيسية متخصصة المحتوى والعلاقات العامة والاتصالات والأعلام وأخرى فى الأمور اللوجستية، ومن ثم أصدر مجلس الأمناء لائحة منظمة لعمله وهذه اللائحة نصت على تكوين مجلس الأمناء وكذلك تنظيم إطار عملة وتحديد المحاور الفرعية ومناقشة القضايا ، ثم صدرت المدونة الخاصة بالسلوك والتى احتوت على الأنساق الأخلاقية العامة استقرت المدونة على اعتماد الحوار من ثنايا ثلاث محاور أساسية لكل منها مقررين أساسيين وهى المحور السياسي والمحور الاقتصادي والمحور المجتمعي، ومن بين 130 ألف مشاركة من مختلف أطياف المجتمع نسبة 37% للمحور الاقتصادي و29% للمحور السياسي و34% للمحور المجتمعي.

كما أوضحت اللجنة الفنية أنه تم تقرير 19 لجنة لمناقشة ما يقرب من 113 قضية خلال 250 ساعة عمل من قبل مجلس الأمناء و2000 ساعة عمل لأعضاء الأمانة.

الانطلاقة وحدود التأثير:

أولى المداخلات كانت للسيد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية ‘ورئيس لجنة الخمسين المقررة لدستور عام 2014 مشيراً إلى مساهمته في مسار العمل الوطني السياسي طوال سنوات النصف الثاني للقرن العشرين وأنتقل إلى السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين. مؤكدا على أهمية طرح الرأي الآخر، كما نوه موسي عن العديد من التساؤلات المطروحة من قبل المواطنين وما يدور فى فلك هذه التساؤلات من مخاوف، وأضاف أن الحوار قائم فى كل ربوع مصر وعلى مختلف المستويات وليس داخل منصات الحوار الرسمية. بينما أكد الدكتور حسام الدين بدراوي على أهمية التحديد المسبق للمحاور والمحددات، وهو ما ينعكس بشكل ايجابي على نجاح الحوار. كما أصر على أهمية الدستور ورؤية مصر 2030 التي أعلنها رئيس الجمهورية فى 2015. وأشار بدراوى إلى أن الأساس، هو بناء الدولة الديمقراطية الحديثة بغض النظر عن الانتماءات  السياسية أو الدينية والقومية وذلك بالتزامن مع التأكيد على حماية الحوار.

أما عن حدود تأثير انطلاق الحوار الوطني، فقد تمثلت في عدة دوائر وعلى عدة مستويات، هي كالتالي:

(*) دائرة السياسة الخارجية إجراء حوار وطني واضح الفكرة متماسك البيئة متعددة التكوين بالطبع داعم لدور مصر الإقليمي والدولي .

(*) داخلياً يعكس الحوار الوطني أن القوي السياسية لا تعمل في جذر منعزلة ولكن بتنسيق وتوازن وتفاعل وهو ما يفضي بجدية وأهمية المخرجات .

(*) الاتحاد بين القوي السياسية ومكونات المجتمع من خلال الحوار الوطني سيؤثر علي المساحات الخالية والتي كانت من الممكن أن تستغل من قبل العناصر التي توصف نفسها- بالمعارضة في الخارج.

(*) الحوار يعكس جدية الطرح، وذلك من خلال التوافق حول أولويات المستقبل، وكذلك الضمان بأهمية مخرجاته وظهر هذا الأمر جلياً في استجابة السيد رئيس الجمهورية لمد فترة الإشراف القضائي علي الانتخابات والتي كانت ستنتهي في عام 2024 المقبل وفقا للقانون.

(*) علي مستوي النخبة  طموح النخبة السياسية للخروج بنموذج تنموي طامع مثل الميركلية في مطلع القرن الحادي والعشرين وسبقتها التأتشيرية في ثمانينات القرن العشرين وغيرها من التجارب التنموية سياسيا واقتصاديا الناجحة.

(*) علي مستوي المواطن دفع الحوار الوطني القلق من القادم عن عاتق المواطنين، كما اثر علي جريان المياه في الحياة السياسية وخلق حالة من التشابك الإيجابي.

(*) أما عن التفاعل قد أحدث الحوار الوطني نقلة لحالة التفاعل من مستوي التفاعل الأفقي بين النخب السياسية والمثقفين إلي تفاعل رئيسي بين النخب والقوي السياسية وفصائل المجتمع.

)*) التأثير علي النظام يري ديفيد إستون، وهو أهم الأكاديميين المتخصصين في تحليل النظم السياسية وفقا لنموذجه التحليلي أن استجابة النظام للتغذية العكسية من البيئة الخارجية تعد من دعامات النظام، وهو ما ظهر جلياً المرة الأولي عندما استجاب رئيس الجمهورية لمطالب الحوار باستمرار الإشراف القضائي، والثانية عندما أكد مقرر الحوار علي ضرورة المشاركة والمراقبة من قبل المواطنين وهو تفعيل لمكون المدخلات وفقا لنموذج إستون ثم التأكيد علي إعادة بصلة الحوار إلي جادة الصواب إذا انحرفت، وهو ما ينذر بتفعيل آلية التغذية العكسية.

الانعكاس على تفعيل الديمقراطية التشاركية:

يعرف رواد النظرية الديمقراطية آلية الديمقراطية التشاركية أنها نمط من أنماط إشراك المواطنين بمختلف أطيافهم في بناء القرارات السياسية والقرارات ذات الشأن العام، كما يري البعض أنها مجموعة من الآليات والإجراءات التي تمكن من إشراك المجتمع المدني والمواطنين بمختلف أطيافهم في بناء القرارات السياسية والقرارات ذات الشأن العام ، كما يري البعض أنها مجموعة من الآليات والإجراءات التي تمكن من إشراك المجتمع المدني والمواطنين عموماً في صنع السياسات العامة وتقوية دورهم في صناعة القرارات المتعلقة بتدبير الشأن العام عن طريق التفاعل المباشر مع المؤسسات والسلطة السياسية، سواء علي الصعيد الوطني أو المحلي .

إذن الديمقراطية التشاركية، ما هي إلا نظام لخلق الفرص لجميع المواطنين علي قدم المساواة، لتقديم المساهمات القيمة في رسم السياسات العامة وضع القرار، من خلال الدعوة إلي التجمعات والمجالس والمنتديات التي تسمح للمواطنين بالمشاركة ومن ثم إتاحة الفرصة للرقابة والمسائلة.

وبالتطبيق وحتي هذه اللحظة علي مجربات الحوار الوطني منذ الإعلان عن تدشينه نجد انه تفعيل حقيقي وتمثيل حي لمظهر من مظاهر الديمقراطية التشاركية وأن كانت في مراحلها الوليدة لكنها ستجني ثمار سياسية وتنموية تجعلها بتجربة منفردة ورائدة في المنطقة.

وختاماً، يمكن القول إن  إجراء حوار وطني في هذه المرحلة سيكون علامة فارقة في تاريخ الجمهورية المصرية الجديدة ،بمكون مصري متعدد الأطياف والاتجاهات والرؤى، مما ينذر بمخرجات جديدة وفاعلة وطموحة.

 

دعاء الهواري

دعاء الهواري- باحثة في الشئون البرلمانية، مدرس العلوم السياسية المساعد جامعة الاسكندرية، حاصلة على ماچستير النظم السياسية، الباحثة متخصصة في الدراسات البرلمانية والسياسات العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى