حالة مصر.. حسابات المرأة في النظم الانتخابية

تُعدّ اتفاقية (سيداو) -للقضاء على التمييز ضد المرأة- حجر الأساس للعديد من الجهود الدولية التي تؤطَّر للقضاء على كل أشكال التميُّز ضد المرأة، والمساواة بين الجنسين  في كل مناحي الحياة، لاسيما السياسية،  وتولي النساء المناصب الحكومية، ووصولهن لمواقع صنع واتخاذ القرار، كما أكد مؤتمر بكين عام 1995م على أهمية اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة من قِبَل الدول والحكومات لدعم وتمكين النساء سياسيًا.

ولم تكن الدولة المصرية بمعزل عن هذا الاهتمام العالمي بدعم وتمكين المرأة، وقد خطت المرأة المصرية خطوات هامة في اتجاه المساواة السياسية، لاسيما الحياة النيابية في مرحلتها الأهم، وهي دستور 2014م، الذي نصت تعديلاته على منح المرأة المصرية ربع مقاعد مجلس النواب المصري، وجاءت هذه النسبة في البرلمان الحالي من خلال نظام تَناسُب العضوية المختلطة .

في هذا الإطار، يناقش هذا التحليل حسابات المرأة في النظام الانتخابي المصري المقترح، وتبايُن الآراء حول القوائم الانتخابية، وأيٌّ من هذه الآراء داعم لوجود ملائم للمرأة؛ في ظل تحديات تمثيلها السياسي.

معوّقات تمثيل المرأة:

(*) القوالب النمطية: أُجرِيت العديد من الدراسات حول انخفاض قدرة النساء -مقارنة بأقرانهن من الرجال- سياسيًا؛ فكانت معظم النتائج بسبب القوالب النمطية الخاصة بالصورة الذهنية لكل من النساء والرجال، فدائمًا ما تكون الصورة الذهنية للنساء مرتبطة بصفات: كالرحمة، والعطف، والتسامح، غيرها من الصفات، بينما ترتبط الصورة الذهنية للرجال بالحسم والقوة والصرامة.

وعليه، تكون النساء هن الأفضل للعمل في المجال الخاص، على عكس الرجال؛ الأنسب للعمل في المجال العام، ومن ثم تتحكم القوالب النمطية في تفضيلات الناخبين واختياراتهم، وكذلك نتائج العملية الانتخابية. والعديد من النساء السياسيات -كأنجلا ميركل وغيرها- قد استخدمن في حملاتهن الانتخابية شعارات تتلاءم مع القوالب النمطية الذكورية، كالمرأة الحديدية والقوية، وغيرها من الصفات التي تُدخِلُهن في دائرة التفضيل الذكورية.

والجدير بالذكر، أن هذه القوالب النمطية والصورة الذهنية عن النساء لا تنتشر في مجتمعات دون غيرها، كما أنها لا ترتبط بدرجة تقدِّم مجتمعات على حساب غيرها، بل إنها ظاهرة رصدتها الدارسات من واقع مجتمعات هي الأكثر تقدمًا، والأسبق في محاولات تمكين المرأة.

(*) العوامل الثقافية ورغبات الناخبين: توجّهات الناخبين، هي التي تؤثر -عادة- على فرص النساء السياسية، لاسيما في المواقع المحددة بالانتخاب لا بالتعيين، كما أن إمكانية وصول النساء للأعلام، وتوفير الدعم للحملات الانتخابية؛ تؤثر على فرص تقديم النساء كمرشحات .

 (*) الأحزاب السياسية: تُتبني الأحزاب مهمة توفير المرشحات من النساء، وتحديدهن وتدريبهن، ليَمُدّ الحياة السياسية بالكوادر المؤهلة، وتراكم الخبرات لدى النساء.

(*) النظم الانتخابية: لضمان تمثيل جيد للنساء، يجب أن تكون هناك إدارة انتخابية كفء، تضمن تمثيلًا-ومن ثم تحقيقًا عادلًا- للنساء، والنظم الانتخابية لا تحقق هذا التمثل الملائم للنساء، وللتغلب على هذا الأمر غالبًا ما تلجأ الدول لتبني فكرة المحاصصة السياسية.

المُحاصصة السياسية ( الكوتا):

تمثل الحصص السياسية -على أساس النوع الاجتماعي (الكوتا)- شكلًا من أشكال التدخل الإيجابي من قِبَل الدولة؛ لمساعدة المرأة في تحقيق تمثيل سياسيّ ملائم، ومن ثم التغلب على العوائق التي تحدّ من مشاركتها السياسية أسوة بأقرانها من الرجال، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:

(1)- من حيث أشكالها، تتنوع أشكال الكوتا بين الدستورية والقانونية والحزبية الطوعية؛ فالكوتا الدستورية هي التي ينص عليها الدستور بشكل صريح، وهوما ينطبق على النموذج المصري؛ حيث نصت المادة 102 (المعدلة)على أن يخصص للمرأة ما لا يقل عن ربع إجمالي عدد المقاعد، بينما الكوتا القانونية التي ينص عليها صراحة قانون الانتخاب، أو القانون المطبق في البلاد؛ ومضمون هذه الحصص، واستنادها إلى نصوص تشريعية ملزمة؛تُعرّض مخالفيها إلى عقوبات يحددها القانون.

بينما الحصص الطوعية هي التزام ضمني -أو طوعي- من قِبَل الأحزاب؛ لضمان عدد أو نسبة محددة من النساء على قوائم الحزب أو بين المرشحين، وهذا الشكل من الكوتا غير مُلزِم، بحيث لا يترتب على العدول عنه أي مخالفات.

(2)- من حيث آلية تطبيقها، يمكن تطبيق الكوتا أثناء عملية الترشيح، كما يمكن تطبيقها على النتائج النهائية أثناء عملية الترشيح وهي، تهدف إلى وضع النساء في مواقع استراتيجية ضمن المرشحين؛ لتسهيل وضمان فرص قريبة من الرجال لانتخابهن في الهيئات المنتخبة، بينما الحصص التي تستهدف النتائج تُمثّل نسبًا محددة، مثلًا: 25%، وهو ما ينطبق في الحالة المصرية، أو عدد محدد من المقاعد تكون مخصصة للنساء، وتعتبر القوائم أو الدوائر المخصصة للنساء من أشكال الكوتا التي تستهدف النتائج.

ماذا عن الحالة المصرية؟:

تبنت مصر نظام الحصص الدستورية التي تستهدف النتائج، وذلك وفقًا لنص المادة (102 المعدلة في دستور 2014) والتي نصت على تخصيص ما لا يقل عن ربع مقاعد مجلس النواب للنساء، ولضمان الحصول على هذه النسبة اعتمدت النظام الانتخابي المختلَط بين (القائمة النسبية المغلقة والنظام الفردي)

إلا أن حالة من الجدل شهدتها الفترة الأخيرة، بالتزامن مع دعوة رئيس الجمهورية للحوار الوطني حول ما يستمر النظام الانتخابي الحالي، أو جراء بعض التعديلات، وذلك على النحو التالي:

(*) نسبية أم مغلقة: شهدت جلسات الحوار الوطني الخاصة بالمحور السياسي -“لجنة مباشرة الحقوق السياسية”- عدة مناقشات ثرية حول قانون النظام الانتخابي لغرفتي المؤسسة التشريعية، وانقسمت اتجاهات المشاركين بين اتجاهين: الأول مؤيد لنظام القوائم المغلقة، مُعضّدين ذلك بأنها تحقق الالتزامات الدستورية الخاصة بتمثيل فئات الشباب وذوي القدرات والمرأة في دستور عام 2014م، ومن أبرز التوجهات السياسية والأحزاب المؤيدة لهذا الاتجاه: حزب مستقبل وطن، وحزب الشعب الجمهوري، وحزب حماة وطن، وحزب المؤتمر.

(*) بينما رأى آخرون أن القائمة النسبية، تضمن تعبيرًا عن إرادة الناخبين،وتفسح المجال أمام كل الأحزاب والفصائل السياسية، كما لقى هذا الاتجاه تأيدًا من قِبَل أحزاب عدة، منها: حزب الغد، وحزب الوفاق، وحزب الإصلاح والتنمية.

كما كان اقتراح حزب التجمع -الذي نص على إجراء الانتخابات البرلمانية وفقًا لنظام القائمة النسبية (مفتوحة غير مشروطة) مع مراعاة تحقيق النسب الدستورية- هو الاقتراح الأبرز خلال جلسات الحوار الوطني.

سيناريوهات وبدائل:

بعد حالة الجدل التي شهدها الحوار الوطني فيما يخص النظام الانتخابي وانقسام النخب السياسية بين مؤيد لتطبيق القائمة المُغلقة، ومؤيد للتبديل بالقائمة النسبية المفتوحة (غير المشروطة)، وهذا التباين في اتجاهات النظر يضعنا أما سيناريوهين وعدة بدائل.

(-) السيناريو الأول: أن يتحول النظام الانتخابي إلى الانتخاب بالقائمة المفتوحة، بجانب النظام الفردي. لكن هذا الاحتمال سيواجه عقبة، تتمثل في صعوبة تحقيق الالتزام الدستوري الخاص بالمرأة، والذي لا يقل عن ربع مقاعد مجلس النواب وفقا للمادة (102) من الدستور المصري، وتخطي هذه العقبة سنكون أمام عدة بدائل، هي:

الأول، استخدام نظام الترتيب التبادلي؛ حيث يتم تبادل ترتيب النساء مع الرجال على القائمة (رجل إمرة ) أو (إمرأة رجل) وهكذا. أما البديل الثاني، وضع سقف محدد لنسب الترشيح، مثلًا: في النصف الأول من المرشحين يكون الحد الأدنى لأي من الجنسين الثلث على الأقل. أما الثالث، فهو منافسة النساء على دوائر انتخابية للنساء فقط، مثلما حدث سابقًا في انتخابات 2010م، والتي بلغ عدد 32 دائرة.

(*) السيناريو الثاني: أن يظل النظام الانتخابي نظامًا مختلطًا، يجمع بين النظام الفردي والقائمة النسبية المغلقة، مع التوسيع في القطاعات الجغرافية، لتصبح 8 قطاعات، بدلًا من 4 وهي: دائرة شمال ووسط وجنوب الصعيد (تضم 11 محافظة). ودائرة قطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا (تضم 7 محافظات). ودائرة قطاع شرق الدلتا (تضم 7 محافظات). ودائرة قطاع غرب الدلتا (تضم 3 محافظات).

لتصبح 8 قطاعات، بضمان جميع الالتزامات الدستورية.

(*) السيناريو الثالث: وهو الأكثر ترجيحا، فيجمع بين الفردي والقائمتين المغلقة المطلقة والنسبية، وفي هذا النظام يمكن فيه تخصيص بعص المقاعد للمرأة في الفردي، وضمان نسبتها في القوائم النسبية والمغلقة المطلقة مع ضرورة تحقيق المشروطية في ترتيب القوائم (المُحاصصة السياسية ( الكوتا- ذكرت في بداية التحليل).

ختامًا، فعملية تمثيل المرأة -تمثيلًا يتناسب مع أوضاعها في المجتمع- أمر أصبح ملزمًا للدولة المصرية، في ظل الجمهورية الجديدة، لكن على الوجه الآخر يُعدّ العامل الأهم الذي يقع على عاتق  المؤسسات المعنية أن تساهم في تمكين المرأة من تحقيق منافسة حقيقة، وليس مهمًا الانشغال بمسألة:من أين يأتي تحقق المرأة نسب تمثيل مرتفعة ، إنما الأهم أ:ن تصبح النساء في مصر قادرات على المنافسة.

دعاء الهواري

دعاء الهواري- باحثة في الشئون البرلمانية، مدرس العلوم السياسية المساعد جامعة الاسكندرية، حاصلة على ماچستير النظم السياسية، الباحثة متخصصة في الدراسات البرلمانية والسياسات العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى