معالجة تشريعية: كيف استعدت إدارة “بايدن” لمواجهة تنامي النفوذ الصيني في إفريقيا؟
وضعت إدارة بايدن استراتيجية جديدة في إفريقيا تتركز على ” قيادة بالدبلوماسية، دعم بالتنمية وأمن بالدفاع”، وأكدت أن القارة سيكون أكثر أهمية للأمن القومي للولايات المتحدة في المستقبل لتقويض النفوذ الصيني المتزايد ومبادرة” الحزام والطريق”. وتتمثل أهداف الاستراتيجية في اكتساب الوصول والتأثير الاستراتيجي والحفاظ عليهما؛ واستعادة النفوذ الاقتصادية؛ وتنسيق العمل مع الحلفاء والشركاء.
قانون المنافسة الاستراتيجية لعام ٢٠٢١:
في ٢٢ أبريل ٢٠٢١، صوتت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بأغلبية ٢١مقابل صوت واحد لتحريك مشروع قانون مصمم لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في جميع أنحاء العالم، ثم نقل “قانون المنافسة الاستراتيجية لعام 2021” إلى مجلس الشيوخ للتصويت قبل انتقاله إلى مجلس النواب. ولكن في اللحظة الأخيرة، قبل التصويت، أضاف أعضاء لجنة العلاقات الخارجية عدد من النقاط إلى مشروع القانون التي ركزت بشكل خاص على النفوذ الصيني في إفريقيا.
فقد أضيف إلى الفقرة ٢٧١ المتعلقة بتقييم النشاط السياسي والاقتصادي والأمني لجمهورية الصين الشعبية في إفريقيا، بأنه “في غضون ٦ أشهر بعد دخوله حيز التنفيذ، يقدم وزير الخارجية ومدير المخابرات الوطنية تقرير شامل عن الأنشطة السياسية الصينية والاستثمار والقوة الناعمة وتحليل الأساليب والتقنيات التي تستخدمها الصين لممارسة نفوذها على الحكومات الأفريقية”.
كما أضيف إلى الفقرة ٢٧٢ المتعلقة بزيادة القدرة التنافسية للولايات المتحدة في إفريقيا، بأنه “في غضون ٦ أشهر من تمريره، يجب على وزارة الخزانة والتجارة والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية و شركة تمويل التنمية الدولية الأمريكية وغيرها من الوكالات التنفيذية الفرعية توفير استراتيجية متعددة السنوات لزيادة القدرة التنافسية الاقتصادية للولايات المتحدة لتقويض النفوذ الصيني في إفريقيا”. كما يدعو القسم الفرعي 6 إلى عقد قمة منتظمة بين الولايات المتحدة وأفريقيا.
وأضيف إلى الفقرة ٢٧٣ المتعلقة بالتعاون الأمني الرقمي مع أفريقيا، بأنه “سيُطلب من الرئيس تشكيل مجموعة عمل مشتركة بين الوكالات لتطوير أساليب “لمواجهة العدوان السيبراني الصيني في أفريقيا”. وإحدى التوصيات التي يريدها الكونجرس من فريق العمل هذا هي كيفية تزويد الحكومات الأفريقية ومشغلي الاتصالات بـ “بدائل لهواوي”.
كما أضيف إلى الفقرة ٢٧٤ المتعلقة بزيادة عدد الموظفين في سفارات الولايات المتحدة في جنوب الصحراء أفريقيا مركز نفوذ جمهورية الصين الشعبية، وهذا من شأنه أن يعالج الشكوى المستمرة من الدبلوماسيين الأمريكيين في إفريقيا الذين يقولون إنهم يفتقرون إلى الموظفين لرصد النفوذ الصيني في القارة وتوفير نفس مستوى المشاركة مثل الصينيين، الذين غالبًا ما يكون لديهم بعثات دبلوماسية أكبر بكثير في بعض البلدان الأفريقية.
مبادرة الحزام والطريق:
أعلنت الولايات المتحدة واليابان مؤخرًا عن شراكة اتصال رقمية عالمية معززة، كما أظهرت المحادثات بين الاتحاد الأوروبي والهند واليابان حول بناء مشاريع البنية التحتية المشتركة في جميع أنحاء العالم أن هناك محاولات للتوصل إلى بدائل لمبادرة ” الحزام والطريق” الصينية، ودعم من الحزبين في الكونجرس لمساعدة البنية التحتية وجهود الاتصال الرقمي في الخارج. كما اقترح أيضا الرئيس بايدنعلى بوريس جونسون رئيس وزراء المملكة المتحدة إنشاء شبكة من البنية التحتية لمنافسة خطة الحزام والطريق.
إن ما سبق، قد يشكل جزءًا من قمة مجموعة السبع في يونيو، والتي سيستضيفها جونسون في المملكة المتحدة، والتي تمت دعوة قادة من الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية لحضورها. وتشجع الإدارة الأمريكية الحالية الاعتماد أكثر على الديمقراطيات الثرية دون الدول غير الديمقراطيات من أجل تطوير روابط البنية التحتية أعمق من نموذج “التجارة والمعونة” القديم مع البلدان الفقيرة، وتحقيق منافع اقتصادية متبادلة، وتعزز مرونة سلاسل التوريد العالمية.
وتشكل هذه الاستراتيجية جزء من مشهد الشراكات الثنائية ومتعددة الأطراف المنسقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول المحيطين الهندي والهادئ. كما أن المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين سيحددها الدول النامية التي ستختار أي من أنظمة الاتصالات تتبناها. وتعمل الصين بالفعل على تطوير رؤيتها الخاصة – طريق الحرير الرقمي – وتهيئ نفسها للاستفادة تجاريًا واستراتيجيًا مع نمو السكان واعتماد المزيد من العالم على الإنترنت. وتستعد الدول النامية للعب دور أكبر في الشبكات العالمية، ولا سيما آسيا وأفريقيا.
كما أن التوسع الحضري السريع والنمو السكاني سيدفعان الطلب على الاستثمار في البنية التحتية الرقمية. لذلك تسعى أمريكا إلى صياغة رؤية جديدة تتركز على توسيع نطاق التقنيات الواعدة من خلال الاستفادة من الاستثمارات المحلية، وإنشاء صندوق تسريع متحالف، وإقامة شراكة مع الأسواق الرئيسية الإقليمية. وسيتطلب التنافس في أسواق الدول النامية أن تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بتوسيع التمويل وتقديم المساعدات الفنية والترويج لنموذج عالي المستوى للمدن الذكية.
دبلوماسية فخ الديون:
تنظر أمريكا والاتحاد الاوروبي إلى مبادرة الحزام والطريق على أنها أداة نفوذ لتأسيس موطئ قدم استراتيجي وعسكري لبكين، وتستخدم الصين أدواتها في تحقيق هذا الهدف، مثل “دبلوماسية فخ الديون” لإغراء دول مثل سريلانكا وكينيا بأخذ قروض غير مستدامة لمشاريع البنية التحتية، وعندما تعجز الدولة عن دفع الديون يمكن لبكين الاستيلاء على الأصول ناهيك عن ضعف الضمانات القانونية والبيئية.
لقد أصبحت الصين أكبر مُقرض للدول النامية متجاوزة دول نادي باريس، فوفقًا لمعهد كايل للاقتصاد العالمي، فإن أعضاء نادي باريس كانوا من قبل الدائنين الحكوميين الأساسيين للدول النامية، ويمثلون الآن أكثر قليلاً من نصف من الصين، ولم يعد النادي المنتدى الوحيد لحل مشاكل الديون بالإضافة إلى اختلاف المفاهيم بين الغرب والاشتراكية الصينية حول التنمية والسلام.
وعلى ما تقدم، تنتقد بعض الأوساط الأكاديمية الغربية والاسيوية سياسة الاقتراض الصينية، وتحذر من الغموض والبنود التي تمنع المدينين من إعادة الهيكلة بالتنسيق مع نادي باريس، لان الصين تطالب عادة بسرية أكبر من المقرضين الآخرين، مما يثير الشكوك في أن ديون الدول النامية للصين أكبر مما هو متوقع رسميًا، وهذا يعرقل جهود تخفيف الديون المتعددة الأطراف.
تأسيساً على ما سبق، يمكن طرح هذا السؤال، هو: هل الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة قادرة على تقديم بدائل بشروط تمويل أقل ومزيد من الشفافية القانونية؟. في الواقع، الصين تمكنت من خلال مبادرة ” الحزام والطريق” من استخدام شراكات البنية التحتية لإنشاء شبكات اقتصادية على نطاق واسع ومتماسكة بينما الرؤية الأمريكية تفتقر إلى استراتيجية موحدة ومركزية، مثل توفير أو استمرار ضخ المساعدات والاستثمارات المالية من الحلفاء للقارة لضمان تعزيز استراتيجيتها.
كما أن هناك اختلافات بين النموذج الغربي والاشتراكي الصيني فيما يتعلق بتوفير التمويل. فالنموذج الذي يتبعه الهيئات الحكومية للاتحاد الأوروبي مثل بنك الاستثمار الأوروبي يوفر الأموال الأولية للاستفادة من تمويل القطاع الخاص، ورغبة القطاع الخاص في مثل هذه الاستثمارات موضع تساؤل. كما أن شراكة البنية التحتية بين الاتحاد الأوروبي واليابان والهند تمثل اختبارا حقيقيا لقدرة الاتحاد الأوروبي على التحول من “دافع إلى لاعب” – والاستفادة من ثقله في التجارة والمعونة والاستثمار ليصبح قطبًا منافسًا للصين في القارة الافريقية. فعل سبيل المثال، آثار قرار الحكومة البريطانية بخفض ميزانية مساعداتها الخارجية من 21.3 مليار دولار في عام 2020 إلى 13.8 مليار دولار هذا العام قلقًا متزايدًا من أن هذه الخطوة ستوفر فرصة جديدة للصين لتوسيع نفوذها في إفريقيا.
استعادة الروابط الاقتصادية مع القارة الإفريقية:
رفعت الولايات المتحدة أيضا تمويلها التنموي السنوي للقارة الإفريقية إلى ٦ مليار دولار، كما أعلن هذا الرئيس التنفيذي لمؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC) ، ديفيد مارشيك خلال المؤتمر السنوي السابع عشر لجمعية رأس المال المخاطر الافريقية (AVCA) لهذا العام بأن المؤسسة سترفع حجم استثمارات الأسهم المباشرة عبر القارة من ٤ مليارات دولار إلى ٥ مليارات دولار بنسبة ٢٠٪.
في الواقع، تحتاج أمريكا إلى تغيير علاقاتها الاستثمارية والتجارية مع القارة، حيث أن تطور القارة المستمر يتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية والطاقة وإنتاج الغذاء. كما يجب على المساعدات الأمريكية توسيع نطاق البرامج لدمج تطوير أسواق رأس المال ودعم صناديق الاستثمار وبيانات السوق بشكل أفضل، خاصة وأن الاستراتيجية الشاملة لتيسير قاعدة تصنيعية سريعة النمو، ومراكز لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتحضر سوف تتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية، بما في ذلك إنتاج الطاقة وتوزيعها بما يتماشى مع سياسات خفض الانبعاثات التي يمكن تحقيقها.
المزايا النسبية:
هناك أيضا نقطة أخرى قد تركز أمريكا، وهي استغلال المزايا النسبية للولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في القارة عن طريق الاستفادة من القطاعات الأكثر تنافسية أو التي تتفوق فيها على الصين، والتي تشمل التكنولوجيا، والخدمات المالية، والأعمال التجارية الزراعية ومصادر الطاقة المتجددة، وخدمات النفط والغاز، والصناعات الإبداعية.
كما أن القيم الليبرالية كأداة تطلع لها بعض الشعوب الإفريقية التي تعاني من الفساد والفقر والمجاعة وسوء الحكم قد تكون وسيلة لتغير مسارات تتوافق مع مصالح أمريكا وتقوض النفوذ الصيني المتزايد في القارة .ولكن بالنظر إلى الفيتو الروسي أو الصيني في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ونفوذ الصين المتزايد في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من ” مشارك إلى صانع للقواعد” وزيادة عدد قواتها وميزانيها حتى أنها ساهمت في تقليل عدد العاملين بحقوق الإنسان في المنظمة، وتعزز باستمرار نموذجها ” السلام التنموي ذات الخصائص الاشتراكية الصينية” والذي يلتزم باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية أو مسار تنميتها، ونفوذها الاقتصادي في القارة، كل هذا يتطلب من الولايات المتحدة وحلفائها إعادة صياغة الكثير من السياسات التي أصبحت لا تتناسب في مواجهة النفوذ الصيني.
وأخيرا، يمكن القول إن تنفيذ الاستراتيجية السابق ذكرها يعتمد بشكل أساسي على مساحة الوقت والأوضاع الداخلية التي تمر بها الولايات المتحدة الامريكية، فالإدارة الحالية تواجه الكثير من التحديات الداخلية، وتحتاج إلى التعامل مع الازمات بشكل سريع وايجابي حتى يتمكن الديمقراطيون الفوز بالجولة القادمة في الانتخابات الأمريكية، كما أن حلفائها يواجهون تحديات كبيرة مع الجائحة والانكماش الاقتصادي. وبالتالي الوقت لن يسمح للإدارة الحالية بالتطبيق السريع والفعال لهذه الاستراتيجية ناهيك عن أن الصين لن تقف صامتة أمام هذه الاستراتيجية التي تقوض مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والأمنية المتزايدة في افريقيا.