كيف يؤثر ترشح “أوغان” و”إنجه” على فرص أردوغان؟
نشرت الجريدة الرسمية التركية، القائمة النهائية لمرشحي الانتخابات الرئاسية المقرر إجراءها في 14 مايو المقبل. ووفقا للجنة العليا لانتخابات في تركيا، فإن قائمة المرشحين تتشكل من رجب طيب أردوغان الرئيس التركي الحالي والمرشح عن تحالف” الجمهور”، وكمال كليتشدار أوغلو زعيم المعارضة والمرشح التوافقي للطاولة السداسية، بالإضافة إلى مرشح تحالف ” أتا ” سنان أوغان، ومحرم إنجه زعيم حزب البلد.
ففى خريطة المرشحين السابق ذكرها، وتحديات الداخل التركي وانعكاسات الخارج، يبقى السؤال، هو: كيف يؤثر ترشح أوغان وإنجه على حظوظ أردوغان وكليتشدار أوغلو؟، وما هي العوامل التي يرتهن إليها المرشحين؟ وأيها يصب في صالح أردوغان، وأيها تضعف حظوظه؟
مشهد ضبابي:
على مستوى الخطاب السياسي، أظهرت _ الحملات _ خلال الأيام الماضية أنها ستكون محتدمة جدا، خاصة وأن حالة الاستقطاب السياسي لم تبقِ أحزاب خارج التحالفين الأساسيين، باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي لما ينطوي علي انضمامه لكلا التحالفين من حساسيات كبيرة، وربما حزب البلد بقيادة محرم إنجه.
ولا شك أن وصول سنان أوغان وإنجه إلى السباق الانتخابي يعني فوزهم بنسبة من الأصوات، فترشح إنجه بالتحديد قد يأتي خصما من الأصوات التي كان من المتوقع أن يحصل عليها كليتشدار أوغلو، ولهذا حاول الأخير مرارا إقناع إنجه بالانسحاب، خاصة وأن إنجه حصل على أكثر من ٣٠٪ من الأصوات في الانتخابات الرئاسية السابقة عام ٢٠١٨، الأمر الذي يعزز من ضبابية المشهد الانتخابي في أنقرة، ويزيد من احتمالات اللجوء إلى جولة ثانية للحسم.
كما يرجح البعض إنه كما أثرتعاون كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بعد ما أبدي الأخير تأييده لكليتشدار أوغلو عقب اجتماع بين زعماء الحزبين، وأدى إلى استقالة ما يقارب ألف عضو من حزب الجيد وانضموا إلى العدالة والتنمية، أن يؤثر أيضا على توجهات الناخبين القوميين المؤيدين للحزب الجيد في التصويت، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية. حيث اعتبر الأعضاء المستقيلون من حزب الجيد أنه إذا كان التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي هو بمثابة طوق النجاة للفوز في الانتخابات، ففي هذه الحالة ستكون الخسارة أشرف بالنسبة لهم.
أضف إلى ذلك،ففئة المترددين ستكون هي الموجه إليها الحملات الانتخابية في الغالب، وبالتالي لايزال الوقت باكرا جدا للحديث عن الحسم.ولكن ثمة مجموعة من النقاط التي قد تحسم هذا التردد؛ فتركيا تشهد دوما نسبة عالية من المشاركة في الانتخابات، ففي كل استحقاق انتخابي يكون هناك ما يقارب من ١٠إلى 15 ٪ من الأصوات المترددة، إلا أن حالة الاستقطاب الأخيرة قلصت هذه النسبة حتى أصبحت لا تتجاوز ٥ ٪ وفقا لنتائج الاستطلاعات، وهي فئة تعتبر غير راضية عن المرشحين عامة. وبالتالي قد يكون البرنامج الانتخابي هو العامل الحاسم، إلى جانب قدرات الحكومة فيما يتعلق بعملية إعادة الإعمار هما أبرز العوامل التي قد تسهم في حسم أصوات المترددين حتى تقارب الصفر قبل ساعات من الانتخابات.
وفي هذا الإطار، يرى محللون أتراك أن هذه الفئة قد تصوت لأردوغان حال تقدمت المعارضة في النتائج خلال الأيام الأخيرة قبيل التصويت النهائي، ليس لأنهم راضين عن أردوغان، ولكنه بالنسبة لهم الخيار الأقل سوءا.
الملف الأبرز:
وفقا للمراقبين، يمكن القول إن الملف الاقتصادي، سيكون هو السبب المباشر في حال خسارة خسارة أردوغان للسباق الانتخابي، حيث شهدت أنقرة خلال السنوات الأخيرة هزات اقتصادية متتالية، أثرت بدورها بالسلب على غالبية المؤشرات الاقتصادية، من ازدياد في معدلات التضخم، وتدهور قيمة العملة المحلية، وأيضا ارتفاع نسب البطالة، وغلاء الأسعار وفواتير الكهرباء والغاز وغيرها.
ولكن بالرغم من أنه هناك سخط شعبي حتى على بعض القرارات الاقتصادية التي اتخذها أردوغان، إلا أن المعارضة لم تقدم برنامجا اقتصاديا بديلا، فهناك تركيز فقط على أخطاء وسقطات الحكومة، وبالتالي لم تحسن المعارضة التركية حتى الآن استغلال هذه النقطة ضد أردوغان، وتقديم برنامج اقتصادي أكثر إقناعا بالنسبة للمواطنين حتى اللحظة.
كما أن فكرة وجود عدد من النواب لرئيس الجمهورية وفقا لاتفاق المعارضة، مع حضور الملف الاقتصادي بصورة ملحة، الذي تحتاج معالجته إلى استقرار داخلي ورؤية موحدة، إلى جانب بعض ملفات السياسة الخارجية، هي نقاط بوجه عام قد لا تأتي في صالح المعارضة في الأخير.
حتى مع امتلاك المعارضة لشخصية مثل علي باباجان الذي وضع بصمة في المجال الاقتصادي حينما كان عضوا في العدالة والتنمية، يبدو أنه ليس هناك رؤية موحدة لمعالجة الملف الاقتصادي. وبالتالي ستبقى سردية القدرة على إقناع المواطنين هي العامل الأكثر حسما في نتيجة الانتخابات.
في حين على الجانب الآخر يحاول أردوغان التأكيد على أن هناك ظروفا موضوعية خارجة عن إرادة الحكومة مثل تداعيات الحرب الأوكرانية والأوضاع الاقتصادية العالمية وأزمة كورونا وغيرها.
وفي الوقت نفسه،يركز أردوغان على سردية اقتصاد الانتخابات مثل تسهيل إجراءات الإسكان ورفع الحد الأدنى للأجور وخفض الجباية والإعفاء من الديون وإعطاء المنح والقروض وتوفير فرص عمل، وغيرها من الوعود التي قد تشجع الشارع على إعطاء أردوغان فرصة ثانية.
رهانات الفوز:
لا شك أن المنافسة في الانتخابات الرئاسية ستكون في الأصل بين زعيمي الحزبين الكبيرين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، حيث من المتوقع أن يخوض أردوغان وكليتشدار أوغلو جولة ثانية من الانتخابات. فوفق ما أعلنته شركة ” ماك ” لاستطلاعات الرأي، فإن إنجه وأوغان قد يتحصلوا على نحو٥٪ من الأصوات، وفي هذه الحالة سيكون الحسم في الجولة الثانية، حتى أن هذا قد يكون السيناريو الأفضل بالنسبة لأردوغان، لأن الأصوات التي صوتت لإنجه وأوغان قد يمتنعوا عن التصويت خلال الجولة الثانية، ما لم ينجح أردوغان في استمالتهم.
وثمة مجموعة من العوامل التي من المتوقع لها أن تكون الأكثر حسما لنتيجة السباق الانتخابي في تركيا، لعل أهمها:
(*) الخطاب الانتخابي: فخلال الأسابيع المقبلة ستكون اللهجة الخطابية ( السردية ) حاسمة إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال؛ سيحاول أردوغان اللعب على إثارة مشاعر السخط لدى المواطنين القوميين بالتحديد بعد اجتماع كليتشدار أوغلو مع زعيم حزب الشعوب الديمقراطي، وعليه أصبح ضمن تحالف الطاولة حتى ولو بشكل ضمني. والمستهدف من ذلك سيكون ناخبي حزب الجيد القوميين الذين يرفضون التعامل مع حزب الشعوب الديمقراطي بأي شكل كان. ومن ناحية أخرى،سيضاعف من التناقضات والانقسامات بين أعضاء تحالف الأمة المعارض.
كما لجأ أردوغان لإثارة تعاطف الجماهير عبر حملة انتخابية ساكنة بعيدا عن الأناشيد والموسيقى والاحتفالات كما هو المعتاد، احتراما لضحايا الزلزال.
فبفضل أسلوبه الخطابي طيلة السنوات الماضية، تحول أردوغان إلى شخصية مؤثرة خارجيا، إلى جانب سجله الداخلي. في حين يركز بقية المرشحين على الوضع الداخلي فقط، رغم اهتمام الشعب التركي أيضا بمكانة تركيا في النظام الدولي ودورها الخارجي.
(*) البرنامج الانتخابي: هذا إلى جانب البرنامج الانتخابي لكل مرشح، فأردوغان مثلا تعهد بمعالجة تداعيات الزلازل في المناطق المتضررة كبناء عشرات الآلاف من المنازل،بعدما فرض الزلزال نفسه كملف أول في الانتخابات. واستخراج الغاز من البحر الأسود، ناهيك عن الترويج المتزايد خلال الفترة المقبلة للصناعات التركية محلية الصنع، كما هو حاصل مؤخرا مع السيارة ” توغ ” التي تعمل بالكهرباء، وكذلك الصناعات العسكرية. إلى جانب وعوده بزيادة الحد الأدنى للأجور، وتخفيض قيمة فواتير الكهرباء والغاز.
أما كليتشدار أوغلو، فقد أعلن أن أولوياته العودة إلى النظام البرلماني، وضمان عودة السوريين إلى بلادهم. في حين تعهد محرم إنجه بضمان حرية الإعلام واستقلالية القضاء، وتطبيق اتفاقية إسطنبول الخاصة بالمرأة، وتحسين الوضع الاقتصادي. أما عن سنان أوغان فقد تعهد بإعادة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم، وتحقيق الاكتفاء الزراعي في تركيا.
(*) التحالفات الحزبية: فالرئيس التركي نظرا لما يملكه من عناصر قوة مثل التحالف الحاكم الذي يقف وراءه والخبرة وسجله الداخلي لديه فرصة كبيرة على المستوى الفردي، لكن فكرة التحالفات وأن كمال كليتشدار أوغلو وراؤه ستة أحزاب زادت من حظوظه أيضا، إلى جانب الدعم الضمني من حزب الشعوب الديمقراطي الذي يستحوذ على قرابة ١٠٪ من الأصوات.
وعليه يمكن القول، أن التحالفات كأرقام ليست في صالح أردوغان، ومع ذلك فإن الشعب التركي لا يخضع كثيرا لحسابات الورقة والقلم، فمن الممكن أن تتغير وجهات النظر خلال ساعات، وبالتالي يبقي سلاح الإقناع هو الأهم في هذا الشأن.
وكمحاولة من أردوغان لتخيف الضغط الذي يصدره التحالف المعارض،نجح تحالف الجمهور أيضا في الحصول على دعم حزب اليسار الديمقراطي باعتباره الحزب اليساري الأول والوحيد الذي يعلن دعمه لتحالف أردوغان، وبذلك قد تضاف شريحة جديدة من الأصوات المؤيدة لتحالف الجمهور وأردوغان، وفي المقابل قد يسعي الحزب اليساري إلى ترشيح بعض قياداته على قوائم العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية. كما يسعى أردوغان لضم وجوه جديدة على قوائمه الانتخابية، كما فعل مؤخرا بعد إعلان ترشيح لاعب كرة القدم السابق مسعود أوزيل عن حزب العدالة والتنمية، استغلالا للشعبية التي يتمتع بها اللاعب في الأوساط التركية.
(*) ملف السياسة الخارجية: فقد اعتاد أردوغان طيلة السنوات الفائتة على إطلاق التصريحات والخطابات الرنانة ضد الغرب، وهو أمر يثير إعجاب الشارع التركي ممن رؤا أردوغان القائد الأنسب لتركيا. على خلاف ما يتصوره الشارع حاليا عن كليتشدار أوغلو وغيره من زعماء المعارضة، بعدما تكررت لقاءاتهم بمسئولين غربيين، كان آخرهم السفير الأمريكي. إلى جانب دور أردوغان في الحرب الأوكرانية وغيرها من الأحداث العالمية التي كان لأنقرة باع كبير فيها.
وختاما، يمكن القول إن طول الفترة المتبقية على إجراء العملية الانتخابية بتركيا، يقلل من يضعف الترجيحات الخاصة بكيفية حسم المعركة الانتخابية، فمازالت هناك تراشقات إعلامية وحملات انتخابية وملفات ستظهر هنا وهناك.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية سوف تتضح السردية الأكثر فاعلية، هل سردية أردوغان التي تفيد بأنه وحكومته القادرين على تجاوز الأزمة، أم سردية المعارضة التي تحمل المسؤولية للحكومة.