قراءة في خطاب بايدن للشعب الأمريكي؟

في الـ 20 من أكتوبر الجاري، أجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن، عقب عودته من إسرائيل، خطابًا للأمريكيين، وصفه مراقبون بأنه كان من أجل حشد الدعم الشعبي لموقف الولايات المتحدة من الحربين في إسرائيل وأوكرانيا.، وأنه يعكس رؤية موسعة للالتزامات الأمريكية في الخارج، في وقت يواجه فيه اعتراضات داخلية للحصول على تمويلات إضافية.

وفي هذا الإطار، يناقش هذا التحليل أهم الخطوط العريضة التي ركز عليها خطاب الرئيس الأمريكي، والهدف منها في هذا التوقيت.

خطاب نادر:

تأتي أهمية هذا البيان بالنظر إلى ندرة الخطابات المباشرة التي يوجهها بايدن للأمريكيين،وفي توقيته اللافت للنظر أيضا، لأنه جاء بعد ساعات من عودته من إسرائيل، وإلغاء قمة الأردن التي كان من المقرر عقدها في اليوم نفسه. الأمر الذي يدعو للتوقف عند أهم الخطوط العريضة التي تطرق إليها بايدن، ومنها:

(*) ملف الأسرى: أكد بايدن أن إدارته تقوم ” ببذل كافة الجهود لإعادة هؤلاء الأشخاص إلى موطنهم”، واعتبر أن ” إطلاق سراحهم أولوية قصوى “،  وفي اليوم التالي مباشرة ( 20 أكتوبر )، تم الإعلان عن إطلاق حماس سراح أسيرتين أمريكيتين بوساطة قطرية. وبالتالي فإن بايدن أراد استباق هذه الخطوة بمطمئنة للشارع في هذا الشأن قد ترفع شعبيته من جديد.

حتى أن إطلاق سراح الأسيرتين الأمريكيتين تحديدا قد يؤشر أيضا لاقتراب موعد الهجوم البري الإسرائيلي، بعد تخوف أمريكي من أن يعرض الهجوم حياه الأسرى الأمريكان للخطر، بعد فشل قوات ” دلتا ” الخاصة على ما يبدو في التوصل إلى مكانهم.

(*) دعم متواصل لإسرائيل: تبنى بايدن نفس الرواية الإسرائيلية فيما يتعلق بحادثة قصف مستشفى المعمداني، وأكد أن ” حادثة المستشفى لم يتم ارتكابها من قبل الإسرائيليين “، كما تعهد بمواصلة الدعم لإسرائيل، والتقدم بمقترح للكونجرس يتضمن مساعدات جديدة لإسرائيل بنحو ١٤ مليار دولار، واعتبر أن أمن إسرائيل من أولويات الأمن القومي الأمريكي.

وقد تكون هذه التصريحات بمثابة ضوء أخضر أمريكي لمزيد من التجاوزات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، بما فيها العملية البرية التي تصر إسرائيل على تنفيذها، حتى ولو كانت هناك خلافات بين الرؤيتين الأمريكية والإسرائيلية حول حدود الهجوم، إلا أن واشنطن في كل الأحوال مضطرة لدعم إسرائيل ومجاراة سُعارها الحالي لاستعادة هيبتها في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، حشد الدعم الشعبي الأمريكي للعملية البرية، فوفقا لاستطلاعات رأي أجرتها شركة سي بي إس الأمريكية، تراجع الدعم الشعبي لإسرائيل عقب قصف مستشفى المعمداني في غزة، لكي يتجنب بايدن فتح جبهة جديدة معارضة لتحركات إدارته الخارجية.

(*) التأكيد على حل الدولتين: الذي اعتبره بايدن الحل الأمثل لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن أجل إحلال السلام في المنطقة. ومع تأكيد كافة المسئولين في المنطقة تقريبا، والمسئولين الغربيين أيضا، على مبدأ حل الدولتين، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي، وكان آخرها قمة مجلس التعاون والآسيان، فقد يكون مؤشرا على أن السعي لتحويل هذا المبدأ إلى واقع هو الخطوة المقبلة، وقد يتم الضغط على إسرائيل للاستجابة في هذا الشأن، عقب انتهاء خطتها الانتقامية في غزة.

(*) تحذير من تدخل أطراف أخرى: وفي هذا الخصوص تحدث صراحة عن إيران، التي اعتبرها ” تدعم روسيا وحماس، ويجب محاسبتها…، علينا أن نفهم أطرافا أخرى عدوة أن إسرائيل قادرة على منع توسع رقعة النزاع “، الأمر الذي اعتبره محللون رسالة رادعة لإيران بعد تهديدات المرشد الأعلى ووزير خارجيتها بإمكانية تدخلها حال استمر العدوان الإسرائيلي على غزة، وبعد مناوشات لإسرائيل من قبل الأذرع الإيرانية في لبنان وسوريا.

التأكيد على وحدة المجتمع الأمريكي: حاول بايدن تلافي خطأه الكبير بتصريحه حول رؤية أطفال إسرائيليين تقطع رؤوسهم من قبل حماس، بالتأكيد على وحدة المجتمع الأمريكي بقوله ” كلكم أمريكان “، كما حث على منع انتشار الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية. وذلك بعد انتقادات داخلية كبيرة تعرض لها بايدن بعد تصريحه ذاك، خاصة وأنه تسبب في حادثة طعن بشعة لطفل من أصل فلسطيني ووالدته قام بها جاره الأمريكي.

كما سعي من ذلك أيضا، للمزايدة السياسية على ترامب منافسه الأول، الذي حاول مؤخرا نشر أفكار متطرفة في المجتمع تصب في صالح كراهية كل ما هو عربي أو مسلم، وتعهد حال عودته للبيت الأبيض بسن قانون لمنع الهجرة إلى الولايات المتحدة، خصوصا المهاجرين المسلمين.

(*) الاستراتيجية الأمنية لواشنطن: وجه بايدن نداء مباشرا للشعب الأمريكي لتأييد موقفه في الحصول على حزم مساعدات جديدة لتمويل الحروب الخارجية التي تمثل أولوية قومية بالنسبة لواشنطن، آخذا في الاعتبار أنها قد تواجه عقبات في الكونجرس الأمريكي الذي لا يزال دون رئيس للأسبوع الثاني على التوالي.

وأشار أنه سيطلب من الكونجرس تقديم المتطلبات الأساسية لإسرائيل وأوكرانيا، وهو ما وصفه بأنه ” استثمار ذكي، سيجعل الجنود الأمريكان بعيدا عن أي أذى “، في إشارة واضحة للاستراتيجية الأمنية الأمريكية التي تدفعها لتمويل حروب تخوضها أطرافا أخرى بالوكالة عنها _ ولو ضمنا _ تجنبا لدخولها في مواجهة مباشرة. هذا الجزئية تحديدا بدت كاستعطاف الشعب الأمريكي، وتخييره ما بين دعم تمويل الحروب الخارجية بدلا من الزج بالجنود الأمريكان في مثل هذه الحروب، خوفا على سلامتهم.

فإسرائيل تحقق لها مصالحها في الشرق الأوسط، وأوكرانيا تستنزف روسيا، وتداعيات الحرب ترهق أوروبا،إلى أن يحين الدور على الصين، وبذلك تنفرد واشنطن بالصدارة.

ماذا عن أوكرانيا؟:

حاول بايدن من خلال خطابه استعادة الزخم لأوكرانيا، بعد أن انشغلت واشنطن بوجه عام بالتطورات في غزة، والحرص على تقديم كافة أشكال الدعم لإسرائيل. خاصة بعد تمرير ميزانية مؤقتة لمدة ٤٥ يوما قبل إقالة مكارثي، ولا تتضمن دعم أوكرانيا.  ومن المقرر لها أن تستمر حتى 17 نوفمبر المقبل.

وبالتالي قد تعمل إدارة بايدن خلال الساعات المقبلة على سن مشروع قانون لإرساله إلى مجلس النواب، يتضمن حزم مساعدات لأوكرانيا إلى جانب إسرائيل، حتى لا يرفضه الجمهوريون، وسيشمل نحو ٦٠ مليار دولار لأوكرانيا و14 مليار دولار لإسرائيل.

وعلى ما يبدو أن بايدن توقع رفض الكونجرس لدعم أوكرانيا من جديد، فأراد أن يكون ظهير شعبي قوي قد يسهم في الضغط على الكونجرس، وهذا حال نجح بايدن أساسا في إقناع الشارع.

فلجأ بايدن إلى تشبيه الهجوم على مستشفى المعمداني بحرب روسيا في أوكرانيا، وأشار إلى أن ” حماس وبوتين يمثلان تهديدا متساويا وكلاهما يرغبان بتدمير دولة ديمقراطية مجاورة”، وأكد أن ” الدعم الأمريكي لأوكرانيا لن يتوقف حتى نجاح إسرائيل وأوكرانيا “. وقد يكون الهدف من ذلك هو غرس فكرة أهمية المساعدات لأوكرانيا مثل إسرائيل، في ظل رفض الاستمرار في دعم أوكرانيا على المستوى الشعبي وفقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، والرسمي أيضا مع استمرار معارضة الجمهوريين لتقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا، حيث يرون أنه من الأولى إعطاء أهمية لتأمين الحدود.

من جهة أخرى، قد يكون الموقف الأمريكي بإعادة إحياء المحادثات حول دعم أوكرانيا، ردا على دعم بوتين لعملية طوفان الأقصى منذ البداية، وتشبيهه لحصار غزة بحصار بلغراد. وفي الوقت نفسه، محاولة لإشغال روسيا عما يدور في المنطقة، بتعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية وتجديد المواجهات بينهم على الأرض.

وذلك، تجنبا لأن تفيق واشنطن على انعقاد قمة عربية روسية مثلا حول القضية الفلسطينية، كما حدث عقب غزوها لأوكرانيا، ومحاولة تحدى الهيمنة الأمريكية على المنطقة، خاصة وان روسيا أعربت في وقت سابق عن استعدادها للتواصل مع الشركاء للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.

جدير بالذكر أن خطاب بايدن استدعى ردا من الكرملين، حيث وصف ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين تصريحات بايدن أنها ” ليست تصريحات تخرج من رئيس دولة ” واعتبرها ” غير مقبولة “.

وفي الختام، تبدو ازدواجية المعايير واضحة في المنطق الأمريكي بالخلط ما بين المحتل وصاحب الأرض لاعتبارات الهوية والمصلحة. فبايدن تجاهل حتى الإشارة لرد الفعل الإسرائيلي الوحشي في القطاع الذي خلف آلاف الضحايا.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى