هل ينجح تمرد “فاجنر” في روسيا؟
![](https://rcssegypt.com/wp-content/uploads/2023/06/قائد-فاجنر-780x470.jpg)
تتجه أنظار العالم خلال الوقت الراهن إلى تطورات التمرد العسكري الذي قام به قائد قوات فاجنر الروسية يافجيني بروغوجين، الذي جاء محصلة لسجال دام لأشهر بين القوات المسلحة الروسية وقوات فاجنر، وهو ما دفع الأخيرة إلى السيطرة على مقر قيادة الجيش الروسي في مدينة روستوف، ومنطقة فورونيج الواقعة على الحدود مع أوكرانيا على بعد 500 كم من موسكو.
ما قمت به قوات فاجنر ومحاولتها السيطرة على بعض المناطق العسكرية، دعا إلى انتفاض السلطات الأمنية والعسكرية الروسية بشكل عاجل، حيث أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب فرض نظام مكافحة الإرهاب في موسكو وفورونيج، وهو قرارمن شأنه أن يعزز من صلاحيات الأجهزة الأمنية من أجل التصدي لتمرد فاجنر.
واستنادا لما تقدم، يناقش هذا التحليل مدى إمكانية نجاح التمرد في تحقيق أهدافه، ومصير قوات فاجنر، ومدى تأثير الحادثة على سير العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
خلافات متكررة:
تفجر الخلاف بين القوات المسلحة الروسية وقوات فاجنر بعد خلافات دامت أشهر، حاول الكرملين التغطية عليها، حيث دعا قائد قوات فاجنر للحشد لمواجهة القادة العسكريين الروس، بعدما اتهم وزير الدفاع الروسي بإعطاء أوامر بقصف قوات فاجنر في أحد معسكراتها في أوكرانيا، ونشر بريجوجين صورا للقصف، الذي أسفر عن مقتل عدد ضخم في صفوف قواته. الأمر الذي دعا الأخير إلى التوعد بالرد من أجل تحقيق العدالة وليس بغرض تنظيم انقلاب عسكري، على حد قوله.
في المقابل، نفت وزارة الدفاع الروسية ما جاء به بروجين، ووصفت الادعاء بـ ” الاستفزاز الإعلامي “، كما أكدت وزارة الدفاع الروسية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مطلع على التطورات الحالية ويجري اتخاذ التدابير اللازمة.
ونتيجة لمثل هذا الحدث النادر في الأوساط السياسية الروسية، التي تتسم بالمركزية في اتخاذ القرار، خرج بوتين خلال الساعات الماضية بخطاب تعهد فيه بأن ” الكرملين سيرد بشكل قوي على التمرد “، ووصف ما قامت به قوات فاجنر بـ ” الخيانة ” الداخلية ويمثل ” طعنة في ظهر القوات المسلحة الروسية “، التي تلقت أمرا بتحييد أولئك الذين نظموا التمرد المسلح.
قراءة وتحليل المشهد الروسي خلال الساعات الماضية يشير إلى أن البيانات التي خرجت من فاجنر رفضت خطاب بوتن، ووصفته بـ ” المخيب للآمال “، حتى تعهد بريجوجين بأنه سيقوم بـ ” إعدام سيرجي شويغو في الميدان الأحمر وسيتم دفنه إلى جانب لينين “، واعتبر أن بوتين بتصريحاته الأخيرة” اختار الطريق الخطأ ” رغم أن المقصود من تمرده، هو وزير الدفاع ورئيس الأركان، ولهذا أكد قائلاً” قريبا سيكون لروسيا رئيس جديد “.
جدير بالذكر أن هذا الخلاف ليس الأول بين بريجوجين و شويغو، فقد بدأ في سوريا في 2016 عندما حاولت قوات فاجنر الاستيلاء على أحد المنشآت النفطية في دير الزور، واتهم خلالها بريجوجين شويغو أنه أعطى الضوء الأخضر للأمريكان بضرب قواته، في معركة خسر فيها أكثر من ٤٠٠ ألفمقاتل.
ومنذ ذلك الحين تتكرر الخلافات بين الرجلين، وكان من ضمنها أيضا اتهام قائد فاجنر لشويغو بأنه المسئول عن الخسائر الذي تتعرض له القوات الروسية حتى الآن في أوكرانيا، بعدما جاء بمبررات غير كافية للهجوم على أوكرانيا. واتهم أيضا وزارة الدفاع الروسية بأنها أعطت أمرا بإخفاء 2000 جثة لمقاتليه في مشرحة.
فرص نجاح التمرد:
قد تكون فرص نجاح التمرد من عدمه متوقفة على موقف الكرملين؛ فإذا تم اتخاذ إجراءات سريعة والتوحد للقضاء على التمرد سيكون احتمال فشل التمرد هو الأقرب، خاصة وأنه من الممكن أن تتدخل وساطات من المقربين من بريجوجين بينه وبين بوتين.أما إذا حدث انقسام في الصف الروسي الداخلي فسيحدث العكس. وفي هذا الصدد، أكد خبراء على أهمية ولاء الحرس الوطني للكرملين، واعتبروه عاملا مفصليا في حسم المعركة لصالح بوتن.
وبالتالي، يمكن القول إن مصير قوات فاجنر أو الحكم على مدى نجاحها من فشلها في تحقيق ما توعد به بريجوجين، هو مدى وحدة المؤسسات الروسية بأكملها.
فضلا عن ذلك، فإن الوضع الحالي قد يحتم على بوتين الاختيار ما بين رجلين يعتبر أحدهما ذراعه اليمنى، وهو شويغو الذي يتم الحديث عنه بأنه خليفة بوتن. والآخر اليسرى، حيث يعتمد بوتين على بريجوجين في مناطق النفوذ الخارجية، إلى جانب دوره الحاسم في معركة باخموت. ناهيك عن حسابات الرأي العام، فمن المرجح أن ينعكس الأمر بشكل ما على مزاج الشارع الروسي نظرا لشعبية الرجلين.
وبالنظر إلى المعطيات الراهنة، يبدو أن الرئيس الروسي اختار دعم وزير دفاعه سيرجي شويغو، بعدما اتهم بروجين بالخيانة، واستنفر المؤسسات الأمنية والعسكرية من أجل القبض على بروجين وداعميه. فمنذ الآن سيصعب على بوتن التوفيق والموازنة بين شويغو وبريجوجين كالسابق.
وبالتالي سيكون قرار استبعاد بريجوجين وإعادة إحكام السيطرة على قوات فاجنر بأي وسيلة، هو الخيار على الأقل خسائر بالنسبة لبوتين، بالذات بعد تمرد بروجين وتصريحاته العدائية المتكررة، التي من شأنها أن تجعل الكرملين والمؤسسة العسكرية في حالة تهديد دوما، وفي ظل احتدام الحرب الأوكرانية التي تصعب على بوتين التخلي عن وزير دفاعه.
حتى أن تعهد بريجوجين بإعدام سيرجي شويغو في الميدان الأحمر ودفنه إلى جانب لينين، هي تصريحات أبعد ما تكون عن الواقع، في ظل القوة التي يمتاز بها الجيش الروسي، والمركزية التي تتمتع بها عملية صنع القرار في روسيا، وبالتالي كلها معطيات تصعب على قائد فاجنر حسم الأمور لصالحه، إلا حال توصل إلى تسوية ما مع الجيش والكرملين.
وبعد تخطي هذه المرحلة، قد يلجأ بوتين لتأميم شركة فاجنر، أو إسنادها إلى رجال موثوقين بالنسبة إليه، وهو الاحتمال الأقرب، لأن هذه القوات تعتبر جهة غير رسمية، توظفها الحكومة الروسية في مناطق نفوذها في عدة بقاع من العالم، مثل سوريا وليبيا والسودان وغيرها. وحتى تتم استعادة السيطرة على قوات فاجنر، قد تتم الاستعانة بقوات شيشانية على سبيل المثال، سواء داخل روسيا أو في أوكرانيا.
تأثير محدود:
بالنظر إلى الوضع الحالي في روسيا، فهو أخطر ما وصلت إليه الأمور، لأن الخلافات السابقة كان يتم الترويج لها على أنها نوع من المناورة بين الطرفين، تتحول بعد ذلك إلى مكاسب على الأرض في أوكرانيا. وواقعيا، فإن أخطر ما تواجهه الدولة هو الخلافات الداخلية في وسط معركة خارجية، بالذات وأن روسيا تواجه هجوما مضادا من قبل القوات الأوكرانية منذ الرابع من يونيو الجاري.
وعليه، من المتوقع أن تترك هذه الحادثة تأثيراتها على وضع القوات الروسية في أوكرانيا بوجه عام، بسبب حالة البلبلة في الداخل، والاختيار الصعب لبوتين بين كلا الرجلين، وتحديد القوات المسلحة الروسية وقوات فاجنر لأولوياتها، بشأن ما إذا كانت ستقاتل لحسم معركة الداخل أم أنها ستواصل القتال في أوكرانيا للحفاظ على مكاسبها ومحاولة تحقيق المزيد، وهو في حد ذاته أمرا مربكا من الناحية العسكرية.
وبطبيعة الحال لن يؤدي التمرد وجهود مواجهته من الحكومة إلى وقف القتال في أوكرانيا، بل إنه قد يسفر عن تراجع روسي نوعا ما في أوكرانيا لحين حسم المعركة الداخلية على وجه السرعة بالنسبة لبوتين، حتى لا تستغلها الدول الغربية ضد روسيا، وحتى لا تعطي أيضا دفعة إلى القوات الأوكرانية على الأرض.
ورغم ذلك لا يمكن الجزم بمدى تأثير التمرد العسكري الحاصل الآن في روسيا على سير العملية العسكرية في أوكرانيا، إلا أنه من المرجح واقعيا أن يؤثر في فاعلية التحركات الروسية على أرض المعركة.
في النهاية، يمكن القول إن الفترة المقبلة ستشهد على مرحلة جديدة فيما يخص تطورات الحرب الأوكرانية، لأن هذه الحادثة يتوقع أن تترك صداها على الصعيد الداخلي الروسي، ومن الممكن أن نلمس أياد خارجية حال تأخر حسم القوات المسلحة لمعركتها مع قوات فاجنر.