لماذا تتسع ظاهرة قيادة النساء لدوائر صنع القرار؟

خلال السنوات العشر الأخيرة، وجدت المرأة على مستوى العالم _ والقارة الأوروبية بالتحديد _ طريقها إلى مناصب هامة وحساسة في السلطة، بل والوصول إلى أعلى مناصب السلطة التنفيذية، ونجحن في إدارة الأمور بشكل جيد ومختلف كثيرا عن الرجال.

وتأسيسا على ما تقدم، يحاول هذا التحليل رصد أهم السيدات اللاتي تولين مناصبا قيادية في المجال السياسي، والظروف التي أتاحت لهن الفرصة لإثبات جدارتهن، وأهم نقاط القوة التي تميز القيادة السياسية النسوية عن الرجال.

نماذج قيادية:

ثمة مجموعة من النماذج الأنثوية التي نجحت في الوصول إلى أعلى المناصب في السلطة السياسية، وأثبتت جدارتها في القيادة، أهمها؛ الألمانية أورسولا فون دير لاين رئيس المفوضية الأوروبية، وكريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي، والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا.

كما تشغل نيكولا ستورجن منصب رئيس الوزراء في إسكتلندا، وإليزابيث بورن رئيسة الحكومة في فرنسا، كما تتولى ميتي فريدريكسن منصب رئاسة الوزراء في الدنمارك. وفي إستونيا تشغل كايا كالاس منصب رئيس الحكومة أيضا، ورئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني، وماجدالينا أندرسون رئيسة وزراء السويد، كما تولت سالومي زورابيشفيلي رئاسة جورجيا.

وغيرها الكثير من الدول الأوروبية التي شغلت فيها النساء منصب القيادة السياسية، مثل النرويج وإستونيا وآيسلندا وليتوانيا.

ناهيك عن وجود شخصيات نسائية تتزعم الجهود المعارضة للحكومة في العديد من الدول، مثل ميرال أكشينار زعيمة حزب الجيد المعارض في تركيا، والملقبة بالمرأة الحديدية. ومارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المعارض في فرنسا، وكانت أقوي منافسي ماكرون في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ولم تكن القارة الأفريقية بمعزل عن هذا الزخم، فقد تولت نجلاء بودان رئاسة الوزراء في تونس. وأصبحت أمينة غريب فهيم أول رئيسة أفريقية لموريشيوس حتى ٢٠١٨. وشغلت نوسيفيوي مابيزا نكاكولا منصب رئيسة البرلمان في جنوب أفريقيا. كما تولت سهلورق زودي رئاسة إثيوبيا.

والعام الماضي تصدرت مجموعة من السيدات التي تعمل في المجال السياسي قائمة أقوى نساء العالم لعام 2022، جاء على رأسها رئيس المفوضية الأوروبية التي أسهمت في بقاء الاتحاد الأوروبي موحدا رغم تداعيات الحرب الأوكرانية. وبعدها رئيسة البنك المركزي الأوروبي التي تتواصل جهودها لخلق توازن بين خفض معدلات التضخم واستمرار الدعم لأوكرانيا ومعالجة أزمة الديون المتوقعة خلال الفترة المقبلة.

وأيضا كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي، إلى جانب جورجيا ميلوني رئيس الوزراء الإيطالية باعتبارها المرأة الوحيدة التي تقود دول مجموعة ال20. بالإضافة إلى المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا التي تلعب دورا أيضا في تقديم المساعدات المالية رغم المخاوف من أزمة الركود العالمي. وتساي إنج وين رئيسة تايوان في ظل صمودها إزاء التهديدات الصينية. وأيضا نانسي بلوسي ورئيسة الكونغرس وزعيمة حزب المحافظين السابقة، وجاستيندا أرديرن رئيسة وزراء نيوزيلندا.

ووفقا لتقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري  فإن ١,٣ مليار وظيفة تشغلها النساء حول العالم في عام 2022. كما أشار التقرير  إلى زيادة عدد الدول التي تشغل بها النساء مناصبا قيادية. ففي بداية عام 2023، كان هناك 15 دولة تقودها النساء، حيث انتخبت إيطاليا وهندوراس أول رئيسات لهما في عام 2022، ووصل عدد الدول التي تشغل المرأة أعلى منصب في السلطة التنفيذية بها إلى 59 دولة منذ عام 1960، وكانت ال15 سنة الماضية قد شهدت تزايدا لافتا في عدد النساء اللائي تولين أعلى مناصب الدولة.

ظروف مواتية:

فيروس كورونا: الجائحة التي عطلت العالم ووسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء | أخبار الأمم المتحدة

فقد أظهرت مجموعة من المستجدات على الساحة الدولية الأفضلية التي تمتعت بها بعض الدول التي قادتها النساء خلال السنوات الأخيرة، لعل أبرزها:

جائحة كورونا: حيث أظهرت أزمة فيروس كورونا عن قوة وملائمة القيادة الأنثوية في مواجهة تداعيات الفيروس على مستوى العالم، بالنظر إلى أن نجاح إجراءات مكافحة فيروس كورونا تتطلب جانبا من الموضوعية والتعاطف والقدرة على التواصل المستمر حول الأزمة، وهي صفات يفتقدها القادة الرجال الذين اعتادوا على نماذج الحكم التقليدية الآمرة والجامدة. هذا إلى جانب سرعة اتخاذ القرار والتواضع والشفافية، وهي من أهم الصفات القيادية التي أسهمت في التصدي لتداعيات الوباء.

واتساقا مع هذا الطرح، توصلت دراسة بريطانية صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي في يوليو 2020، أن الدول التي قادتها النساء في تلك الفترة هي من حققت أفضل النتائج في إطار مواجهة الفيروس وتداعياته، من خلال مقارنة مدى نجاح الإدارة الصحية في ١٩٣ دولة، وانتهت الدراسة إلى أن ١٩ دولة تقودها النساء حققت أفضل النتائج، على غرار ما حدث في ألمانيا إبان فترة حكم إنجيلا ميركل، ورئيسة الحكومة النيوزلندية جاستيدا أرديرن، وتساي إنج وان رئيسة تايوان، وسان مارين رئيسة وزراء فنلندا.

الحرب الأوكرانية: فقد أوضحت الحرب الأوكرانية أن الدول التي تقودها النساء هي الأقل تضررا من تداعيات الحرب. فعلى سبيل المثال، إيطاليا التي تقودها اليمينية جورجيا ميلوني لم تندفع كثيرا كغيرها من الدول الأوروبية في دعم كيف، مما قد يؤثر سلبا على اقتصادها ومخزونها العسكري. وفنلندا أيضا، التي استفادت من الأزمة الأوكرانية من خلال تقدمها بطلب لعضوية حلف الناتو كحل استباقي تجنبا لأي عدوان روسي في المستقبل، ودون الدخول في شد وجزم مع الروس، كما نجحت في التوصل إلى اتفاق مع تركيا مؤخرا حتى توافق الأخيرة على طلب فنلندا بالانضمام إلى الناتو. وكذلك النرويج التي لم تنخرط عسكريا في الأزمة، بل عملت على الاستفادة من تداعيات الحرب وزيادة مبيعاتها من الطاقة.

بينما الدول التي يقودها الرجال كانت الأكثر اندفاعا نحو الانخراط في الحرب ودعم أوكرانيا، الأمر الذي أسفر عنه تداعيات سلبية على المستوى الداخلي في مجالات شتى، كما حدث في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي أغرقتها الاحتجاجات الشعبية التي صاحبت ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار نتيجة لأزمة الطاقة.

نقاط قوة:

القيادة النسائية الفعالة

يبدو أن القيادة النسوية تملك العديد من المميزات مقارنة بالقادة الرجال، لعل أبرزها:

  1. القدرة على التفاوض بشكل أفضل، لأن النساء يجمعن بين التعاملات المجتمعية والمرونة بما يقوي من مهارتهن التفاوضية إلى حد كبير مقارنة بالرجال، وهو الطرح الذي دعمه تقرير لمؤسسة ( SCIKEY ) للأبحاث. وكمثال على ذلك، المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي حافظت على شعرة معاوية مع روسيا رغم الخلافات التي جمعتهما، وإبقاء علاقاتها بواشنطن وموسكو على نحو متوازن من أجل مصلحة بلدها، على خلاف الموقف المندفع للمستشار الألماني الحالي تجاه روسيا.
  2. كما يتفوقن في الجانب التنظيمي وتطوير المواهب والاهتمام حتى بالحالات الفردية، على اعتبار أن النساء هن أمهات في الأصل ومسؤولات عن تربية الأبناء، وبالتالي فإن من يعملون تحت إمرتهم يؤدون بشكل أفضل من نظرائهم ممن يعملون مع القادة الرجال. ولهذا تعتبر القيادة النسوية هي الأكثر تشجيعا لتطور المرؤوسين أكثر من الرجال، خاصة وأنها تتميز بوجود عناصر مثل الإلهام والتحفيز والتواصل بقوة وبناء العلاقات والعمل الجماعي.
  3. كما أن القيادة النسوية لديها قدرة أفضل على إدارة الصراعات، في ظل قدرتها على التواصل والتفاوض والتوصل إلى حلول طويلة الأمد من منطلق خبراتها الاجتماعية أيضا. وقد أثبتت إحدى الدراسات في هذا الصدد أن النساء أكثر قدرة على إدارة الأزمات بالنظر إلى النتائج الإيجابية التي شهدتها العواصم التي تقودها النساء.
  4. الخطاب العاطفي الذي يلعب دورا ملموسا في إقناع الجماهير، والذي تجلى بصورة واضحة خلال أزمة كورونا، باعتباره قائم على لهجة تحث على التكاتف والتضحية كأسباب للاستقرار وتجاوز الأزمات، وهو ما اعتمد عليه خطاب رئيسة الوزراء النيوزلندية خلال جائحة كورونا. حتى إنه نتيجة لنجاح هذه الطريقة بدأ الكثير من القادة الرجال في استخدامها أمثال جو بايدن، رجب طيب أردوغان الذي يعتمد أساسا على الخطاب العاطفي، و جاستين ترودو الرئيس الكندي.
  5. كما جمعت السيدات الناجحات في الحياة السياسية بين الجرأة والمباشرة والشفافية، وليس أدل على ذلك من مواقف جورجيا ميلوني التي أعلنت رفضها للعديد من القيم الغربية مثل زواج المثليين والموت الرحيم والإجهاض، كما انتقدت التقاعس الأوروبي في مساعدة بلادها إبان فترة كورونا، وأي محاولة للتقليل من بلادها وشعبها، ولهذا كثيرا من كانت تجمعها مشادات كلامية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

دلالات هامة:

ارتفاع نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية، لكن تحقيق التكافؤ بين الجنسين قد يستغرق قرنا | أخبار الأمم المتحدة

واستنادا لما تقدم، جاء انتشار ظاهرة القيادة النسوية نتيجة طبيعية للاهتمام العالمي بحقوق المرأة وإعادة تمكينها، وفي ظل تزايد الاهتمام بتعليم المرأة وتحسين وضعيتها في المجتمع، وكذلك ارتفاع معدل المشاركة السياسية للمرأة، مما أدى في مجمله إلى اقتحام القيادة النسوية المشهد السياسي بقوة.

كما يتضح أن الدول التي تقودها النساء هي الأكثر استقرارا على المستوى السياسي بالتحديد، وتكاد تخلو من الاضطرابات السياسية والاحتجاجات الشعبية، نتيجة لاقتران صبغة الاستبداد بالقادة الرجال، أضف إلى ذلك أن القيادة النسوية غالبا ما تتسم بالشفافية والوضوح مما يزيد من مقدار الثقة بها.

ففترة إنجيلا ميركل في ألمانيا على سبيل المثال تعتبر من أكثر الفترات استقرارا في ألمانيا، رغم أنها شهدت واحدة من أعتى الأزمات ( فيروس كورونا )، والأمر نفسه تقريبا بالنسبة إلى سان مارين رئيسة وزراء فنلندا التي تحظى ثقة كبيرة من جانب الرأي العام رغم صغر سنها، بعدما نجحت في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كتحسين الصحة والتعليم والمياه والطاقة وتخفيف حدة الفقر وعدم المساواة، وفقا لتقرير الأمم المتحدة لعام ٢٠٢١، وأصبحت الأولى في هذا الشأن. كما استطاعت رئيسة الوزراء النيوزلندية تشكيل حكومة متنوعة عرقيا ومستقرة في واحدة من أكثر الدول تنوعا عرقيا.

كما أن وجود العنصر النسائي في الحكومة قد يجلب لها المؤيدين في الشارع، خاصة من النساء في ظل تزايد نسب تعليم المرأة، وهو ما فعله ماكرون عندما اختار إليزابيث بورن لرئاسة الحكومة لكي يعينه على الفوز بالانتخابات البرلمانية، وهو ما حدث بالفعل. والأمر نفسه فعله قيس سعيد بتولية نجلاء بودان أيضا منصب رئيسة الوزراء لتخفيف حدة انتقادات الشارع والساسة له.

ومن ثم فإن نجاح القيادة النسوية في دولة ما يشجع الدول المجاورة على انتخاب السيدات على رأس السلطة أو غيرها من المناصب القيادية، وتقريبا يعد هذا العامل الأهم في انتشار ظاهرة القيادة النسوية نوعا ما خلال السنوات الأخيرة، بل وزيادة مستوى الرضا الشعبي عنها.

وختاما، يبدو أن الاهتمام العالمي بتمكين المرأة أسهم في تقلدها مناصب قيادية في مناطق شتى، وباختلاف درجة التطور الثقافي والاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك، فلم تصل درجة مشاركة المرأة في عملية صنع القرار أو توليها لمناصب حساسة في سلطات الدولة الثلاث إلى المستوى المطلوب، الأمر الذي يثير العديد من إشارات الاستفهام عما إذا كان لعامل الثقة بالنفس دور في التراجع الأنثوي مقارنة بما هو متوقع، ومدى ترسخ الأفكار التقليدية عن طغيان الرجل وملائمته للمناصب القيادية، حتى وإن لم يكن لديهم المؤهلات الكافية لذلك.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى