تأثيرات مرتدة.. تداعيات حرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي

أميرة محرم-باحث متخصص في الاقتصاد الدولي

شنت كتائب القسام التابعة لحركة حماس في 7 أكتوبر الجاري عملية عسكرية على إسرائيل فيما يسمى بعملية “طوفان الأقصى”، حيث توغل عناصر المقاومة الفلسطينية لمستوطنات غلاف غزة وإطلاق ما يزيد عن (5) آلاف صاروخًا في اليوم الأول، وأسفرت العمليات وفق مزاعم الجانب الإسرائيلي عن مقتل (1400) شخصًا، لتدفع سلطات الاحتلال بتنفيذ ضربات جوية متواصلة على قطاع غزة، كما أدى استمرار المواجهات والتصعيد إلى توجيه ضربات إلى مطاري دمشق وحلب الدوليين في سوريا، والاشتباك مع “حزب الله” جنوب لبنان، وقامت إسرائيل في 27 أكتوبر الجاري بتوسيع الهجوم وتنفيذ توغل بري محدود بشمال قطاع غزة بعد انتهاء المهلة التي وافقت عليها لمنح الولايات المتحدة الوقت الكافي لتتمكن من إرسال الدفاعات الصاروخية إلى المنطقة. ويمكن القول إن هذه الحرب التي خاضتها دولة الاحتلال لها تأثير كبير على اقتصادها الذي يحتل المرتبة (26) كأكبر اقتصاد في العالم خاصة في ظل تنامي احتمالات اتساع رقعة الصراع مع دول أخرى.

خسائر متفاقمة

ثمة العديد من التداعيات الناتجة عن تفاقم الحرب الدائرة في قطاع غزة على الاقتصاد الإسرائيلي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهي التداعيات التي تتمثل فيما يلي:

(*) ارتفاع التكلفة المباشرة للحرب على قطاع غزة: والتي تقدر وفقًا لوزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش” بنحو مليار شيكل (246 مليون دولار) يوميًا؛ وقد أشار المسؤول في تصريحات رسمية في  18 أكتوبر الجاري بأن ميزانية عام 2022/2023 لابد من تعديلها لكونها لم تعد مناسبة بعد الحرب على غزة، حيث تكبد الاقتصاد الإسرائيلي في أول أسبوع من التصعيد خسائر نحو (1.15) مليار دولار وفقاً لتصريحات جمعية المصنعين الإسرائيلية، وبحسب التقديرات فإن خسائر إسرائيل قد ترتفع إلى (7) مليارات دولار خلال أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، فيما يتوقع أيضًا أن يتخطى عجز الموازنة العامة (20) مليار دولار عام 2024.

(*) وضع تصنيف الديون السيادية الإسرائيلية الطويلة الأجل قيد المراجعة تمهيداً لاحتمال خفضه؛ حيث أعلنت وكالتا “موديز وفيتش” أنه بتزايد خطر اتساع النزاع الحالي في إسرائيل ليشمل اشتباكات عسكرية واسعة مع جهات فاعلة عديدة لفترة طويلة سيحتم خفض التصنيف الائتماني، هذا وقد قامت وكالة “فيتش” بوضع علامة الدين السيادي لإسرائيل الطويل والقصير الأجل بالعملات الأجنبية والمحلية تحت المراقبة السلبية. الأمر الذي يجعل التصنيف الائتماني لإسرائيل يواجه إمكانية التخفيض للمرة الأولى على الإطلاق مع ارتفاع تكلفة التأمين على السندات التي تعكس تسعير أسواق الدين لهذه الاحتمالية، فقد ارتفعت تكلفة تأمين السندات الإسرائيلية ضد التخلف عن السداد المحتمل بمقدار (45) نقطة أساس هذا الأسبوع إلى (104) نقطة أساس وهو أعلى مستوى في عشر سنوات، مما يجعلها أكثر تكلفة من تكلفة التأمين على ديون دول مثل بيرو، المصنفة بثلاث درجات أقل من تصنيف إسرائيل والهند المصنفة بخمس درجات أقل من إسرائيل التي تحمل أدنى تصنيف ضمن الفئة الاستثمارية بحسب وكالة “موديز”، وتحمل أدنى تصنيف ائتماني من قبل ذات الوكالة.

(*) هبوط الشيكل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق أمام الدولار؛ حيث كان مؤشر “TA-35” مستقرًا عند مستوى (1830) نقطة في بورصة “تل أبيب” في 5 أكتوبر الماضي، بيد أنه قد تراجع بعنف ليصل إلى (1651) نقطة في 15 أكتوبر، قبل أن يتحسن قليلاً إلى (1669) نقطة مع إغلاق السوق في 19 أكتوبر، وقريبًا قد يصل إلى أقل من أدنى مستوى في (52) أسبوع ليسجل (1650) نقطة. وحتى الآن، فإن المؤشر متراجع على أساس سنوي بنسبة (12.43%).

ولا يزال الشيكل على مستوى سوق العملات يعاني من تراجعه الكبير مقابل الدولار الأميركي، حيث انحدر إلى مستوى أكثر من 4 شيكل للدولار، وهو متراجع بنحو (12.75%) على أساس سنوي. ويتجه نحو تسجيل أدنى أداء سنوي منذ أكثر من 20 عاماً، وذلك بعدما تراجع لأدنى مستوى في 8 أعوام، ويأتي تراجع الشيكل رغم بدء “بنك إسرائيل” ضخ ما يصل إلى (45)مليار دولار بالسوق المحلية، للحفاظ على استقراره، وتلبية أي طلب متزايد على الدولار، يتضمن بيع (30) مليار دولار وتخصيص (15) مليارًا إضافية من خلال أدوات المبادلة، بهدف تقليل تقلبات العملة.

(*) انخفاض توقعات النمو الاقتصادي لإسرائيل إلى (2.3%) خلال العام الجاري: وذلك مقابل توقعات سابقة تقدر بنحو (3%)؛ فوفقًا لتوقعات بنك “هبوعليم” فإن الحرب مع حماس ستكلف إسرائيل ما لا يقل عن (27) مليار شيكل (6.7 مليار دولار)، نتيجة استدعاء جنود الاحتياط للخدمة لفترة طويلة وتأثير ذلك على سلاسل التوريد. وتشير التقديرات إلى أن تكاليف الحرب الحالية ستبلغ ما لا يقل عن (1.5%) من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعني زيادة في عجز الموازنة بما لا يقل عن (1.5%) من الناتج المحلي الإجمالي في المستقبل.

(*) تأثر صناعة التكنولوجيا المتطورة في البلاد؛ حيث تواجه صناعة التكنولوجيا في دولة الاحتلال أزمة تنعكس سلبًا على اقتصاد البلاد، مع تجنيد عدد كبير من الإسرائيليين الذين يعملون بهذا المجال في الخدمة العسكرية، فقد تم استدعاء ما بين (10%) إلى (15%) من العاملين بالشركات الكبرى بالبلاد للخدمة الاحتياطية، كما يتم تحويل التمويل من الشركات إلى مساعدة سكان المناطق التي تم إخلائها، وتوفير المعدات للجيش الإسرائيلي، والأنشطة التطوعية المختلفة التي تجري في البلاد. ويشار إلى أن دولة الاحتلال لها تأثير كبير على صناعة رقائق الكمبيوتر عالميًا، إذ أنها واحدة من البلدان القليلة خارج شرق آسيا التي تُصنع وتُطور الرقائق، وأبرز شركة في مجال أشباه الموصلات هي “إنتل”، والتي تقع في مستوطنة كريات جات على بعد 30 دقيقة فقط من حدود غزة التي تعمل في إسرائيل منذ ما يقرب من 50 عامًا، وتوظف أكثر من (12) ألف شخص في(5) مقار رئيسية، ومن ثم فإن حربًا طويلة الأمد يمكن أن تؤدي إلى تأخير مشروعات تكنولوجية مهمة، ويؤثر بالتالي على هذه الصناعة عالميًا على المدى البعيد.

كما يتوافر بإسرائيل أيضًا مركز تطوير “إنفيديا”، حيث تصنع الرقائق لأنظمة الذكاء الاصطناعي، في يوكنعام، والتي تقع على الحدود الشمالية مع لبنان. والذي تم تجنيد حوالي (12%) من موظفيه البالغ عددهم (3300) في إسرائيل بالخدمة العسكرية الاحتياطية.

(*) انخفاض عائدات تصدير الغاز: وذلك نتيجة إغلاق حقل الغاز الرئيسي “تمار” الذي يقع على بعد 24 كيلومتر غرب “عسقلان”، شمال قطاع “غزة”، وتديره شركة “شيفرون”، ويتم استخراج الغاز من 6 آبار، ويتراوح إنتاج كل واحدٍ منها ما بين (7.1) و(8.5) مليون متر مكعب يوميًا، وفقًا لبيانات شركة “شيفرون”. وأعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية في 9 أكتوبر 2023 أنها علقت الإنتاج مؤقتًا من حقل غاز تمار البحري قبالة ساحلها الجنوبي، وستبحث عن مصادر وقود بديلة لتلبية احتياجاتها، وذلك في أعقاب الهجوم العسكري الذي شنته حماس على إسرائيل، حيث أكدت شركة “شيفرون” أنها تلقت تعليمات من وزارة الطاقة الإسرائيلية بوقف العمليات في تمار، وهو مصدر رئيسي للغاز اللازم لتوليد الكهرباء والصناعة في دولة الاحتلال.

مسارات محتملة

ثمة العديد من المسارات المحتمل حدوثها بشأن تأثير الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس على الاقتصاد الإسرائيلي إذا طال أمد الحرب، وهي المسارات التي يمكن استعراضها كما يأتي:

(&) انخفاض العملة؛ والذي يضع بنك إسرائيل في مأزق، فمن ناحية من المرجح أن تتعرض لضغوط لتحفيز الاقتصاد من خلال خفض تكاليف الاقتراض في مواجهة صدمة النمو، بينما من ناحية أخرى، ستكون حذرة من أن يؤدي ضعف العملة إلى قفزة في أسعار السلع المستوردة.

(&) تضرر المصانع جراء الهجمات الصاروخية وانخفاض الأرباح: وكذلك إلغاء الصفقات وإلغاء الرحلات الجوية والتي من المتوقع تقدير خسائرها عقب انتهاء الحرب المندلعة، هذا ما وضحته جمعية المصنعين الإسرائيلية.

(&) استنزاف سمعة وثقة الاقتصاد الإسرائيلي، هذا ما يدفعها للحاجة لأعوام لاستعادة ثقتها الاقتصادية، وجلب المستثمرين المحليين والأجانب من تنامي خطر الصراع في المنطقة.

(&) انكماش الاقتصاد الإسرائيلي: بنسبة (5%) في ‏الربع الرابع من هذا العام مقارنة بالربع الثالث، رغم توقعات سابقة لستاندرد آند بورز أن ينتعش في أوائل عام ‏‏2024.

(&) تأثر إمدادات الغاز الإسرائيلي المُصدر: حيث قررت شركة “شيفرون” والتي تدير حقلي “تمار” و”ليفياثان” في إسرائيل وقف العمل بالحقل الأول، وتوجيه إنتاج الحقل الثاني إلى خط الغاز العربي عبر الأردن بدلاً من خط أنابيب غاز شرق المتوسط.

وختامًا يمكن القول؛ إن الهجمات الجنونية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة والعمليات العسكرية في القطاع وعلى الحدود اللبنانية أضافت أعباء كبيرة ليست نفسية ولوجستية فحسب، بل تكاليف اقتصادية باهظة تستنزف الموارد البشرية والمالية على حدٍ سواء، وقد يكون الأخطر من ذلك استنزاف السمعة التي تهاوت ومعها معنويات المستثمرين المحليين والأجانب، ما أثر سلبًا على الاقتصاد الإسرائيلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى