حدود الوساطة الصينية في أزمة النيجر

تعد أزمة النيجر جزء من موجة عدم الاستقرار السياسي التي تجتاح منطقة الساحل الإفريقي على مدى السنوات الثلاث الماضية، حيث تتمتع بكين بمصالح اقتصادية واسعة النطاق في هذه المنطقة. فمنذ عام 2020، حدثت انقلابات في بوركينا فاسو وغينيا ومالي وتشاد والسودان ودول أخرى. وهذه هي البلدان التي تتمتع فيها الصين بمصالح اقتصادية وتقوم بتوسيع خططها التجارية والاستثمارية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات من خلال مبادرة الحزام والطريق. وبالتالي، فإن الانقلاب في النيجر قد يفرض تحديات إضافية على الاستثمارات الصينية في المنطقة. فمنذ الانقلاب العسكري الذي أعلنه الجنود النيجيريون على شاشة التلفزيون الحكومي للإطاحة بحكومة الرئيس محمد بازوم، أعربت الحكومة الصينية عن قلقها إزاء الوضع في النيجر، مع استمرارها في دعوة كافة الأطراف المعنية إلى الانطلاق من مصلحة البلاد والشعب وحل الخلافات سلميا عبر الحوار.

وفي الأمس، استقبل رئيس مجلس الوزراء علي محمد الأمين الزين بمكتبه سفير جمهورية الصين لدى النيجر السيد جيانغ فنغ، والذي قال إن “الحكومة الصينية تعتزم القيام بدور المساعي الحميدة، ودور الوسيط، مع الاحترام الكامل لدول المنطقة، والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.”

تأسيسا على ما سبق، يبقى السؤال وهو: ما هي المصالح الصينية في النيجر وتأثير الانقلاب العسكري في النيجر على هذه المصالح، وما هي حدود الوساطة الصينية في الأزمة؟.

المنظور السياسي.. دور الصين في انقلاب النيجر:

إن تأثير الانقلاب في النيجر على الصين ليس واضحا، بل وربما يكون له تأثير إيجابي على الصين على المدى الطويل إذا تقلص الدور الفرنسي. فعلي الرغم من أن الرئيس المخلوع بازوم مؤيد للصين، سواء عاد إلى السلطة أم لا، فإن الصين، باعتبارها شريكا مهما للنيجر، ستحافظ على موقف مستقر بعد الانقلاب. والواقع أن الصين أصبحت في الأعوام القليلة الماضية الشريك التجاري الأكبر للنيجر، وانخرطت بشكل كبير في الاستثمارات في النيجر، وشاركت الشركات الصينية في بناء البنية التحتية وتطوير الطاقة والزراعة وغيرها من المجالات في النيجر في إطار استراتيجية “الخروج” التي تنتهجها الشركات الصينية في سياق مبادرة الحزام والطريق. وبغض النظر عن الكيفية التي يتغير بها النظام، فإن مصالح الصين في النيجر تحظى بحماية جيدة.

ومن منظور آخر، فإن كبار الضباط في جيش النيجر تلقوا تدريباً عسكرياً في الصين ولديهم تقارب طبيعي مع الصين. وكانت النيجر قد اشترت كمية كبيرة من المعدات العسكرية الصينية، بما في ذلك طائرات بدون طيار متطورة مثل Rainbow-4 وWing Loong 2.

 وهذا يوفر أيضاً أساساً قوياً للصين للحفاظ على علاقات جيدة مع النيجر بعد الانقلاب. ومن المرجح أن تنخرط الحكومة العسكرية في تعاون متعمق مع الصين، خاصة في المجالين الأمني ​​والعسكري. بالإضافة إلى ذلك، لدى الصين ونيجيريا أيضاً مصالح متقاربة في الشؤون الدولية فيما يتعلق يتغير النظام الدولي، ولن يكون للانقلاب في النيجر تأثير سلبي على الصين.

المنظور الاقتصادي والاستراتيجي.. مصالح الصينية في النيجر:

تتمتع النيجر بأهمية اقتصادية واستراتيجية كبيرة بالنسبة للصين. فالنيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في أفريقيا وثالث أكبر مورد لفرنسا، وتمتلك موقع استراتيجي بالنسبة لفرنسا. ومع ذلك، فإن موارد اليورانيوم في النيجر لها أيضًا تأثير مهم على الصين. حيث تعد الصين أكبر مستهلك لليورانيوم في العالم، وتعتمد بشكل كبير على الإمدادات الخارجية لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وباعتبارها دولة غنية بموارد اليورانيوم، يمكن للنيجر أن تزود الصين بإمدادات مستقرة من اليورانيوم، وهو أمر ذو أهمية استراتيجية هامة للصين. ووفقاً لوزارة التجارة الصينية، استثمرت شركتان مملوكتان للدولة، وهما شركة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة النووية الوطنية الصينية 4.6 مليار دولار أمريكي و480 مليون دولار أمريكي على التوالي في تطوير احتياطيات النفط واليورانيوم في النيجر. وتساهم صناعة اليورانيوم في النيجر بنسبة 5% من خام اليورانيوم عالي الجودة في العالم.

وقبل الانقلاب، التقى الرئيس بازوم بممثلي شركة اليورانيوم الصينية (CNUC) الشهر الماضي لمناقشة شروط الاستحواذ على شركة التعدين أزيليك (سومينا)، وهي مشروع مشترك بين CNUC والحكومة مع النيجر باعتبارها المساهم الرئيسي. كما تدرس CNUC مؤخرًا إعادة تشغيل مشروع لإنتاج اليورانيوم في شمال النيجر والذي توقف قبل تسع سنوات بسبب ظروف السوق القاتمة، وأسعار اليورانيوم المرتفعة الحالية هي الأساس لاستئناف المشروع.

وفي وقت سابق، التقى السفير الصيني لدى النيجر جيانغ فنغ مع الرئيس بازوم، وأكد علي أن الصين تأمل في بناء منطقة صناعية في العاصمة نيامي، وسيكون لهذه الخطة تأثير كبير على صناعات الزراعة والتصنيع والبناء والعقارات.وخلال الاجتماع، أعلن جيانغ فنغ أيضا عن سيزور أجاديم، وهو مشروع خط أنابيب التصدير بين النيجر وبنين الذي طورته شركة البترول الوطنية الصينية.وبمجرد تشغيل خط الأنابيب هذا الذي يبلغ طوله حوالي 2000 كيلومتر، من المتوقع أن يعزز صناعة إنتاج النفط الخام في النيجر وزيادة التجارة الدولية عبر ميناء بنين البحري.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن النيجر غنية أيضا بالموارد المعدنية والموارد الزراعية. حيث تعمل الشركات الصينية بنشاط على تطوير الموارد المعدنية والتعاون الزراعي في النيجر، الأمر الذي يضخ زخما كبيرا في التنمية الاقتصادية في النيجر، ويعكس بأن الانقلاب في النيجر ليس له تأثير كبير على التعاون الاقتصادي الصيني في النيجر، حيث ستواصل الصين تعزيز مشاريع التعاون مع النيجر بشكل مطرد. كما تلعب المساعدات الصينية في النيجر دورا كبيرا في تعزيز نفوذها وأيضا في دورها كوسيط في الأزمة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقع النيجر في قلب أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وموقعها الجغرافي مهم للغاية، واستقرار وأمن النيجر لهما أهمية كبيرة لاستقرار وأمن المنطقة الأفريقية برمتها، وقد يدفع الانقلاب لمزيد من الدور الأمني للصين في إطار المشاركة متعدد الأطراف في الشؤون الأفريقية من خلال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وأيضا على المستوي الإقليمي من خلال المنظمات الأفريقية.

وبشكل عام، إن التوترات في منطقة الساحل قد تتصاعد وقد يكون لها تأثير على المصالح الاقتصادية للصين واستثماراتها في النيجر أو الدول المجاورة. ويمكن أن تؤدي الاضطرابات إلى تعطيل مشاريع البنية التحتية والصناعات الاستخراجية، مما يعرض مصالح الصين الاقتصادية في المنطقة للخطر. ولكن، يعد خطرا محدودًا نسبيًا. ويبقي استمرار تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين مرهون بموقف القيادة الجديدة في النيجر في ماإذا كانت ستحترم الاتفاقيات التي وقعتها الصين وحكومة بازوم.

وينظر إلى أفريقيا على أنها “الساحة” الجديدة لنفوذ الصين والدول الغربية، وقد يهدد الانقلاب في النيجر الاستثمارات الصينية، ولكنه يشكل أيضاً فرصة للصين لزيادة نفوذها في المنطقة. حيث إنه قبل الانقلاب، كانت النيجر لا تزال دولة متأثرة بشدة بفرنسا وحليفة الولايات المتحدة. وتعد النيجر إحدى آخر الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية التي تحصل على الدعم الفرنسي. وقد اتهم مدبرو الانقلاب فرنسا “بالسعي للتدخل العسكري في النيجر” بعد أن حذر الرئيس إيمانويل ماكرون في 30 يوليو من أن فرنسا “ستتخذ إجراءات فورية دون تسامح” إذا انتهك مواطنوها أو مصالحها، وتنفي باريس التدخل في شؤون النيجر.  كما ذكرت بعض التقارير لوسائل إعلام غربية بأن الصين اختارت التعاون مع مجموعة “فاغنر” والسماح للأخيرة بتوفير الحماية للمنشآت الاقتصادية المختلفة في الصين.

باختصار، الصين لا تعطي الأولوية للحكومة التي ستتولى السلطة في النيجر، وإذا قلص الغرب وجوده في النيجر، فإن نفوذ الصين سيزداد حتما، بالنظر إلي المساهمات التي قدمتها بكين في أمن واستقرار منطقة الساحل، مثل إرسال بعثة للمشاركة في بعثة الأمم المتحدة إلى جزر المالديف، وترتبط قوة حفظ السلام ارتباطا وثيقا بالمصالح الاقتصادية للصين في المنطقة. وهذه المصالح ستجعل الصين ترغب في ضمان الاستقرار، بغض النظر عن النظام الموجود في السلطة. والأمر الذي يشجع على ذلك أيضا هو أن الوساطة الصينية بأدواتها الدبلوماسية موضع ترحيب ودعم من قبل الدول الأفريقية وبعض القوي الداخلية في النيجر، وهذا قد يعطي دلالات بأن مكانة الصين ونفوذها في أفريقيا سيستمران في التزايد.

ومع ذلك، الوساطة الصينية تواجه تحديات كبيره في سياق أن هذه الأزمة هي في الواقع “معركة ثلاثية” بين الدول التي تدعم الحكومة العسكرية، مثل مالي وبوركينا فاسو، والدول التي تعارض الحكومة العسكرية، مثل نيجيريا وكوت ديفوار، وقوى خارجية مثل فرنسا. وفي موقف حيث يوجد العديد من الأطراف المعنية والنزاعات حول المصالح الاستراتيجية يصعب التوسط فيها، فحتى لو نجحت وساطة الصين، فإن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت. ولذلك، قد تتخذ الصين تدابير لتهدئة الصراعات، وتحث جميع الأطراف على تجنب استخدام القوة، وتعمل مع منظمات مثل الأمم المتحدة لإنشاء ممرات إنسانية لتقديم المساعدة وتهيئة الظروف.

د. هند المحلى سلطان

كبير باحثي المركز، رئيس برنامج الدراسات الآسيوية، باحثة زائرة بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة فودان وجامعة شنغهاي للدراسات الدولية. حاصلة على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلاقات الدولية تخصص شؤون صينية من جامعة شنغهاي للدراسات الدولية وجامعة شاندونغ. ترجمت العديد من الكتب والتقارير الرسمية للحكومة الصينية من اللغة الصينية إلى اللغة العربية في مجال السياسة والاقتصاد، ونشرت بعض الأبحاث الأكاديمية المتعلقة بالسياسة الخارجية للصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى