توافق روسي إسرائيلي: هل تقبل “واشنطن” بوساطة “موسكو” بين تل أبيب وبيروت؟

في ظل سيناريو متوقع من جانب إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وسعيهما إلى فصل الجبهة اللبنانية عن الحرب في غزة. وفي محاولات أمريكية قبل أيام معدودة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. أرسلت الولايات المتحدة بمبعوثيها إلى كل من إسرائيل (بالتزامن مع مصر وقطر) للبحث عن وقف لإطلاق النار في إطار اتفاق سياسي بين إسرائيل ولبنان. وعلى صعيد آخر، تطرقت بعض المصادر الإعلامية الغربية عن محاولات لدفع روسيا للتدخل كوسيط بين إسرائيل ولبنان في الوقت الذي نشرت فيه هيئة الإذاعة الإسرائيلية العامة يوم الأربعاء 30 أكتوبر الماضي، ما قالت إنه مسودة اتفاق، كتبتها واشنطن، لوقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا.

المسودة الاسرائيلية:

بموجب الاتفاق المزمع، تسحب إسرائيل قواتها من لبنان في غضون الأسبوع الأول من الاتفاق، وسيتم نشر الجيش اللبناني على طول الحدود. وخلال فترة الهدنة، سينهي حزب الله وجوده المسلح في المنطقة.

بهدف تمهيد الطريق للتنفيذ الكامل لقرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى الحرب التي استمرت 34 يومًا بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، والعمل على إزالة جميع الجماعات المسلحة، بما في ذلك حزب الله، من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، على بعد 30 كيلومترًا (20 ميلًا) شمال الحدود. ولن يُسمح إلا لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المعروفة باسم اليونيفيل والجيش اللبناني بالتواجد هناك، مع احتفاظ إسرائيل بالحق في ضرب المجموعات المسلحة كنوع من العمل الاستباقي إذا لزم الأمر بعد انتهاء الحرب في إشارة على عدم الثقة لا في الجيش اللبناني أو قوات الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض شون سافيت إن “هناك تقارير ومسودات عديدة متداولة لا تعكس الحالة الحالية للمفاوضات”. ومع ذلك، لم يرد على سؤال حول ما إذا كان هذا النص يشكل الأساس لمزيد من المحادثات. وفي تعليقه على المفاوضات يوم الخميس 31 أكتوبر 2024، قال وزير الخارجية بلينكن إنه تم إحراز تقدم في التفاهم المتبادل على متطلبات القرار، قائلًا، إنه من المهم التأكد من أن لدينا وضوحًا، سواء من لبنان أو من إسرائيل، بشأن ما قد يكون مطلوبًا بموجب القرار 1701 لتحقيق تنفيذه الفعال.

الدور الأمريكي:

منذ تصاعد الصراع قبل خمسة أسابيع، شنت إسرائيل غارات جوية واسعة النطاق في أنحاء لبنان وغزوًا بريًا لمناطق قريبة من الحدود. وتقول الحكومة الإسرائيلية إن هدفها هو تغيير الوضع الأمني ​​على طول الحدود وضمان عودة نحو 60 ألف من السكان الذين نزحوا بسبب هجمات حزب الله بالصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار، لذلك تقوم الخارجية الأمريكية بجهودها الرامية إلى فصل الجبهتين وإرسال كل من “بريت ماكجورك” منسق الرئيس بايدن للشرق الأوسط و”آموس هوكشتاين” الذي قاد المفاوضات في الصراع مع حزب الله في إسرائيل لإجراء محادثات في إسرائيل ولبنان.وعلى الرغم من أنه من غير الممكن تحقيق أي تقدم قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية الأسبوع المقبل، إلا أن الخارجية الأمريكية قد تدخلت في صياغة مسودة الاتفاق التي يتم عرضها على السلطات اللبنانية ومن الواضح أنها تعمل على استغلال حالة الانقسام اللبناني تجاه دور حزب الله في الجنوب. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية: “الولايات المتحدة ملتزمة بالاستقرار الإقليمي. ونحن نواصل دعم الحل الدبلوماسي للأعمال العدائية الحالية بين إسرائيل وحزب الله – وهو الحل الذي يعيد الهدوء الدائم ويسمح للسكان في كلا البلدين بالعودة بأمان إلى ديارهم”.

الدور الروسي[1]:

تُعَد روسيا لاعبًا محتملًا في صفقة لوقف الصراع المحتدم بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، مستغلة موقعها الفريد لمنع اندلاع حرب أوسع. وفي حين يتم صياغة اتفاق وقف إطلاق النار بدعم من مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين وبريت ماكجورك، نقل موقع واي نت نيوز الإسرائيلي وصحيفة الشرق الأوسط،أنباءًا عن إن إسرائيل طلبت من روسيا المشاركة في الترتيب للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان.

ولدى موسكو تاريخ طويل في الشرق الأوسط يعود إلى أيام الاتحاد السوفييتي، كما أقام الرئيس الروسي بوتين علاقة شخصية وثيقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقد تعقدت هذه الروابط بسبب الانتقادات القاسية المتزايدة من جانب موسكو للأفعال الإسرائيلية في الحرب في قطاع غزة ولبنان وموقف إسرائيل من الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك نادرًا ما رد نتنياهو بالمثل وتمكن الجانبان من إبقاء قنواتهما مفتوحة. ولعل هذا يفسر أن الروس لا يفعلون أي شيء ضد الهجمات الإسرائيلية في سوريا، على الرغم من أنهم يستطيعون فعل الكثير، بالطبع.

في هذا الإطار، أشار بغيا تاشجيان، منسق مجموعة الشؤون الإقليمية والدولية في معهد فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى أن روسيا في أفضل وضع للمساعدة في هذا الجهد نظراً لوجود قواتها في سوريا. وتسأل تاشجيان “هل من مصلحة روسيا أن ترى حزب الله مفككاً؟”.وقال: “لا تريد روسيا أن ترى حزب الله ضعيفًا إلى درجة من شأنها أن تزيد من نفوذ الولايات المتحدة في لبنان وسوريا. لقد كان حزب الله وإيران مفيدين في احتواء النفوذ الأمريكي”. “ولكن عدم الاستقرار ليس من مصلحة روسيا إذا امتد إلى سوريا”.

التوافق الإسرائيلي الروسي[2]:

أشار بغيا تاشجيان، إلى أنه يبدو أن هناك اتفاقًا بين تل أبيب وموسكو على أن الأولى لن تبيع أسلحة إلى كييف وفي المقابل، ستغض روسيا الطرف عن الضربات الجوية الإسرائيلية على الأصول الإيرانية وحزب الله في سوريا. كما أن إضعاف إيران وحزب الله في سوريا من شأنه أن يوفر مرونة إضافية للرئيس بشار الأسد للتعامل بشكل أكثر مرونة. كما كان للصراع السوري تأثير عميق في لبنان بسبب تدفقات اللاجئين والمخاوف الأمنية والتاريخ الاستقطابي في كثير من الأحيان بين الدول المجاورة، من بين عوامل أخرى.

منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1991 وانسحاب القوات السورية في عام 2005، انقسمت السياسة الطائفية في لبنان إلى حد كبير إلى كتلتين، إحداهما مؤيدة للأسد والأخرى معارضة له. لقد أقامت روسيا أيضًا علاقة صداقة مع حزب الله. كما عززت موسكو الدعم بين شرائح مختلفة من المجتمع، بما في ذلك المجتمع المسيحي الأرثوذكسي وشخصيات رئيسية أخرى مثل زعيم تيار المردة المسيحي الماروني سليمان فرنجية، الذي اعتُبر مرشحًا محتملًا لتولي الرئاسة اللبنانية الشاغرة، وبالتالي كسر الجمود الذي دام عامين. وقال تاشجيان: “لقد بنت روسيا قوتها الناعمة على مر السنين وجسورًا مع العديد من الجهات الفاعلة في المجتمعين المسيحي والمسلم، وهو شيء تفتقر إليه إيران”. “ومن هنا فإن تلميحات وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن مسألة مطالبة روسيا بالتدخل واستعدادها للعب دور في وقف إطلاق النار في لبنان تعني أننا قد نشهد مشاركة روسية أكبر في لبنان على حساب إيران”.

وختامًا، ليس من المتوقع أن تقبل الأحزاب السياسية والكتل المختلفة داخل لبنان، مسودة الاتفاق التي تم نشرها عبر وسائل اعلام إسرائيلية، لأنها تعد انتهاكًا واضحًا لسيادة لبنان. كما أن قرار مجلس الأمن رقم 1701 لا يمكن تعديله إلا بقرار من مجلس الأمن كذلك. بالإضافة إلى ذلك فإن نتنياهو لن يمنح إدارة بايدن هدية مجانية قبل الانتخابات الأمريكية والتي يتمنى فيها أن تأتي بترامب كرئيس للولايات المتحدة. وفي ذات الوقت لم يرفض المبادرة الأمريكية خاصة وأن الجهات المعنية الإسرائيلية قد أبلغته بأنها قد أنهت مهمتها بالقضاء على بنك الأهداف في لبنان. أما فيما يتعلق بالدور الروسي، من غير المتوقع أن توافق الولايات المتحدة على هذه الفكرة ولكنها تعكس التوافق الروسي الإسرائيلي في هذا الملف. وفي نفس الوقت قد تكون روسيا قد حذرت إيران من ضرورة الضغط على حزب الله للتلويح بقبول التفاوض حول وقف إطلاق النار تحسبًا لمجيء ترامب إلى الحكم. على النقيض من ذلك، أعربت منى يعقوبيان، المحللة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية والتي تشغل الآن منصب نائب رئيس مركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التابع لمعهد السلام الأميركي، عن شكوكها بشأن قدرة روسيا على لعب دور رئيسي في نتائج الصراع في لبنان. وقالت يعقوبيان لنيوزويك: “كانت استراتيجية روسيا في لبنان انتهازية إلى حد كبير، حيث سعت إلى استغلال الفرص أينما ظهرت دون استثمار موارد كبيرة. وعلى هذا النحو، فإن نفوذ موسكو في لبنان محدود إلى حد ما وبالتأكيد يتضاءل مقارنة بالدور الذي تلعبه في سوريا”. وفي كل الأحوال لن تتضح الرؤية كاملة فيما يتعلق بالجبهة الشمالية إلابعد نتائج الانتخابات الأمريكية وخلال هذه الفترة ستزداد حدة المواجهات العسكرية بين حزب الله والميليشيات العراقية وربما من أنصار الله وإسرائيل. وأنه حال وصول ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة فإنها ستكون مختلفة تماما عن فترة حكمه في 2016، وأن عدم توقع خطوات ترامب المربكة قد تزيد من خطورة المشهد في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي يتحسب له جميع اطراف الصراع والمصالح بالمنطقة.

____________________________________________________

[1] – https://www.newsweek.com/war-ukraine-putin-emerges-potential-peace-broker-middle-east-1977721

[2] -https://www.newsweek.com/war-ukraine-putin-emerges-potential-peace-broker-middle-east-1977721

د. مصطفى عيد إبراهيم

خبير العلاقات الدولية والمستشار السابق في وزارة الدفاع الإماراتية، وعمل كمستشار سياسي واقتصادي في سفارة دولة الإمارات بكانبرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى