هل تنقذ التحالفات أردوغان؟

بعد اجتماعات ومداولات استمرت لأشهر بين أحزاب الطاولة السداسية بتركيا، انتهت أخيرًا إلى ترشيح كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري مرشحا توافقيا للمعارضة لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة أمام أردوغان، ومنها بدأت رسميا حملات الاستقطابات السياسية للأحزاب الصغيرة في إطار سياسة توسيع التحالفات.

وفي هذا الإطار، تُثار بعض التساؤلات حول عوامل قوة كليتشدار أوغلو في مقابل أردوغان ؟ وكيف يسعي الأخير لتقوية حظوظه في السباق الانتخابي؟ وماذا عن الموقف من حزب الشعوب الديمقراطي؟

فرص ومعوقات:

أردوغان يبحث عن منافس على مقاس كليتشدار أوغلو

ثمة عدة متغيرات تدفع لاحتدام المشهد الانتخابي الراهن في تركيا؛ أهمها أن مكانة حزب العدالة والتنمية لم تكن كما كانت عليه في السابق، فأصبح أردوغان مهددًا بشكل كبير هذه المرة، نتيجة لعدد من المستجدات التي شهدتها أنقرة خلال السنوات الأخيرة، والتي أدت في مجملها إلى تراجع شعبية أردوغان وحزبه، أهمها المشكلة الاقتصادية التي تشهدها أنقرة مؤخرًا، وظهور فئة جديدة من الشباب راغبة في التغيير إلى حد كبير، وأخيرًا أزمة الزلزال.

وفي المقابل، هناك مجموعة من العوامل التي تدعم كليتشدار أوغلو، بعدما اجتمعت عليه أحزاب الطاولة السداسية، والتي تمثل قاعدة شعبية كبيرة في الشارع التركي من قوميين ويمينيين ومحافظين وإسلاميين، ناهيك عن أنه رئيس لأكبر الأحزاب المعارضة، كما يسعى حاليا لكسب دعم أحزاب أخرى خارج الطاولة، مثل حزب الشعوب الديمقراطي ممثل الأكراد وغيره. وقبل كل ذلك، نجاح الحزب في الفوز ببلديتي إسطنبول وأنقرة في الانتخابات السابقة بعد سيطرة للعدالة والتنمية دامت لعقود قد يؤشر إلى عودة الثقة في الحزب.

ولكن من ناحية أخرى، فإن انتمائه لحزب الشعب الجمهوري ذو الخلفية العلمانية الواضحة والمعلنة، قد يكون ليس مطمئنا كافيا بالنسبة للشرائح المحافظة في المجتمع التركي، خاصة بعد الأثر السلبي الذي تركه خلاف المعارضة على إثر إعلان ترشيحه، بعد انسحاب ميرال أكشينار زعيمة حزب الجيد، والعودة بشرط تولية أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول ومنصور ياواش رئيس بلدية أنقرة نائبين له.

كما أن اشتراط زعماء أحزاب الطاولة أن يكونوا مستشارين للرئيس، قد يسهم في هز صورة كليتشدار أوغلو أمام الجماهير. أضف إلى ذلك، أن الأحزاب المتحالفة في إطار الطاولة السداسية غايتها البرلمان وليس الرئاسة، مما قد يجعل التنسيق بين أعضاء الطاولة قد لا يرقى إلى مسألة التحالف الموحد دوما، وهذا من شأنه أن يؤثر على حظوظ كليتشدار أوغلو.

ومن وجهة نظر العدالة والتنمية، فإن كليتشدار أوغلو هو المنافس الأنسب لأردوغان في الانتخابات حاليا، بعدما كانت تنوي أكشينار ترشيح أيا من رئيسي بلديتي إسطنبول أو أنقرة نظرا لشعبيتهما الكبيرة.

والأهم أن تفكير الشعب التركي وخياراته السياسية لا تخضع كثيرا للحسابات المنطقية، فهو دوما بسبب النزعة القومية يفضل رئيسا ذو كاريزما وشخصية قيادية قوية وقادرة على التأثير تعبر عن مكانة الجمهورية التركية وتاريخها. وقد يكون هذا هو سبب استمرار أردوغان في الحكم حتى الآن رغم سقطاته وحزبه، بسبب أسلوبه الخطابي وقدرته على التأثير داخليا وخارجيا.

حمى التحالفات: 

لا شك أن هذه الانتخابات هي الأصعب بالنسبة لأردوغان وفي تركيا عموما، ولا يمكن القول بأن الشخصية الكاريزمية للقائد السياسي وقدرته على التأثير هي العامل الفيصل لحسم المعركة الانتخابية، فالأمر قد يتطلب الدخول في تحالفات مع أحزاب أخرى، أو توافقات على أقل تقدير. ولهذا يسعى حزب العدالة والتنمية في الوقت الراهن إلى توسيع تحالفه ” الشعب ” الذي يضم إلى جانبه حزبي الحركة القومية والوحدة الكبرى، لمواجهة تحالف ” الأمة ” المعارض المكون من ستة أحزاب. من خلال ضم حزب الهدى ( مقره ديار بكر ويسيطر على كتلة أصوات من الأكراد تقدر بنحو ٠.٥ ٪ )،  والذي أعلن مؤخرا عن دعمه للعدالة والتنمية في الانتخابات. وأيضا حزب الرفاه من جديد ( الذي يملك كتلة تصويتية بنحو ١,٥ ٪ ) وزعيمه فاتح أربكان نجل مؤسس تيار الإسلام السياسي في تركيا نجم الدين أربكان، بعد ما زار بن علي يلدرم نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، إلا أن الأخير وضع مجموعة من الشروط قبل قبول انضمامه، وأهمها إغلاق جمعيات المثليين وإلغاء النفقة الدائمة للمرأة وغيرها.

كما تبلور مؤخرا أيضا تحالف ” أتا ” اليميني القومي الذي يضم خمسة أحزاب، والذي أعلن عن مرشحه الخاص وهو سنان أوغان. كذلك تحالف ” العمل والحرية ” الذي يضم مجموعة من الأحزاب اليسارية بقيادة حزب الشعوب الديمقراطي ممثل الأكراد.

ونتيجة لهذه التحالفات، وصل عدد المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية إلى 9 مرشحين حتى الآن، فإلى جانب الرئيس رجب طيب أردوغان، وكمال كليتشدار أوغلو، أعلن سنان أوغان مرشح تحالف ” أتا “، ومحرم إنجه عن حزب ” البلد ” ترشحهم إلى الانتخابات الرئاسية. إلى جانب رئيس حزب ” التجديد ” أوزتورك يلماظ، ودوغو برينتشيك رئيس حزب “الوطن ” اليساري، وكذلك جيم أوزان رئيس حزب ” الشباب ” السابق، ورئيس الحزب ” الواحد ” أحمد أوزال، إلى جانب مدير معهد ” جنتيست ” سردار صافاش.

وبالتالي فإن كثرة التحالفات المعارضة أو المنافسة لأردوغان وتعدد مرشحيها، من الممكن أن يسهم في تشتيت أصوات المعارضة بين أكثر من مرشح، الأمر الذي قد يأتي في صالح أردوغان، إذا نجح بالتزامن مع ذلك في توسيع تحالفه.

الأكراد.. رقما صعبا:

أكراد تركيا يطالبون بحكم ذاتي وسط أعمال عنف في جنوب شرق البلاد | المصري  اليوم

يعد حزب الشعوب الديمقراطي رقما صعبا في الانتخابات التركية، فهو ثاني أكبر حزب معارض في تركيا، و وثالث أقوى حزب في البرلمان، كما يستحوذ على كتلة تصويتية لا تقل عن عشرة في المئة بما يقارب ٦ مليون ناخب، مما يجعله عرضة للاستقطاب دوما من قبل الأطراف المختلفة.

ويبدو أن أردوغان هذه المرة في حاجة إلى أصوات الأكراد، ولهذا عمل أردوغان على كسب دعم حزب الهدى، سواء خاطر وضمه إلى تحالف الشعب أم لا، حتى لا يثير الانتقادات لأردوغان، نظرا للشبهات التي تدور حول ارتباط الحزب بعناصر مسلحة وتهدد الأمن، ورغم أنه يستحوذ على نسبة ضئيلة ( ٠.٥ )، ولكن أردوغان في حاجة ماسة إليها أيضا لهذه الانتخابات التي من المتوقع أن تحسم بفارق ضئيل.

بل الأدهى، فهناك إمكانية أن يسعى أردوغان للحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي نفسه، أو على الأقل تحييده في الانتخابات، وذلك في مقابل تدخل أردوغان وإسقاط الدعاوى المقدمة في حق الحزب والتي تطالب  بحذر نشاطه  ومصادرة أمواله. خاصة وأن المحكمة الدستورية العليا قررت منذ أيام تأجيل إحدى جلسات الاستماع الخاصة بمحاكمة حزب الشعوب الديمقراطي في الدعوى المقامة ضدهم من المدعي العام الجمهوري في أنقرة من 14 مارس إلى 11 إبريل المقبل، في إشارة إلى محاولة أردوغان لكسب دعم حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات.

وقد يساعد على ذلك أن تحالف الطاولة السداسية لم يقبل بضم حزب الشعوب الديمقراطي، خوفا من إهدار الأصوات المحافظة والقومية التي يستحوذ عليها حزبي السعادة والجيد، ولهذا رفضت ميرال أكشينار ضم حزب الشعوب الديمقراطي إلى التحالف بشكل رسمي، في الوقت الذي أعلن فيه مسؤولي الحزب عن رغبتهم في التعامل مع تحالف المعارضة في العلن وليس خلف الأبواب المغلقة وبشروط، وهو ما تتردد فيه الطاولة حتى الآن، مما دفع الحزب إلى تكوين تحالف يساري خاص به.

وختاما، فإن سياسة توسيع التحالفات، وملف الزلزال في تركيا ومدى قدرة الحكومة على تقديم حلول سريعة فيما يتعلق بأنشطة الإيواء وإعادة الإعمار ومحاسبة المتورطين من المقاولين وشركات البناء، قد يسهم بصورة كبيرة في تحديد هوية الفائز في الانتخابات المقبلة. أما حاليا فيصعب الحكم بنتيجة لهذا السباق الانتخابي الأهم، لذا لا يسعنا في الوقت الراهن سوى متابعة التطورات الداخلية والخارجية ومدى تفاعل الشارع معها، وما ستحمله الحملات الانتخابية من ردود فعل.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى