كيف ستتعامل واشنطن بعد تطبيع الرياض وطهران؟

من الصين أعلنت السعودية وإيران إعادة استئناف العلاقات بينهما بعد قطيعة دبلوماسية دامت لقرابة سبع سنوات، بعد الاعتداء على السفارة السعودية في إيران عام 2016، وسط احتجاجات لمواطنين إيرانيين على تنفيذ السعودية حكم الإعدام على رجل الدين الشيعي نمر النمر. في خطوة أثارت علامات استفهام عدة حول الموقف الأمريكي من هذا الاتفاق.

فكيف تنظر واشنطن إلى هذا الاتفاق ؟، وكيف سيكون الرد على الخطوة الصينية الإيرانية السعودية ؟، وهل من الممكن أن يدفعها الاتفاق إلى إجراء تعديلات على الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بالشرق الأوسط ؟.

تطورات ملحة:

لا شك أن عودة الاستقرار للمنطقة كان يتطلب عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وهو بالفعل ما كان يجري الإعداد له خلال الأشهر الماضية المباحثات بين الجانبين في العراق وسلطنة عمان. ولكن الفكرة أن الاتفاق بين الرياض وطهران كان يحتاج إلى ضامن دولي قوي قادر على إلزام الطرفين بتنفيذ بنود الاتفاق، خاصة من الجانب الإيراني في ظل حالة انعدام الثقة بين البلدين. وبما إن الولايات المتحدة لم تبادر في هذا الشأن، تم الالتفات إلى الصين في ظل العلاقات الطيبة التي تجمعها بكلا البلدين في الفترة الأخيرة.

وهناك وجهة نظر أخرى، ترى أن الخطوة السعودية جاءت من أجل تحييد نفسها عن أية أزمات مقبلة بين إيران وإسرائيل، حتى لا تطال المملكة أية أضرار في هذا الشأن، في ظل تهديد الأخيرة لإيران بالإعداد لضربة عسكرية ضدها.

كما أن السعودية أرادت التحلحل من الإرادة الأمريكية، بمساعدة الظروف الدولية والإقليمية التي أعطتها الفرصة أيضا. ومن ناحية أخرى فإن السعودية تتطلع لقيادة جهود المنطقة ( زعامة إقليمية ) للتحول نحو الهدوء الذي قوضه العداء السعودي الإيراني بشكل كبير، وظهرت على إثره سياسة الاصطفافات السياسية بين دول المنطقة. خاصة وأن الرياض وطهران جمعهما توتر مع الغرب في الفترة الأخيرة، وفي المقابل تتمتع الصين بعلاقات طيبة مع الطرفين.

ومن الواضح مؤخرا أن الرياض تعمل على إنهاء الحرب في اليمن، لتجنب الخطر الحوثي، وهو ما يتطلب بالتأكيد سياسة مشتركة مع إيران.

واستنادا لما تقدم، توقع البعض بعد زيارة وزير الخارجية السعودي إلى روسيا وزيارة مستشار الأمن القومي السعودي إلى الصين أن تقوم الرياض بخلط تحالفاتها، ولكن هذا ليس حقيقيا من الناحية العملية، أولا لأن زيارة وزير الخارجية السعودي إلى روسيا جاءت عقب زيارة الأخير إلي كيف. أضف إلى ذلك أن السعوديين حذرون في التعامل مع واشنطن. وبالتالي فإن موقف الرياض جاء في إطار سياسة الانفتاح على الجميع، ولا يتوقع منه أن يمس العلاقات التاريخية والاستراتيجية بواشنطن.

حتى الصين نفسها تريد الحفاظ على علاقات جيدة بالجميع، وبالتالي لن تتحرك تجاه تحالف قَوي مع قُوي بعينها، كأن تتحالف على سبيل المثال مع السعودية وإيران ولكن في المقابل ستخسر علاقتها بإسرائيل، وهو ما تتجنبه بكين.

ترحيب أمريكي:

بداية، رحب البيت الأبيض بالاتفاق الإيراني السعودي، بشرط أن يؤدي إلى وقف التوتر في اليمن، كما يضمن أمن السعودية، لأن البيت الأبيض شكك في تقيد إيران بتطبيق التزاماتها بموجب الاتفاق. كما حظر من الصين واعتبرها تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة في المنطقة، وأكد إنه يراقب النشاط الصيني في المنطقة. كما أعلن البيت الأبيض أن السعودية أبقته على إطلاع بالمحادثات الجارية مع الإيرانيين في محاولة لحفظ ماء وجه واشنطن.

ولكن واشنطن وإن أبدت ترحيبها كما أعلن مسؤولوها، إلا أن القرار بالتأكيد لن يكون في صالحها، ولهذا حاولت التقليل منه من خلال تشكيكها في مدى التزام إيران بالاتفاق. ولهذا فمن المؤكد أنها تراقب عن كثب هذا الاتفاق وما بعده، خاصة وأنه حدث بمباركة من بكين.

كما انتقد محللون غربيون السعودية، واعتبروا أن الوقت غير مناسب لتطبيع مع إيران، بسبب أن السعودية اختارت استعادة العلاقات مع إيران في وقت يمارس فيه النظام الإيراني القمع ضد المواطنين، وتقوم فيه إيران بهجمات بالغاز على طالبات المدارس. والدور المركزي الذي لعبه الصينيين في هذه الوساطة، وهذه المشكلة هي الأكبر بالنسبة لواشنطن.

وواقعيا؛ لا يُنتظر من الإدارة الأمريكية أن تقول شيء أكثر مما قالته تعقيبا على الاتفاق السعودي الإيراني، ولكن من المتوقع خلال الفترة المقبلة أن تغير مقاربتها في التعامل مع السعودية وإيران، كم من الممكن أن تعيد حساباتها في سياسة تجاهل المنطقة، لأنها أثبتت فشلها وسببت الارتباك في السياسة الخارجية الأمريكية مؤخرا.

واقع مقلق:

قد يكون الاتفاق السعودي الإيراني محصلة لتراجع كبير في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة في السنوات الأخيرة، تمثل ذلك على سبيل المثال في سياسة بايدن تجاه ولي العهد السعودي، ومجريات الاتفاق النووي مع إيران، والهواجس الأمريكية تجاه الصين وروسيا في المنطقة، ناهيك عن الانسحاب العشوائي للقوات الأمريكية من أفغانستان. كما من شأنه أن يسفر عن مجموعة من التداعيات السلبية لواشنطن في المنطقة، لعل أبرزها:

  1. من الناحية العملية، فإن الاتفاق ضيع على الولايات المتحدة فرصة ابتزاز وتهديد السعودية _ ودول الخليج عامة _، كما كان يفعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعدما كان يتباهى في العلن بالحماية الأمريكية للسعودية من إيران، وأنه بإمكانه إعطاء ضوء أخضر للحوثيين وتسليحهم لضرب منشآت سعودية. وانطلاقا من هذه السياسة نجح ترامب في جني الدعم المادي من دول الخليج وإبقائهم تحت المظلة الأمريكية.
  1. ومن ناحية أخرى، فإن وجود تهديد في منطقة الشرق الأوسط أيا كان مصدره يأتي في إطار المصلحة الأمريكية، لأنها بذلك ستضمن ولاء دول المنطقة، كما سيضمن لها زيادة مبيعاتها من الأسلحة في المنطقة لكي تحافظ كل دولة فيها على أمنها الخاص. وهذا في مجمله يصب في صالح الهيبة الأمريكية في المنطقة بوجه عام وعلى مستوى العلاقات الثنائية أيضا.
  1. كما من الممكن أن يؤثر الاتفاق السعودي الإيراني على تقارب دول المنطقة مع إسرائيل، وخطة أمريكا لدمج تل أبيب في المنطقة وإقامة درع صاروخي واحد. خاصة على المستوى الدبلوماسي والسياسي، بعدما بدأت بالفعل بعض الدول تطبع علاقاتها مع إسرائيل، وفي ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر مع الفلسطينيين. خاصة وأن تواجد إسرائيل مهم في إطار سياسة التوازن الإقليمي مع إيران بالنسبة لواشنطن.
  1. كما يعطي الاتفاق للصين فرصة لمحاولة ملء الفراغ الأمريكي في المنطقة، بعد أن أعلنت واشنطن أن المنطقة أصبحت خارج أولوياتها. خاصة في ظل خذلان دول المنطقة من هذه السياسة الأمريكية، والثقة التي تزعزعت بشكل أكبر بسبب الموقف الأمريكي والغربي عموما من الحرب الأوكرانية. وبالرغم من أن واشنطن لن تقبل بذلك تحت أي ظرف، إلا استعادة ثقة وولاء دول المنطقة ستحتاج المزيد من الجهد والتنازلات من الإدارة الأمريكية.

صحوة متوقعة:

لا شك أن الصين هي دولة ذات أهمية على الصعيد دولي، ومن المنتظر أن تتضاعف أهميتها أكثر،  وبالتالي تحركها نحو الشرق الأوسط بشكل مبالغ فيه لن تفضله الإدارة الأمريكية، خاصة إذا امتد اندماج الصين في المنطقة إلى إسرائيل نفسها، في ظل الضغوط الدولية التي تواجهها حكومة نتنياهو، إلى جانب الضغوط الأمريكية نفسها على نتنياهو لثنيه عن المساس بقانون القضاء. بالذات إذا حاولت الصين إقناع إيران وإسرائيل بتخفيف حدة اللهجة العدائية تجاه بعضهم البعض.

ولهذا فمن الممكن أن يكون الاتفاق السعودي الإيراني دافعا للإدارة الأمريكية للتحرك وحلحلة بعض الملفات العالقة في المنطقة من أجل عرقلة التغلغل الصيني في المنطقة وإحياء الكلمة الأمريكية من جديد، مثل الملف اليمني والسوري والملف الإيراني، ناهيك عن الأزمة اللبنانية.

فالولايات المتحدة لن تسمح أيا كانت الإدارة الموجودة في البيت الأبيض بأن يطمحل التحالف التاريخي والاستراتيجي ما بين واشنطن والرياض، باعتبار أن الأخيرة هي المصدر الأول للنفط في العالم، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية السعودي إلى موسكو وتأكيد الالتزام باتفاق أوبك+، هذا كله في وقت تعيش فيه العلاقات السعودية الأمريكية توترا متواصلا منذ سنوات منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، ورفض الرياض زيادة الإنتاج بالتوافق مع روسيا على إثر تداعيات الحرب الأوكرانية.

وختاما، فقد جاء هذا الاتفاق بالتزامن مع جملة من التحركات الخارجية المقلقة لواشنطن، بعد أسابيع من إسقاط واشنطن المنطاد الصيني، وفي وقت تدرس فيه الصين إرسال أسلحة إلى روسيا لتعزيز التحالف، ونجاح الرئيس الصيني في ولاية ثالثة الصين، واستعداد إيران الإمداد روسيا بالأسلحة أيضا، وبالتالي على أمريكا أن تقنع دول المنطقة باستعادة الثقة بها والابتعاد عن الصين، والفترة المقبلة كفيلة بتوضيح الطريقة التي ستحتكم إليها واشنطن في هذا الشأن.

وردة عبد الرازق

باحثة في الشئون الأوروبية و الأمريكية، حاصلة على بكالوريوس علوم سياسية، جامعة بنى سويف، الباحثة مهتمة بدارسة الشأن التركي ومتابعة لتفاعلاته الداخلية والخارجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى