كيف تطورت العلاقات المصرية الإماراتية إلى شراكة استراتيجية؟
تشكل العلاقات المصرية الإماراتية نمطاً له خصوصيته ضمن أنماط العلاقات القائمة بين الدول العربية، فهي وإن استندت إلى الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية، والدوافع القومية والدينية، والأخوة الراسخة بين البلدين قيادة وشعبًا؛ تقوم في الوقت ذاته على أسس التعاون المتكامل، وتعظيم المصالح والمنافع المتبادلة، والتكاتف في مواجهة التحديات والأزمات.
وعلى مدى خمسون عاماً تطور التواصل والتعاون المتبادل بين البلدين، وتوطدت العلاقات على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، والتي رسخت شراكة استراتيجية، لها أسسها وأهدافها الحيوية، والتي لم تتأثر برغم ما واجهته المنطقة من أزمات، وفي هذا الإطار، يستعرض هذا التحليل أبعاد ومنطلقات العلاقات المصرية الإماراتية، وكيف تصاعدت أهميتها، لتشكل شراكة استراتيجية راسخة؟
انطلاقة نوعية وتفاعلات ديناميكية:
جاءت الانطلاقة الرسمية للعلاقات المصرية الإماراتية مع بداية حكم الرئيس “السادات”، فور إعلان الاتحاد الإماراتي في الثاني من ديسمبر 1971، إذ كانت مصر من أوائل الدول التي دعمت قيامه، واعترفت به فور إعلانه ودعمته دولياً وإقليمياً، وإن كانت العلاقات الثقافية بين البلدين تشكلت قبل العلاقات السياسية بكثير؛ من خلال المدرسين والمهندسين والأطباء المصريين، الذين تواجدوا في إمارات الساحل العماني منذ فترو الخمسينيات، وبعد ثورة يوليو 1952، اتخذت مصر خطوات مشجعة لاستقطاب طلاب إمارات الساحل للدراسة في المعاهد والجامعات المصرية، معتبرة ذلك جزءً أصيلاً من دورها التحرري والتنموي، والاستفادة من التطور الثقافي والمعرفي الذي كانت تتميز به؛ مما عزز التواصل الثقافي والحضاري بين الشعبين المصري والإماراتي، وكان للدبلوماسية الناعمة التي انتهجتها مصر في ذلك الوقت؛ دور مهم في زيادة الوعي السياسي والثقافي والقومي لأبناء إمارات الساحل، ودفعهم إلى إفشال جهود الوجود البريطاني في طمس الهوية العربية للشعب الإماراتي، وهو يبرهن على قوة تأثير الوسائلالثقافية في تدعيم العلاقات العربية، وتقوية الروابط المشتركة بينها، والحفاظ على العلاقات الأخوية والودية بين الشعوب العربية.
وبالرغم من وجود العديد من المنطلقات التي شكلت علاقات راسخة بين مصر والإمارات، إلا أن الشيخ “زايد” رحمه الله، يعد أول من نسج خيوط العلاقات الوطيدة بين البلدين، والذي قال: “نهضة مصر نهضة للعرب كلهم، وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم.. أن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة”، وقد نتج عن حبه لمصر وشعبها، تعاون مثمر وشراكة ناجحة في العديد من المجالات؛ فقد عززت هذه الوصية الميراث التاريخي لعلاقات البلدين، ومثلت أحد أهم منطلقات العلاقات المصرية الإماراتية، وأهد أهم مقوماتها، والتي تضمن لها التطور المستمر، حيث جعلت من دعم مصر؛ نهجاً دائماً كرسه الشيخ “زايد”، وتوالى البناء عليه الشيخ “خليفه” يرحمه الله، ومن بعده الشيخ “محمد بن زايد”.
وعرفاناً بهذا الدعم عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي بقوله: “إن دولة الإمارات وعلى خطى المغفور له الشيخ “زايد بن سلطان آل نهيان وقفت إلى جانب مصر في أصعب المواقف، والشعب المصري لن ينسى أبدا وقفة الإمارات خلال أحداث 2013، هذه الوقفة هي التي عززت صمود مصر خلال تلك الفترة الصعبة فكل التحية والتقدير والامتنان للأشقاء في دولة الإمارات”.
مرتكزات الشراكة الاستراتيجية:
يستند وصف العلاقات المصرية الإماراتية بالاستراتيجية، إلى توافر مؤشرات ووجود تفاعلات، تدفع بإطلاق هذا الوصف، والذي يتجاوز بالفعل العلاقات الطبيعية بين دولتين، والتي ترتبط بنمطية علائقية محددة، قد تكون مرحلية وغير دائمة أو مستمرة، في حين أن الشراكة الاستراتيجية بين مصر والإمارات اتسمت في مداها المتوسط والبعيد، باستمرارها ونموها وعدم تغيرها برغم تطور الأحداث وتعاقب المراحل الزمنية والمرور بتغيرات جذرية، شهدتها المنطقة والأنظمة السياسية في الدول العربية منذ نصف قرن. وتتمثل أهم مرتكزات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والإمارات فيما يلي:
(*) على المستوى السياسي: ظهر الدعم السياسي الإماراتي لمصر منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، حيث سارع الشيخ زايد إلى مد يد العون إلى مصر ضد هذا العدوان، وكذلك في أعقاب حرب يونيو 1967، ومساعي إزالة آثار العدوان الإسرائيلي، وبعد نشأة العلاقات السياسية بين البلدين رسمياً في عام 1971، شهدت دعماً بارزاً، خاصة في حرب أكتوبر 1973، واتخاذه قرار قطع النفط تضامناً مع مصر. وبعدها توالى التنسيق المشترك حيال العديد من القضايا والملفات الرئيسية؛ العربية والإقليمية والدولية، كان أبرزها: القضية الفلسطينية وقضايا الأمن العربي والخليجي، وملف مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف ونبذ العنف، وقضايا الأمن وحفظ السلم الإقليمي والدولي، ومواجهة التدخلات الخارجية من دول إقليمية تحاول استغلال الأوضاع غير المستقرة في بعض البلدان العربية لفرض أجنداتها؛ حيث تبني الدولتان رؤية موحدة تجاه الأزمات التي تشهدها العديد من الدول العربية، كما تعددت اللقاءات الرسمية بين قيادات ومسؤولي البلدين، ومنذ عام 2014، جمع بين الرئيس “عبد الفتاح السيسي”، والرئيس الإماراتي الشيخ “محمد بن زايد”، 27 لقاء حتى أكتوبر2022، والذي يعكس بشكل واضح مدى التقارب بين قيادات البلدين.
(*) على المستوى الاقتصادي والاستثماري: تعد العلاقات الاقتصادية أحد أبرز ركائز العلاقات المصرية الإماراتية، كما تعد دولة الإمارات العربية المتحدة من أولى دول الخليج العربي التي قدمت مساعدات اقتصادية لمصر، منذ العدوان الثلاثي عام 1956، وبعد نكسة يونيو 1967، وخلال حرب أكتوبر1973، ولا زالت الإمارات تمثل أكثر الدول العربية مساعدة لمصر، فعقب ثورة 30 يونيو2013،قدمت دولة الإمارات4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري، وساهمت بتمويل العديد من المشروعات التنموية في مصر.
ويعد السوق الإماراتي الوجهة الأولى للصادرات المصرية ويستقبل سنويًا نحو 11% من إجمالي صادرات مصر للعالم، وخلال عام 2020، صدرت مصر بحوالي 3 مليار دولار إلى الإمارات، وفي عام2021، وصل حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدينإلى نحو 3.7 مليارات دولار، وتعد دولة الإمارات أكبر مستثمر عربي في مصر والثالثة عالمياً، برصيد استثمارات تراكمي يزيد عن 28 مليار دولار أمريكي.
وتستثمر الشركات المصرية في الإمارات أكثر من مليار دولار، وفي نوفمبر عام 2019، تم تأسيس منصة استثمارية مشتركة بين مصر والإمارات، بقيمة 20 مليار دولار عبر شركة أبو ظبي التنموية القابضة وصندوق مصر السيادي، وفي مايو 2022،تم إطلاق مبادرة الشراكة المتكاملة بين مصر والإمارات والأردن وتم تخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار للاستثمار في المشاريع المنبثقة عن هذه الشراكة في القطاعات المتفق عليها تترجم الشراكة هذه العلاقات الاستراتيجية لعمل فعلي. كما تعتبر الإمارات من الدول المستقطبة للعمالة المصرية بشكل كبير، إذ يتواجد بالإمارات ما يقرب من 950 ألف مصري تقدر تحويلاتهم بنحو 3.4 مليار دولار خلال العام 2020.
(*) على المستوى الثقافي: تعد العلاقات الثقافية مرتكز أساسي ومحور رئيسي بين مصر والإمارات؛ إذ أنها كانت سابقة عن العلاقات السياسية، حيث تشكلت في فترة الخمسينيات من القرن العشرين من خلال المدرسين المصريين في الإمارات والطلبة الإماراتيين في مصر، ولا زالت العلاقات الثقافية منذ ذلك التاريخ تشهد تطور مستمر، ويجري تبادل الخبرات بين البلدين، وتقام الأنشطة الثقافية المشتركة، وتحرص كل دولة على المساهمة في الأحداث الثقافية للدولة الأخرى، حيث تجري زيارات ولقاءات متبادلة بين المثقفين المصريين والإماراتيين في المؤتمرات الثقافية والعلمية والفنية في البلدين.
ويحظى الأزهر الشريف بتقدير إماراتي رسمي وشعبي، كمرجع ديني معتدل، وقدم مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبريل 2013 عن مبادرة لتمويل عدة مشروعات في الأزهر تبلغ تكلفة إنشائها نحو 250 مليون درهم إماراتي، كما قام الأزهر الشريف بافتتاح فرع جامعة الأزهر في مدينة العين الإماراتية، في العام الدراسي 2016-كأول فرع للجامعة في العالم خارج مصر- وقامت مؤسسة زايد للأعمال الخيرية بإقامة مركز ثقافي إسلامي في مصر تحت اسم “مركـز زايد للثقافـة والتكنولوجيـا” تابـع لجامعة الأزهر الشريف، كما قدمت الإمارات منحة بلغت 21 مليون دولار، لتطوير مكتبة الإسكندرية، ويشهد التعاون المشترك في المجالات الأكاديمية والأنظمة التعليمية تطور مستمر، وتعاون متنامي في مجالات التبادل الثقافي والفكري والإبداعي.
(*) على المستوى الأمني والعسكري: هناك تنسيق أمني وتعاون عسكري بين الإمارات ومصر متزايد، في ضوء الأوضاع التي تشهدها المنطقة والعالم، منذ أكثر من عشر سنوات، فمنذ عام 2014؛ شرعت الدولتان في إجراء مناورات مشتركة، وتنفيذ عمليات تدريب عسكرية مشتركة بين الجيشين المصري والإماراتي، لتعزيز قدرات القوات المسلحة على مواجهة التحديات المختلفة، حيث تم إجراء تدريب “زايد 1″، بدولة الإمارات، ونفذت القوات البحرية للبلدين تدريباً واسعاً أمام سواحل البحر الأحمر باسم “خليفة 1″، بمشاركة عناصر القوات الجوية والوحدات الخاصة، وفي نوفمبر 2014، عقدت لجان التنسيق والتعاون العسكري الإماراتية المصرية مؤتمر التخطيط النهائي للتدريب الإماراتي-المصري المشترك “سهام الحق”.
وفي مارس 2017، تم تنفيذ التدريب المصري الإماراتي المشترك “زايد 2″، وفى أبريل 2018 انطلقت فعاليات التدريب البحري المصري الإماراتي المشترك “خليفة 3″، إضافة إلى إجراء مناورات مشتركة مع دول كبرى، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، منها: “تحية النسر”، “النجم الساطع”، و”درع العرب”، ويوماً بعد يوم تتزايد آفاق التعاون الأمنيوالعسكري بين البلدين.
لا شك أن مستوى العلاقات بين مصر والإمارات يعكس قوة ومتانة الروابط والعلاقات بين البلدين، والتي تتنوع روافدها وروافعها المشتركة، لتصل بها إلى مستوى العلاقات الاستثنائية والشراكة الاستراتيجية التيتستند إلى قاعدة من المصالح المشتركة، والسياسات والمواقف المتسقة، ولعمقها ورسوخها؛ يحتفل بتأسيسها تحت شعار «مصر والإمارات قلب واحد»، خلال الفترة ما بين 26 ولغاية 28 أكتوبر 2022 في القاهرة.
انطلاقاً مما سبق، فإن الشراكة الاستراتيجية ببن مصر والإمارات ارتكزت إلى عوامل ومحددات ساعدت على تنمية وتطوير العلاقات المصرية الإماراتية، وساهمت في إثراء هذه العلاقة الممتدة، ولعل الدعم الإماراتي لمصر بعد ثوة 30 يونيو2013، مهد لـمرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية القائمة على المساندة والتآزر في جميع المواقف، والتي تعد نموذجاً بارزاً لما يجب أن تكون عليه العلاقات العربية العربية، في ضوء الاستجابة السريعة للمتغيرات والأحداث الطارئة على الساحة المصرية؛ منذ ثورة 25 يناير 2011، مروراً بثورة 30 يونيو2013، وصولاً إلى وضعية العلاقات التي هي عليها الآن، والذي يمثل استجابة عملية للعلاقات الاستراتيجية، التي نمت وتطورت بين دولتين عربيتين استفاد كل منهما من الآخر،وكان نتيجتها الحفاظ على ما يجمع بينهما من روابط مشّتركة ومصالح أهداف مشتركة ومصير واحد.
ولعل الأخطار الجسيمة التي تواجه الدول العربية، والتحديات التي تشهدها المنطقة والعالم؛ تتطلب تطوير التعاون العربي ليرتقي إلىمستوى تلك التحديات؛ إذ إن تطوير العلاقات العربية العربية، استناداً إلىالأُسس والروابط المتينة التي تجمع بين دولنا وشعوبنا، والاستفادة الحقيقية من مواردنا المتاحة، وتعزيز قدراتها العملية والعلمية، يُعد حجر الأساس لنجاح أي شراكة عربية استراتيجية،نحن في أمس الحاجة إليها، ونتطلع دوماً إلى تحقيقها، ويحدونا الأمل في انطلاق حقبة جديدة من العلاقات البناءة، التي تحقق تطلعات الشعوب العربية، وتلبي طموحاتها نحو مستقبل أكثر رخاءً.