زيارة غير مسبوقة.. ما المحتمل من القمة المصرية- التركية؟
في ضوء التحولات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، تأتي زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا كخطوة مهمة ليس فقط لتعزيز العلاقات الثنائية، والتنسيق في شأن قضايا إقليمية شائكة، سواء فى ليبيا أو في السودان أو في البحر الأحمر، لكن يعد أبرزها وفقًا للمراقبين، تنسيق التعاون وتوحيد الجهود فى الصومال، وتوحيد الرؤى بشأن ملف سد النهضة الإثيوبي، خاصة أنه يمكن لتركيا أن تلعب دورًا محوريًا في الوساطة للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن سد النهضة يتماشى مع مبادئ القانون الدولي.
وعلى الجانب الاقتصادى من المقرر أن يبحث الطرفان كيفية العمل على تحقيق زيادة حجم التجارة بين البلدين من 10 إلى 15 مليار دولار، بدلا عن 7 مليار دولار، وهو قيمة حجم التبادل التجاري الأخير بين الطرفين، هذا بجانب قضايا الطاقة والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى التعاون فى مجالات الصحة والسياحة والدفاع.
تأسيسًا على ما سبق، يسعى هذا التحليل إلى توضيح وتحليل أهم الملفات التى يمكن تنسيقها بين القاهرة وأنقرة، خاصة فيما يتعلق بتحقيق السلم والأمن وإعادة بناء الدولة في الصومال، وما يمكن أن تقوم به أنقرة من جهود للوساطة بين مصر وإثيوبيا بعد توقف مفاوضات سد النهضة والتعنت الإثيوبي.
أهمية الزيارة في سياق بين البلدين:
أدركت كل من مصر وتركيا أهمية التعاون لمواجهة التحديات المشتركة في منطقة القرن الإفريقي، حيث تؤثر الأوضاع هناك بشكل مباشر على الأمن والاستقرار الإقليمي، بما في ذلك أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يعد شريانًا حيويًا للتجارة العالمية. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
(*) القرن الإفريقي.. بؤرة توتر تستدعي تنسيقًا مصريًا تركيًا: تعد منطقة القرن الإفريقي من أكثر المناطق توترًا في القارة الإفريقية، حيث تعاني من نزاعات داخلية، وإرهاب، وتدخلات خارجية متعددة، وتعتبر تركيا لاعبًا رئيسيًا في هذه المنطقة من خلال علاقاتها القوية مع الحكومة الصومالية واستثماراتها الاقتصادية المتزايدة، على الجانب الآخر، تمتلك مصر مصالح استراتيجية في استقرار هذه المنطقة، نظرًا لقربها الجغرافي وتأثيراتها المباشرة على الأمن القومي المصري، الأمر الذي يستلزم التنسيق المشترك حول العديد من الملفات منها:
(-) الصومال: تعاون في مواجهة الإرهاب وبناء الدولة: في الصومال، يواجه التحالف المصري التركي تحديات كبيرة، منها الإرهاب المتزايد من حركة الشباب، التي تهدد الاستقرار الداخلي. لذا، من المتوقع أن تركز المحادثات بين الرئيس السيسي وأردوغان على سبل تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي لدعم الحكومة الصومالية في جهودها لمكافحة الإرهاب، خاصة بعد الاتفاق الأمني الأخير الذى وقعته مصر مع الصومال فى أغسطس الماضى، وإعلان القاهرة المشاركة فى بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي فى يناير المقبل بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتناول الزيارة سبل دعم جهود إعادة بناء الدولة الصومالية، خاصة في مجالات البنية التحتية والتعليم والصحة، حيث تمتلك تركيا خبرات واسعة في هذا المجال.
(-) أزمة سد النهضة مع إثيوبيا: تمتلك تركيا علاقات جيدة مع إثيوبيا، حيث تعتبر من ثان أكبر المستثمرين الأجانب فى إثيوبيا بعد الصين، حيث تمتلك تركيا أكثر من مائتى شركة وتقوم بتوظيف أكثر من 30000 شخص إثيوبي فى مختلف القطاعات فى مقدمتها البناء والصناعة الدوائية والغذائية، فضلًا عن العلاقات التاريخية بين البلدين، حيث تعد سفارة أنقرة لدى أديس أبابا أول سفارة لتركيا افتتحت فى أفريقيا عام 1926 بينما افتتحت إثيوبيا سفارتها فى تركيا عام 1933، وبلغ حجم الصادرات التركية إلى إثيوبيا خلال العام الماضي قرابة 300 مليون دولار، لذا فتتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي كبير، هذا النفوذ يمكن أن يكون ورقة فعالة تستطيع مصر الاستفادة منها في إطار محاولاتها للوصول إلى حل عادل ومنصف في قضية سد النهضة.
وعلى ما سبق، فقد تجد تركيا نفسها في موقع فريد يسمح لها بالتوسط بين الطرفين، بوصفها دولة صديقة لكل من مصر وإثيوبيا، حيث يمكن لأنقرة استخدام نفوذها لدى أديس أبابا لتشجيع الحكومة الإثيوبية على الامتثال لمبادئ القانون الدولي والاعتراف بحقوق مصر والسودان المائية، في هذا السياق، من المحتمل أن تدفع تركيا إثيوبيا نحو توقيع اتفاق قانوني ملزم يضمن عدم الإضرار بحقوق دول المصب عبر تقديم ضمانات لإثيوبيا تشجعها على التنازل عن بعض المواقف المتصلبة، ومن خلال تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثمارات التركية في إثيوبيا، مقابل التزام أديس أبابا بتوقيع اتفاق ملزم مع مصر والسودان، هذا النوع من الترتيبات قد يساعد في خلق بيئة تفاوضية أكثر إيجابية، ويحد من التوترات الإقليمية التي نشأت حول قضية سد النهضة.وهو ما يمثل أحد أهم أهداف مصر في هذه القضية.
(*) توحيد الرؤى حول الأوضاع فى ليبيا: يشهد التنسيق بين مصر وتركيا حول الأوضاع في ليبيا تطورًا مهمًا في السنوات الأخيرة، في ظل تحسن العلاقات بين البلدين. ليبيا، التي كانت ساحة صراع مفتوح بين الفصائل المختلفة، تمثل قضية حيوية لكل من القاهرة وأنقرة، لما لها من تأثير مباشر على الأمن القومي والمصالح الاستراتيجية لكل منهما.
فمنذ اندلاع الصراع في ليبيا عام 2011، كانت هناك خلافات جوهرية بين مصر وتركيا حول دعم الفصائل المتنازعة. حيث دعمت مصر الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، باعتبار دعم الجيش الرسمي يمثل عامل استقرار ضد الميليشيات والجماعات المتطرفة التي قد تهدد تحد من الاستقرار الليبي وتهدد الأمن القومي في المنطقة، خاصة في ظل القرب الجغرافي بين البلدين. على الجانب الآخر، دعمت تركيا حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، حيث رأت في ذلك تعزيزًا لنفوذها في المنطقة وحماية لمصالحها الاقتصادية.
ومع بدء تحسن العلاقات بين مصر وتركيا منذ عام 2021، بدأت الدولتان تنظران إلى أهمية التنسيق لحل الأزمة الليبية بطريقة تدعم الاستقرار الداخلي في ليبيا وتحفظ مصالحهما المشتركة. شهدت الاجتماعات الدبلوماسية بين البلدين تناول ملف ليبيا بشكل أساسي، حيث تمت مناقشة سبل تحقيق الاستقرار في ليبيا ودعم مسارات الحل السياسي التي تضمن وحدة الأراضي الليبية ووقف التدخلات الخارجية.
وتعكس تحركات البلدين نحو التوافق حول مستقبل ليبيا إدراكهما لأهمية العمل المشترك لتجنب الانزلاق في صراع طويل الأمد يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة بأكملها، وقد ظهرت بوادر إيجابية للتنسيق المصري التركي، من خلال دعم مسارات الحوار الليبي الليبي، وإيجاد حلول وسط بشأن وجود القوات الأجنبية، فضلاً عن العمل على توحيد المؤسسات الليبية. ووفقا لبعض المراقبين، فرغم استمرار بعض الخلافات، فإن التنسيق بين مصر وتركيا حول الأوضاع في ليبيا يمثل خطوة إيجابية نحو إيجاد حل شامل للأزمة، وهو ما يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي ويعزز من دور البلدين كقوتين إقليميتين مؤثرتين في المشهد الليبي.
(*) الأوضاع فى السودان: في ظل الأوضاع المتقلبة في السودان، يبدو أن التنسيق بين مصر وتركيا قد يشكل عنصرًا رئيسيًا في جهود الحل، مع تصاعد النزاع في السودان، تسعى القاهرة وأنقرة إلى لعب دور بناء في دعم الاستقرار الإقليمي، حيث تعتبران الوضع في السودان ذا تأثير مباشر على أمنهما ومصالحهما الاستراتيجية.
من المتوقع أن يشمل التنسيق بين البلدين العمل على دعم عملية السلام والمساعدة الإنسانية في السودان، حيث يمكن لمصر وتركيا أن يتعاونا في تقديم المساعدات الإنسانية وتنظيم المبادرات الدبلوماسية التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الأطراف المتنازعة، كما قد يلعب البلدان دورًا في تسهيل عمليات الوساطة والضغط على المجتمع الدولي لدعم جهود السلام. وعليه، يمكن القول إن التعاون المصري التركي في هذا السياق، سيعزز من تأثيرهما في المنطقة ويساهم في تحقيق استقرار السودان، مما يدعم الأهداف الاستراتيجية المشتركة ويعزز من الاستقرار الإقليمي.
ختاماً، تمثل زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تركيا حدثاً استراتيجياً ذا أبعاد متعددة على الساحة الإقليمية، لاسيما في ظل التحديات التي تواجهها دول مثل ليبيا، الصومال، السودان، وإثيوبيا، تأتي هذه الزيارة في إطار جهود مصر لتعزيز التعاون الإقليمي ومواجهة التهديدات المشتركة التي تؤثر على استقرار المنطقة، من خلال التفاهمات التي من المتوقع أن تتم بين القيادتين المصرية والتركية، تسعى القاهرة وأنقرة إلى صياغة سياسة مشتركة تهدف إلى تحقيق الاستقرار والأمن في منطقة شرق البحر المتوسط والقرن الإفريقي.
تعد القضية الليبية من أبرز الملفات التي قد تتناولها المحادثات، حيث تسعى كل من مصر وتركيا إلى دعم المسار السياسي في ليبيا وضمان وحدة أراضيها وسيادتها بعيداً عن أي تدخلات خارجية. كما أن تطورات الأوضاع في الصومال، ولا سيما التحديات الأمنية ومكافحة الإرهاب، كانت محوراً هاماً في النقاشات بين البلدين، في ظل مساعي مشتركة لتعزيز الاستقرار في هذا البلد الإفريقي المهم.
بوجه عام، تعكس زيارة الرئيس السيسي لتركيا تحولاً في العلاقات الإقليمية، ورغبةً مشتركة في العمل سوياً لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة تعاني من الأزمات والتوترات. هذا التحول قد يسهم في فتح صفحة جديدة من التعاون البناء الذي يخدم مصالح الشعوب والدول في المنطقة.