كيف تعاملت مصر مع زلزال تركيا وسوريا؟

على وقع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، فجر الاثنين السادس من فبراير 2023، والذي بلغت قوته 7.8 درجات على مقياس ريختر، وتبعته عدة هزات ارتدادية أخرى، وأودى بحياة ما يناهز أربعين ألف قتيل والمائة ألف جريح في كلا البلدين، في حصيلة لا تزال غير نهائية بعد؛ بادرت دول العالم بالتضامن مع كلٍ من تركيا وسوريا، وقدمت التعازي في الضحايا، وعرضت مساعدة المتضررين.

وكانت مصر من أولى دول العالم التي سارعت بتقديم الدعم الإنساني لمنكوبي الزلزال في كلا البلدين، في واحدة من المواقف التي تبرز الشخصية المصرية، التي تتجاوز الخلافات السياسية وترجح كفة المبادئ الأخلاقية أمام مثل هذه الكارثة الإنسانية.

وفي هذا السياق يتناول هذا التحليل الإجابة عن سؤال، كيف وظفت مصر دبلوماسية الكوارث في التعامل مع زلزال تركيا وسوريا؟، وما هي انعكاسات ذلك على العلاقات المصرية بكلا البلدين؟

دبلوماسية الكوارث:

زلزال تركيا وسوريا: الأمم المتحدة تخشى من "تضاعف" أعداد الضحايا - BBC News عربي

تركز دبلوماسية الكوارث على كيفية تصرف الدولة عندما تتعرض دولة أخرى لكارثة مثل الزلازل والحرائق وانتشار الأوبئة، فتقوم بتقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية، وتقديم الخبرة، والتكنولوجيا التي يمكن أن تقلل من آثار الكارثة، أو تمنع وقوعها أو توقفها.

وتتنوع الأنشطة والأعمال التي يمكن أن تقوم بها الدول في حال وقوع الكوارث، بهدف بناء علاقات تعاونية أكثر إيجابية وفعالية مع الدول والشعوب التي تكون أكثر حساسية خلال الأوقات التي تحدث فيها كوارث، ولأن الزلزال حدث آني، يحدث على نحو مفاجئ –فعادة لا يكون له أحداث تمهيدية- لذلك لا يمكن التنبؤ به، وليس هناك -حتى الآن- أية طريقة تتوقعه، وذلك بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية،  وهو ما يزيد من حجم الخسائر المادية والبشرية التي تقع نتيجة الزلازل، وتكون الدولة في أشد الحاجة للمساعدة في عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا وعلاج المصابين، وهو ما تقدره الدولة المتضررة أيما تقدير، لمن يشارك في عمليات الإغاثة العاجلة والمساعدة في التخفيف من حدة الكارثة.

وكانت مصر من أولى التي تفاعلت مع كارثة زلزال تركيا وسوريا فور وقوعه، وقدمت كافة سبل الدعم والتضامن مع الدولتين، حيث تواصلت الخارجية المصرية مع الخارجية السورية والخارجية التركية، للإعراب عن خالص التعازي في القتلى وتمني الشفاء العاجل للمصابين، وقررت إرسال مساعدات إغاثية عاجلة، في حالة إنسانية ودبلوماسية وسياسية مصرية معتادة، إذ تساهم باستمرار في تقديم المساعدات الغذائية والطبية للدول المنكوبة، وهو ما وفر لديها خبرة كافية في عمليات الانقاذ واستخدام المستشفيات الميدانية.

دور مصري معتاد:

طائرة مساعدات مصرية إلى مالاوي لمواجهة آثار إعصار "إيداي"

لم يكن التفاعل المصري السريع مع زلزال تركيا وسوريا بالجديد، فقد سبق وقامت مصر بذات الدور في الزلزال الذي شهدته تركيا في أغسطس عام 1999، والذي بلغت قوته 7.2 درجة على مقياس ريختر، حيث قدمت حينها مساعدات طبية وغذائية كبيرة إلى تركيا، منها، 250 سرير، ومخبز آلي لتوفير الخبز للمتضررين، إضافة إلى مجموعة من خيام الإيواء، فضلاً عن وحدة تفتيش، وفريق إنقاذ مصري، استمر بالعمل في المناطق التركية المتضررة لمدة ثلاثة شهور، تصدر خلالها علميات الإنقاذ، واستقبال وتقديم المساعدات الإنسانية القادمة من الخارج.

وعقب زلزال السادس من فبراير 2023، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد، عبَّر خلاله عن تضامن مصر الكامل مع الشعب السوري الشقيق في هذا المُصاب الأليم، مشيرًا إلى توجيهاته بتقديم كافة أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة، من جانبه؛ أعرب الرئيس السوري عن امتنانه لهذه اللفتة الكريمة من نظيره المصري، مؤكداً اعتزاز سوريا بالعلاقات التاريخية والأخوية التي تربط مصر وسوريا وشعبيهما الشقيقين.

كما أجرى الرئيس “السيسي” أيضاً اتصالاً هاتفياً مع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، أعرب خلاله عن خالص تعازيه، وتضامن مصر وشعبها مع الشعب التركي الشقيق، وتقديم المساعدة والإغاثة الإنسانية لتجاوز آثار هذه الكارثة، ومن جانبه؛ قدم الرئيس التركي الشُكر للرئيس على هذه المشاعر الطيبة، مشيراً إلى أنها تؤكد عمق الروابط التاريخية التي تجمع بين الشعبين المصري والتركي الشقيقين.

كما تواصل وزير الخارجية “سامج شكري”، مع نظيريه السوري “فيصل المقداد”، والتركي “مولود تشاووش أغلو”، في اتصالين هاتفيين، قدَّم خلالهما التعازي في الضحايا، وأعرب عن تضامن مصر مع كلا البلدين في مُواجهة آثار الزلزال، وتأتي هذه المواقف استمرارًا للسياسة المصرية التي تقوم على أسس إعلاء روح التضامن والتعاون بين الدول، وتجاوز الخلافات التي تضر بمصالح الشعوب ومستقبلها، ما يعني أنّ الموقف العربي في هذه الأزمة شديد الاحترام ويتسق مع الروح العربية الأصيلة.

وقد وجه الرئيس “السيسي”، بإرسال 5 طائرات عسكرية محملة بمواد إغاثية وطبية، ومساعدات إنسانية عاجلة، إلى الشعبين التركي والسوري، كما وصل فريق إغاثي وطبي مصري إلى بلدة جندريس بريف عفرين شمالي حلب، لدعم عمليات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض.

وأعلن نقيب الأطباء في مصر “حسين خيري”، أن النقابة تواصلت مع السفير بسام درويش، سفير سوريا في القاهرة، للوقوف على احتياجات الداخل السوري من الأدوية والمستلزمات الطبية، في إطار الجهود المصرية لتقديم الدعم للشعب السوري الشقيق بالمساعدات الإنسانية المختلفة لتخفيف مآسي وتوابع الزلزال المدمر الذي لحق بسوريا، كما دعا عضو مجلس نقابة الأطباء في مصر، ومقرر لجنة مصر العطاء خالد أمين الأطباء الاخصائيين والاستشاريين في التخصصات الطبية المختلفة للتوجه إلى سوريا.

كما وجه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور “أحمد الطيب”، شيخ الأزهر بتوفير كافة المساعدات التي يحتاجها الأشقاء في المناطق التي تضررت من الزلزال، ضمن الدور الذي يقوم به بيت الزكاة والصدقات في إغاثة من يتعرضون للكوارث الطبيعية في سوريا وتركيا، كما خاطب شيخ الأزهر دول العالم أجمع لإنقاذ المكروبين والمحاصرين جراء الزلزال في تركيا وسوريا.

مؤشرات ودلالات:

مشاهد إنسانية تحت أنقاض زلزال تركيا وسوريا.. أم تضع طفلها وتفارق الحياة.. وطفلة تحتضن شقيقها 17 ساعة تحت الركام.. ونزلاء دار مسنين يهربون لتحاصرهم الثلوج

عكست أحداث الزلزال حالة من التضامن العربي والعالمي  مع تركيا وسوريا في هذا الحدث الكبير، سواء على مستوى الأفراد أو الدول والشعوب، إذ اختفت الخلافات السياسية في مثل هذه المحن والكوارث الطبيعية، والإنسانية، فإذا كانت السياسة لا تعرف الثوابت، فإن المبادئ الأخلاقية في الكوارث الإنسانية، تظل هي الثوابت التي توحد المجتمعات البشرية، وهو ما انعكس في التفاعل السريع مع كارثة زلزال تركيا وسوريا، حيث انطلقت عمليات الإغاثة الإنسانية من دول العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، للمساهمة في إنقاذ الأرواح، والمساعدة في علاج المصابين، وتوفير مأوى للناجين، في إعلاء للمشاعر الإنسانية على الخلافات السياسية.

ثبتت كارثة زلزال تركيا وسوريا فعلياً إمكانية التوافق حول هدف واحد، من خلال بروز حالة من الحياد السياسي في التعامل العربي والدولي مع هذه الكارثة، حيث تفاعل كثير من دول العالم – لا سيما التي معها خلاف سياسي، سواء مع أنقرة أو دمشق – وأعربت عن تضامنها مع المتضررين، وقدمت مساعداتها بكل مهنية وإنسانية.

أيضاً لم تخلو كارثة الزلزال من التسييس، فقد ناشدت بعض الأطراف السورية المجتمع الدولي ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ أحداث الثورة، فتحت وسم “#ارفعوا_العقوبات_عن_السوريين”، طالب إعلاميون وفنانون ومؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي برفع العقوبات الدولية عن سوريا، كما طالب الهلال الأحمر السوري الثلاثاء، الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات عن سوريا، وتقديم مساعدات في أعقاب الزلزال المدمر، حيث قال رئيس المنظمة خالد حبوباتي: “أناشد جميع بلدان الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، آن الآوان بعد هذا الزلزال لفعل ذلك”، الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد فرضت عقوبات على سوريا في أعقاب الثورة السورية، وأصدرت “قانون قيصر” الذي يعاقب كل من يتعامل مع النظام السوري، وإن كان هذا القانون يستثني الحالات الإنسانية والإغاثية.

استناداً إلى ما سبق، نجد الكثير من الأسئلة التي يمكن أن تثار حول دور الزلزال الأخير في إعادة الدفء للعلاقات السورية المتوترة مع الدول العربية والكثير من دول العالم؟، وما إذا كان من المكن أن يدفع التضامن العربي والدولي مع أنقرة ودمشق إلى التقارب واتمام المصالحات في المستقبل القريب؟، هذا ما يمكن أن تجيب عنه الأيام القادمة.

ويظل من دون شك أن الكوارث الطبيعية تضع المجتمع الدولي أمام العديد من الاختبارات، أمام المشاهد المؤلمة التي تخلفها، سواء كانت زلازل أو براكين، أو فيضانات وأعاصير، وكل الكوارث عموماً، والتي صرنا نشاهدها ليلاً ونهاراً، لكن في الوقت ذاته يمكننا أن نرى مشاهد أخرى إيجابية، لعل أهمها، وهو ذلك التضامن الإنساني الواسع، على المستويات الجماعية والفردية، المحلية والدولية، والتي تعبر عن المشترك الإنساني الكبير، الذي يمكن البناء عليه لمعالجة الخلافات، فالتعاون والمساندة والدعم والمؤازرة وقت الشدة، هو ما يميز طبيعة البشر والفطرة الإنسانية، باعتبار أن مثل هذه الأحداث نكبة عامة تقتضي تضافر كل الجهود لإنقاذ الرواح والممتلكات، ففي المحن والشدائد، تظهر معاني الإنسانية السامية بين البشر تجاه بعضهم البعض.

وهذا ما تعودت عليه مصر دائماً، من خلال توظيفها لدبلوماسية الكوارث بمهارة، فالمعيار الأساسي هو المساهمة في إنقاذ الأرواح وتأكيد التضامن الدولي، والقيام بالواجب الإنساني، التي تحاول أن تلبّيه بحسب الاحتياجات المعلنة من جانب البلد المنكوب، ومن دون أي اعتبارات سياسية.

بالنهاية، تشير طبيعة الأحداث التي نراها يوما بعد آخر، إلى أننا نعيش مرحلة استثنائية في التاريخ المعاصر، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات استثنائية أيضاً، ولا زلنا بحاجة إلى بذل الكثير من الجهود العلمية التي يمكن أن تساعد في التنبؤ بالزلازل قبل وقوعها، لمحاولة التقليل من الخسائر حين وقوعها، ولا يفتونا أن نعزي كافة الشعوب المنكوبة بالزلازل والبراكين والفيضانات والسيول والأعاصير، وندعو الله أن يخفف عنهم مصابهم، ويحفظ مصرنا وبلادنا العربية والإسلامية من كل مكروه وسوء.

د. عبد الناصر سعيد

خبير مشارك- حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية , حاصل على في ماجستير الإعلام ,حاصل على ماجستير في العلوم السياسة , باحث مشارك في عدد من المراكز البحثية السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى