تحركات متتالية: ماذا تريد إثيوبيا من الصومال؟
مع انتهاء المرحلة الثالثة من انسحاب قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أتميس”، واستلام الجيش الوطني الصومالي 27 قاعدة عسكرية من القوات الإفريقية على أن يتولى الجيش المهام الأمنية بعد مغادرتها للبلاد في ديسمبر القادم، في مقابل بدء عملية جديدة لحفظ السلام باسم “أيصوم”، التي أبدت مصر وجيبوتي استعدادهما للمشاركة فيها، في مقابل رفض مقديشو مشاركة إثيوبيا في البعثة الجديدة؛ نتيجة رفض أديس أبابا التراجع عن “مذكرة التفاهم” مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي، الأمر الذي يطرح سؤال بشأن موضع القوات الإثيوبية المتواجدة في منطقة جيدو ضمن قوات الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن وجود آلاف القوات في الولايات الصومالية الثلاث جنوب غربي البلاد، ومنطقتي جوبالاند وهيرشبيلي، لمساعدتهم في حربهم ضد حركة الشباب.
مستوي الاضطراب:
تتواجد القوات الإثيوبية في الصومال منذ عام 2006؛ للإطاحة باتحاد المحاكم الإسلامية التي سيطرت على الجنوب الصومالي آنذاك، وقامت إثيوبيا في عام 2007 بتوفير الأمن ومساعدة الولايات الإقليمية الثلاث، وهي: ولاية الجنوب الغربي وجوبالاند وهيرشبيلي في حربهم ضد حركة الشباب؛ لذلك تجمع إثيوبيا وزعماء هذه الولايات علاقات قوية، فضلاً عن معرف أديس أبابا بالسياسة العشائرية المحلية لهذه الولايات.
وفي عام 2014 أصبحت إثيوبيا جزءًا من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال بنحو 3000 جندي، فضلاً عن تواجد ما بين 5 إلي 7 آلاف جندي إثيوبي بموجب اتفاقية ثنائية، وعلى الرغم من العدد الكبير للقوات الإثيوبية، فضلاً عن التكاليف الباهظة الذي تتجاوز مليار دولار سنويًا، لم تتمكن القوات من القضاء على حركة الشباب؛ لذلك قررت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي سحب قوات حفظ السلام تدريجيًا حتى نهاية ديسمبر 2024، ويقابل هذا القرار مطالبة الحكومة الصومالية سحب القوات الإثيوبية من البلاد، حيث أعلن مستشار الأمن القومي الصومالي في يونيو الماضي أن “إثيوبيا غير مرحب بها في البلاد إذا لم تنسحب من مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال”، الأمر الذي ترفضه أديس أبابا بهدف منع تغلغل عناصر حركة الشباب وتسللها داخل الأراضي الإثيوبية.
علاوة على ما سبق، انتقدت إثيوبيا قرار الصومال باستبعادها، خاصة وأنها قدمت العديد من أجل استقرار الصومال حسب وصفها، فضلاً عن مساعدتها الصومال في تدريب وتجهيز قواته للحفاظ على أمن واستقرار بلاده، إضافة إلى تدريب أديس أبابا للمهندسين والموظفين المدنيين على شغل مناصب رئيسية في الحكومة الصومالية.
موقف الولايات:
جاء موقف سكان الولايات الثلاث التي تتواجد بها القوات الإثيوبية معارضًا لاستبعاد أديس أبابا من مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي، خوفًا من حدوث اضطرابات أمنية في البلاد، يترتب عليها سيطرة حركة الشباب على مناطقهم، لذلك أيدت ثلاث من حكومات الصومال الإقليمية الخمس، الجنوب الغربي، وجوبالاند، وبونتلاند، مشاركة إثيوبيا في بعثة حفظ السلام الجديدة، حيث أكد نائب رئيس ولاية جوبالاند “محمود سيد عدن”، في تصريحات سابقة إن خروج القوات الإثيوبية “لن يفيد إلا حركة الشباب”، مع تأكيد وزير الأمن في ولاية جنوب غرب الصومال “حسن عبدالقادر محمد” إن مسؤولي إدارة الولاية “سعداء بوجود القوات الإثيوبية”، في إشارة رافضة لاستبعاد أديس أبابا من بعثة حفظ السلام الجديدة، فضلاً عن خروج مظاهرات في بلدة حدر جنوب غرب الصومال ومدينتي باكول وشودور؛ لدعم ضم القوات الإثيوبية لبعثة “أيصوم”، وفي المقابل تتهم الصومال القوات الإثيوبية بأنها لم تحقق الأمن في المناطق التي تتواجد فيها عسكريًا داخل المحافظات الأربعة، وهي هيران، وباي، وباكول، وجيدو.
تحرك إثيوبي:
تزايدت المخاوف الإثيوبية بعد قرار مقديشو باستبعاد قواتها من مهمة بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال “أيصوم”؛ نظرًا لتمسكها بتنفيذ “مذكرة التفاهم” مع أرض الصومال والتي تمنحها حق الوصول للبحر الأحمر من خلال ميناء بربرة لمدة 50 عامًا، لذلك اتخذت إثيوبيا الخطوات الآتية:
(*) نشر قوات إضافية: قامت إثيوبيا بنقل قوافل طويلة من ناقلات الجنود المدرعة ومركبات قتالية أخري مختلفة إلى مناطق باكول وباي وجيدو في الصومال، مع تجهيزها قاعدة جديدة في منطقة فير فير بالقرب من بلدوين الصومالية ونشرها عدد كبير من القوات لاستيعاب القوات الإثيوبية المنسحبة من هيران، فضلاً عن التخطيط لنقل قواتها إلى مدينة جودي، بالتوازي مع تحريك قوات إضافية إلى إقليم “أوجادين” المُحتل، حسب الموقع الرسمي لـ “Inside Africa” علي تطبيق “X”.
وعليه، يمكن تفسير خطوات رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” في سببين: الأول: يتركز في التهديدات المتزايدة من قبل قوات الأمهرية وقوات أورومو خوفًا على قواعدها في ظل انقسام جبهة تحرير تيجراي إلى فصيلين، والثاني: يتمثل في استعدادها لمواجهة أي تحديات أمنية على خلفية توقيع اتفاق مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي.
(*) تقديم دعم عسكري: اتهمت الحكومة الصومالية إثيوبيا بتقديمها أسلحة لإقليم “بونتلاند” الصومالي الذي يصف نفسه دولة مستقلة عن البلاد عقب قيام الرئيس الصومالي “حسن شيخ” بتغيير الدستور لتأمين منصبه كرئيس مدي الحياة، حيث أكدت وزارة الخارجية الصومالية على موقعها الرسمي على تطبيق “X” وصول شاحنتين محملتين بالأسلحة من أديس أبابا إلي منطقة بونتلاند، دون أي تصريح أو موافقة من الحكومة الصومالية، الأمر الذي اعتبرته مقديشو انتهاكًا لسيادتها، فضلاً عن استخدام أديس أبابا زعماء العشائر الصومالية وشخصيات المعارضة لمنع نشر القوات المصرية في الصومال.
(*) التحكم في حركة المطارات: قامت قوات أديس أبابا في منطقة جيدو بالسيطرة على عدد من المطارات في ولاية جوبالاند جنوب البلاد منها، مطارات لوق ودولو وبارديري، حسب صحيفة صوماليا غارديان، كون هذه المطارات نقطة الوصول الوحيدة إلى المدن في إقليم جيدو، خاصة وأن حركة الشباب تسيطر على الطرق الرئيسية، وفقًا لوسائل الإعلام الصومالية، وقد تأتي هذه الخطوة بهدف منع وصول الطائرات العسكرية المصرية إلى أي مطارات بالمنطقة.
علاوة على ما سبق، يوجد سبعة قواعد لدي إثيوبيا منذ عدة سنوات في مدن تقع في منطقة جيدو، وهي (دولو، ولوق، وغاربهاري، وبارديري، وبوردوبو، ويوركود، وبلد هاوو)، وفقًا لفويس أوف أميركا، وتقع أربعة من هذه القواعد في مطارات أو بالقرب منها في دولو، وغاريهاري وبارديري، وبوردويو، ومع ذلك لم تتحكم أديس أبابا في حركة المدنيين الصوماليين، خاصة وأن المدنيين وأفراد من الأمن الصومالي يعملون في هذه المناطق مع الإثيوبيين، وتحديدًا في نقطة التفتيش المؤدية للمطارات.
ومما سبق، تأتي التحركات الإثيوبية نتيجة لرغبتها في تحقيق عدة أهداف، كالتالي:
1-تسعي أديس أبابا لتعزيز نفوذها كقوة إقليمية مهيمنة في المنطقة من خلال امتلاكها منفذ بحري في البحر الأحمر، فضلاً عن إعادة ترتيبها كلاعب عسكري مؤثر في الملاحة في باب المندب.
2-رغبة إثيوبيا في تأمين منافذ بحرية جديدة من خلال ميناء بربرة؛ لتقليل تكاليف النقل وتعزيز الاقتصاد الإثيوبي، فضلاً عن تحكمها في الميناء من خلال إنشاء بنية تحتية ولوجستية وصناعية وتجارية، وتعتمد إثيوبيا على أربعة موانئ، وهي: الأول: ميناء جيبوتي الذي يتحمل نحو 90% من تجارة إثيوبيا، وتتراوح رسومه بين 1.5 إلى 2 مليار دولار سنويًا، الميناء الثاني والثالث: ميناء بورتسودان في السودان وميناء مومباسا في كينيا اللذان يبتعدان عن وسط إثيوبيا، الأمر الذي يضاعف من تكاليف النقل، والميناء الرابع: ميناء بربرة الذي تطمح إثيوبيا بالحصول عليه لقربه جغرافيًا من أديس أبابا، الأمر الذي يساعدها علي تعزيز حضورها في المنطقة.
3-يطمح آبي أحمد في تعزيز شعبيته الذي تراجعت في الداخل الصومالي، خاصة وأن الصراعات العرقية والأوضاع الاقتصادية والمجاعات التي تمر بها البلاد زادت من تراجع مكانته في البلاد.
4-تري أديس أبابا أن فقدانها منفذها البحري، جعل جيشها يقتصر على القوات البرية والجوية دون امتلاك قوات بحرية، فضلاً عن حرمانها من الملاحة في المحيطات والاستفادة من الموارد البحرية المشتركة، إضافة إلى عدم تمكنها من استيراد المعدات العسكرية والأمنية الحساسة إلا بعد موافقة جيبوتي، لذلك تسعي إثيوبيا لإعداد قوات بحرية.
تحديات راهنة:
تواجه إثيوبيا تحديات عدة؛ لتحقيق أهدافها في أرض الصومال ومنطقة القرن الأفريقي، كالتالي:
(&) رفض الصومال مسار المفاوضات: ترفض مقديشو استكمال مفاوضات الوساطة التركية مع إثيوبيا، خاصة وأن أديس أبابا ترفض الحصول على موطئ قدم وفق قانون البحار التابع للأمم المتحدة، وتتمسك بالوصول للبحر الأحمر عن طريق أرض الصومال من جهة، وكذلك اعترافها بأرض الصومال كدولة مستقلة من جهة أخري، الأمر الذي يقوض من استمرار وجودها في بعثة حفظ السلام الجديدة، وعدم وجودها في البعثة يعرقل من طموحاتها في البحر الأحمر.
(&) استخدام الصومال الميليشيا للضغط علىها: قد تلجأ الصومال للتعاون مع القوات الانفصالية المسلحة داخل إثيوبيا للضغط على أديس أبابا، وذلك إذا لم تتراجع أديس أبابا عن التعدي علي وحدة وسيادة أراضي الصومال، والتدخل في شؤون البلاد الداخلية.
(&) صراعات عرقلة داخلية متجددة: قد تواجد أديس أبابا تحدي كبير في مجابهة الصراعات السياسية والعرقية في البلاد، خاصة في المناطق الأكثر كثافة سكانية لا سيما الأورومو وأمهرة وتيجراي، الأمر الذي يضع رئيس الوزراء الإثيوبي أمام تحدي يصعب حله، خاصة وأن حرب تيجراي تركت خلفها قضايا عدة دون حل، منها الوجود المستمر للجنود الإريتريين وميلشيات الأمهرة العرقية، كما يتجدد القتال باستمرار بين قوات الدفاع الوطني الإثيوبي ومتمردي أمهرة الذين تمكنوا من السيطرة على مساحات عدة من الأراضي الإثيوبية، وتحديدًا بحر دار، فضلاً عن حركات التمرد المستمرة في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلي مقاتلة الجيش الإثيوبي لجش تحرير الأورومو، بالتوازي مع شن الجيش عملية عسكرية كبري ضد ميليشيا “فانو” بمنطقة الأمهرة، الأمر الذي قد يصاعد من تجدد الاشتباكات المسلحة مع الفصائل العرقية في البلاد إذا لم تتمكن أديس أبابا من حسم الصراع لصالحها.
(&) تنامي التوترات مع دول الجوار: تري إثيوبيا أن حدودها لابد وأن تبدأ من البحر الأحمر والمحيط الهندي، الأمر الذي سيترتب عليه صدام مع مصالح دول أخري في منطقة القرن الأفريقي، خاصة جيبوتي التي ستخسر عائداتها من تجارة السلع الإثيوبية؛ لذلك عرضت منح إثيوبيا ميناء “تاجوراء” الواقع على بعد 100 كم من الحدود الإثيوبية ولم يقابل العرض بالرفض أو القبول، خاصة وأن العرض يمنع أديس أبابا من بناء قاعدة عسكرية بحرية، مرورًا بإريتريا التي تخشي من امتلاح إثيوبيا منفذ بحري.
(&) تعميق التحالفات مع دول القرن الأفريقي ضدها: تسعي دول القرن الأفريقي المجاورة لأديس أبابا لعقد تحالفات وشراكات تعيق من طموحاتها في المنطقة، حيث عقدت مصر والصومال وإريتريا قمة ثلاثية تأتي في وقت حرج، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة في المنطقة عامة وبين هذه الدول وإثيوبيا بشكل خاص، وقد يكون الهدف منها تشكيل تحالف ثلاثي لعرقلة أهداف إثيوبيا في المنطقة، ومن المتوقع أن تتحالف دول أخري خاصة جيبوتي؛ لتشكيل تكتل إقليميى ضد إثيوبيا لتقويض طموحاتها المتزايدة في المنطقة.
وبناءًا على ما تقدم؛ يمكن القول إنه برغم التحديات التي تواجها إثيوبيا، فإنها لم تتخلي عن تواجدها في الصومال بسهولة، وقد تحاول كسب المزيد من الدعم من خلال الولايات الإقليمية الرافضة لاستبعادها من الانضمام في بعثة “أيصوم”، فضلاً عن محاولتها تقديم كافة أشكال الدعم للأقاليم الداعمة لها، ويتوقع أن تظل القوات الإثيوبية في الصومال بعد عام 2024 حتي وإن لم تشارك في بعثة الاتحاد الأفريقي، وذلك عن طريق عقد اتفاق مع ولاية جنوب غرب البلاد أو ولايات جوبالاند وهرشبيلي، كون القوات الإثيوبية تشكل مصدر الأمن والاستقرار الوحيد لهذه الولايات من “حركة الشباب” الذي قد تستغل الفراغ الأمني للقوات الإثيوبية لاستعادة وتوسيع تمركزاتها في مناطقهم بشكل خاص والصومال بشكل عام، وبالتالي من المرجح أن يتحول الداخل الصومالي إلى انقسامات داخلية كبري بين مؤيد ومعارض للتواجد الإثيوبي، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف من زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، ومن ثم امتداد التوترات إلي منطقة القرن الأفريقي.